الإشكال في هذا الإستخبار التونسي هو أنه يكرر نفس الجمل اللّحنية التي تعودنا على سماعها حتى كادت تخرجه عن وظيفته الأساسية وهي الإرتجال. والمرتجل وإن إعتمد بعض الصيغ اللّحنية إلا أنه يتوجب عليه حسب رأيي إعمال خياله للتنويع فيها بحيث تأخذ مسارا لحنيا مختلفا وإن حملت روح هذه الصيغ والقوالب اللّحنية، والّتي يكتسب من خلالها الطبع (المقام) خصوصيّاته. ويظهر أن لظهور وسائل التّسجيل الصوتي وإعتمادها المفرط كطريقة للتلقي والحفظ من بين الأسباب التي جعلت المُؤدي يجنح إلى التقليد بحيث تحول الإرتجال لدى البعض إلى نوع من التّأليف الآلي الذي يُعاد أداءه مع قليل من الإضافات الفرديّة: مثل قلب الجمل بتقديم بعض الخلايا اللّحنية وتأخير الأخرى، وإضفاء بعض الزخارف، والتصرف في مجالها الزمني إلى غير ذلك من الوسائل. وهذا لا يستدعي الكثير من بذل الجهد والإبداع لدى العازف إذ يركن إلى محصّلته من هذه "الكليشيهات" التقليدية، مما أدخل هذا النوع من الممارسة في أزمة إبداعية حقيقية بالرغم من جودة أداء بعض العازفين وتمكنهم من تقنيات الآلة الموسيقية.