ويستمر اعلام العراق في الرحيل بالمنافي
علم اخر من اعلام العراق يرحل بصمت , لكن اين ؟ في ديار الغير وبين الغرباء . محمد غني حكمت الفنان العراقي الكبير يترجل عن جواده ثم يمشي وحيدا الى عالم الخلود .
فكعادتي كل صباح فتحت حاسبتي لارى ما ارى من اخبار فقرأت خبر نعي الفنان الكبير محمد غني حكمت الذي رحل هذا اليوم في عمان . قرأت الخبر واعتصرت قبضتي واحسست بان الجندي الذي حطم قضبان زنزانته في نصب الحرية قد هبط من جداريته اليوم وانزوى متكئأ على احد أعمدة الجدارية ليبكي رحيل انامل من صمم هذا النصب الشامخ . قرأت الخبر واحسست بان كهرمانة قد ملآت جرتها اليوم بدموعها واخت تسكبها بدلا من الزيت ألما على رحيل من صاغت يداه ذلك النصب الرائع . قرأت الخبر واحسست بان شهرزاد لم ترقص اليوم كعادتها امام شهريار في شارع ابي نواس بل هي اليوم تنتحب وتبكي حزنا على غياب اصابع العبقري التي صنعتهما . قرأت الخبر واحسست بان جدارية مدينة الطب قد انزلت خامة سوداء على نفسها اليوم وقررت ان لا يشاهدها بعد الأن احد لان صاحبها قد فارق الدنيا حتى دون ان يودعها . قرأت الخبر واحسست بان المتنبي لم يعد يضع يده على صدره في تمثاله وهو يقول "انا الذي نظر الاعمى الى ادبي" بل رفع كلا يداه ووضعهما على رأسه وهو يقول باكيا "انا الذي غاب عني من صنعني" . قرأت الخبر واحسست بان بغداد لابد ان يكون الخجل قد اخذ منها اليوم مأخذا واخفت وجهها مستحية لانها لم تحتضن كما تفعل بقية الامم حين يرحل من أحبوها وعشقوها . قرأت الخبر وشعرت بان العراق لابد ان يكون قد دخل اليوم في موسوعة غينس للارقام القياسية في موضوع لفظ الدول وكرهها لاعلامها ومبدعيها .
لا بأس عليك يا ابا ياسر , فقد اديت ما عليك وعبرت بفخر عن حبك لوطنك وبلادك وتاريخك . لا بأس عليك ايها الفنان الكبير فها انت تمضي رافعا رأسك بعد زينت اعمالك ساحات بغداد ومعالمها . لا تحزن ابها العزيز اذا كان من حمل نعشك اليوم اناس قد تكون لا تعرفهم لان العالم كله يعرفك ويعرف نتاجاتك . ولايهمك ايها النحات المبدع ان يكون مضطجعك الاخير في بغداد او في اي مكان اخر , بل صدقني فان من لم يضمك ثراه هو الخاسر وهو المتألم .
المجد والخلود لك يا فنان الشعب
والى جنات الخلد
ولد الفنان محمد غني حكمت في بغداد عام 1929 . تخرج من معهد الفنون الجميلة - عام 1953 . حصل على دبلوم المداليات من مدرسة الزكا في روما عام 1957 . حصل على دبلوم النحت من اكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1959 . حصل على الاختصاص في صب البرونز من فلورنسا عام 1961. عضو مؤسس في جماعة الزاوية وتجمع البعد الواحد . عضو في جماعة بغداد للفن الحديث وساهم في معارضها . ساهم في اغلب المعارض الوطنية داخل القطر وخارجه . اقام عدة معارض شخصية في روما وبيروت وبغداد . حصل على جائزة احسن نحات من مؤسسة كولبنكيان عام 1964 . له مجموعة من التماثيل والنصب والجداريات في ساحات ومباني مدينة بغداد منها: تمثال شهرزاد وشهريار في شارع ابو نؤاس ، نصب علي بابا والاربعين حرامي (كهرمانة) ، تمثال حمورابي ، تمثال المتنبي , جدارية مدينة الطب , كما اعد تصميم نصب الحرية في بغداد ونفذه النحات جواد سليم .
رحل الى عالم الخلود في هذا اليوم 13 ايلول 2011 في عمان .