اي حياة احلى حياتهم ام حياتنا ؟
زمان كانت أسماؤنا أحلى ... حين كانت النساء أكثر أنوثة ، ورائحة البامية تتسرب من شبابيك البيوت، وساعة "الجوفيال" في يد الأب العجوز أغلى أجهزة البيت سعراً وأكثرها حداثة، وحبات المطر المنهمرة أكثر اكتنازاً بالماء.
زمان ... كانت أخبار الثامنة أخف دماً، ومذاق الشمس في أفواهنا أطيب طعما، والطرقات أقل ازدحاماً، وبنات المدارس يخبئن أنوثتهن في صفحات دفتر العلوم.
زمان ... كانت غمزة "سميرة توفيق" أكثر مشاهد التلفزيون جرأة، و"مجلس النواب" حلماً يداعب اليسار المتشدد، وأجرة الامانة 15 فلسا للدرجة الاولى و10 فلوس للثانية، والصحف تنشر أسماء كل الناجحين بالبكالوريا.
زمان ... كان المزريب يخزّن ماء الشتاء في البراميل، وكُتّاب القصة ينشرون قصصهم في مجموعات مشتركة، ودعوات العرس توزع في منديل وفيه "جكليت" مغلف بسيلفون وتسمى "جفية"، والجارة تمدّ يدها فجراً من خلف الباب بقوري جاي حار للزبّال الذي يمسح عرقه ويستظلّ بالجدار.
زمان ... كانت "الدورة والبياع" آخر الدنيا، و"فكر واربح" أهم برامج المسابقات، ولم نكن نعرف بعد بأن ثمة فاكهة تتطابق بالاسم مع ملمع الأحذية "الكيوي" لاننا لم نكن نعرف سوى "ابو التمساح".
زمان ... كان التليفون اسرع وسيلة للاتصال ولم نكن نتصور بأننا يوماً ما سنخلع جهاز الهاتف من "وايره" ونحمله في جيوبنا, وكان "الانترنت" رجماً بالغيب لم يتوقعه أحذق العرّافين، ولو حدّثتَ أحدا يومها عن "العدسات اللاصقة" لاعتبروك مرتدّاً أو زنديقاً تستحق الرجم، أما "الماسنجر" فلو حملته للناس لصار لك شيعة وأتباع!
زمان ... كان"الكمون" يوصف علاجاً للمغص، والأولاد يقبلون يد الكبير صباح العيد، والجكليت والـ "ويهلية" وصينية "الزلابية" في مقدمة أحلام الطلبة المتفوقين!
زمان ... كانت "جريدة الراصد" لصاحبها الفكيكي أهم الصحف وأجرأها على الإطلاق، و"ألمانيا وبريطانيا وامريكا"لم يكونا بلاد الأحلام، وصورة المطربة صباح مطبوعة على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط.
زمان ... كنا نصحو على صوت "فيروز" وبرنامج "ابو رزوقي" يعطي نصائح المرور للسائقين ومخالفاتهم الصباحية ويقوله له "عيني انت ابو الموسكوفج الزركة لو شوية على كيفك بالسرعة مو احسن احنا نخاف عيك وعلى سلامة الناس الماشين بالشارع"!
زمان ... كنا نرى الضابط يمشي مزهوا بنجماته والطيار يتمخطر بجناحه معلقا على صدره , لم نكن ندري بانه سياتي يوما سيكون "ار بي جي 7" يحمل من قبل "زعاطيط" في وسط الشارع ليرهبونا ويقتلونا بدم بارد.
زمان ... كنا نترقب مساءا "خيرية حبيب" او "كامل الدباغ" او "مؤيد البدري", والتلفزيون يغلق شاشته في موعد محدد مثل أي محل أو مطعم!
زمان ... كان عندنا "مدينة واحدة للألعاب" هي وجهة الأثرياء والفقراء سواء للعب وتسلية العائلة، والسفر إلى الشمال او البصرة يبدأ بتحضير الجنط ومتاع السفر قبل يومين، وجامعة بغداد والمستنصرية هي كعبة الطلاب في العالم العربي!
زمان ... كانت أقلام البيك الأحمر هي الوسيلة الوحيدة للحب قبل اختراع الموبايلات، وكانت المكتبات تبيع دفاتر خاصة للرسائل أوراقها مزوّقة بالورد ومعطرة، أما الورد ذاته فكان يباع فقط في المشاتل او الفنادق الفخمة حيث الأرسترقراطية الباذخة في ذلك الزمان!!
زمان ... كانت جوازات السفر تكتب بخط اليد، والسفر الى سوريا وتركيا يكون بالقطار، وفيزة امريكا وبريطانيا وفرنسا تاخذها وانت تشرب الشاي امام مبنى السفارة, وقمصان "النص ردن" للرجال تعتبرها العائلات المحافظة عيبا وتخدش الحياء!
زمان ... كانت البيوت تكاد لا تخلو من صوبة "علاء الدين" ذات البرج الفستقي المتكسر الالوان لعدم اختراع الالوان الحرارية بعد، ومبردات الهواء ماركة "الهلال" حلم كل منزل لان "الواتر بمب" فيها احسن من غيرها من الانواع.
زمان ... كانت الأمهات يعجنّ الطحين في الفجر ليخبزنه في الصباح، وبطل "الحليب المعقم" نشتريه ابو السيفونة الحمرة وبطل الحليب المطعم "ابو الموز لو ابو الكاكاو لو ابو البرتقال" ابو السيفونة الصفرة، والجارة الأرملة تجلس من أول النهار على عتبة الدار مهمومة ويدها على خدّها!
زمان ... كان مسلسل "الذئب وعيون المدينة" للفنان خليل شوقي و سليم البصري وقاسم الملاك وطعمة التميمي ومي جمال "حسنية خاتون" تلعب باحاسيسنا غير البريئة وتجمع كل الناس مساء.
زمان كانت مباريات "الشرطة والزوراء" تجمعنا في ملعب الشعب بين 60 الف متفرج لايستطيع اي قمر صناعي تحديد من هو السني ومن هو الشيعي بينهم، وكان "رعد حمودي" أفضل حارس مرمى في كرة القدم ولم نتخيل بانه سيرشح في الانتخابات في يوم من الايام!
زمان ... كانت الناس تهنئ أو تعزّي بكيس سكّر "أبو خط أحمر" ابو 50 كيلو غرام، والأمهات يحممّن الأولاد في الطشت، و"الصوغة" يحملها الناس لزيارة المرضى!
زمان ... كان مذاق الأيام أشهى، والبرد يجعل أكفّ التلاميذ حمراء ترتجف فيفركونها ببعضها، وكان "بدري حسون فريد" في دور "الجلبي" أعتى رمز للشر.
زمان ... كانت لهجات الناس أحلى، وقلوبهم أكبر، وطموحاتهم بسيطة ومسكينة وساذجة! الموظفون ينامون قبل العاشرة، والزوجة في يوم الجمعة تخبئ كبدة الدجاجة وقوانصها لتقليها للزوج دلالة على تدليله!
زمان ... كانت الشمس أكثر صرامة في التعامل مع الصائمين، والمطر لم يكن يخلف موعده السنوي في اذار "ابو الهزاهز والامطار", والحياة كانت أكثر فقراً وبرداً وجوعاً، لكنها كانت دائماً بهيجة خضراء!
اي حياة احلى حياتهم الان ام حياتنا ايام زمان
مقتبس بتصرف