المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ محمد رفعت: صوت الخشوع في رمضان والمزاج الروحاني للمصريين


هشام سعيدي
14/07/2014, 21h45
http://www.alquds.co.uk/?p=193005

ليلى ابو مدين
25/12/2014, 08h32
شكراً جزيلاً لحضرتك الاخ العزيز د/ هشام
على هذه المقالة الهامة عن صاحب الصوت الماسي الشيخ محمد رفعت رحمه الله
.................................................. .......................

الشيخ محمد رفعت: صوت الخشوع في رمضان والمزاج الروحاني للمصريين
عزف الموسيقى ودرس المقامات الشرقية وصادق الحامولي وسلامة حجازي
JULY 14, 2014



http://www.alquds.co.uk/wp-content/uploads/picdata/2014/07/07-14/14qpt895.jpg

القاهرة ـ «القدس العربي» ـ من كمال القاضي: بالرغم من تعدد مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم وظهور نجوم كثيرين من الدعاة ومقرئي القرآن الكريم والانشغال بالقضايا الراهنة فما زالت الظاهرة الصوتية للقارئ الشيخ محمد رفعت هي الأكثر تفردا وجذبا منذ ميلاد الشيخ في عام 1872 وحتى الآن، فالطفل النابغة الذي فقد البصر في الثانية من عمره امتلك حنجرة ماسية جعلته ينفذ إلى القلوب بسرعة الصوت، ويمثل بصيرة لكل المريدين والمحبين كأن خواص النظر والرؤية انتقلت إلى صوته وإحساسه فصار صاحب الامتياز الأول في العذوبة والتأثير.
احترف محمد رفعت قراءة القرآن بعد أن حفظه عن ظهر قلب بأحد الكتاتيب الكائن بشارع البغالة بالسيدة زينب، وهو الشارع الذي سمي باسمه.
بعد أن توفي والده إبان حصوله على الشهادة الأزهرية واعتماده شيخا بالأزهر الشريف عمل على قراءة القرآن في المناسبات حتى ينفق على نفسه وأهله فذاع صيته واشتهر بأدائه المؤثر الرصين، لا سيما أنه كان يتميز بسمة خاصة أثناء القراءة والتجويد ألا وهي انسياب الدموع من عينيه خشوعا وضروعا مما دعا للالتفاف حوله والتجاوب مع إحساسه المرهف. وعلى هذه الخلفية الإيمانية وتلك المقدرة الفذة في التأثير اتفقت الإذاعة المصرية في وقت مبكر مع المقرئ الشاب على إحياء الليالي الرمضانية بما يتيسر من آيات الذكر الحكيم مقابل مائة جنية طوال الشهر الكريم، وما أن بدأ رفعت لياليه القرآنية بالإذاعة المصرية حتى أصبح نارا على علم ينتظره العامة والخاصة كل يوم.
أما الراديو فقد تجاوز تأثيره فيه المحيط المحلي إلى العالمية وأخذت الإذاعات الأجنبية تذيع عبر شبكاتها الموجهة ما يقوم بقراءته وتسجيله لخطب ود المسلمين بالدول الإسلامية لضمان تأييدها في الحرب العالمية الثانية، بل أن إسرائيل وهي الدولة العدوة تناول إعلامها ظاهرة الشيخ رفعت بنوع من الإجلال والتوقير واعترفت بموهبة الرجل الفائقة في التأليف بين القلوب بما يمتلكه صوته من خصائص ومزايا روحانية خصه الله بها دون سائر الأصوات.
لم يأخذ الشيخ الجليل موقفا معاديا من الموسيقى ولم يحرمها وإنما سعى إلى العزف على العود ودراسة المقامات الشرقية ليثقل موهبته بالعلم ويتدرب كثيرا على مهارات الصعود والهبوط والانتقال من مقام إلى مقام بسهولة ويسر ودون أدنى معاناة.
مقام السيكا كان أقرب المقامات الموسيقية وأنسبها إلى صوته فمنه ينطلق عادة حيث يرفع بصوته الدرامي الرخيم الأذان ويبعث في قلوب المستمعين الخشية، ومثلما ارتبط وجدان الشيخ بالموسيقى أرتبط هو أيضا على المستوى الشخصي بالإعلام من الموسيقيين فاقترب من سلامة حجازي وصفر علي وكامل الخلعي وعبده الحامولي وسيد درويش وأخذ عنهم القواعد الموسيقية وأصول الترتيل والتجويد وعلم الأصوات وبعد الرواد الأوائل اقترب من رفعت، وسعى إليه جيل أخر نبغ منه عبد الوهاب والسنباطي وأبو العلا محمد وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب كان هو الأقرب على وجه الخصوص من الشيخ محمد رفعت إذ ظل يجلس تحت قدميه وهو يقرأ القرآن معتبرا نفسه في محراب وأمام قطب كبير على حد قوله واعترافه.
زادت حيثية القارئ الكبير فاتسعت دائرة صداقاته وعلاقاته وشملت الملوك والأمراء والرؤساء ودعي رسميا إلى العديد من الدول العربية والإسلامية لإحياء مئات الحفلات والمناسبات الدينية، وقد كان له النصيب الأوفر من الأموال والهدايا ولكنه أنفق الكثير على فعل الخير وأعمال البر والتقوى ولم يدخر شيئا لأيام الضجر والمرض واستمر يواصل عطاءه بسخاء وكرم ورفض أن يكون لميكروفون الإذاعة المصرية بديلا فأثيرها هو من يحمل صوته للعالم كله فلا حاجة إذن لهجرته والسعي لمال أكثر في وطن أخر أعجمي أو عربي وهو الزاهد الورع.
لقد عرضت دولة الهند عليه مبلغ ثلاثة آلاف جنية في الشهر مقابل الإقامة بها والقراءة في إذاعتها، وكان لهذا المبلغ اعتباره القوي وقت عرضه في الأربعينيات من القرن الماضي، ولكنه أبى أن يترك موقعه ومنصته الإذاعية المهمة والرئيسية وفضل الجنيهات القليلة على الآلاف مقابل دفء بلاده ووطنه وأهله وناسه ومريديه.
منح أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي الشيخ محمد رفعت قطعة أرض من ممتلكاته الخاصة فأقام عليه مدفنا له ليكون مرقده واستراحته الأخيرة ومضى يزوره يوميا لمدة ثلاث سنوات يقرأ فيه القرآن ويهيئه لاستقباله وبالفعل نام فيه الرجل نومه الطويل بعد صراع طويل مع المرض إثر إصابته بورم في الحنجرة أقعده عن القراءة وحرم الملايين من حلاوة وعذوبة صوته السلسبيل.
ومن المآثر الدالة على عفة ونزاهة وزهد صاحب الرسالة الدينية السمحة رفضه لما تم جمعه من تبرعات مالية وصلت نحو مليون جنية ليتمكن من العلاج بعد أن كتب الكاتب الصحافي فكري أباظة مقالا يدعو فيه لعلاج الشيخ الكريم من مرض السرطان فلبت الجماهير من المحيط إلى الخليج الدعوة بينما جاء القرار من المريض النبيل بتحويل التبرعات إلى بند الصدقات ولم يكن يملك أي شيء بعد أن باع الغالي والنفيس بغير جدوى.
وأخيرا استبد المرض بالمريض وسكتت الحنجرة إلى الأبد وتوقف عزف قيثارة السماء.