عراقية وأصالة المقام العراقي
المقام العراقي هو تراث فني عراقي أصيل,متنوع ومشترك, حيث يمثل جميع أطياف الشعب العراقي وعلى اختلاف قومياته وأديانه ومذاهبه وطرائقه, ويتذوقه الجميع من أبناء الشعب العراقي في كل أرجاء العراق, يحبه العربي والكردي والتركماني ووووووو, ويؤديه فنانون من مختلف شرائح المجتمع العراقي بإعتباره فـن وهويـة لكل العراقيين.
ولا زال المقام العراقي ذائع الصيت, لأنه ميراث خالد للعراق ويكفي كونه الفن الذي يكنى بإسم العـراق. ان هذه التسمية جاءت من قبل الولاة العثمانيين الذين حكموا العراق مثلما حكموا آقاليم شاسعة من العالم العربي والاسلامي, بل هم نقلوا بعض المقامات إلى بلادهم. وخير دليل على ذلك بالرجوع إلى دائرة المعارف التركية, حيث نقرأ الخبر الآتي :عند عودة السلطان مراد الرابع من العراق سنة 1638م, امر بنقل مقام البيات إلى تركيا وأخذ معه 12 موسيقيا من أفراد عشيرة البيات العراقية العربية (يتكلم أهلها العربية والتركمانية , أشتهروا بالشجاعة, ورخامة الصوت, وكان منهم شلتاغ وأحمد الزيدان) , فذاع هذا المقام بين المغنين الاتراك وبشكل مذهل.
ويذكر العالم الموسيقي(رؤوف يكتا بـﮓ) والذي رأس الوفد التركي إلى مؤتمر الموسيقى العربية الأول في القاهرة عام 1932 : "ان السلطان مراد الرابع كان قد أحضر معه أيضا من العراق خمسة موسيقيين لإحياء الحس النغمي لدى الأتراك".
وبالرغم من إحتلال بغداد لعدة قرون, وتأثير ذلك على كل مفردات الحياة وبضمنها البيئة الموسيقية, إلا أن الطبيعة البغدادية استطاعت أن تحافظ على النكهه العربية وطعمها الأزلي في الأغاني والألحان رغم ما علق ببعض المقامات من ألفاظ وهمهمات أعجمية كإنعكاس لتعاقب الاحتلال, وظهور طبقة من قراء المقام العراقي, من غير العرب بخلفيات مختلفة منها الفارسية والتركية والهندية, يدعوهم حنينهم للغات الأم إدخال بعض الكلمات منها في غنائهم. ان وجود هذه الألفاظ في المقام العراقي محدود جدا ويمكن استبدالها بسهولة وهي لا تؤثر مطلقا على جوهر المقام وتراكيبه الفنية, كما لا ننسى أن المغنين من قراء المقام كانوا يقدمون أعمالهم الغنائية في البيوتات البغدادية من سراة وعلية القوم واحيانا بحضور الوالي او السلطان مما يضطر المغني أن يجاري الحضور بإطلاق بعض الألفاظ المفهومة عندهم من باب المجاملة, منها:"فريا دمن, يا دوس, أيكي ﮔوزم,آغا مولاي جانمن .. وغيرها".
الموسيقي صفي الدين الأرموي(1215-1294م) والذي كان نديما للخليفة المستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس, اضطر أن يكون نديما للسلطان الغازي التتري مما يعني أن يدخل الهمهمات التترية في غنائه مجارة له, وهناك الكثير من الشواهد.
ورغم ذلك فإن الدلائل التاريخية تؤكد على أصالة وعراقية المقام, فيكفي أن نقول ان جميع المقامات الرئيسية تقرأ بالشعر العربي الفصيح إضافة إلى الكثير من المقامات الفرعية .فاللغة العربية ظلت ملازمة للأداء والإنشاد الديني وللمقام العراقي.
وفي الختام نقول ان وجود هذه الهمهمات والألفاظ لاتدعونا إلى التخوف لأن المهم هو الأساس الذي تستند إليه التركيبة الجميلة الموجودة في المقام العراقي والتي هي بحق ثروة نغمية مدهشة وآمانة تاريخية وعلينا أن نحرص على حفظ تراثنا وتاريخنا وأسسه وجذوره التي تمتد عميقا في رحم هذه الأرض الطيبة المباركة.
نهاد عسكر / العراق - بغداد