تصحيح وإعتذار
تصحيحا للمشاركة السابقة أغنية فريد الاطرش عدت يا يوم مولدى فهى للشاعر الكبير كامل الشناوى وليست لشاعرنا الكبير مأمون الشناوى وأرجو من السادة المشرفين أن يصححوا هذا الخطأ
وأقدم إعتذارى عن هذا الخطأ نظرا لأن التعاون بين مأمون الشناوى وفريد كان مألوفا ولحن له الكثير من الأعمال فلم انتبه فيما وقعت فيه وهذا ليس تبريرا وإنما توضيح
وإسمحوا لى أن أقدم لكم مقال نشر منذ فترة فى لبنان عن قصة تلحين فريد لهذه القصيدة (والحجةعلى الراوى)
كانت كلّ شيء في هذه الدنيا بالنسبة إليه…
أحبها بجنون، وتخيّل، حسب وصفه: شلال الكرز ينهمر من شفتيها، وعبير العنبر وكل المتبّلات الحارّة في الشرق تشرق من جبينها، وسحر الليل في عينيها، والدلال المغناج في شعرها المتهدّل على كتفيها…
إنها (المطربة الرائعة.......) … وهو كامل الشناوي، أمير شعراء الحبّ، الحامل قلبه يتحسّس به خطاه في الدنيا، فيتجسّد حبراً سرمديّاً عبر كلمات وأغنيات عاشت في خيالنا واستقرّت فيه وفي ضمير أجيال وأجيال، وستبقى، ما دامت هناك قلوب تخفق وعيون تتلاقى ودموع تنهمر…
كان الشناوي يعلم بأن (المطربة الرائعة......) لا تبادله المشاعر نفسها، وكان لا يتجاهل ذلك، بل يتوجّها إليها بما يشبه البوح والشكوى والأسى، قائلا: أفهميني على حقيقتي… أنّني لا أجري وراءك بل أجري وراء دموعي، كون العاشق يهوى عذابه، لأن في عذابه لذة…
بداية الحكاية
بدأت القصّة عندما دعت (المطربة الرائعة.......) الشاعر الشناوي في الخمسينيات من القرن الفائت إلى حفل عيد ميلادها. وقبل يومين من الموعد المحدد، أخذ يفكر بإختيار هديّة مناسبة لها… هديّة تعبر عن مشاعره تجاهها…
وقع في حيرة… لكنه لم يستسلم…
جال في شوارع القاهرة كلها، ولم يترك فيترينة متجر تعتب عليه، إلى أن كان له ما أراد: عطر باريسي آسر وساحر، يتكامل مع سحر الحبيبة…
قبل وصوله إلى منزلها، كان يحلم… لكن هذا الحلم تحوّل فجأة إلى كابوس…
قرع الجرس…
لحظات إنتظار حوّلها الشوق دهرا…
بعدها فتح أحدهم الباب…
وكانت الصاعقة: يد رجل تلامس يدي (المطربة الرائعة......) برفق وحنان!!!
ماذ فعلت يا زمن؟
بسرعة البرق ترك الهديّة على طاولة في المدخل، وانسحب بهدوء وسكون، من دون ان يشعر به أحد… وأسرع عائداً إلى منزله…
في البيت صفعته المرآة!..
كان سابقا يرى نفسه بمرآة الشاعر، وينظر إلى شكله بعين البصيرة وليس بعين البصر… أما هذه المرة فكان الأمر مختلفا، لأن المرآة البلورية لا تكذب، بل تنقل بصدق وأمانة الصورة الحقيقية…
الصورة الحقيقية؟! لا… بل قل الصفعة: شعر ملأه البياض، أخاديد حفرتها السنون على الوجه، وجسم ضخم يزن خمسة أضعاف جسم (المطربة الرائعة......)…
صدمتان في يوم واحد، كانتا أشد قوة من قدرة الشناوي على التحمل… ولم يكن أمامه إلا القلم لإنتشاله من الألم… فإستله، وكتب بمداد القلب ودمع العين:
عدت يا يوم مولدي/عدت يا أيها الشقي/الصبا ضاع من يدي/وغزا الشيب مفرقي/ليت يا يوم مولدي/كنت يوما بلا غد/ليت أني كنت من الأزل/لم أعش هذه الحياة/عشت فيها ولم أزل/جاهلاً أنها حياة/أنا عمر بلا شباب/وحياة بلا ربيع/أشتري الحب بالعذاب/أشتري فمن يبيع؟.
سرور يقارب الجنّة
بعد تلك الليلة الليلاء بأسبوع، التقى الشناوي بمحمد عبد الوهاب، الذي سأله: هل من جديد يا كامل؟.
ولم يتردد الشناوي، بل سحب القصيدة على الفور، وقرأها له…
وبدوره، لم يتأخر عبد الوهاب في الإعراب عن دهشته وإعجابه بالإبداع الذي وجده في كل حرف من حروفها… معبرا عن هذا الإعجاب بكلمتين، مختصرتين مفيدتين، قالهما بالعامية المصرية: حا لحنها…
وروى الموسيقار سيد مكاوي، في هذا الصدد، ان سرور الشناوي قارب الجنّة، ونقل عنه رده بعفوية على بادرة عبد الوهاب، قائلا: حتبقى أجمل لحظة في عمري لما حاسمعها ملحّنة على يدي الملك، وهو اللقب الذي عرف به الموسيقار الكبير.
ومرت الأيام…
سنتان وستة أشهر، لم يظهر خلالها اللحن المنتظر… وكان الشاعر يتألّم، وكبرياؤه يمنعه من الاتصال بعبد الوهاب… إلى أن التقى بالموسيقار فريد الأطرش في أحد المقاهي المعروفة في شارع 26 يوليو في القاهرة، فبادره فريد بالقول: في حاجة جديدة أستاذ كامل؟؟.
تردّد شاعرنا قليلا، ثم سحب القصيدة من جيبه وسلّمها إلى فريد، الذي قرأها وهو مندهش أشد الأندهاش، قبل ان يسمع منه قصتها القصيدة مع عبد الوهاب…
وكانت المفاجأة بعد عشرين يوماً، حين التقى في المقهى نفسه، كل من: عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، كامل الشناوي، سيد مكاوي وفريد الأطرش… وكان سؤال الجميع لفريد هل من جديد لديك؟؟
وكأنّها لحظات سحرية تاريخية، امسك فريد بالعود وعزف قرابة الخمس دقائق، عزفاً منفرداً ، إنهمر معه اللحن الخالد، الذي سبق عصره بنصف قرن: عدت يا يوم مولدي… عدت يا أيها الشقي…
فما كان من عبد الوهاب، عند انتهاء فريد من العزف والغناء، الا أن قال له بنفسية العبقري النبيل الذي يعترف بالآخر: الله الله الله يافريد… دي القصيدة في جيبي من سنتين ونص… ، الله يخرب ذوقك … دا عظيم…
وردّ فريد بلهجة الفنان الواثق وبتواضع الكبار وأمام كامل الشناوي: أخذتها من كامل منذ عشرين يوما، وأخذت معي خمسة عشر يوماً، واكتمل لحنها…
كانت لحظات تاريخية خالدة… أيام العز والفن الجميل، حيث الإحترام المتبادل، وحيث الفن يرتقي ويعلو ويسمو بالدنيا والعالم والناس…
قصة أحببت أن أوثقها للتاريخ، كما جاءت على لسان الموسيقار سيد مكاوي في أحد مجالس آل الأطرش الكرام في السويداء، لمناسبة الذكرى السابعة لوفاة الموسيقار الكبير فريد الأطرش.
المصدر: المهندس محمود الاحمديه – “الانوار”
منقول بتعديل