المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن راح منك يا عين


مصطفى نصر
12/01/2013, 13h59
إن راح منك يا عين...

قصة: مصطفى نصر

كنتُ استذكر دروسي في بيت قريبي وصديقي رجب ،ونمت بعد الظهر في الحجرة المخصصة لمذاكرتنا ،والمنفصلة عن باقي الشقة ، وصحوت من نومي ففوجئت به أمامي ،إنه " حسن المنشاوي " الذي أصبح صديقي بعد ذلك .
كان زميلاً لقريبي رجب في المدرسة وجاء ليستذكر معه .تحدثنا معا ،واكتشفنا التقارب في اهتماماتنا ،كنا ننتظر حتى ينام من يستذكر معنا ،ونجلس أنا وهو نتحدث عن الفتيات والنساء ، إلى أن تشرق شمس اليوم التالي.
وزرته في بيته في " شارع الشموس " كثيرا ، كنا نتابع النسوة من خلف شيش شباكهم ،المرأة السمراء الشهية التي تضغط صدرها على حافة الشرفة وهي تنظر منها ،فيظهر لنا ثدييها بوضوح . ويحكي لي عن قريبته التي تسكن في البيت المقابل، كانت تحبه وتوصي زوجة أخيه الكبير بأن تحدثه عنها، ولكنه لم يكن يعرها أي اهتمام .
اغتنى والده الذي يمتلك محلا لتجارة الكهرباء في محطة الرمل واشتري أرضاً في لوران وبني عمارته الكبيرة في شارع شعراوي، وبني فوق سطح البيت حجرتين ودورتي مياه بجوار كل حجرة ، فكنا نقضي في الحجرتين وقتنا ، نتابع الفتيات والنسوة في العمارات المواجهة للبيت ،كان سطح البيت مواجه لشقة في عمارة عالية ،تسكنها أسرة من مدينة ريفية قريبة من الإسكندرية.لم نجد فيها من نتابعه أو نهتم به ،كانت فتاة صغيرة تشاغلنا ، وترقص أحيانا أمامنا ، حيث لا يراها أحد سوانا ، فكنا ندخل حجرتنا ونتركها ،مما كان يضايقها .
فوجئ حسن صديقي بتليفون وهو جالس في دكان والده . وأغنية شادية :
إن راح منك يا عين ، حايروح من قلبي فين؟
القلب يحب مرة ، ما يحبش مرتين
حاول أن يعرف الذي يرسل الأغنية ، لكن الخط انقطع .
كل يوم ،يدق التليفون ،ويسمع هذه الأغنية،ولا يسمع صوتاً سواها ،ثم تحدثت ،قالت إن اسمها على اسم صاحبة الأغنية ،عرفته بنفسها ،هي البنت التي كانت صغيرة،ترقص فوق السرير في مواجهة الشباك أمامنا.
قابلته في سيارته،وجلسا معا في محلات عامة ، كان يضع يده فوق جسدها ويقبلها ، حتى قالت له:
- مش عارفه كنت عايشة إزاي من غير الحاجات دي.
ألحت عليه بأن يدّخر مبلغا من المال شهريا ليتمكن من خطبتها ، قالت له:
- حوش معايا، كل مرة تديني مبلغ اشيلوهلك.
لكنه لم يعط للموضوع اهتماما، حتى جاءته يوما قائلة :
- فيه خطيب عايز يتجوزني.
ظنها غير صادقة في قولها ،وإنها تحثه على خطبتها ،كان يرن عليها في التليفون، فتعرف أنه يريدها ، فتنزل ويتقابلان قريبا من البحر ، لكنه يدق الآن التليفون كثيرا ولا تنزل إليه .وفوجئ بأنوار على شرفاتهم، ونوافذهم، فسأل عن ذلك ، قالوا : " إن شادية ستخطب ،وخطيبها ضابط شرطة ".
تطورت الأمور سريعاً، لقد نبهته إلي ضرورة خطبتها قبل أن يأتي آخر ويخطبها ، لكنه لم يعط للأمر أهمية .
بعد الحفل بأيام ألح على أمه:
- أذهبي إليهم واخطبيها لي .
- لقد خطبت ، والكل يعلم بذلك .
توسل إلي أمه ،فاضطرت أن تذهب إليهم ،قابلوها في ترحاب شديد ، قالوا لها:
- أنتم ناس طيبين ، لكن شادية خطبت ، والحفل كان منذ أيام قلائل.
عادت أمه كسيفة ،وأرسلوا إليها في اليوم التالي ، قفصين :بلح وجوافة من مزارعهم .
تغير حسن كثيرا ، بعد أن كانت هي التي تلح في مقابلته، وكان يتهرب منها أحيانا متحججا بالعمل والمشغولية ،أصبح هو الذي يبحث عنها ، انتظرها أمام المعهد الفني التجاري الذي تدرس فيه، ناداها فلم تلبي النداء، فسار خلفها، وقفت وقالت في صوت خافت مرتعش:
- أرجوك ، أنا الآن مخطوبة .
- دقيقة واحدة.
- آسفة.
واسرعت إلى الطريق .
في عيد ميلادها ،اهداها أغنية شادية " إن راح منك يا عين "، من إذاعة الإسكندرية، وذكر اسمها ، ولا يعرف إن كانت سمعت الأغنية أم لا. وألح على زميلة لي في العمل ،خريجة المعهد الفني التجاري لكي تدخل المعهد وتعطيها هديته في عيد ميلادها .لكن شادية رفضت أن تقبل الهدية ، وقالت لزميلتي التي بحثت عنها حتى قابلتها في المعهد:
- أرجو أن تقدري موقفي ، أنا مخطوبة الآن .
مازلتٌ أنا وحسن نذكر بإعزاز أغنية شادية " إن راح منك يا عين "، ونحس بطعم خاص لها ، ولا نشبع من سماعها .