المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة «الكمنجاتي» الفلسطيني رمزي أبو رضوان


abuaseem
26/07/2015, 10h21
http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=358527&stc=1&d=1437906082

سحر مندور - يقول الخبر: رمزي أبو رضوان، مؤسس جمعية «الكمنجاتي» وفرقة «دلعونا»، يحضر برفقة أعضاء الفرقة إلى بيروت، ليعزفوا ويغنوا في قصر الأونيسكو، بعد غد الخميس، في حفل من تنظيم جمعية «عِرَب».
لكن للقصة تفاصيل كثيرة لا تبدأ من بيروت بل من انتفاضة الحجارة، ولا من الموسيقى فحسب بل أيضاً من آلية زرعها في حياة أطفال فلسطين، وتحديداً أطفال المخيمات داخل الأرض المحتلة، وخارجها.
فعندما انطلقت الانتفاضة الأولى في 9 كانون الأول 1987، كان رمزي أبو رضوان (مواليد العام 1979) ولداً مقيماً في مخيم الأمعري في البيرة القريبة من رام الله، في فلسطين المحتلة، بعدما نزحت عائلته في العام 1948 من مسقط رأسها قرية النعاني الواقعة قرب مدينة الرملة، بفعل النكبة.
أيام الانتفاضة الأولى، كان رمزي يوزّع الصحف على بيوت الناس باكراً في الصباح «ليجيب شوية مصاري ع الدار»، تشرح مديرة «مركز الكمنجاتي» في رام الله سيلين داغر لـ«السفير». وبعد توزيع الصحف، يتوجه إلى المدرسة، ينهي صفوفه فيها، ويخرج إلى شارع الحجارة، يشدّ زنده الصغير إلى الخلف، ويقذف بحجرة في اتجاه المحتل الإسرائيلي، قبل أن يفر هارباً مع أصدقائه، فجيش الدفاع يجيب على الحجارة بالنار.
صورة رمزي التي نشرتها الصحف العالمية في ذلك الحين تحوّلت إلى رمز.. رمز استخدمته «السفير» أيضاً حينها، كشعار لمواكبتها تغطية الانتفاضة الأولى.
هذه كانت صورته الأولى، وهي صورة تأتي بلا اسم عادةً، كونها لا تخبر عن الفتى بقدر ما تخبر عن الحجرة في يده.
مرت الأيام على هذا المنوال حتى بلغ رمزي السابعة عشرة من عمره. وفي يوم عادي، قصدت دارهم صديقة للعائلة في زيارة، ونصحت الشاب بأن يشارك في ورشة عمل موسيقية ينظّمها «مركز الفن الشعبي» في البيرة: «قال لها رمزي حينها إنه بات كبيراً على البدء بتعلّم الموسيقى، فأجابته السيدة بأنه لن يخسر شيئاً لو شارك وجرّب»، تقول سيلين. فشارك، وأحب الموسيقى، وتعلّق بآلة الكمان تحديداً.
حلمَ فعملَ فتعلّموا الموسيقى
في العام 1998، أي بعد عام تقريباً من تعرّفه إلى الموسيقى، أنتج التعاون بين «معهد إدوار سعيد» في رام الله وبين مدينة أنجيه الفرنسية (شمال غرب فرنسا)، دعوةً للشاب كي يسافر إلى فرنسا، ويدرس الموسيقى في «كونسرفاتوار» المدينة. هناك، خطرت له في العام 2002 فكرة، فسجّلها كجمعية فرنسية: «الكمنجاتي». وتخرّج في العام 2005، ليعود بفكرته وقد اقتربت من الحقيقة، ويسجّل «مركز الكمنجاتي» في فلسطين.
في زياراته إلى وطنه خلال فترة الدراسة، كان يجول على المخيمات مع زملاء موسيقيين فرنسيين وأوروبيين أتوا على نفقاتهم الخاصة وتبرعوا بالوقت والجهد، لينظموا ورش عمل موسيقية للأولاد. هو يعرف كيف تؤثر الموسيقى في نفس إبن المخيم، تقول سيلين، وكيف تغيّر نمط التفكير، وكيف تطوّر الشخصية. كما أن الموسيقى تربط الناس بثقافتهم، فيقاومون بها لأجلها، وهي تقوّي الثقة بالنفس من خلال العروض التي تستقبل بالتصفيق والتحية، وليس بالنار فالهرب. هو يعرف الشعور تماماً، تقول سيلين، ولذلك أراد لكل ابن مخيم أن يعرفه. ومن ورش العمل، اتضحت الفكرة أكثر وكانت ولادتها الشرعية في العام 2005: مدارس لتعليم الأولاد الفلسطينيين الموسيقى، وأولاد المخيمات خاصة، في فلسطين أولاً ومن ثم خارجها، بحسب الكتيب التعريفي بمركز «الكمنجاتي». وفي الكتيب ذاته، يحضر قول من محادثات العالمين سيغموند فرويد وألبرت آينشتاين، هو: «إن العمل على رفعة الثقافة وتطورها، هو عملٌ ضد الحرب أيضاً».
إذاً، بعد اكتساب الخبرة والمعرفة من خلال ورش العمل، أسّس رمزي «مركز الكمنجاتي» في أيلول العام 2005، في رام الله. مقرّه هو مبنى مشيّد على الطراز الإسلامي، بني في القرن التاسع عشر (أيام حكم الدولة العثمانية)، يتألف من طابقين، وتعود ملكيته إلى عائلتي خلف وغانم اللتين وافقتا على ترميمه وتحويله إلى مركز لتعليم الموسيقى.
في المقابل، استعان رمزي برصيده في مدينة أنجيه ليفوز بدعم من معهد الموسيقى ومن الموسيقيين ومن جمعية أصدقاء تشكّلت «هناك» لتدعم «هنا» بالآلات والتمويل وتنظيم العروض الموسيقية لفرقة «دلعونا». الفرقة أسسها رمزي أيضاً، ويجول مع موسيقييها المحترفين على البلدان في عروض تتيح له العزف ونشر الصوت، كما أنها تسمح له بالتشبيك مع موسيقيين، ليكونوا أساتذة الموسيقى في المخيمات والمركز.
«المؤسستان» يغذي بعضهما بعضا، على استقلاليتهما. فعدي الخطيب هو فتى من مخيم الفوار، درس الموسيقى بواسطة «الكمنجاتي»، وانتقل للغناء مع فرقة «دلعونا»، ليؤدي في حفلة للفرقة في جنين، حيث للكمنجاتي مركز، أغاني «يمّا موال الهوا» و«هدي يا بحر هدي»، و«كان في مرة طفل زغير»، و«شدّوا الهمّة»، وتنقل وكالات الأنباء والصحف على الإنترنت مديحاً واسعاً لقدرات هذا الصوت اليافع. عدّي آتٍ مع الفرقة إلى بيروت.
أما مركز جنين فقد احترق في 14 آذار المنصرم، بفعل فاعلٍ خلّف وراءه أعواد الثقاب وحاويات البنزين. وزارة الثقافة الفلسطينية والأصدقاء والداعمون، وعدوا بإعادة المركز إلى سابق عهده. التلاميذ حزنوا كثيراً وعبّروا عن حزنهم للصحف والوكالات، وأصروا على طلب الموسيقى، وهم حالياً يتلقون الدروس من أساتذتهم في حديقة المركز، ولو بجدية أقل، لكن لضمان الاستمرار، بانتظار إعادة تأهيل المركز.
ثلاثمئة طالب تتراوح أعمارهم بين 4 و15 عاماً، هم تلاميذ جمعية «الكمنجاتي» التي تدرّس الموسيقى في سبع نقاط في فلسطين: رام الله (حيث المركز)، وجنين، وطولكرم، ومخيم الأمعري، ومخيم قلنديا، ومخيم جلزون، وقرية دير غسانة. وينطلق التدريس من قاعدة أن الأستاذ يتحرك ويقصد التلاميذ حيث هم، بدلاً من أن يتكبدوا هم مشقة التنقل وكلفته، علماً بأن رسوم الدراسة كاملة قيمتها ألف دولار سنوياً، إلا أن المركز يؤمن منحاً تغطي 75% من هذه القيمة لمعظم الطلاب، كما يؤمن منحاً بنسبة 100% لجزء كبير منهم.


يتبع

abuaseem
26/07/2015, 10h23
لكن قصة «الكمنجاتي» مع لبنان بدأت منذ حوالى 5 سنوات. وتقول سيلين إن رمزي، منذ ولادة مشروع «الكمنجاتي»، كان يهدف إلى عدم حصره بفلسطين، بل الخروج في اتجاه مخيمات الوطن العربي حيث ظروف أبناء الأرض المحتلة صعبة جداً. في العام 2004، كانت الزيارة الأولى إلى لبنان وتم تنظيم ورش عمل موسيقية في عدد من المخيمات. أصبحت الزيارة سنوية بعد العام 2004، حتى اتخذ التدريس شكلاً أكثر تنظيماً في العام 2008، عندما اتفق «الكمنجاتي» مع مراكز موجودة في المخيمات لتستقبل حصص الموسيقى وأساتذة الجمعية، وهي مراكز يألفها الأولاد: «مؤسسة غسان كنفاني» في مخيم الرشيدية في صور، و«بيت أطفال الصمود» في كل من مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة.
وقصة رمزي مع «عِرَب» لم تبدأ مع هذا الحفل أيضاً، بل من دعوة وجهتها الجمعية له في العام 2005 للمشاركة في مؤتمر عن «الرقابة على الموسيقى»، نظراً لكونه يعزف في فلسطين، برفقة موسيقيين، أمام الحواجز الإسرائيلية وأمام الجدار الفاصل.
لم يتمكّن حينها رمزي من الوفود إلى لبنان، لأنه كان لا يزال يتابع دروسه في فرنسا. ومنذ ستة أشهر، التقى رمزي صدفةً برئيس جمعية «عِرَب» (تأسست رسمياً في العام 2003) باسل قاسم، وطلب منه الأخير تنظيم حفلة، وتوافقا. يقول باسل إنه اختار «الكمنجاتي» لالتقائه معه على الأهداف: «فالكمنجاتي يهدف إلى تعليم أولاد المخيمات الموسيقى ويعلّمهم الفولكلور الفلسطيني وسواه، ونحن نهدف إلى نشر الموسيقى العربية». وقد تمكّنت «عِرب» من خلال الإعلان عن الحفل، من تأمين شبكة أوسع لرمزي، يمكنه التعامل معها في لبنان، ومنها «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» و«أنقذوا الأطفال». وقد أعلن باسل أن مقهى «ة مربوطة» سوف يستضيف غداً، عند الثامنة مساء، عرضاً لفيلم «ليس سلاحاً» (للمخرجين الفرنسيين بيار نيكولا دوران وهيلينا كوتينييه ـ إنتاج العام 2006) الذي يروي قصة رمزي كاملة ويروي عبرها قصص الجمعية والأولاد والموسيقى في مخيمات الداخل الفلسطيني.
إذاً، صورة جديدة ستحفظها بيروت عن الفتى الذي فتح عينيه يوماً ورمى حجرته في وجه محتلّه. في صورة اليوم، يلقي رمزي رأسه على كتف كمانه، يغمض عينيه، ويستسلم لعزف فيه الوطن، وفيه أولاد هذا الوطن، وفيه الحرية على مدى الصوت.


عن جريدة "السفير" 2009