المقام العـراقي
تـعـريـف الـمـقـام
هو لون عراقي من الغناء القديم تصاحبه الآلات الموسيقية ، وهو تراث موسيقي يتسم بصفة أو طبيعة ارتجالية في الغناء والعزف على مختلف السلالم الموسيقية التقليدية بطريقة مضبوطة ، هذا من كون المناسبة دنيوية ، اما اذا كانت دينية فيقثصر على استخدام الجزء الغنائى بدون آلات موسيقية كما في المولد والتهاليل والتواشيح والتحميد ، والمقام العراقي قريب الشبه بكل من المقام الاذربيجاني والرديف الايرانى ويقترب ايضا ببعض الصفات من المقام الطاجيكي والاوزبكي ولاكنه يختلف عن كل هذه المقامات بصفات اخرى ، ان المقام العراقي يقتصر وجوده في العراق فقط وهو يمثل الفن الغنائي الخاص بالشفافة الموسيقية الحضرية لمدن العراق ، وقد برز وبصورة ملموسه في بغداد وتليها كل من كركوك والموصل ، ومن ابرز السلالم النغمية المشتركة بين العالم العربي والاسلامي هي الرست والبيات والحجاز واليكاه والصبا والحسيني والنوى والكرد والمخالف ، وتتميز المقامات العراقية ما عدا خضوعها لقواعد التي تتحكم بالاجناس الموسيقية وتصويرها ، باحترام الخصوصية التي تفرضها صبغة المقام العراقي اضافة الى تمسكه بالميزات الجمالية الخاصة به على صعيد الاداء.
مـفـهـوم الـمـقـام
هو نوع من الغناء الكلاسيكي الذي يتألف من عدة مقاطع لا تقبل الزيادة او النقصان ، ولقراءته اصول وقواعد وهو الارتجال الكامل الذي يعتمد على السمع وينطق بالحنجرة وبالتنقل على السلالم الموسيقية بطريقة مضبوطة ، لذا فأن المقامات هي غناء فني وضعها ولحنها مغنون عراقيون ووضعوا لها قواعد واصولا لا يجوز للقارئ ان يحيد عنها ولا يجيدها الا من تعلم القواعد والاصول والمقام العراقي وحدة مترابطة من عدة مقومات وهى تتألف من النغم والشعر والايقاع وطريقة الاداء ،ولم تكن المقامات العراقية تقرأ في القرون الماضية مع الموسيقى ، ولم تكن تغنى في الافراح او المسرات بل في مجالات خاصة لا يحضرها الا من كانت له صلة بالادب والفن والموسيقى ، لان المقام يمكن ان يقرأ بدون آلات ولا يمكن انه يقرأ بدون قارئ
لماذا لم يكتب المقام ؟
لأنها معقدة وكثيرة التحويل والانتقالات النغمية وليس في مقدور الآلة الموسيقية ان تعطى نفس الصورة الفنية التي تعطيها الحنجرة في غناء هذه المقامات ، ويرى قوجمان في كتابه (الموسيقى الفنية في العراق) ان المسأله ليست بعجز الآلة الموسيقية عن اداء جميع الانتقالات النغمية التي تؤديها الحنجرة بل ان جوهر المشكلة هو وحدة المقامات المترابطة التي لا يمكن تجزئتها فحتى لو وجدت الآلة الموسيقية التى تساعد العازف الماهر فى اداء كل الحركات النغمية المطلوبة.
مقومات المقام العراقي
النغم
يتألف المقام او كل مقام من المقامات من نغم معين كالبيات والرست والصبا والحجاز والسيكاه والجهاركاه والحسيني ، وهذه هي الانغام السبعة التي تتكون منها المقامات .
الشعر
ويشكل الشعر احد مقومات الهامة والرئيسية ، حيث لا يمكن قراءة المقام دون وجود الشعر والشعر نوعان شعر عربى فصيح وشعر عامي شعبى ، والشعر العربى الفصيح له اوزانه وعروضه التى يكتب عليها وقد قام العالم احمد الفراهيدي بتقسيمها الى ستة عشر بحرا شعريا ولكل بحر نوع من الموسيقى فعندما تقرأ شعرا من البحر السريع تدرك هذا البحر من خلال التقطيع الموجود به ، اى التفعيلات ، ويستخدم في الشعر ب 33 مقاما عراقيا اما في الباقي فيستخدم شعر شعبي بل هنالك مقامات يقرأ فيها الشعر الشعبي والفصيح معا ، ومن المقامات التي يقرأ بها الشعر الفصيح هى الرست والبيات والحجاز والحسيني اما المقامات التي يقرأ بها الشعر الشعبي وخصوصا الموال (الزهيري) ومنها الابراهيمي والمحمودي والناري والمخالف والمدمي والحديدي اما المقامات التى يغنى بها الشعر الفصيح والشعبي فى آن واحد فهى اللامي والصبا .
الايقاع
الايقاع احد مقومات المقام الاساسية والايقاع ملازم لكل انواع الموسيقى ، فكل مقام يرتبط بوزن معين لا يجوز تغييره ، وقد يغنى مقام معين بوزنين مختلفين ، فيغنى جزء منه مع الوزن الاول حتى بلوغ مرحلة معينة من مراحل طوره ثم يتحول الوزن فيغنى الباقي من المقام مع الوزن الثاني .
كلمات وعبارات اضافية
من الصفات المميزة للمقام العراقي وجود كلمات وعبارات معينة منها عربية ومنها غير عربية يرددها المغني اثناء قراءة المقام في مواضع معينة دون ان تكون لها أي علاقة بالشعر المغنى وبدون ضرورة ظاهرة تدفع قارئ المقام الى ترديدها ولكل مقام كلماته المميزة التي لا يتم الا بترديدها مثل كلمات يار ومعناها يا وليفي ، جانم ومعناها روحى ، بدادم معناها انجدني ، افندم معناها سيدي وهنالك كلمات عربية تردد ايضا دون ان تكون لها علاقة بالشعر مثل يا غانم ، يابه ، اوه ، يا عيوني ، أويلي ، ووجود كلمات عربية لا ينفي وجود كلمات اعجمية بل توجد اكثرها معا وهناك سؤال يقول ما سبب بقاء هذه الألفاظ العربية وغير العربية كجزء من المقام لا يمكن التخلي عنها اذا لم يكن هناك ضرورة موسيقية لترديدها اثناء قراءة المقام ، يقول الرجب وهو خبير في المقام العراقي ان المغني يستعين بهذه الكلمات على اداء المقام اذ بدونها لا يمكن تحريره وتأدية قطعه أو مياناته ، فاذا ابدلناها نحاذر ونخاف على ضياع المقام ولكن الاستاذ قوجمان يقول انى اخالف الرجب في هذا التحليل الذي يعزو بقاء هذه الألفاظ الى عجز المغني عن تحرير المقام بدونها والى خشية المغنين من ضياع المقامات ، كما اخالفه في ان عجز الموسيقيين الى الآن عن تسجيل المقام على نوتة هو بسبب تمسكهم بها والبقاء عليها ، ليس لترك هذه الكلمات والعبارات العربية والاجنبية اي تأثير موسيقي على المقام ذاته طالما يؤديه المغني اداء صحيحا ، ولكن تأثير الكلمات الحقيقي ينحصر في تحطيم الوحدة المترابطة للمقام او الاخلال بها جزئيا ، فأي حذف يؤدي الى ضياع المقام موسيقيا .
طريقة الأداء
لكل قارئ مقام طريقة يقرأ بها المقام عن سلفه وربما حاول تغييرها أو تطويرها فالمقام من هذه الناحية نظام من النبرات والتقلبات الصوتية يجرى أداؤه بروحية معينة ، وقليل من المغنين يدرك هذه النبرات ويكون واعيا لها بل اغلب المغنين يقوم بصورة مقصودة بتقليد النبرات الصوتية التي سمعها من سلفه ، لذا يصعب وصف وكتابة الروحية التي ينطوى عليها المقام العراقي وحدة مترابطة بكل مقوماته ، ويتضح من ذلك ارتجالية المقام وبالتالي اختلافه عن الموسيقى الحديثة .
المقام والنغم بالعراق
يمتاز العراق بان له فناَ زاخراَ يميزه عن باقي البلدان العربية ، كيف لا وهو فن المقامات ونغماته التي ترسخت في نفسية الفرد العراقي الاصيل ، لذا نشاهد المقام في كل نواحي الحياة الاجتماعية ابتداء من المهد الى اللحد
1- منذ ان يولد الطفل تقوم الام بتنويمه وهى تغني له على نغم المثنوي - دللول با ولد يبني دللول
2- في الزورخانات (النوادي الرياضية) كان المرشد يضبط ايقاعه على الطبلة ويغني لهم ما يلائم العابهم وخصوصا على مقام البنجكاه
3- عند الباعة عندما ينادي الباعة لترويج بضائعهم وخصوصا الذين يبيعون الخضار والبضائع المختلفة وهنا يستعمل الباعة نغم الركباني
4- في الافراح و الحماس للمعارك كانت تستخدم الهوسة الشعبية
5- عند التعازي ، حيث يقوم القارئ بالنعي بواسطة مكبرات الصوت فيكون على نغم القزازي وعند التغسيل على نغم السفيان
6- المجالس الحسينية ويقرأون بالبدايه على نغم الماهورى او سفيان او خلوتى او ركبانى
7- في الموالد والمدائح النبوية حيث يقرأ المقام وبأنغام فرحة عند مدح الرسول (ص) ويتحول الى نغم به حزن عند الذكر اى ذكر عظمة الله تعالى .
8- في قراءة القرآن الكريم ويمكن تمييز القراءة في المدرسة العراقية عن القراءة في المدرسة المصرية ويقرأ على انغام الطاهر والماهوري وخلوتي والعشيران
مجمل القول ان العراقيين وخصوصا اهل بغداد من فرط انهماكهم في الانغام والالحان طغى على اذواقهم طغيانا عظيما .
تـصـنـيـف الـمـقامـات
كانت المقامات تزيد على ثمانين مقاما ، وقد اهمل الكثير منها لأسباب متعددة منها لأنها ناقصة من الناحية الفنية ومنها لكونها متشابة والبعض لعدم توفر الشروط وبعضها تحول الى وصل او قطع صغيرة ضمن حركة مقام معين ومنها من لا يتسم بالروح العراقية ولا يتفاعل معه المستمعون ، وقد اورد الرجب في كتابه عن المقام العراقي ثلاثة وخمسين مقاما ،وافاد ان الانغام التي تتفرع منها كل المقامات عراقية ، ولكن هنالك بعض المقامات ليس عراقية بل تركية او فارسية وغيرها ، ولكن المقام العراقي يبقى الاكبر بينها
تصنف المقامات الى قسمين الاول هى مقامات الفصول والثانى مقامات غير داخله بالفصول وهى تضم كل المقامات الاخرى
مقامات الفصول وتنقسم الى خمسة فصول وهى :
البيات............ الحجاز........... الرست........... النوى............ الحسينى
البيات............ حجاز ديوان.... الرست........... نوى.............. حسينى
النارى.......... قوريات......... منصورى....... مسجين.......... دشت
الطاهر.......... عربيون عجم.. حجاز............ عجم.............. أورفه
المحمودى...... عريبون عرب.. جبورى......... بنجكاه.......... أرواح
السيكاه......... ابراهيمى...... خنبات............ راشدى.......... أوج
المخالف......... الحديدى....................... ........................... حكيمى
الحليلاوى..................... .............................. .................. صبا
مقامات خارج الفصول
الجمال........... الهمايون........ النوروز عجم... البشيرى........ الدشتى
بيات عجم....... المثنوى......... السعيدى....... القطر............ خلوتي
نهاوند........... البهرزاوي...... المكابل.......... شرقي رست.. شرقي دوكاه
الكلكلي......... المدمي.......... الحجاز آجغ.... التفليس.......... الباجلان
الحويزاوى..... الأوشار.......... الحجاز كرد........................... ..........
مقامات يقرأ بها الشعر الفصيح
رست............ بيات.............. حجاز............ حسيني
مقامات يقرأ بها الشعر الزهيري
الابراهيمي..... حجاز كاركورد....المحمودى....... الناري..... شرقي دوكاه
الحديدي.............باجلان.... ........المخالف...........المدمي.........مخالف
بهرزاوى........ ..حليلاوي...........جبورى..... .......محمودى......راشدي
مسجين.............كلكلي....... ...عريبون عرب....شرقي رست....مكابل
قطر............... ...مدمي............حكيمي...... .............................. .....
السملك وهى طريقة غنائية خاصة بالعتابا ونغمتة سيكاه ويغنى نهاية مقام الحكيمي .*
اللامي نغم خاص بقراءة الابوذية ويستقر على درجة سيكاه .*
الركباني غناء خاص عند البدو لحداء الابل وله نظام خاص .*
تـاريـخ الـمـقـام
ان المقام العراقي فن اصيل وتراث حضاري امتزجت وتفاعلت معه فنون حضارية اخرى ، وهو عصارة احقاب من الزمان لا يعرف تاريخ محدد او فترة محددة لتأليفه ، وهناك من ينسبه الى العصر العباسي كما يقول شعوبي ابراهيم ، او الى العهود المظلمة اى فترة الحكم العثماني وهي لا تتجاوز 400 عام كما يقول الرجب ، ان المقام ليست دائرة مغلقة بل حلقة مفتوحة يمكن بواسطتها تطوير واضافة مقامات جديدة كما فعل الاستاذ المرحوم محمد القبنجى
فترة الانقطاع
يقول الفنان والخبير الاستاذ الرجب ، نحن الان بعد موت الفنان يوسف عمر في فترة انقطاع ، ويقصد بهذا الانقطاع عدم وجود قارئ مقام يفهم الانغام والتركيبات النغمية ، ويفهم لماذا صيغت او صنعت هذه المقامات بهذا الشكل ، بل يوجد قراء فقط ، ان المقام هو الارتجال الكامل الذي يعتمد على السمع وينطق بالحنجرة ، وهذا من احد الاسباب التي تجعل كتابة المقام (اي تنويته) عملية صعبة ، لانه كلما زاد الارتجال قل المكتوب والعكس صحيح .
آلات الـمقـام
السنطور
السنطور كلمة فارسية معربه ومعناها النبر السريع وهى آله وترية بشكل شبه منحرف وتبلغ قياسات السنطور كالأتي القاعدة الكبرى = 36انج
القاعدة الامامية (القبلة) = 12انج
العرض =1/2 15انج
الضلع المائل =21انج
ويحتوى السنطور على 25 وتراَ معدنيا يكون شدها رباعيا أى ان لكل ارعبة اسلاك درجة صوتية واحدة وبهذا يكون مجموع الاسلاك مائة سلك وهي تمر من فوق المساند البالغ عددها خمسة وعشرون مسندا ، ويستعمل عازف السنطور اثنين من المضارب الرقيقة المصنوعة من خشب خاص يبلغ طولها 25,5 سم وتثبت المفاتيح والتى يبلغ عددها المائة على الجهة اليمنى من السنطور ويكون لكل وتر مفتاح خاص لغرض دوران الآلة او نصبها
ومخترع آلة السنطور هو (الفلهيذ) المغنى الفارسي في عهد كسرى انوشروان وقد وضعها وضعا هندسيا بشكل شبه منحرف وجعل عدد اوتارها اثني عشر وتراَ من نحاس كل وتر يحتوى على اربعة اوتار في الغلظ والدقة وبهذا ظلت تجوب انحاء فارس حتى وصلت الى العراق فى القرن السادس الهجرى في عهد الحليفة المستعصم بالله وقد عدل بها عند وصولها حكيم بن احوص السندى البغدادى فهذبها وزاد على اوتارها تسعة اوتار لأمر فني في صوتها ورقة انغامها ثم قسم الاوتار الى ثلاثة دواوين
ولاتوجد اثار اسلامية في الوقت الحاضر ترينا السنطور بالشكل الذي نعرفه في هذا العصر والذي يعزف عليه افقيا بقضبان ضاربة ، ولكن التوراة (دانيال5:3) قد اوردت وصفا لاحتفال اقامة الملك الكلدانى في بابل نبوخذ نصر الثانى استعملت فيه مختلف الآلات الموسيقية الوترية والهوائية والايقاعية ومنها آلة (بسالتري) وقد ترجمت هذه الكلمة الى العربية بكلمة السنطور وكانت تسمى بالقرن الخامس عشر فى مصر بالقانون وفى سوريا بالسنطير وقد انتقلت آلتي السنطور والقانون الى اوربا في العصور الوسطى عن طريق الأندلس.
الجوزة
شأت في العراق عن الآلة الموسيقية العربية (الربابة) وهي ذات أوتار أربعة ويعزف عليها بواسطة القوس. تصنع الجوزة من خشب النارنج بعد خرطه بالمخرطة، وأما صندوقها الصوتي فهو عبارة عن جوزه هندية تقطع من الجانبين ثم تغطى إحداهما بقطعة من الرق (جلد العنز) وتثبت الجوزة بعود من الخشب بواسطة قضيب من الحديد فيه مربط للأوتار، لها أربعة أسلاك من الحديد الصلب يتم شد هذه الأسلاك بمرابطها في جانب وبالملاوي الأربعة المثبتة في نهاية العمود الخشبي. من جانب آخر يوضع تحت الأوتار الأربعة حامل من الخشب يرتكز على الرق الذي يغطي سطح الجوزة ويعزف عليها بعدئذ بالقوس اما قياساتها فهى كالاتى :
طول الزند = 47 سم
طول القضيب الحديدي = 19 سم
قطر الوجه الاعلى للصندوق = 8 سم
قطر الوجه الاسفل للصندوق = 10,5 سم
الطبلة
استعملت منذ العصر القديم في العراق وتحديدا بين 1950-1530 ق.م تقريبا، وقد اثبت ذلك وجود دمية طينية في المتحف العراقي تمثل شخصا واقفا يضع تحت إبطه الأيسر الطبلة ويقرع عليها بكفه اليمنى، وهي نفس الطريقة المستعملة من قبل عازفي الطبلة حاليا، تصنع الطبلة من الفخار أو الخشب وتكون كبيرة وتجويفها واسع أما شكلها فيشبه القمع تقريبا، لها فتحتان الأولى وهي الأوسع محيطا ومساحة تغطى برقيقه من جلد الحيوان التي يستخدم العازف يديه بالنقر أو الضرب عليها، أما الفتحة الثانية وهي في نهاية الطبلة تبقى مفتوحة من دون غطاء وذلك للسماح بخروج الصوت منها .
* يضاف الى آلات المقام الدف وبعض الأحيان آلة العود .