فات الميعاد ( البريق الذي لا ينطفىء)
"فات الميعاد" البريق الذي لا ينطفىء
بقلم : محمد سرحان
.............
(١)
في ربيع ١٩٦٧ سكت ضجيج القاهرة وعلا صوت " فات الميعاد" العملاقة ....
فات الميعاد المفرطة بالروعة،
واكليل المجد على هامة الأغنية العربية،
والقلادة التي طوقت تاريخ ام كلثوم الفني برمته.
كتب قصة مولدها ( مرسي عزيز - بليغ حمدي) اللذين أضافا إلى ربيع ١٩٦٧ ربيعا آخر.
(٢)
[لا بد للحن فذ من نص غنائي فذ يمهد له]
...................... ................
كانت فات الميعاد - قصة العتاب والشجن والرحيل- من أفضل النصوص التي وضعت على طاولة أم كلثوم آواخر ١٩٦٦..
نسجت خطوط قصتها مخيلة الشاعر مرسي جميل عزيز ( فيلسوف الأغنية العربية)...
مرسي عزيز الذي جمع كل الجمال على رصيف تلك الأحرف، وجسد هذه المفردات في رخام ملون من الصور الفنية اقتربت من حدود المعجزة :
[ فات المعاد.. وبقينا بعاد.. والنار بقت دخان و رماد!]
بعد قراءة استهلال الأغنية السابق يبدو جليا ان الاطناب في عبقرية مرسي سوف لن يجعلنا مختلفين عن الببغاوات، فحسب مفرداته فخرا انها تشعل الإعجاب في شرايينك، فيرتجف لجمالها كل عصب.
انظر إلى كمية الوضوح.. كمية المباشرة.. كمية الحزم في شطرتي ( فات الميعاد.. وبقينا بعاد)!
إن الفكرة العامة لنص فات الميعاد :
اخطار حب هذين العاشقين التعسين بالطريقة التي سيموت بها!
فهل من وضوح أعظم من هذا؟!
الإجابة متروكة لك عزيزي
.......
(٣)
المعمار الهندسي لنص فات الميعاد
...............
إن معدن نص فات الميعاد تلتقي في بريقه كل أشعة الأحجار الكريمة، النفيس منها والأكثر نفاسة.
ولا بأس من تذوق بعض صور تلك الأغنية العصماء حتي لا اجعلكم تسيرون مع سطوري معصوبي الأعين :
ميزة مفردات مرسي جميل عزيز في (فات الميعاد) أنها تقرن العقل بالعاطفة، فالاثنان يتمازجان في تناغم معجز على أديم سطوره الشعرية.
يقول :
[ تعتب عليا ليه.. انا بأيدينا ايه... فااااااات الميعاد]
فإذا كانت العاطفة تمسك بيمينه، فإن العقل يتأبط شماله.
فمهما كان لعاطفة الشوق المتأججة من سلطان، فإنه لا مندوحة عن الرحيل.
وبالمحصلة نرى ان العقل يسير مع العاطفة لا خلفها.
ثم ناهيك عن الصورة الفنية التي تتخلق فتصبح كينونتها حقيقة. فعندما يقول :
[والنار بقت دخان ورماد]
تأمل جبروت تلك الشطرة الشعرية :خيوط الدخان ها هي تتراقص أمام المقل، ورائحة الرماد تزكم الانوف.
ثم انظر ماذا يقول :
[إن كان على الجرح القديم
ستاير النسيان.. نزلت بقالها زمان]
فكأنك تشتم رائحة الدم تنبعث من مفردة ( الجرح القديم)
ثمة ميزة أيضا في كلمات مرسي جميل عزيز انها مفردات ناطقة، كأن كل مفردة لها بوق تفصح فيه عن ماهيتها
وبمعنى أدق : ان مرسي جعل الكلمة تسمع وترى وتتكلم!
للكلمة لدى مرسي جميل عزيز واجب ، وليست مجرد سقطة من سقطات الشفاه.
إن لصوره الشعرية جبروت غامض، فلو شاء ان يصيّر غروب الشمس أكثر إشراقا.. وانبلاج اشعتها أكثر ظلاما.. لفعل!
فاي شاعر عظيم انت يا مرسي!
اي شاعر عظيم انت لديه القدرة على اليقظة وسط أحلامه!
اي شاعر عظيم انت زحف ذكاؤه إلى اكثر منافذ العاطفة تعرجا!
سيظل حرفك ( شيء مش معقول.. شيء خلى الدنيا زهور وشموع على طووول)
(٤)
( في البدء بليغ حمدي.. في النهاية بليغ حمدي)
....................................... .............
إن كلمات مثل فات الميعاد لا يعانقها لحن بليغ حمدي امر يشبه اكل اللحم مع احتساء قدح من الشاي، أو قراءة قصة لشكسبير بالعامية!
إذن :
على حنجرة ام كلثوم حيثما وجد مرسي فيجب ان يوجد بليغ!
بليغ حمدي جنتلمان الموسيقى العربية، الذي كانت جمله تملك "الرقية "التي اسرت افئدة المستمعين،
يبدو من الحكمة تفادي الحديث عن أسباب عظمته فذلك سيجنبنا قدرا كبيرا من الهراء والثرثرة...
إن طلسم عبقريته ما زال مرصودا لا يقوى اعتى السحرة على فكه.
كان لحن فات الميعاد من أعظم ما انجبته قريحة هذا الموسيقار الذي عشقته الموسيقى..
وبالمحصلة : إن كل جملة من هذا اللحن تجعلك ترتعش بلا انقطاع
(٥)
.
ستبقى حنجرة ام كلثوم الحمض النووي لخلود تلك الأغنية،
تلك الأغنية الفذة التي تقاسم إلاعجاب بها اشد المتفانين في الولاء لام كلثوم ، واكثر المتطرفين مقتا لها!
........
كانت الأذن العربية ستفقد الكثير من المتعة لو لم تظهر اغنية فات الميعاد.
فاي قلب لا يخفق لذلك الجمال ؟
واي خيال لا يحلق في فضاء تلك المتعة؟
ستبقى فات الميعاد سوناتة الخلود الفني
__________________
وفي تعب ٍ من يحسد الشمس نورها ** ويجهدُ أن يأتي لها بضريب ِ
|
العرض العادي
