المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية قصيدة اراك عصى الدمع


samirazek
07/06/2015, 17h48
حكاية قصيدة اراك عصى الدمع
( عناوين أدبية )
للكاتب : محمد مصطفى

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ .. شْدَت بها كوكب الشرق أم كلثوم، ورددها المحبون لشدّوها، وتنسم أريج كلماتها العشاق وجداً، ولِمَ لا وناظمُ القول فى روائعه،عملاقٌ من عمالقة الشعر العربى ـ أبو الفراس الحمدانى ـ لكن أبا الفراس ساعة أطلق أبياتها، لم يكن يعنى ببيانها العشق والعشاق، بل كان لتلك القصيدة قصةٌ فى البطولة والفداء والمروءة، ما كانت كلمات القصيدة فيها، سوى شفرة أرسلها لأمه لتُبلغها أمير البلاد آنذاك ـ سيف الدولة الحمدانى ـ علها الأبيات تستحثه سرعة فك أسره من قبضة العدا، قبل فوات الأوان ..
فلنسمع معا حكاية ( أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ ) ..
فى تلك الفترة التى عاشها الشاعر أبو الفراس الحمدانى ( 932 - 968 م ) كانت الدولة العباسية فى أسوأ حال لها، إذ تناثرت الدويلات الإسلامية هنا وهناك، تلك التي قامت على أنقاضها. فظهر متناقضان معاً ـ نضج حضاري ، وتصدع سياسي وتوتر وصراع ـ فالخلافة العباسية في بغداد انحسرت هيبتها، وزال سلطانها الفعلى، وتوزع في أيدي الوزراء وقادة الجيش،ومعظمهم من غير العرب. ثم ظهرت الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام، وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية . في هذا العالم المضطرب كانت نشأة ـ أبى الفراس الحمدانى ـ
ولمَّا ضعف العنصر العربى في جسم الخلافة العباسية، وانهزام الفرس والترك. ظهر الحمدانيون سياسيا وبقوة، فباشروا الحروب لدعم حكمهم وترسيخ سلطانهم، فاحتل عبد الله، والد سيف الدولة الحمداني وعم شاعرنا، بلاد الموصل وبسط سلطة بني حمدان على شمال سوريا، بما فيها عاصمة الشمال حلب وما حولها، وتملك سيف الدولة حمص ثم حلب، حيث أنشأ بلاطاً جمع فيه الكتاب والشعراء واللغويين في دولة عاصمتها (حلب )
ترعرع أبو فراس في كنف ابن عمه سيف الدولة في حلب، بعد موت والده باكراً، فشب فارساً شاعراً، وراح يدافع عن إمارة ابن عمه ضد هجمات الروم، ويحارب الدمستق قائدهم .. وفي أوقات السلم كان يشارك في مجالس الأدب فيذاكر الشعراء وينافسهم، ثم ولاه سيف الدولة مقاطعة ( منبج) فأحسن حكمها والذود عنها .
وكان سيف الدولة الحمدانى كحكام زمانه، يُقربون لمجالسهم القمم الفكرية والعلمية والفنية، من هؤلاء الشاعرين الكبيرين ـ المتنبي، وأبو فراس الحمداني ـ (الذي كان ابن عم سيف الدولة) والواعظ ابن نباتة والفيلسوف الكبير الفارابي .. وقد كانت فترة المتنبي في بلاط سيف الدولة، هي ذروة حياته المهنية كشاعر، فخلال السنوات التسع التي قضاها في البلاط الحمداني، قام المتنبي بكتابة ٢٢ قصيدة في مدح سيف الدولة .
ولعل أخطر خصوم أبي الطيب المتنبى فى بلاط سيف الدولة، القائد والشاعر ـ أبو فراس الحمداني ـ ويبقى فى نفس المتنبي شيء، من تدليل سيف الدولة لأبى الفراس .. ورغم ذلك فقد أحب المتنبى سيف الدولة الحمداني حباً عظيماً، فكان يرى فيه المنقذ للعروبة والإسلام، فانهالت، قصائد المتنبى الرائعة فى مدح بطولاته، حتى صارت سجلاً لانتصارات بطل عربي مغوار، هو سيف الدولة الحمداني، وقد صنع سيف الدولة الحمداني مجداً فى معاركه مع الروم، جعله بحق أشهر قائد وزعيم عربي على مر التاريخ .. فيطلق المتنبى قصائده النارية فى مديح سيف الدولة، ليرتقى ربوة عالية يعجز الشعراء بلوغها، فتأتى قصيدته تلك فى مجلس سيف الدولة يوم العيد، وحوله حشد من شعراء البلاط، فيقول :
لكل امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا .......................... وعادَةُ سيفِ الدّوْلةِ الطعنُ في العدى
وَإنْ يُكذِبَ الإرْجافَ عنهُ بضِدّهِ .............................. وَيُمْسِي بمَا تَنوي أعاديهِ أسْعَدَا
وَرُبّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفْسَهُ ............................... وَهادٍ إلَيهِ الجيشَ أهدى وما هَدى
وَمُستَكْبِرٍ لم يَعرِفِ الله ساعَةً ..................................... رَأى سَيْفَهُ في كَفّهِ فتَشَهّدَا
هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كانَ ساكناً .......................... على الدُّرّ وَاحذَرْهُ إذا كان مُزْبِدَا
فإنّي رَأيتُ البحرَ يَعثُرُ بالفتى .................................. وَهذا الذي يأتي الفتى مُتَعَمِّدَا
تَظَلّ مُلُوكُ الأرْض خاشعَةً لَهُ ..................................... تُفارِقُهُ هَلْكَى وَتَلقاهُ سُجّدَا
وَتُحْيي لَهُ المَالَ الصّوَارِمُ وَالقَنَا ................................ وَيَقْتُلُ ما تحيي التّبَسّمُ وَالجَدَا
ذَكِيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَيْنِهِ ..................................... يَرَى قَلبُهُ في يَوْمِهِ ما ترَى غَدَا
رَأيتُكَ محْضَ الحِلْمِ في محْضِ قُدرَةٍ ......................... وَلوْ شئتَ كانَ الحِلمُ منكَ المُهنّدَا
وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ ................................ وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ ................................... وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا

لكن أبا الفراس الحمدانى لم يكن قربه فى الشعر فحسب .. بل فى مقاتلة العدو والصد عن البلاد، فيكفيه غزوة منتصرٍ له تقربه لسيف الدولة.
وتولّى أبو الفراس الشاعر إمارة ـ منبج الحدودية ـ ليكون فى مواجهة العدا، وراح يرصد تحرّكات الروم. وتوالت جولاته البطولية، فوقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير، فكانت الأولى سبع سنين ، وبفروسيته المعهودة استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في ـ خرشنة ـ وهي حصن على الفرات.
أما الأسر الثاني ( 962 م ) وفيه حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة مستعطفا إياه
فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله، بعد أن التف الكارهون لأبى الفراس الحمدانى، التفوا حول سيف الدولة وراحوا يوغلون صدره من ابن عمه الأسير، ويخوفونه مغبة خروجه من الأسر، وطمعه فى الحكم، وتأثر سيف الدولة بوشاية السوء تلك .. ويسلم أبو الفراس الشاعر أمره إلى الله والمقادير، بعد أن وصلته الأنباء بخبر الواشين فى غيبته، ولا يقطع همه ويسرى نفسه سوى الشعر وحده، فهو أنيسة فى تلك اللحظات العصيبة، ففى تلك الفترة نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه .. وقد خشى سيف الدولة كما أوعز الواعزون، خشى طموح أبى الفراس على ملكه، فعزم على تركه فى الأسر، لعل ذلك يحطّ من قدره ويكسر شوكته ويخذله ويذلّه حين يمكث طويلا فى الأسر .. رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني. فحزن فى محبسه أبو الفراس الحمدانى، وتذمر من نسيانه له، وراح يشكو الدهر ويرسل القصائد المليئة بمشاعر الألم والحنين إلى الوطن، فتتلقاها أمه باللوعة حتى توفيت قبل عودة وحيدها.
وكانت إحدى أهم تلك القصائد، التى استثارت الحمية فى سيف الدولة، قصيدتنا تلك التى يفوح منها أريج العاطفة الصادقة والفروسية العربية و الحنين إلى الوطن والحرية، وكيف لا يحن الطائر الحبيس إلى فضائه الرحب..

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،...................... أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعةٌ ............................. ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى ....................... وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي .......................... إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَةُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ........................ إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودةَ بيننا ..................... و أحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ ............................ لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَةً ....................... لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَةٍ، وَقرُ
بدوتُ، وأهلي حاضرونَ، لأنني ................... أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلها ، قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ ...................... وإيايَ، لولا حبكِ، الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاةُ ولمْ يكنْ ............... ...... فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلةٌ ................ ....... لآنسةٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها ......................... فتأرنُ، أحياناً، كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: " منْ أنتَ ؟ "وهي عليمةٌ .................. وَهَلْ بِفَتىً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ كما شاءتْ، وشاءَ لها الهوى : .................... قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي ..................... وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! .............. فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،

وأتى اثر التأنيب .. وأتت استغاثات أبى الفراس لابن عمه سيف الدولة، فى الوقت الذى كانت فيه إمارة حلب تمر بظرف عصيب، فقد قويت شوكة الروم، وتقدم جيشهم الضخم بقيادة ـ نقفور ـ فاكتسح الإمارة واقتحم عاصمتها حلب، فتراجع سيف الدولة إلى ـ ميّافارقين ـ وتذكر خذلانه لإبى الفراس وعاوده الحنين له فى تلك الأجواء، وعلى فوره قام بترتيب قواته، وتجهيز جيشه، وهاجم الروم 354 هـ (966م) وهزمهم وانتصر عليهم، واستعاد إمارته وملكه في حلب، وأسر أعدادا يسيرة من الروم وأسرع إلى افتداء أسراه ومنهم ابن عمه أبو فراس الحمداني، بعد انتصاره على الروم، ولم يكن أبو فراسِ يتبلغ أخبار ابن عمه ..
وبعد سنة من افتداء أبى الفراس الحمدانى، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن، فجعل غلامه التركي ـ فرعويه ـ وصياً عليه.
وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك ( 968 م ) وهو في السادسة والثلاثين من عمره.. وكانت آخر قصائده قبل وفاته، حين رثى نفسه بأبيات أرسلها لابنته :
أبنيّتـي لا تحزني .................... كل الأنام إلى ذهابْ
أبنيّتـي صبراً جميلاً ................ للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ ............. من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولـي إذا ناديتني ................. وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ ................... لم يمتَّعْ بالشبـابْ

بشير عياد
07/06/2015, 22h25
ألف شكر يا أستاذ سمير على مجهوداتك في تقصي كل ما يهم المنتدى وأعضائه ، ولا دخل لك فيما يرد من أخطاء في الكتابات التي تنقلها .
*************
ولذلك ، لا أدري لماذا يكتب كاتب المقال: أبو الفراس ؟
اسمه : أبو فِراس
وهو ابن أخت سيف الدولة ، وسيف الدولة الذي ربّاه كما ورد بالمقال ، لكن لم تكن هناك أية منافسة بين أبي فراس والشعراء الآخرين ، فقد كان يحتقرهم ويعتبرهم منافقين ، ويرى أنه الأصدق لأنه أمير ولا يتكسّب بشعره ، وكل ما يقوله هو الفخر بقبيلته وسيف الدولة وبانتصاراتهم ، ثم إنّ مدة الأسر كلها سبع سنوات ، البعض يقول إنها كانت على مرتين ، مرة أربع سنوات ، والأخرى ثلاث ، والبعض يقول إنها سبع سنوات دفعة واحدة ، ظل فيها أبو فراس بملابس الحرب ، وأبى أن يخلعها ، أما سبب تباطؤ سيف الدولة في افتدائه فهناك مَن يقول إن أبا فِراس كان على علاقة بأخت سيف الدولة ، وهذا ما أوغر صدره من ناحيته ، والقصيدة ـ أراك عصيَّ الدمع ـ لم تُكتَبْ في امرأة أو ملهمة أو حبيبة ، بل في الحريّة ، وللأسف كان مقتله على يد قائد ابن أخته ، واسمه قرغويه وليس فرعويه ، عن ثمانية وثلاثين عاما في رواية ، وعن أربعين عاما في رواية أخرى .

samirazek
08/06/2015, 04h11
ألف شكر يا أستاذ سمير على مجهوداتك في تقصي كل ما يهم المنتدى وأعضائه ، ولا دخل لك فيما يرد من أخطاء في الكتابات التي تنقلها .
*************
ولذلك ، لا أدري لماذا يكتب كاتب المقال: أبو الفراس ؟
اسمه : أبو فِراس
وهو ابن أخت سيف الدولة ، وسيف الدولة الذي ربّاه كما ورد بالمقال ، لكن لم تكن هناك أية منافسة بين أبي فراس والشعراء الآخرين ، فقد كان يحتقرهم ويعتبرهم منافقين ، ويرى أنه الأصدق لأنه أمير ولا يتكسّب بشعره ، وكل ما يقوله هو الفخر بقبيلته وسيف الدولة وبانتصاراتهم ، ثم إنّ مدة الأسر كلها سبع سنوات ، البعض يقول إنها كانت على مرتين ، مرة أربع سنوات ، والأخرى ثلاث ، والبعض يقول إنها سبع سنوات دفعة واحدة ، ظل فيها أبو فراس بملابس الحرب ، وأبى أن يخلعها ، أما سبب تباطؤ سيف الدولة في افتدائه فهناك مَن يقول إن أبا فِراس كان على علاقة بأخت سيف الدولة ، وهذا ما أوغر صدره من ناحيته ، والقصيدة ـ أراك عصيَّ الدمع ـ لم تُكتَبْ في امرأة أو ملهمة أو حبيبة ، بل في الحريّة ، وللأسف كان مقتله على يد قائد ابن أخته ، واسمه قرغويه وليس فرعويه ، عن ثمانية وثلاثين عاما في رواية ، وعن أربعين عاما في رواية أخرى .

شكرا سيدى على التصويب ...صحيح لا يفتى وانت فى المدينه