المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التبرير في الشعر العربي


loaie al-sayem
23/08/2017, 08h02
التبرير في الشعر العربي


راقت لي قصيدة بعنوان " جَاءَتْ مُعَذِّبَتِي" القصيدة تغنى بها الكثير من مطربي القصائد خاصة الشوام من أمثال محمد خيري وصباح فخري كما شدت بها السيدة فيروز وآخرون القصيدة تم نسبتها للسان الدين بن الخطيب الشاعر الفارس الأندلسي وهو هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله الشهير بلسان الدين بن الخطيب.
وزير مؤرخ أديب نبيل. الغريب حين البحث في ديوانه لا نجد هذه التحفة ولكن أشهر الروايات نسبتها إليه وهناك من نسبها إلى يزيد بن معاوية وآخرون نسبوها إلى أبي العلاء المعري وقد كتبها ابو العلاء المعري
حين كان يتغنى بمرضه وليس بحبيبته فمعذبته هي تلك الحالة المرضية التي كانت تعييه ليلاً وان كانت الالفاظ ورشاقة المفردة. على أي حال تبقى القصيدة قريبة من الأندلسيات حيث أن الشعر الاندلسي شعر بسيط في تراكيبه سلس في معانيه خاصة وانه نشا لخدمة الغناء بالدرجة الاولى ناهيك عما اضفته الطبيعة الاندلسية من أثر في تهذيب النفوس والميل الى السهولة **كلها تشير الى انها اندلسية المنشأ
***
جَاءَتْ مُعَذِّبَتِي فِي غَيْهَبِ الغَسَقِ
كَأنَّهَا الكَوْكَبُ الدُرِيُّ فِي الأُفُقِ
فَقُلْتُ نَوَّرْتِنِي يَا خَيْرَ زَائِرَةٍ
أمَا خَشِيتِ مِنَ الحُرَّاسِ فِي الطُّرُقِ
فَجَاوَبَتْنِي ودَمْعُ العَيْنِ يَسْبِقُهَا
مَنْ يَرْكَبُ البَحْرَ لا يَخْشَى مِنَ الغَرَقِ
فَقُلتُ هَذِي أحَادِيثٌ مُلفّقَةٌ
مَوضُوعَةٍ قَدْ أتَتَ مِنْ قَوْلٍ مُخْتَلقٍ
فَقالتْ وحقّ عُيوني أعزّ مِن قَسمٍ
وَمَا عَلِىّ جَبْهَتِي مِنْ لُؤلُؤ الرّمَقِ
إنّيِ أُحِبُكِ حُبّاً لا نَفَاذَ لَهُ
مَا دَامَ فِي مُهْجَتِي شِيٌء مِنَ الرّمقِ
فَقُمْتُ وَلهَانَ مِن وَجْدِي أقُبّلُهَا
زِحتُ اللِثَامَ رَأيتُ البَدر مُعْتَنقِ
*****
عودة إلى عنوان الموضوع وهو التبرير في الشعر العربي.
لتبرير يعني إيجاد مبرر أو ذريعة ما لحادثة ما على أساس منطقي يربط بين السبب والحادثة، وهو وسيلة من وسائل الدفاع النفسي، لأن صاحبه يحاول تفسير سلوكه بأسباب معقولة أو مقبولة، إلا أن شعراء العربية صاغوه في قوالب فنية جميلة. وأكثر ما يوجد التبرير في العربية في شعر الغزل والمحبين والتبرير في الشعر العربي ينقسم إلى أنواع عدة حسب الحالة التي يتم تبريرها؛ فهناك تبرير موافقة، وتبرير مخالفة، وتبرير اعتراض، وتبرير سبب، وتبرير تعجب، وتبرير مثال، وبين هذه الأنواع تداخل واشتراك وأكثر ما ورد في الشعر العربي هو تبرير المثال وتبرير المخالفة.
فمن تبرير الموافقة قول الحسن البصري رحمه الله، وهو يبرر لأهل الأندلس لبس الثياب البيضاء عند الحزن بلبسه بياض الشعر
***
يقولون: البياضُ لباسُ حزنٍ
لأندلسٍ فقلت: من الصواب
ألم ترني لبستُ بياض شعري
لأني قد حزنت على شبابي
***
وقول أبي الهدى الصيادي يبرر التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب في كل الأمور

وكل على الرحمن في الأمر كله
ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلبْ
ألــــــم تر أن اللـــه قـــــــــــال لمـريمٍ
وهـــزي اليك الجــــذعَ يسّاقطِ الرطبْ
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه
جنته ولكــــــن كــــــل رزق لــــه سببْ
***
ولشاعر مجهول أبيات جميلة يبرر فيها خطأه عندما دخل على الأمير المهلبي في العراق مساء، فقال له: صباح الخير


صبحته عند المساء فقال لي
أهزئت بي أم كان ذاك مزاحا
فأجبته إشراق وجهك غرني
حتى توهمت المساء صباحا.
***
ومن تبرير المخالفة فشواهده كثيرة منها ما ينسب إلى أبي الدر ياقوت الرومي وهو يبرر وجهة نظره فيمن أحسن لباسه


تقَمَّـــــص أو تلَبَّس أو تجَبَّى
فلــن تزداد عــندي قط حبـا
تملك بعضُ حبك كلَّ قلبي
فان تردِ الزيادةَ هــــات قلبا
***
ومن ذلك أيضاً قول قيس بن الملوح (مجنون ليلى) يبرر بكاءه وقت التلاقي


ولمــــا تلاقينا بمنعــــرج اللوى
بكيت إلى أن كدت بالدمع أشرقُ
فقالت أتبكي والتواصل بيننا
فقلــــت ألســـــنا بعده نتفرق؟
***
ومن تبرير المخالفة قول قيس بن ذريح (قيس لبنى) وهو يبرر نومه على خلاف العادة


وإني لأهوى النوم في غير حينه
لعل لقاء في المنام يكون
***
وأما تبرير التعجب، فنجده في قول أحدهم وقد تعجب من احمرار وجه صاحبه من الشمس فبرر تعجبه بتضمين آية من القرآن الكريم:

جاء الحبيب الذي أهــــواه من سفـــر
والشمس قد أثرت في خده أثرا
عجبت كيف تحل الشمسُ في قمرٍ
والشمـــسُ لا ينبغي أن تدرك القمرا
***
وأما التبرير بالسبب، مثل قول محمد مهدي البصير، وقد بدأ يهجو أستاذه لأنه لم يزره في مرضه، ثم دخل عليه فجأة فارتجل قائلاً


سامح فتىً زلَّ إلا أن نيتَه
سليمةٌ ما بها زيغٌ ولا عوجُ
وانظر له فهو أعمى شفه مرض
فمن طريقين عنه يرفع الحرج
***
وأجاد مجنون ليلى في قوله يبرر تقبيله للجدران


أمــــــــر علــــى الديارِ ديارِ ليلى
أقبل ذا الجــــدارَ وذا الجدارا
وما حب الديارِ شغفنَ قلبي
ولكن حبَّ من سكن الديارا
***
وأخيرا تبرير سببي لشاعر اسمه المفتي فتح الله وهو المفتي فتح الله عبد اللطيف بن علي فتح الله.أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء.
وقد غنَّى هذه الأبيات بتصرف الفنان العراقي الياس خضر

أَنا الّذي لِلواحي حَيثُ قابَلَهم أَضحى يُداريهِم وَيَخشى تقوُّلَهم
وَحَيث عَن حِبِّه قَد كانَ سائلَهم قَالوا حَبيبُكَ مَحمومٌ فَقُلت لَهُم
أَنا الّذي كُنت في حِمّائِهِ سبَبا
لا تَعجَبوا فَلظىً كَالجزءِ مِن خَلَدي وَإِنَّ نارَ الدُّنى كَالبعضِ مِن جَسدي
مُذ زَارَني بَعدَ أَن أَفنى الهَوى جلَدي عانَقتُهُ وَلَهيبُ النَّارِ في كَبِدي
فَأَثَّرت فيهِ تِلكَ النّارُ فَاِلتَهَبا
****
ويقول مخلد الموصلي


قالوا حبيبك أمسى لا تكلمه ولا تميل لرؤيا وجهه النضر
فقلت أمر دعاني نحو جفوته والحب للقلب لا للفظ والنظر
***
وأختتم بهذا التبرير اللطيف للشاعر تاج الملوك الأيوبي

قالوا حبيبُكَ ليِّنُ العِطفِ فأجبتُهُم إِلاّ على ضَعفي
قالوا أتقنَعُ فى محبَّتِهِ بسلامةٍ فأجبتُهُم يكفي
لو صحَّ ذلك لى سعِدتُ به وَلهانَ ما أُبدِى وما أُخفِي
لكنَّ عينىَ ما تراهُ وإن قَرُبَ المزارُ به ولا يعفي
قالوا فنحنُ تراهُ أعيُنُنا أبداً وليس نراهُ يَستخفي
فأجبتُهُم والعينُ قد وكفت وكفى من البلوى على وكفي
لو كان يُمكننى صحبتكُمُ أو كنتُ أُرسِلُ معكُمُ طَرفي
ــــــــــــ
هي لغتنا الجميلة وموروثنا من الشعر العربي وحتماً سنجد به الكثير والكثير من مواطن الجمال
تحياتي وإعزازي
:emrose: