المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فايزه احمد - اطلاله بعد 24 سنه من رحيلها


samirazek
21/03/2007, 15h48
المستقبل تقتفي آثار فايزة أحمد في مسقط رأسها في صيدا
عبد الحليم أول من حاربها في مصر وكذلك وردة الجزائرية


المستقبل - الثلاثاء 16 أيلول 2003 - العدد 1401 - ثقافة و فنون - صفحة 18
بقلم :سحر طه

قبل عشرين خريفاً، هوت "ست الحبايب" مثل ورقة شجر بعد اخضرار دام أكثر من ربع قرن، غاب الجسد في 19 أيلول عام 1983، وما يزال الصوت يرنّ في الآذان بنبرته الدرامية الشجية.
صوت انغرس فينا منذ أواخر الخمسينات، مزاحماً أجمل الأصوات العربية في ذلك الأوان.
قيل عن فايزة أحمد الكثير. حلقات مطوّلة، متضاربة كتبت سيرتها، وتناولت حياتها الشخصية والفنية. الكثير من الآراء فيها، وآراء لها صريحة بفنانين. مطربة مقتدرة، تمكنت من انتزاع إعجاب خصومها، قبل أصدقائها. ملأت الدنيا غناءً، سلطنة وطرباً. لحن لها غالبية الملحنين الكبار في مصر. كُتبت لصوتها القصائد ولحنت الألحان. من عرفها عن قرب، أنصفها مثل زوجها الفنان محمد سلطان وآخرين، فيما ظلمها كثيرون ونعتوها حتى بالجنون، وبما كانت بريئة من غالبيته. وبغض النظر عن الآراء في شكلها، إلا أن جمال صوتها نال الإجماع.
إلا أن مسألة، أن فايزة أحمد لبنانية أم سورية فقد أثارت لغطاً كبيراً في العالم العربي، لا سيما في مصر. إذ اعتبر البعض أنها سورية. وقد زاد هذه المسألة غموضاً أن فايزة أحمد قلّما غنت باللهجة اللبنانية كنور الهدى وصباح وسعاد محمد ونجاح سلام. بل إن أغانيها كلها تقريباً مصرية الكلمات واللهجة والنبرة وحتى اللحن والأغنية.
وقامت "المستقبل" بلقاء بعض أقربائها في الحيّ الذي ولدت فيه وترعرعت، حتى سفرها، ليجمع الكل على أن فايزة لبنانية لا سورية كما كان يشاع.
محمد عبد الوهاب اعتبر صوت فايزة أحمد من أفضل الأصوات المصرية. "...فعندما تغني فايزة تستطيع أن تسلطن...".
أم كلثوم فضلت صوت فايزة على الأخريات ووافقها السنباطي الذي قال إنها أحلى من ينطق حرف "الحاء" في العالم. وغيره من التقليديين وجدوا في صوتها جديّة وأصالة. فيما كتب أنيس منصور واصفاً صوتها بأنه مليء بالإحساس والصدق.
"أنا قلبي إليك ميال" الشائعة حتى اليوم، كانت جواز مرورها إلى المستمعين في العالم العربي عام 1957، ورغم أن عمر هذه الأغنية سيبلغ نصف قرن إلا أنها ما تزال الأغنية الأجمل، والأحب الى قلب، ليس الجمهور العربي فحسب، بل الى قلب الراحلة التي تعيد إليها الفضل في شهرتها وإلى ملحنها محمد الموجي، وتقول: "لا أنسى هذه المرحلة أبداً...". فقررت إعادة تسجيلها إذ كانت تأمل الشفاء حتى اللحظة الأخيرة من حياتها.

كانت معجبة جداً بلحن الموجي لعبد الحليم حافظ "صافيني مرة"، وتدندنها كثيراً في سرّها، إلى أن دعت الموجي يوماً الى غداء "...أصابه بعسر هضم"، وأسمعها فيه أغنيات عدة لم تعجبها، لكنه لحنّ لها أخيراً الأغنية، وأثناء تسجيلها كانت سعيدة جداً لدرجة أن دموعها انهمرت في الاستديو، حسب قولها. ومع ظهور الأغنية ونجاحها ماتت ابنتها أمل، فما لبث أن تحول الفرح حزناً، قالت: "...لم أحس بحلاوة النجاح والشهرة في أي يوم بعدها...".
لم ينكر أحد الذكاء الشديد الذي تمتعت به الراحلة، مع خفة ظل وقلب طيب متسامح، إلا أنها اشتهرت أيضاً بصراحة شديدة، وصدق وعدم مجاملة مما أوقعها في الكثير من المشاكل مع محيطها. وكان هناك دائماً من يقف لها بالمرصاد، للإيقاع بينها وبين الفنانين، مما وضعها في موضع الدفاع الدائم، الذي جعل بعضهم يصفها بالعصبية، أو أنها "غاوية مشاكل". ولم تنجح إحدى المحاولات في تعكير المياه بينها وبين محمد عبد الوهاب، حين نُقل إليه كلمة "نشاز" قالتها فايزة عنه في الحفل الذي دعا له الحسن الثاني ملك المغرب.
وفي إحدى المرات قامت وأثناء بروفات الفرقة على ألحان أوبريت "مصر بلدنا"، بكشف كذبة أحد الموسيقيين الذي ادعى مشاركته لمحمد سلطان بوضع ألحان الأوبريت، إذ أزالت أوراق النوتة من أمامه وطالبته بعزف اللحن أمام زملائه وكانت صدمة له.
عبد الوهاب اعتبر صوتها من أفضل الأصوات الغنائية العربية

المشوار له بداية
كانت رحلة طويلة من صيدا إلى القاهرة، مروراً بسوريا والعراق. الفشل في بداية حياتها لم يثنها عن متابعة المشوار. في لبنان، غنت "مصر تتحدث عن نفسها" للسيدة أم كلثوم، على مسرح علي العريس فانصرف الجمهور عنها. وفي عام 1950 رفض الملحن السوري التلحين لها قائلا: إن صوتك لا يصلح للغناء. لم تيأس، لوعيها ـ حسب قولها ـ بأن الفنان لا بد أن يحذف من تفكيره كلمة "يأس".
ميزتها أنها كانت واثقة من موهبتها، من هنا معاناتها لكي تحظى بالقبول والنجاح، واجتهادها في الحفظ والأداء لأهم أعمال الكبار قبل وصولها إلى مصر وانتزاعها التشجيع والإعجاب من الجمهور أولاً ومن موسيقيين قدموا لها أعمالاً ناجحة.
محمد حسن الشجاعي وحافظ عبد الوهاب وعبد الحميد عبد الرحمن، أول المتعاونين معها غنت لهم في حفل "أضواء المدينة" بمسرح "الهمبرا" في الاسكندرية عام 1956، وقدمها الإذاعي المعروف صلاح زكي.
وتوالت أهم الأعمال في بداية المشوار. فغنت من كمال الطويل "ياما قلبي قاللي لأ" و"النار القايدة"، "أنا اللي تنساني". ومن ثم يلحن لها محمود الشريف "قول يا عذول" ثم بليغ حمدي أغنية "ما تحبنيش بالشكل ده". كل هذه الألحان قدمت إمكانات صوت فايزة من جماليات التعبير والتراجيديا والإحساس واتساع المساحة وتمكن من الأداء في زمن عمالقة الغناء، لكن "أنا قلبي إليك ميال" كما أسلفنا لمحمد الموجي ومرسي جميل عزيز كانت الفاصل الذي ميز صوت فايزة عن أصوات مجايلاتها أو من سبقنها، وأطلقت شهرتها عربياً.
ما لبث أن تدفق الصوت مع ألحان الموجي: فمن منا ينسى "يامّا القمر ع الباب"، "يا تمر حنة"، "حيران"، "بيت العزّ"، إذ صعدت أسهم الفنانة في حفلاتها والطلب على تسجيلاتها. واستمر النجاح وكبر مع ألحان محمد عبد الوهاب: "بريئة"، "ست الحبايب"، "بصراحة"، "هان الود"، "تراهني"، "وقدرت تهجر" وغيرها.

وفي منتصف الستينات تشاء الأقدار أن تلتقي بمحمد سلطان الممثل السينمائي وهاوي الموسيقى، المبتدئ في عالم التلحين. معه كونت ثنائياً ناجحاً منذ التعاون الأول بينهما في أغنية "رشوا الفل مع الياسمين". لتتعدد الأعمال مع كلمات مجدي نجيب "آخد حبيبي يامّا"، "العيون الكواحل"، "قول لكل الناس"، "وتعال شوف"، ومن عبد الرحمن الأبنودي "مال عليّ مال"، "يامّا يا هوايا"، "قاعد معايا"، ومن علي الباز "الأيام"، "حبيب الأربعاء"، ومن عبد الرحيم منصور "يا طير الشوق"، "فين حبيبي"، ومن عبد الوهاب محمد "نقطة الضعف اللي فيّ" ومن حسين السيد "علمتني الدنيا"، ومن عمر بطيشة "غريب يا زمان"، "بكرا تعرف" وصولاً إلى اللحن الأخير له "أيوه تعبني هواك".
ختمت فايزة أحمد حياتها الفنية بأغنية "لا يا روح قلبي أنا"، قبل أن تغيب في التاسع عشر من أيلول عام 1983. أغنية شاء لها القدر أن تولد يتيمة. فحسين السيد لم يشهد ولادتها ملحنة، ورياض السنباطي لم يسمعها مسجلة بل أكملها نجله أحمد السنباطي، ثم توفيت فايزة أحمد بعد تسجيلها بفترة قصيرة.
لطالما كانت الراحلة تعيش حالة قلق دائمة، تشكو أمام الجميع إنها تبحث دائماً عن الكلمة الجيدة واللحن المعبر، لكنها تفاجأ بما ينئيها عن محاولاتها الصادقة، وبمن يعبث بالتعبير الطيب والفن الجميل. وكان يؤلمها صراعها الدائم من أجل الحصول على أعمال جيدة وكأنها في ساحة حرب مشتعلة الأوار على الدوام. وكان عليها أن تواجه الرياح العاتية، رياح القلق والتوتر في ظل البحث والاجتهاد.