المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيرورة إدماج التربية الموسيقية في المغرب


عبدالقهار
16/07/2014, 13h51
سيرورة إدماج التربية الموسيقية في المغرب
محاولة في التحقيب

عبد القهّار الحجاري

باحث في التربية وعلم الموسيقى

المغرب

منشور بجريدة الفنون، العدد 152- آيار مايو 2014

◙◙ التربية الموسيقية مادة دراسية تمكنت العديد من الدول العربية من إدماجها في منظوماتها التربوية، من بين هذه الدول مصر وتونس وسوريا والأردن والكويت والإمارات العربية المتحدة... ولا تزال هذه المادة بالمغرب في طور الإدماج. ويتمثل هاجس هذه المساهمة في اقتفاء سيرورة إدماجها بالمغرب، لتحديد الإنجازات الأكيدة في هذا المجال، وتعرف العثرات من أجل رسم معالم واضحة لآفاق عملية تعميم وإرساء هذه المادة الدراسية الفنية في مختلف الأسلاك، من التعليم الأولي إلى التعليم العالي. وقد ارتأينا التمييز بين لحظتين كُبرَيَيْن : لحظة ما قبل الإدماج، تقع قبل سنة 1995. ولحظة الإدماج تبدأ بنفس السنة (1995) ولا تزال ممتدة إلى حين الانتهاء من عملية تعميمها وترسيخها في جميع أسلاك المدرسة العمومية.. ◙◙

لا يمكن اعتبار هذا التقسيم لمراحل ظهور وإدماج التربية الموسيقية في المنظومة التربوية بالمغرب تقسيما صارما ونهائيا، وإنما هو تقسيم إجرائي تقتضيه الضرورة المنهجية للتمييز بين فترات في هذه السيرورة التي تتمتع فيها كل فترة بنوع من الاستقلال النسبي، لوجود سياق معين وخصائص محددة في كل مرحلة، مع التداخل الأكيد بين مرحلة وأخرى وامتداد سمات ما إلى مراحل لاحقة.

1- مرحلة ما قبل الإدماج 1956- 1995

وجد نوعان من التعليم في المغرب على عهد الاستعمار الفرنسي- الإسباني، تعليم تقليدي وتعليم عصري. وكان التعليم التقليدي دينيا بدرجة أساس، تمثل في حلقات المدارسة ببعض الجوامع التي كانت تجمع بين الوظيفة التعبدية والوظيفة العلمية، وفي الكتاتيب القرآنية بشكل خاص. وكانت لهذا التعليم في المدن الكبرى فرادته إذ كانت تدرس فيه-أحيانا- متون وأراجيز في الفقه والتوحيد والنحو والصرف إلى جانب تحفيظ القرآن الكريم. ويذكر الأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل الباحث في علم الموسيقى، في حوار أجرته معه مجلة نغم المتخصصة في التربية الموسيقية والمنشور في عددها الأول (دجنبر 2008 ) أن بعض الكتاتيب في فاس ومكناس والرباط وغيرها من المدن الكبرى كانت تحرص حرصا شديدا على عادة الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية وليلة المولد النبوي، وكان حلول إحدى المناسبتين بمثابة لحظة لبروز تربية موسيقية ذات طابع ديني يلقن من خلالها الفقيه نخبة من تلاميذه أناشيد في مدح النبي(ص)، ويستقدم أصحاب المديح والسماع يتناشدون القصائد والمولديات على أنغام الموسيقى الأندلسية.

واكتسحت الأناشيد الوطنية التعليم التقليدي مع مطلع الخمسينيات التي عرفت منعطفا عصيبا وتطورا نوعيا في تاريخ الحركة الوطنية. تمثل في شراسة القمع والممارسات الاستعمارية مما أجج تصاعد المقاومة المسلحة، في ظل تنامي الوعي الوطني والمطالبة بالاستقلال التي أطرها العمل السياسي المتوج بعريضة الاستقلال، وثورة الملك والشعب التي عكست إجماع الأمة المغربية شعبيا ورسميا على مطلب الانعتاق من قبضة المستعمر الغاشم. وتأججت الأوضاع خاصة على إثر نفي ملك البلاد جلالة المغفور له محمد الخامس من طرف السلطات الاستعمارية بعد موقفه المؤيد للحركة الوطنية ومطلب الاستقلال، وما تلا ذلك من تأجيج للنضال الوطني. فأصبح فضاء الكتاب ينشر بين رواده دفء الهوية الوطنية والروح القومية، من خلال تربية موسيقية ضمنية قامت بدرجة أساسية على الأناشيد الوطنية التي ساهمت في إذكاء الحماس الوطني وشاركت في نشرها جمعيات الشباب والكشفية، وكان المحتل يواجهها بقمع لا هوادة فيه. ومن الأناشيد الشهيرة في تلك الفترة "مغربنا وطننا" " نشيد الجيش " " نداء الوطن "...

أما التعليم العصري فقد تمثل في المدارس الفرنسية التي كانت تدرس بها مادة التربية الموسيقية، علاوة على التعليم الموسيقي المتخصص في المعاهد الموسيقية التي أحدثها الاستعمار، ومنها المعاهد البلدية في كبريات المدن المغربية وكانت مقصورة على أبناء المغرب الفرنسيين، وقلما يسمح للمغاربة بولوجها. وكان التعليم الموسيقي بالمدارس الفرنسية يشمل مواد التكوين الموسيقي من قراءة صولفائية وإملاء ونظريات إلى جانب مادة تاريخ الموسيقى ، وحلقات الاستماع والتحليل، وحصص الغناء الكلاسيكي، ودروس العزف على آلات الأوركسترا بأنواعها الآلية ، ومجموعات صوتية كانت تتشكل من طلبة قسم الغناء وكان في المعهد أوركسترا سيمفوني قوامه الأساتذة وبعض الطلبة المتفوقين في العزف. وعلاوة على المدارس الفرنسية، كانت في المغرب مدارس حرة تستقبل أبناء الأعيان المسلمين، وكانت تقترب مناهجها كثيرا من مناهج المدارس الفرنسية. وفي بداية الاستقلال عرفت كثير من المدارس بالمغرب مادة التربية الموسيقية. إلا أن مشكل الخصاص في الأساتذة جعل المسؤولين على التعليم آنذاك يستبعدون هذه المادة من البرنامج الدراسي، خاصة مع هيمنة الطابع التقليدي للثقافة على هندسة البرامج والمناهج واعتبار التربية الموسيقية "مادة تكميلية"، وأنها قد تصرف التلاميذ عن الجد والتحصيل. بالإضافة إلى العامل السياسي؛ فقد قامت وزارة التربية الوطنية بإنهاء عمل الكثير من الأساتذة المصريين بالمغرب، إثر حرب 1963 بين المغرب والجزائر، حيث وقفت مصر إلى جانب الجزائر ضد المغرب. وكان هؤلاء يدرسون مختلف المواد الدراسية من بينها التربية الموسيقية. فأعطت الدولة الأهمية الأولى للمواد الأساسية، وأهملت المواد "الثانوية" ومنها التربية الموسيقية. واستقدم المغرب أساتذة من دول عربية أخرى كالعراق والأردن ومن أوربا الشرقية واستعانت الدولة أيضا بأساتذة التعليم الابتدائي. وبحجة أن مادة التربية الموسيقية لا تتوفر لها وسائل كافية وأساتذة متخصصين علاوة على كونها مادة غير أساسية، ألغت الدولة تدريس هذه المادة بشكل رسمي. وبقيت ضمنية من خلال مادة الأناشيد والمحفوظات في التعليم الابتدائي. وظهرت هذه المادة غير المرغوب فيها في المخططات التعليمية الرسمية باهتة في بعض المناسبات الوطنية واحتفالات نهاية السنة في المدن التي تعرف تقاليد موسيقية عريقة كفاس ومكناس والرباط ووجدة وتطوان وطنجة ومراكش ...




2- مرحلة التأسيس وبداية الإدماج 1995-1999

شرعت وزارة التربية الوطنية في إدماج هذه المادة في النظام التربوي بالمغرب سنة 1995. وسعت إلى توفير الشروط الملائمة والوسائل اللازمة لضمان أقصى ما يمكن من الفعالية في تدريس هذه المادة الجديدة. وذلك في إطار شراكة تربوية مع "المصلحة الثقافية" التابعة للسفارة الفرنسية بالمغرب و"الحركة الدولية لتنمية الغناء الجماعي"(le Mouvement à cœur joie International). وأثمرت هذه الشراكة تأليف "صول فاSol Fa " سنة 1999 وهو أول كتاب للتربية الموسيقية، بادر إلى تأليفه الأستاذ يونس الشامي المنسق المركزي لمادة التربية الموسيقية آنذاك والأستاذ مارسيل كورنيلو. وكانت السياسة التي انتهجتها الوزارة لبلوغ هذه الغاية ترمي إلى تحقيق هدفين اثنين:

1- ضمان تكوين تربوي متين للأطر التربوية المشرفة على تدريس التربية الموسيقية، يعززه تكوين مستمر يواكب المستجدات الحثيثة لمناهج تعليمها.

2- إمداد هذه الأطر بالمعينات التعليمية التي من شأنها أن تسهل عليهم إنجاز مهمتهم الصعبة وتساعدهم على تحسين مردوديتها.

ونصت المذكرة على الإدماج التدريجي لمادة التربية الموسيقية، وحددت مهام أستاذ التربية الموسيقية في نقطتين:

◦ التدريس في القسم؛ أي تدريس مقرر القواعد الموسيقية.

◦ التنشيط أي القيام بتدريب التلاميذ على العزف والغناء الجماعي والفردي لتنشيط الحفلات المدرسية.

وكان أستاذ التربية الموسيقية يمارس مهمتي التدريس والتنشيط على أساس24 ساعة أسبوعيا؛ 12ساعة منها للدروس و12 ساعة للتنشيط؛ حصة كل قسم ساعتان في الأسبوع، ساعة للقواعد الموسيقية وساعة للأنشطة الموسيقية. وكانت الوزارة تحصل في هذه الفترة على عشرين منصبا ماليا في السنة لإطار أستاذ التربية الموسيقية. ويسجل في هذه الفترة الممتدة من 1995 تاريخ إحداث المادة إلى 1999 تاريخ إصدار كتاب "صول فا" غياب أي كتاب مدرسي مقرر لمادة التربية الموسيقية، قبل كتاب يونس الشامي ومارسيل كورنيلو. فقد حدد المنهاج الدراسي للمادة البرنامج المقرر لسنوات الإعدادي الثلاث، وترك أمر تصريفه للمدرسين، إلى أن تتمكن الوزارة من إصدار كتاب مدرسي للمادة. ولم يكن مفهوما لدى الكثير من الأطر التربوية، من أساتذة المواد الأخرى وإداريين، ناهيك عن الآباء والتلاميذ أن هذه المادة الجديدة التي تسمى بالتربية الموسيقية مادة دراسية قائمة بذاتها، لها مقرر ومنهاج دراسي، وأن أستاذ التربية الموسيقية مكلف بتدريسها وليس مجرد منشط موسيقي مكلف بإعداد الأنشطة الموازية التي هي أنشطة زائدة وتكميلية. إن هذا الفهم الخاطئ لمادة التربية الموسيقية لا يزال موجودا حتى في المؤسسات التي تدرس فيها هذه المادة منذ عدة سنوات. ومن نتائج ذلك أن الكثير من الأساتذة، والإناث منهم بالخصوص، يعانون من الاستخفاف لكونهم موسيقيين "يعلمون الأطفال اللهو"، و"يصرفون نظرهم عن الدراسة بالغناء"، ويزج بهم في الكثير من الأحيان في نقاشات ذات طابع دفاعي في مواجهة ذهنية التحريم. ومنهم من أسندت إليه مادة دراسية أخرى أو مهام غير التربية الموسيقية، بدعوى أن سكان المنطقة محافظون. يعتبرون أن التعليم الموسيقي ستكون له عواقب سلبية على أخلاق أبنائهم وعلى مستقبلهم الدراسي. ويتم التعامل معهم تعاملا نفعيا ضيقا من طرف الإدارة، إن على مستوى المؤسسة أو النيابة أو الأكاديمية؛ حين يتعلق الأمر بتنظيم أحد الأنشطة، خاصة حفلات نهاية السنة الدراسية، حيث يستدعون للتنشيط وتأطير الأنشطة بشكل مبالغ فيه وعلى حساب دروس التلاميذ، وفي غياب أي تحفيز أو تشجيع في الكثير من الأحيان. ولم يسبق أو يواكب عملية إدماج مادة التربية الموسيقية أي مجهود تحسيسي-إعلامي، يضع التربية بالموسيقى في الموضع الصحيح ويعطيها قيمتها التي تستحقها، ويوضح أهميتها ودورها في إعداد النشء إعدادا سليما وبناء شخصيته المتوازنة بعيدا عن التطرف والانحراف. ولتعزيز مكانة التربية الموسيقية في المنظومة التربوية أحدثت وزارة التربية الوطنية مع بداية الموسم الدراسي 1997- 1998 شعبة التربية الموسيقية بالمدرسة الزريابية (إعدادية المغرب الكبير سابقا) بالرباط، يتلقى فيها التلاميذ المتفوقون في دراستهم والمتوفرون على استعدادات موسيقية فطرية واعدة، تعليما عاما لا يختلف في جوهره عن التعليم الذي يتلقاه رفاقهم في باقي المؤسسات بالتعليم العمومي، غير أنه يتميز بتخصيص ثمان ساعات، أسبوعيا لتكوين موسيقي معمق يؤهلهم للترشيح للحصول على شهادة الباكالوريا لشعبة التربية الموسيقية التي كان من المقرر إحداثها في نهاية السنة الدراسية 2002-2003 وكانت ستخول لحامليها متابعة دراستهم العليا في المجال الموسيقي أو التأهيل لممارسة إحدى المهن المرتبطة بالموسيقى.

وحتى يتمكن تلاميذ هذه الشعبة من تلقي تكوين موسيقي متين، تم تعديل الحصص الأسبوعية لبعض المواد الدراسية، دون المساس بمحتوى برامجها، وذلك لتمكين الراغبين منهم في تغيير الشعبة ومواصلة دراستهم العادية في ظروف طبيعية. ومنذ سنة 1998 عملت وزارة التربية الوطنية بتعاون مع الجماعة الحضرية لأعالي السين HAUTS – De Seine بفرنسا وجمعيات الفؤاد الشادي.. على إدخال إصلاحات جذرية على بناية المدرسة الزريابية، تشمل توسيع عدد من القاعات وعزلها لتأهيلها لاحتضان الدروس والتداريب الغنائية والموسيقية الجماعية، وإحداث قاعات صغيرة لتعليم العزف على الآلات الموسيقية، وكذلك قاعة كبيرة للعروض الفنية والتسجيل تسَع لثلاث مائة مقعد. وكانت الشعبة تضم قسمين للسنة الأولى إعدادي وقسم للسنة الثانية وقسم للسنة الثالثة. وبالنسبة للتسجيل بهذه المدرسة، فإن الأولوية تعطى لتلاميذ المؤسسات المجاورة لها، غير أنه يمكن استقبال تلاميذ المؤسسات الأخرى بالرباط في حدود المقاعد الشاغرة. ويشترط في قبول التلاميذ أن يكونوا ناجحين بمعدل جيد في امتحان الانتقال إلى السنة الأولى، إضافة إلى تفوقهم في روائز خاصة لاختبار استعداداتهم الفطرية لتعلم الموسيقى تحت إشراف لجنة متخصصة من رجال ونساء التربية الموسيقية. ويراعى كذلك في انتقاء التلاميذ أن يكون هناك توازن بين عدد الذكور وعدد الإناث، حرصا على مبدأ ضمان التكافؤ بين الجنسين وتحقيق الانسجام والتكامل بينهما داخل المجموعة الصوتية. إلا أن هذه التجربة لم تستمر بسبب توقيف مشروع باكالوريا التربية الموسيقية.

كان هناك مشكل آخر طبع سيرورة إدماج مادة التربية الموسيقية خلال مرحلة التأسيس، تمثل في نقص مهول في أطر المراقبة التربوية، إذ لم يكن لهذه المادة سوى مفتش واحد لأكثر من 150 أستاذا موزعين على ربوع البلاد. وعليه أن يتنقل من مدينة إلى مدينة ومن مؤسسة إلى أخرى، مما شكل عائقا كبيرا أمام ترسيم الأساتذة وترقيتهم. وقد تم تجاوز هذا المشكل نسبيا بإحداث قسم التربية الموسيقية بالمركز الوطني للمفتشين تخرج منه عشر مفتشين سنة 2011.




3- مرحلة مشروع قطب الفنون 2000- 2002

جاء تعديل سيرورة إدماج التربية الموسيقية في المنظومة التربوية سنة 2000 وكذا مشروع قطب الفنون ضمن سياق مشروع إصلاح التعليم بالمغرب، في مطلع الألفية الثالثة. وفي هذا الإطار، جاءت المذكرة رقم 12 المؤرخة في 31 يوليوز 2000 لتعدل المذكرة الوزارية رقم 158 المؤرخة في 20 غشت 1995 كي تأخذ طريقها إلى التنفيذ ابتدءا من الموسم الدراسي 2001-2002، ولتوسيع خارطة التربية الموسيقية، عدل الغلاف الزمني للمادة أسبوعيا؛ إذ كان هذا الغلاف مكونا في الفترة السابقة من ساعتين في الأسبوع لكل قسم فأصبح ساعة واحدة فقط؛ نصف ساعة للدروس ونصف ساعة للتنشيط حتى يتسنى للوزارة تدبير توزيع الموارد البشرية. وكانت الوزارة في الفترة السابقة ، تحصل سنويا على عشرين منصبا ماليا لإطار أستاذ التربية الموسيقية في التعليم الثانوي الإعدادي كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، وفي الفترة التي نحن بصددها تم رفع عددها إلى ثمانين منصبا من أجل تحقيق التقدم في إدماج المادة؛ لكن العدد لم يؤخذ كله في مباراة الالتحاق بالمركز التربوي الجهوي. كما تناول التعديل مسألة الإجبارية؛ فقد كان العمل في المرحلة السابقة بنظام المستوى الأول والثاني والثالث في السلك الإعدادي، وكان أمام الوزارة في هذه المسألة اختياران؛ الأول يتلخص في تعميمها على مستوى النيابات، أي توزيع الأساتذة بحيث نجد التربية الموسيقية مادة تدرس في كل نيابة تعليمية، إذ يمكننا القول عندئذ أن هذه المادة معممة على جميع الأكاديميات والنيابات، على قدم المساواة. والاختيار الثاني يتمثل في تعميم التربية الموسيقية على جميع المستويات في المؤسسات التي تم إحداثها فيها فقط. وهذا يعني أن المادة يمكن أن لا نجد لها نفس الحضور وبنفس الكثافة في جميع النيابات. وقد سارت الوزارة في الاختيار الأول في المرحلة السابقة بمقتضى المذكرة الوزارية رقم 158 المؤرخة في 20 غشت 1995 إلا أنها لم تتوفق في هذه الاستراتيجية، فتقرر استبدالها بالاختيار الثاني. وهكذا تقرر أن تصبح التربية الموسيقية إجبارية في المؤسسات التي تدرس فيها في واقع الحال والمؤسسات التي يتقرر فيها ذلك في المستقبل، على أن يشرع في تطبيق إجبارية المادة على أساس السنة الأولى من التعليم الإعدادي أولا، ثم يعمم ذلك تدريجيا ليشمل أقسام الثانية في السنة الموالية، ثم الثالثة في السنة التي تعقبها، وهكذا فإن كل مؤسسة يتقرر تدريس هذه المادة فيها يجب أن يتحقق فيها تعميمها على كافة المستويات. والتلاميذ في غضون ثلاث سنوات.

غير أن التوجيه الذي جاءت به هذه المذكرة قد تم إغفاله ولم يطبق، إذ ظل النهج الذي سار عليه قسم التخطيط المدرسي في تعامله مع هذه المادة يكتفي بتعيين أستاذ واحد فقط أو أستاذين على الأكثر في كل مؤسسة بصرف النظر عن عدد تلاميذها ، الأمر الذي جعل دراسة المادة تقتصر في غالب الأحيان على تلاميذ السنة الأولى فقط، ما يؤدي إلى سقوط قيمتها في نظرهم وفي نظر أولياء أمورهم، بل وفي نظر إدارة المؤسسة والأستاذ نفسه؛ كما يؤدي أيضا إلى الإضرار بكل الجهود التي تبذلها المصالح الأخرى في الوزارة للنهوض بتدريس هذه المادة من أجل تكوين أساتذتها والعمل على إحداث شعبة لها في التعليم الثانوي التأهيلي والسعي لوضع برامج لها وتأليف الكتب المدرسية الخاصة بها واقتناء الوسائل التعليمية التي تحتاج إليها…. كما عرفت هذه الفترة بتفعيل الأندية التربوية، وفي هذا الإطار صدرت المذكرة الوزارية المؤرخة في الرباط بتاريخ:17 محرم 422 الموافق لـ : 12 أبريل 2001 التي انطلقت من اعتبار الأندية تشكل فضاء تربويا ملائما في المؤسسات التعليمية لتنمية مؤهلات التلاميذ في مختلف المجالات، واكتشاف ميولاتهم وصقل مواهبهم وإذكاء روح العمل الجماعي فيما بينهم خدمة للمؤسسة التعليمية التي ينتمون إليها، وسعيا إلى حفز الأطر التعليمية والإدارية لاستثمار قدراتها في ميدان التنظيم والتنشيط والتأطير التربوي والثقافي والاجتماعي، وإلى خلق فضاءات للمتعلمين للحوار والتعاون فيما بينهم ومع شركاء المؤسسة، كما تم تخصيص يوم 20 أبريل 2001 لإعطاء انطلاقة جديدة للأندية التربوية وذلك بالعمل على تفعيل الأندية المتوفرة، وتأسيس أندية جديدة بالمؤسسات التي تفتقر إليها، من أجل تنمية روح المواطنة وترسيخ القيم الأخلاقية لدى التلاميذ. وتوعيتهم وتحسيسهم بأهمية العمل الجماعي. وإذكاء الفضول المعرفي والعلمي لديهم. وفسح المجال أمامهم لتفجير طاقاتهم الإبداعية، وتعريفهم بقضايا محيطهم ومجتمعهم وإتاحة الفرصة لهم للإسهام في معالجتها. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف القيام بمجموعة من الترتيبات من بينها؛ وضع ملصقات ولافتات أمام المؤسسات التعليمية للتعريف بهذه المناسبة. وتسطير برامج عمل للأندية. وتقديمها خلال هذا اليوم. وتنظيم أنشطة وإلقاء عروض بمشاركة مؤطري هذه الأندية والتلاميذ المنخرطين فيها. وإقامة معارض ومشاغل تبرز إنتاجات الأندية. وتنظيم مسابقات في المجالات التي تندرج في إطار اهتمامات هذه الأندية. والحرص على توفير تغطية إعلامية لهذه المناسبة وإيلائها اهتماما خاصا خلال هذا اليوم. وكذا إقامة شراكات تعاون مع مكونات المجتمع المدني والمقاولات ومختلف الجهات المعنية للارتقاء بهذه الأندية .

ومن فعاليات التربية الموسيقية لهذه الفترة، تأسيس المجموعة الآلية والصوتية التابعة لوزارة التربية الوطنية سنة 2000. وكان الهدف من إنشاء هذه المجموعة إضفاء صبغة فنية على الأنشطة الثقافية والتربوية التي تنظمها الوزارة، وهو إشعاع من شأنه أن يدعم جهودها الرامية إلى تشجيع التعليم الموسيقي وتعميمه. وأن يحفز إدارات المؤسسات الإعدادية التي تحتضن هذا النوع من التعليم على الاقتداء بها وتشكيل مجموعات صوتية تسهم في تنشيط الحياة الموسيقية على مستوى تلك المؤسسات وعلى مستوى النيابات الإقليمية التي تنتمي إليها.

وقد وضعت المجموعة برنامجا سنويا للأنشطة وآخر للتداريب على معزوفات وأغان من مستوى فني رفيع وذات بعد إنساني. وقد تمكنت هذه المجموعة في فترة زمنية وجيزة من إعطاء عروض موسيقية عمومية في الرباط والقنيطرة وخريبكة نالت إعجاب الحاضرين. وكان من المتوقع أن يصبح لها شأن كبير في الساحة الفنية والتربوية بالمغرب لو أنها استمرت في نشاطها، لأنها كانت تضم بين أفرادها شبابا موسيقيين مثقفين ومتوفرين على مؤهلات فنية عالية. وهم منخرطون في هذه الفرقة بدافع طموح صادق لتشريف الوزارة التي يمثلونها والمهنة التي يحترفونها، لكن هذه المجموعة اضطرت إلى التوقف عن نشاطها المنتظم في نهاية السنة الدراسية 2000-2001 بعدما رفضت الوزارة تعويضهم عن هذا العمل الإضافي. خاصة وأن جلهم يأتون من مدن أخرى، وبالإضافة إلى الجهد الذي يبذلونه، فإنهم ينفقون مصاريف هامة في التنقل والتغذية والإقامة من أجل الحضور والمشاركة في تداريب وأنشطة الفرقة الموسيقية. إن إعادة إحياء هذه المجموعة أمر قابل للتحقق رغم انتقال بعض عناصرها إلى مدن بعيدة عن الرباط، مثل طنجة والحسيمة وتازة وإفران وإنزكان ...الأمر الذي يتعذر معه استمرار عضويتهم فيها. وإحياء هذه المجموعة يتطلب إعادة الثقة إلى نفوس أعضائها، وتحفيزهم بالطريقة التي تراها الوزارة مناسبة، وتوفير قاعة ملائمة للتداريب الأسبوعية تكون مجهزة بالكراسي وحوامل النوتات. وبالنسبة للقاطنين منهم خارج الرباط، ينبغي أن يكون تعويضهم مناسبا.

أجمل الكتاب الأبيض الاعتبارات التي أملت إحداث قطب الفنون بالنظام التعليمي ببلادنا في النقاط التالية:

◦ الوعي بأهمية الدور الذي تلعبه الفنون في التنشئة الاجتماعية والتربية على القيم الأخلاقية والجمالية بالإضافة إلى دورها في تهذيب الأذواق وتنمية مدارك المتعلمين ومهاراتهم السوسيو-عاطفية ومساهمتها الفعالة في تربيتهم الحسية وتكوين شخصيتهم.

◦ الفنون أصبحت تغطي جزءً لا يستهان به من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية المهنية للمجتمعات الحديثة، الأمر الذي يفرض إعداد أطر فاعلة متوفرة على تكوين يؤهلها للمساهمة في الدينامية الاجتماعية.

◦ إحداث قطب الفنون سيكون بمثابة تتويج للتراكم الحاصل في تدريس الفنون منذ المرحلة الابتدائية في المدرسة المغربية. فالتربية التشكيلية قد عرفت طريقها إلى المناهج التربوية منذ مدة. والتربية الموسيقية قد بدأ التحسيس بها في السلك الإعدادي. وأصبح من اللازم إدخال التربية على ثقافة الصورة التي لم تدخل بعد بصفة نظامية وممنهجة إلى منظومتنا التربوية. وقد نادى ولازال ينادي المهتمون بملء هذا الفراغ، ذلك أن الثورة بمختلف تجلياتها ووسائطها اكتسحت جل الميادين الاقتصادية والثقافية فأصبحت الثقافة السمعية البصرية بصفة عامة مكونا من المكونات الأساسية للحضارة الكونية الحديثة.

◦ غيرت الثورة التكنولوجية ذات الوتيرة المتسارعة حياة الإنسان خاصة في مطلع الألفية الثالثة. وأصبح الحقل الفني يلعب دورا خطيرا في الاقتصاد وثقافة المجتمع. ولم تعد السنيما – تعتمد على تقنيات البث التقليدية فقد دخلت عصر الطرق السيارة للإعلام بواسطة الصور الرقمية وعرض الأفلام على شاشات القاعات بواسطة الإرسال عبر الأرقام الصناعية عوض الأشرطة وآلات العرض التقليدية. ونظرا لكل هذه العوامل والمعطيات، فإنه كان من المنطقي ربط الفنون السمعية البصرية بالحقل الذي أصبح يحتويها، ألا وهو حقل الوسائط المتعددة، وإحداث شعبة الفنون البصرية والوسائطية ضمن قطب الفنون.

◦ ضرورة الاستجابة للاختيارات والتوجهات التربوية العامة المعتمدة في الوثيقة الإطار التي تعتبر بمثابة أجرأة للميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجال المناهج التربوية ومواءمتها مع البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وانتظارات المجتمع المغربي حالا ومستقبلا .

تتيح المناهج التربوية لقطب الفنون فرصة استخدام أبعاد للذكاء وبنيات فكرية للمتعلم، لم تكن تحظى فيما قبل، بالقدر الكافي من الاهتمام الذي تستحقه. كما يعتبر قطب الفنون من أهم مستجدات المناهج التربوية الجديدة في السلك التأهيلي للتعليم الثانوي. ويتكون من ثلاث شعب هي:

◦ شعبة التربية الموسيقية

◦ شعبة الفنون التشكيلية

◦ شعبة الفنون البصرية والوسائطية

وقد روعي في إعداد مناهج هذه الشعب في آن واحد استمرارية بناء المفاهيم المرتبطة بالتربية الفنية من بداية التعليم الابتدائي (تربية تشكيلية، تربية مسرحية، تربية موسيقية) إلى نهاية السلك الإعدادي للتعليم الثانوي والحاجات الملحة للقطاعات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في مجالي الموسيقى وتحليل الصورة واستعمالاتها، ومجالات الإبداع الأخرى التي تكاد تنعدم فيها الخبرة في بلادنا. وإذا كانت التربية الجمالية هي أهم أهداف مناهج التربية الفنية، فإن ما توفره هذه الأخيرة للمتعلم من إمكانيات منهجية ومضامين لتحليل مكونات البيئة وعلاقاتها ببعضها والمبادئ المنظمة لهذه العلاقات يجعلها داعمة للمناهج التربوية الأخرى، وضرورية لاستكمال تربية المتعلم على القيم وتنمية مختلف أصناف الكفايات لديه، وإعطائه كل ما يحتاجه للتموقع في بيئته وبالتالي القيام بالاختيارات المناسبة واتخاذ القرارات اللازمة.

يهدف إحداث شعبة التربية الموسيقية إلى إعطاء المتعلم تكوينا موسيقيا يمهد له الطريق لاحتراف الموسيقى وخاصة لامتهان تعليمها. وتهدف مواد التخصص إلى إعطاء المتعلم تكوينا موسيقيا متكاملا يشمل الجوانب التالية:

- الجانب الثقافي في مجال التخصص عن طريق دراسة تطور الموسيقي عبر التاريخ وعلاقتها بغيرها من الفنون، وارتباط هذا التطور بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف العصور، وكذلك التعرف على كبار المؤلفين الموسيقيين وأعمالهم والإلمام بالوسائل والأساليب التي يعتمدونها في إبداعاتهم...

- الجانب التقني عن طريق دراسة قواعد اللغة الموسيقية والإلمام بالرموز والاصطلاحات التي تستخدمها والتدرب على توظيفها في تدوين الموسيقي وقراءتها، كذلك عن طريق الاستماع إلى الأعمال الموسيقية وتحليلها واكتساب القدرة على تقويمها وتكوين حكم حولها اعتمادا على معايير علمية وفنية موضوعية....

- الجانب العملي التطبيقي عن طريق تعلم العزف على آلة موسيقية ودراسة قواعد الغناء المغربي والعربي والعالمي وممارسة هذا العزف والغناء بصورة فردية وجماعية، تكوين رصيد متنوع من المعزوفات والأغاني المنتمية إلى ثقافات وعصور مختلفة ...

وتفتح هذه الشعبة آفاق لمتابعة الدراسات العليا المتخصصة بالمعاهد والجامعات. وتحدد مواصفات المتخرج من شعبة التربية الموسيقية في نهاية السلك التأهيلي كما يلي :

- التمكن من المبادئ الأساسية في علم الموسيقى

- امتلاك ثقافة موسيقية تمكنه من تهذيب الذوق والرقي بالحس الجمالي وتنمية روح الإيداع.

- التمكن من وسائل التعبير والتواصل مع الغير.

- اكتساب أدوات تمكن من تقويم الأعمال الموسيقية تقويما سليما والحكم عليها.

إلا أن هذا المشروع لم يجد طريقه إلى التحقق لحد الآن لأسباب كثيرة يجملها البحث فيما يلي:

● عدم التقدم في تحقيق إجبارية المادة وتعميمها في سلك التعليم الثانوي الإعدادي، وبالتالي التأخر في استكمال إدماج التربية الموسيقية على الصعيد الوطني وفي جميع الاعداديات، الشيء الذي جعل مشروع إدماجها في الثانوي التأهيلي يتأجل دائما.

● النقص في الأطر التربوية المؤهلة لتدريس التربية الموسيقية على مستوى التعليم الثانوي الإعدادي، وعدد المناصب المالية المخصصة سنويا لهذه المادة لا يكفي لسداد هذا النقص، مع العلم أن المغرب يزخر بالأطر المكونة في محتذيات علم الموسيقى الذين يتخرجون سنويا من المعاهد الموسيقية، علاوة على أساتذة الموسيقى العاملين في وزارة الثقافة والذين يمكن الاستفادة من خبرتهم في هذا المجال، وهذا كان اقتراح منسقية دعم التربية الموسيقية سنة 2001.

● مشكل النقص في الأطر المراقبة التربوية، حيث لم يتعد عدد مفتشي التربية الموسيقية ثلاثة أطر قبل سنة 2011، وقد حل هذا المشكل مع بداية الموسم الدراسي 2011-2012 حيث تخرج أول فوج من مفتشي التربية الموسيقية من مركز تكوين المفتشين بالرباط. وهذا النقص كان له أثر كبير على ترقي الأساتذة ومردوديتهم.

● عدم تنفيذ مشروع إحداث شعبة التربية الموسيقية بالمدرسة العليا للأساتذة، لإعداد وتكوين الأساتذة الذين سيتولون مهمة تدريس المادة بالثانوي التأهيلي والذي أملاه مشروع قطب الفنون نفسه في إطار مراجعة البرامج والمناهج.

وأدى تعثر مشروع قطب الفنون الذي لم تتحقق أهدافه إلى فشل مشروع المدرسة الزريابية؛ حيث أصبح يقتصر وجود مادة التربية الموسيقية فيها وفي بعض الثانويات التأهيلية بالرباط والدار البيضاء على الوظيفة التنشيطية، من دون أفق عملي للشعبة، يمكن التلاميذ ذوي الكفايات الموسيقية من ولوج مسالكه المهنية؛ إذ لم تم التراجع هن إحداث باكالوريا شعبة التربية الموسيقية التي نص عليها مشروع قطب الفنون.




4- مرحلة الكتاب المتعدد 2003- 2005

في سنة 2003 كانت قد بدأت عملية تأليف الكتب المدرسية المتعددة في مختلف المواد الدراسية، وعدد منها كان قد خرج من المطبعات إلى التوزيع، استعدادا للموسم الدراسي 2003-2004، حين ظهر كتاب "الجديد في التربية الموسيقية للسنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي". وهو أول كتاب للتربية الموسيقية مصادق عليه من طرف وزارة التربية الوطنية والشباب. تلاه كتاب "المختصر المفيد في التربية الموسيقية، السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي" سنة 2004، ثم كتاب "رياض التربية الموسيقية للسنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي" سنة 2004 أيضا، وبعده جاء كتاب "رياض التربية الموسيقية للسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي" سنة 2005 أعقبه "المختصر المفيد في التربية الموسيقية، السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي" و"الجديد في التربية الموسيقية للسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي" في السنة نفسها.

ارتفع في هذه الفترة عدد المناصب المالية التي تخصص لإطار التربية الموسيقية إلى 150 منصبا سنويا لكنها لم تكن تؤخذ كلها. وبلغ عدد المؤسسات التي تدرس فيها التربية الموسيقية على الصعيد الوطني 160 مؤسسة في السنة الدراسية 2003-2004، وعدد أساتذة المادة المزاولين لمهامهم 323 وعدد الأساتذة في طور التكوين بشعبة التربية الموسيقية بالمركز التربوي الجهوي بالرباط 45 أستاذا في السنة الثانية.

عرفت سيرورة إدماج مادة التربية الموسيقية بالمنظومة التربوية بالمغرب في هذه الفترة بعض الصعوبات منها:

● تعيين الأساتذة دون مراعاة الحاجيات الحقيقية للمؤسسات التعليمية، إذ نصت المذكرة رقم 12 المؤرخة في 31 يوليوز 2000 على ضرورة تعميم مادة التربية الموسيقية أولا في الاعداديات التي أحدثت بها فقط، ثم تحدث في إعداديات أخرى بعد ذلك ثانيا، إلا أن عملية تعيين أساتذة التربية الموسيقية لا تأخذ هذا التوجيه الوزاري بعين الاعتبار، ففي أغلب المؤسسات يقتصر تعليم هذه المادة على تلاميذ السنة الأولى فقط، الأمر الذي يحول دون تدريس المادة بصورة منتظمة من الأولى إلى الثالثة الإعدادية، وعندما يتوقف تعميم المادة في مؤسسة ما بسبب عدم تعيين أساتذة جدد لتدريس المستوى الموالي، فإن مادة التربية الموسيقية تفقد تدريجيا أهميتها، وتقل قيمتها في نظرهم ونظر أولياء أمورهم.

● تخلي عدد من الأساتذة عن مناصبهم المالية بسبب تعيينهم في أقاليم بعيدة جدا عن الأقاليم التي ينتمون إليها، وتكليف عدد لا يستهان به منهم في تدريس مواد أخرى غير مادة التربية الموسيقية، نظرا لتعيينهم في مناطق غالبا ما يكون سكانها غير مقتنعين بجدوى هذه المادة، فيقفون موقفا سلبيا من التربية بالموسيقى وينظرون إلى رجالها نظرة مشبوهة.

● انتقال عدد من أساتذة التربية الموسيقية إلى مناطق أخرى من دون تعويض مناصبهم الشاغرة، فيحدث انقطاع في تدريس المادة بالمؤسسة أو في أقسام معينة، وهذا أيضا يعطي انطباعا للجميع بأن هذه المادة زائدة وليست ضرورية.

● ضعف التأطير التربوي، نظرا لاستمرار النقص الحاد في أطر التفتيش. إذ لم يتعد عدد مفتشي التربية الموسيقية خلال السنة الدراسية 2004-2005 إطارين. كانا يتقاسمان 323 أستاذا موزعين على مجموع التراب الوطني.

● افتقار معظم المؤسسات التعليمية إلى التجهيزات التربوية الضرورية لتدريس مادة التربية الموسيقية.




5- مرحلة الفتور 2006-2008

طبعت هذه الفترة بفتور ملحوظ في إدماج التربية الموسيقية في المنظومة التربوية، مما حدا بمجموعة من أساتذة التربية الموسيقية بمدينة الدار البيضاء، بدار الشباب درب غلف إلى المبادرة الإيجابية، لتجاوز الفتور الذي عرفته هذه السيرورة في المرحلة التي نحن بصددها، تمثلت في تأسيس الجمعية المغربية للتربية الموسيقية سنة 2006. وتهدف هذه الجمعية الناشئة إلى تنمية الوعي بأهمية التربية الموسيقية داخل الوسط التربوي ولدى الجمهور من خلال تنظيم أنشطة فنية إشعاعية وتربوية وثقافية؛ من محاضرات وندوات ومهرجانات وأيام وأسابيع ثقافية وفنية وطنيا ودوليا. والإسهام في تطوير مستوى ممارسة مادة التربية الموسيقية. وذلك بتأهيل العاملين في حقلها وتحسين أدائهم المهني. وبالتالي تحسين التحصيل التربوي؛ من خلال تنظيم حلقات تكوينية وتداريب والمشاركة في ملتقيات وطنية ودولية، وإصدار مجلة تهتم بالتربية الموسيقية، وكذا المساهمة في بناء مشاريع من شأنها الرفع من مستوى الموسيقى المغربية عبر تنظيم مهرجانات موسيقية وتوثيق التراث الموسيقي المغربي، والاستفادة من التقنيات الحديثة في التسجيل والتوثيق والتوزيع الموسيقي. وخلق فضاء للتعاون وتبادل الخبرات وطنيا ودوليا في المجال الموسيقي..




6- مرحلة الانتعاش 2009- 2012

اتسمت هذه المرحلة بانتعاش ملحوظ لسيرورة إدماج المادة، تجلت في إحداث شعبة التربية الموسيقية في مركز تكوين المفتشين بالرباط، سنة 2010. ومكنت هذه الخطوة من تخرج عشر مفتشين جدد ليصبح العدد اثني عشر مفتشا، وبذلك سيحل مشكل التأطير الذي سبق الحديث عنه في هذا المدخل وذلك ابتداء من الموسم الدراسي 2011-2012، كما تجلى هذا الانتعاش في ارتفاع عدد أساتذة التربية الموسيقية الإجمالي إلى 550 أستاذا حسب إحصائيات منسقية دعم التربية الموسيقية لسنة 2011. وكذلك من خلال إحداث المهرجان الوطني للمجموعات الصوتية سنة 2008 الذي جاء كفكرة في إطار الجهود التي تبذلها الوزارة من أجل تعزيز مكانة التربية الموسيقية في المنظومة التربوية وترسيخ وجودها وفعالياتها في المؤسسات التعليمية، لما لها من أهمية بالغة في تربية وتهذيب الحس الفني والجمالي لدى المتعلمات والمتعلمين وتنشئتهم تنشئة سليمة، وتعزيزا لدور التنشيط الموسيقي في إشعاع المؤسسة التعليمية بمحيطها الاجتماعي والثقافي، وحقق المهرجان الوطني للمجموعات الصوتية في دورتيه : (2009، 2010 )؛ نجاحا كبيرا؛ إذ لاقى استحسانا لدى جميع الفعاليات من مشاركين وفنانين وباقي المهتمين بالمجال التربوي والمجال الفني.

وتروم هذه التظاهرة الفنية التربوية السنوية تفعيل مجالات الحياة المدرسية وتعزيز دور الأندية الموسيقية في إشعاع المؤسسة التعليمية في محيطها الاجتماعي والثقافي، والمساهمة في معالجة بعض الظواهر السلبية كالهدر المدرسي والعنف من خلال تعزيز شعور المتعلمين بالانتماء لمؤسساتهم وذلك عن طريق مشاركتهم المكثفة في الاحتفالات والمهرجانات الوطنية والدولية، وتشجيع كافة الأطر التربوية على الإبداع في مجال الأغنية التربوية وإثراء الخزانة الموسيقية التربوية. كما يستهدف مهرجان المجموعات الصوتية تقوية أندية التربية الموسيقية وتحفيز جميع الأطر التربوية للمشاركة في فعاليات الموسيقى التربوية، وتثمين الجهود المبذولة م طرف الأطر التربوية في مجال الإبداع والتأطير والتنظيم...كما تعمل الوزارة على جعل هذا المهرجان فرصة لتتويج المتميزين من التلاميذ والأساتذة، وتشجيع المواهب الصاعدة وتحفيزها وتثمين قدراتها من أجل النهوض بقيم المواطنة والسلوك المدني في الحياة المدرسية.

وتشارك في المهرجان الوطني للمجموعات الصوتية جميع المجموعات الصوتية المنتمية إلى المؤسسات العمومية والخاصة وفق شروط ومواصفات محددة. وتجرى مسابقات المهرجان على صعيد المؤسسة بالتباري بين المجموعات الصوتية لأندية المؤسسة من أجل اختيار الفرقة التي ستمثلها في إقصائيات المرحلة الموالية؛ وهي المهرجان الإقليمي الذي ينظم على مستوى النيابة من أجل اختيار المجموعة المؤهلة للمنافسة في إقصائيات المهرجان الجهوي الذي يختار من بين المجموعات المتبارية المجموعة الصوتية المؤهلة للمنافسة وطنيا في المهرجان الوطني. وتتكون لجنة التحكيم لهذا المهرجان من مفتش للتربية الموسيقية، ورئيس مكتب الأنشطة وثلاث أساتذة للتربية الموسيقية وتلميذ.

وقد جاء تنظيم هذا المهرجان بتعاون بين وزارة التربية الوطنية والجمعية المغربية للتربية الموسيقية في إطار تفعيل توجهات البرنامج الاستعجالي في الارتقاء بجودة الحياة المدرسية، وجعل فضاء المؤسسات التعليمية مسرحا للأنشطة التربوية الهادفة إلى صقل مواهب التلاميذ في المجال الموسيقي والغناء الجماعي، واعتبارا لكون التربية الموسيقية تمثل دعامة أساسية لإرساء مدرسة النجاح.

و يشكل المهرجان محطة نوعية للتفاعل والتلاقح بين مختلف المواهب والإبداعات الفنية والموسيقية، ومجالا للتنافس الخلاق وتنمية الذوق الفني والحس الجمالي لدى التلميذات والتلاميذ، كما يمثل مناسبة لتشجيع الإبداع الموسيقي لأساتذة التربية الموسيقية ولإثراء الخزانة التربوية الموسيقية.

و يتوج المهرجان أفضل الإنتاجات من خلال الجوائز التالية :

 جائزة أحسن مجموعة صوتية على الصعيد الوطني.

 جائزة أحسن إبداع خاص بتأليف و تلحين أغاني و أناشيد تربوية.

 جائزة أحسن إشعاع في ميدان التنشيط التربوي بالنسبة للأستاذات والأساتذة .

 جائزة أحسن نادي موسيقي بالمؤسسات التعليمية.

هناك مشاكل كثيرة لا زالت المادة تتخبط فيها المادة، بالرغم من مضي سبع عشرة سنة على استحداثها منها :

● عدم توصل الكثير من أساتذة التربية الموسيقية بعدة نيابات تازة، الدريوش، الناظور، إلى يومنا هذا بأي شيء من الوسائل الديداكتيكية والآلات والأجهزة الضرورية لتدريس المادة.

● رفض الكثير من المديرين تطبيق مذكرة توزيع الحصص بحجة صعوبة التفويج أو عدم إقتناعهم بست ساعات للتنشيط وتفضيلهم تعويضها بالتدريس كما يفعلون عندما يمنحون الأساتذة 24 ساعة للتدريس وعندما يحتجون يكون رد الإدارة بأن التنشيط بالنسبة إليهم ثانوي. ويطالب الأساتذة بضرورة تدخل السادة المفتشين لتطبيق هذه المذكرة،

● عدم التقدم في تحقيق مبدأ التعميم، بسبب غياب توجيه الموارد البشرية نحو تعميم المادة على المؤسسات التي أحدثت فيها. وبعد استيفاء هذه المؤسسات حاجتها من الأساتذة، يمكن عندئذ إحداث التربية الموسيقية بمؤسسات أخرى، مع ملء كل منصب يصبح شاغرا بسبب انتقال الأساتذة.

وعرفت سيرورة إدماج التربية الموسيقية بالمغرب تراجعا غير مسبوق في السنتين الأخيرتين. لم تصبح بعد مادة أساسية وإجبارية، وتراجعت عملية تعميمها، بل الأدهى من ذلك رواج إشاعات عن اعتزام الوزارة حذفها من البرنامج الدراسي. وقد طرح سؤال في إحدى جلسات البرلمان على السيد محمد الوفا وزير التربية الوطنية السابق يتعلق بصحة هذه الإشاعات، وكان رده أنها غير صحيحة، وأن الوزارة لا يمكن أن توقف تدريس هذه المادة التي تعتبر- حسب قوله- ذات أهمية ولها دور في تهذيب الأطفال. إلا أن الموسم الدراسي 2013-2014 قد سجل حدثا لا يخدم إدماج التربية الموسيقية في المنظومة التربوية. تمثل هذا الحدث في توقف شعبة التربية الموسيقية في المركز التربوي الجهوي عن استقبال طلبة أساتذة جدد لتكوينهم خلال هذا الموسم وإعدادهم للموسم القادم، لأن توقفت عن فتح المباراة لولوج هذه الشعبة لأول مرة منذ سنة 1995، تاريخ إقرار التربية الموسيقية كمادة دراسية في السلك الإعدادي.




تحتاج عملية إرساء إدماج مادة التربية الموسيقية إلى مجهود إعلامي تحسيسي دائم من شأنه أن يجلي الغموض الذي يلف هذه المادة لدى الكثير من الآباء والمعنيين. ويصحح تمثلات المجتمع حول الفن والموسيقى بشكل خاص، في زمن الثورة التكنولوجية الذي أضحى يفرض علينا التقدم في علاقتنا بالفنون، وفي ظل التطور المذهل لعلوم التربية في علاقتها بعلم الموسيقى. وما بينته التجربة التربوية عالميا من دور باهر للتربية الموسيقية وفعالياتها المدرسية في تطوير القدرات وبناء الكفايات العالية.