* : الملحن كاظم نديم (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : محمود نديم فتحي - - الوقت: 00h34 - التاريخ: 29/03/2024)           »          فتحيه أحمد- 1898 - 5 ديسمبر 1975 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 00h23 - التاريخ: 29/03/2024)           »          سمير صبرى (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 21h09 - التاريخ: 28/03/2024)           »          ليلى مراد- 17 فبراير 1918 - 21 نوفمبر 1995 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 19h08 - التاريخ: 28/03/2024)           »          تترات المسلسلات التلفزيونية (الكاتـب : راضى - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 16h16 - التاريخ: 28/03/2024)           »          غادة سالم (الكاتـب : ماهر العطار - آخر مشاركة : الكرملي - - الوقت: 15h31 - التاريخ: 28/03/2024)           »          عبد الحليم حافظ- 21 يونيه 1929 - 30 مارس 1977 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : fahedassouad - - الوقت: 12h28 - التاريخ: 28/03/2024)           »          محمد شريف (الكاتـب : loaie al-sayem - آخر مشاركة : اسامة عبد الحميد - - الوقت: 23h50 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سعاد محاسن (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 19h25 - التاريخ: 27/03/2024)           »          الشيخ محمد صلاح الدين كباره (الكاتـب : احمد البنهاوي - آخر مشاركة : kabh01 - - الوقت: 09h52 - التاريخ: 27/03/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > مجلس العلوم > المكتبة > مقالات في الموسيقى

تنبيه يرجى مراعاته

تعلم إدارة سماعي، الأعضاء أن كل الملفات والمواد المنقولة من مواقع خارجية أو مواقع تخزين للكتب أو المتواجدة بكثرة على شبكة الإنترنت ... سيتم حذفها دون إعلام لصاحب الموضوع ... نرجو الإلتزام ... وشكرا


رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 11/08/2006, 11h55
الصورة الرمزية samirazek
samirazek samirazek غير متصل  
مشرف
رقم العضوية:51
 
تاريخ التسجيل: novembre 2005
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 78
المشاركات: 685
افتراضي كمال الطويل - من الكبرياء الى العزله

كمال الطويل من الكبرياء إلى العزلة

بقلم : محمد الشافعى





من البشر أناس حفروا كبرياءهم على خلاياهم، وراحوا يعيشون على أطراف أصابعهم.. يُدميهم التطاول على ذواتهم.. ويقتلهم الانتقاص من أقدارهم.. ولذلك يعيشون فى معركة دائمة.. يبتكرون الأسلحة التى يدافعون بها عن كرامتهم فمنهم من يتحصن خلف جدار من زجاج ليخرج فى النهاية بكثير من الشروخ والكسور والدماء، ومنهم من يتمترس خلف جدار من حديد فيؤذى مهاجميه.. ومنهم من يعتزل الناس ويرتضى العزلة لينأى بكرامته عن هذه المعارك الدامية.
ورغم أن الموسيقار كمال الطويل كان كبرياءً يمشى على الأرض، إلا أنه رفض كل (وسائل الدفاع) السابقة واختار أن يتحصن فى شرنقة من الحرير الشفاف شفقة منه على مهاجميه حتى لا يجرحهم. ولكنه عاش طول الوقت على أطراف أصابعه يستثيره الوشاة ويؤلمه الأصدقاء.. وكانت فروسيته تأبى عليه أن ينتقم وتدفعه دوما إلى أن يقاوم بموسيقاه وأغانيه التى أشعلت وجدان الأمة.. ولكن مقاومة المحارب العنيد أصابها الوهن بعد أن تغير المناخ العام فراح ينسحب تدريجيا حتى دخل بإرادته فى شرنقة العزلة..

وقد كان الكبرياء القاسم المشترك الأعظم فى كل الدعائم التى قا مت عليها شخصية كمال الطويل الإنسانية والفنية حيث اختلط الكبرياء بالحرمان ليصنع أهم ملامحه الإنسانية كما كان الكبرياء أهم دوافعه للتعلم والتجديد.. وأيضا كان الكبرياء الدافع الأكبر الذي صنع منه النموذج الأمثل للفنان المسيس.. ولكى نتمكن من فك الشفرات الإنسانية والفنية فى شخصية كمال الطويل لابد وأن نتوقف بشىء من التفصيل عند كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة، حيث حفر الحرمان بصمة واضحة جلية على خلايا الطفل كمال محمود زكى الطويل فرغم أنه ينتمى إلى عائلة وفدية عريقة تجمع كل تفاصيل (شخصية مصر) حيث تجمع ما بين طنطا فى الوجه البحرى وأسيوط فى الصعيد إلا أنه عاش الحرمان في أقصى صوره خاصة بعد وفاة والدته حزنا وكمدا بعد زواج والده من سيدة أخرى.. وبعد وفاة الأم أرسل الأب ابنه كمال إلى مدرسة الأورمان الداخلية ورغم هذه القسوة إلا أن علاقة الطفل كمال بالشعر والموسيقى قد بدأت من الأب الذى كان شاعراً مشاغباً فى شبابه وصوفيا فى مراحل حياته المتقدمة، وقد استمع كمال صغيراً إلى قصة النشيد الشهير (يا عم حمزة) الذى ألقاه والده عندما كان طالبا فى السعيدية الثانوية ويحمل صرخة ضد الانجليز والملكية ويقول النشيد (يا عم حمزة.. إحنا التلامذة.. مايهمناش الجن ولا المحاكم.. واخدين ع العيش الحاف.. والنوم من غير لحاف.. مستبيعين مستقلين ومصر حره) وقام محمود الحفنى الطالب بنفس المدرسة بتلحين هذا النشيد ليصبح لسان حال كل الطلبة ثم ينتشر فى كل مصر مما دعى إدارة المدرسة إلى التحقيق مع الطالبين بتهمة (عشق الوطن) وتم فصلهما لمدة عام.
كما تفتح وعى الطفل كمال على الموسيقى والنغمات من خلال ارتباطه بعائلة والده حيث عاش أثناء بعثة والده إلى انجلترا فى كنف جده بطنطا وكان الجد يصحب حفيده إلى سرادقات الإنشاد فى مولد السيد البدوى ليستمع إلى أساطين التلاوة والإنشاد مثل الشيخ مصطفى إسماعيل.. وقد راح الفتى الصغير (يجتر) مخزونة من الموسيقى والغناء ليستأنس به فى مواجهة الوحدة والتعاسة التى حاصرته فى مدرسة الأورمان الداخلية وتلك التعاسة التى زادها حنينه الجارف لوالدته تلك الوحدة التى زادها إحساسه بالغربة بين مجموعة الطلاب كبار السن. ولم يجد كمال مفراً إلا الهروب بتعاسته ليعيش فى شرنقة من الحزن والمسكنة ولا يخفف عنه إلا جلوسه وحيدا (يدندن) بعض الأغنيات واستمع مدرس الأناشيد بالمدرسة (محمد صلاح الدين) إلى صوت كمال وأعجب به وقدمه إلى المفتش العام للموسيقى أحمد خيرت الذى كان التلاميذ يحفظون أناشيده ويرددونها. وأصبح كمال المطرب الرسمى للمدرسة والتى قررت إقامة حفل فى نهاية العام لتقديم مطربها الموهوب على أن يلبس (بدلة إسموكنج) ولكن الحرمان والكبرياء وقفا حائلا دون تحقيق هذا الشرط التعجيزى فلم يكن يستطيع طلب أى شىء من والده كما أن كبرياءه كان يمنعه من طلب أى شىء من أعمامه.. وضاعت الفرصة حيث أخذها طالب أخر موهبته أقل ولكنه فلوسه أكثر مكنته من شراء الإسموكنج.. وقد أدمت هذه الواقعة قلب الفتى الصغير فقرر هجر الموسيقى والمدرسة.. وراح ليبحث عن عمل إلى أن أسعفته هوايته الثانية وهى الرسم حيث عمل رساماً فى الأشغال العسكرية بالقوات المسلحة ليقوم بتصغير وتكبير الرسوم والخرائط حسب الطلب وبمرتب شهرى 12 جنيها على أن يعيش فى الإسكندرية وشد الفتى الرحال إلى هناك ورغم أن عمه كان رئيس لجنة الوفد بالإسكندرية إلا أن كبرياءه أبى عليه أن يذهب إلى عمه ليعيش معه أو يطلب مساعدته واختار أن يسكن فى (بنسيون) بسيط مقابل أربعة جنيهات في الشهر ووجد لديه وقتاً كبيراً من الفراغ فعاوده حنينه إلى الغناء والموسيقى وطغت عليه رغبته فى التعلم وفجأة قرأ عن معهد جمجوم لتعليم الموسيقى فذهب إليه على الفور ودفع ثلاثين قرشا المصروفات الشهرية وانتظم فى الدراسة بهذا المعهد لمدة أربع سنوات وتتلمذ على يد المطربين الكبيرين عبده السروجى وعباس البليدى والشيخ على الحارث. وفى هذه الفترة تعرف على الملحن رؤوف ذهنى (سكرتير الموسيقار محمد عبد الوهاب) وعلى عازف الكمان الشهير أنور منسى.
وفى عام 1947 ذهب كمال إلى القاهرة وراح يسأل عن صديقه أنور منسى فى معهد الموسيقى العربية فقيل له إنه فى بروفة مع الأستاذ عبد الوهاب على أغنية (إتمخطرى واتمايلى يا خيل) للرائعة ليلى مراد.. وبعفوية شديدة فتح كمال حجرة البروفة فانتبه عبد الوهاب وغضب فى صمت وسارع أنور منسى ليهمس فى أذنه (إنه صديق من الإسكندرية وليس له فى الموسيقى) فاستأنف عبد الوهاب البروفة ولكن الشاب كمال الطويل كان قد غرق فى خجله ودفعه كبرياءه إلى أن يقرر ألا يعود إلى الاسكندرية وأن يواصل دراسته للموسيقى فى القاهرة كى يكون مطربا وذهب إلى شارع المبتديان حيث معهد الموسيقى والمسرح من العميد أن يلتحق بالمعهد فاعتذر الرجل لأن الدراسة قد بدأت منذ ثلاثة شهور واكتشف العميد د. محمود الحفنى أن الشاب الواقف أمامه ابن صديقه القديم زكى الطويل فعقد له لجنة فورية قررت قبوله بالمعهد ولكنه اكتشف أن كل زملائه يفوقونه فى المستوى لأن أغلبهم من خريجى معهد فؤاد الأول ومنهم أحمد فؤاد حسن - على اسماعيل - فايدة كامل - عبد الحليم شبانة.. وقد لفت عبد الحليم نظر كمال الطويل وذلك لأنه صغير السن والجسم ولا يحضر إلا محاضرات التمثيل فقط فسأله عن ذلك فأخبره حليم بأنه طالب فى قسم الآلات يدرس آلة الأبوا وغاوى تمثيل واستراح الطويل إلى هذا الفتى الوديع وأخبره بأنه يفكر فى ترك الدراسة بالمعهد لأنه يجد صعوبة فى ملاحقة زملائه فى الدراسة. فقال حليم لاتفعل وسوف أمر عليك يومياً لمراجعة ما فاتك من المناهج. وتكررت اللقاءات بين حليم وكمال وتوطدت الصداقة بينهما.. كل منهما يتحدث عن أحلامه كمال فى عالم الغناء.. وحليم فى عالم الموسيقى.. ولكن حليم بذكائه وحساسيته الفنية اكتشف فى كمال ملحناً أكثر منه مطرباً فسأله ذات يوم لماذا لا تلحن واستحسن الطويل الفكرة وراح يبحث فى أشعار والده عن قصيدة يبدأ بها مشوار التلحين واختار قصيدة تقول (إلهى ليس لى إلاك عونا.. فكن عونى على هذا الزمان) وعندما استمع حليم إلى اللحن أعجب به واتفقا على اختيار زميلتهما فايده كامل - وكانت مطربة معتمدة بالإذاعة - لغناء القصيدة التى نجحت كثيراً مما دفع كمال إلى اختيار قصيدة أخرى لوالده تقول (قل ادعو الله إن يمسسك ضر.. ووجه ناظريك إلى السماء) وغنتها الموهوبة جدا شادية وفى المعهد وجد كمال أستاذه بالمدرسة محمد صلاح الدين مدرسا للنظريات الشرقية وقد ابتكر بوصلة تستطيع أن تعرف من خلالها معالم أى مقام شرقى..
وبعد نهاية العام الدراسى سافر حليم وكمال إلى الإسكندرية وألف كمال ولحن أغنية خفيفة تقول (يااسكندرية .. صبرك علىّ.. ضيعت المهية.. وبقينا فى ورطة قوية) وتحمس لها حليم وأخذ صديقه وذهبا إلى شكوكو ليسمع الأغنية ولكن شكوكو طردهما بعد أن قال لهما (إيه الأغنية الخواجاتى دى) والغريب أن شكوكو قام بخطف الطويل فى مركب نيلى بعد أن أصبح ملحناً شهيراً ولم يتركه إلا بعد أن لحن له (مونولوج) يقول (أحلفلك بشرفى وبمماتى).
تخرج كمال وحليم من المعهد وذهب كمال ليعمل فى الإذاعة بينما عمل حليم مدرسا بالزقازيق حيث كان راتبه الصغير (6-8 جنيهات) يضيع فى السفر واستطاع الطويل أن يلحق صديقه بأوركسترا الإذاعة براتب قدره 25 جنيها..
وكما اكتشف حليم ملكة التلحين لدى كمال.. اكتشف الطويل ملكة الغناء لدى حليم واستطاع اعتماده كمطرب بالإذاعة..
قامت ثورة يوليو 1952 لتعيد اكتشاف مجموعة كبيرة من المواهب كان فى مقدمتها عبد الحليم حافظ وكمال الطويل واستطاع عبد الحليم أن يجمع ما بين الطويل ومحمد الموجى الذى كان يحاول هو الآخر إثبات وجوده كمطرب بأغنيته الشهيرة (صافينى مرة) ولكنه فعل مثل الطويل حيث اكتفى بصوت حليم ليعبر عن ألحانه.. وكان وجيه أباظة أحد الضباط الأحرار قد أصبح مشرفا على الحفلات التى تقيمها الثورة. وفى الحفلة التى كان يقدمها يوسف وهبى وتم فيها إعلان قيام الجمهورية غنى عبد الحليم (صافينى مرة) ونجحت نجاحا مدويا.. وكان كمال قد لحن أغنيته القنيلة (على قد الشوق) لينطلق عبد الحليم من خلالها لصيح نجما فى عالم الغناء ولتصبح هذه الأغنية بداية لجيل جديد فى الموسيقى والغناء ولتصبح هذه الأغنية أيضا بداية لمشوار كمال الطويل فى التجديد والتجويد.
ورغم خلافات الطويل مع رئيس الإذاعة محمد أمين حماد (رجل صلاح سالم) والذى كان سببا فى نقل الطويل إلى وزارة المعارف كمفتش عام على المدارس الثانوية .. إلا أن الطويل وافق على ترشيح حماد له بتقديم أغنية فى عيد الثورة وذلك حبا فى الرئيس جمال عبد الناصر الذى استطاع أن يقفز بمصر والعرب قفزات عملاقة على كافة الجبهات فمن عدم الإنحياز إلى السد العالى إلى تأميم قناة السويس.. وكل هذه القفزات تفجر الطاقات الفنية لدى الطويل وعبد الحليم وصلاح جاهين وكل زملائهم.. وفجأة حدث العدوان الثلاثى على مصر وجلس الطويل على البيانو ليضع مشاعره فى بعض الجمل الموسيقية ثم اتصل بصلاح جاهين واسمعه تلك الموسيقى وعلى الفور كتب جاهين (والله زمان يا سلاحى) واتفقا على أن هذا اللحن لا يغنيه إلا السيدة أم كلثوم واتصل بها الطويل فطلبت أن يذهبا إليها على الفور.. ورغم رفض الإذاعة التسجيل باستوديوهاتها لأنها مهددة بالضرب إلا أن أم كلثوم صممت على التسجيل بالإذاعة وخرج هذا النشيد ليصبح لسان حال كل الشعب العربى.. وبعد الانتصار المصرى على العدوان الثلاثى قررت الدولة عمل مسابقة لاختيار سلام جمهورى جديد اشترك فيها 67 ملحنا منهم عبد الوهاب بلحنين.. ولم يتقدم الطويل للمسابقة ولكن اللجنة اختارت لحنه (والله زمان يا سلاحى) لدخول المسابقة.. وفجأة اتصل الكاتب محمد حسنين هيكل بالطويل وأخبره باختيار والله زمان يا سلاحى كسلام جمهورى وأن الرئيس عبد الناصر قد قرر له مكافأة خمسة آلاف جنيه.. ولكنه لم يأخذ المكافأة رغم أن الرئىس عبد الناصر قد سأله فى عيد الثورة أخذت المكافأة يا كمال؟ فقال (خلاص يا افندم) فقال عبد الناصر لكمال الدين حسين لازم ياخد المكافأة فورا ولكن كمال حسين ترك منصبه بعد يومين وجاء على صبرى الذى نزل بالمكافأة إلى ألف جنيه ثم أصبحت سيارة فيات دفع الطويل ثمنها.. أى أنه لم يأخذ المكافأة أبدا.. وبعد النجاح المدوى لنشيد والله زمان يا سلاحى تحول الطويل إلى لسان حال الثورة ومؤرخ إنجازاتها وذلك من خلال حرصه وحرص الدولة على أن يقدم أغنية جديدة فى عيد الثورة كل عام واجتمعت ألحان الطويل مع صوت عبد الحليم وأشعار صلاح جاهين وأحمد شفيق كامل ثم عبد الرحمن الأبنودى لتصبح الوقود الحقيقى لتفجير وجدان الشعب العربى من المحيط إلى الخليج. وتوالت الأغنيات الوطنية الرائعة مثل إحنا الشعب - بالأحضان - مطالب الشعب - المسؤلية - يا أهلا بالمعارك - صورة - حكاية شعب - احلف بسماها - بالدم - إنذار - إضرب إضرب - بركان الغضب - ابنك بيقولك يا بطل - صباح الخير يا سينا.
وبعد نجاح والله زمان يا سلاحى أعجبت أم كلثوم بالجملة اللحنية عند كمال الطويل وقدرته على التطور والتجديد خاصة بعد أن لحن لها بعض قصائد رابعة العدوية فأعطته أغنيتين إحداهما دينية لبيرم التونسى والأخرى (لسه فاكر) وسافر الطويل مع زوجته إلى أوروبا وبعد عودته استقبله مجدى العمروسى وقال له إن أم كلثوم قالت فى بيت مصطفى أمين كيف يسافر كمال إلى أوروبا رغم أن الآلاف لا يستطيعون السفر للعلاج؟ ولأن مشكلة كمال الطويل المزمنة كانت تتلخص فى كرامته وكبرياءه فلو تخيل مجرد تخيل أن أحدا حاول مس كرامته فإنه يأخذ منه موقفا ويسقطه من حساباته ولذلك قرر الطويل أن يقطع كل علاقاته مع أم كلثوم وأخبر كل من فى بيته أنه لو اتصلت أم كلثوم فإنه غير موجود، ورغم اتصال أم كلثوم عدة مرات إلا أنه لم يرد فطلبت من مصطفى أمين أن يعرف السر فقال له الطويل السر هو أننى لم أجد اللحن الذى يتناسب مع أم كلثوم، وظل على موقفه حتى رحلت أم كلثوم فسأله مصطفى أمين عن الحقيقة فأخبره بما قاله العمروسى فأكد له أن هذا لم يحدث أبدا وأن العمروسى فعل ذلك لكى يبعدك عن طريق أم كلثوم لكى تتفرغ لعبد الحليم ولاتنشغل عنه..
وبالفعل نجحت خطة العمروسى وقدم الطويل العشرات من الألحان العظيمة لعبد الحليم وقد بلغت هذه الألحان 56 أغنية فبعد (على قد الشوق) تواصلت الأغنيات الجميلة مثل : اسمر يااسمرانى - سمراء - هى دى هيه - الحلو حياتى - كفايه نورك علىّ - حلفنى - صدفه - بينى وبينك إيه - اللى انشغلت عليه - فى يوم من الأيام- حبيب حياتى - بيع قلبك - أبو عيون جريئة - نعم يا حبيبى - بتلومونى ليه - فى يوم فى شهر فى سنة - جواب - راح - بعد إيه - الحلوه - بلاش عتاب..
والغريب أن كمال الطويل مع بداية الثورة لم يكن متحمسا لفكر عبد الناصر ولكنه رأى فيه بعد ذلك أعظم زعيم أنجبته مصر. كما عاش الطويل معترفاً بفضل ثورة يوليو على الأغنية حيث أخرجتها من التطريب إلى التعبير ودفعت الفنانين الذين تولت رعايتهم إلى التواصل مع الأجيال السابقة عليهم فرغم أن الطويل وجيله قد خرجوا بشكل مباشر من جيل عبد الوهاب (السنباطى - زكريا أحمد - محمد القصبجى - أحمد صدقى - محمود الشريف) إلا أنهم تواصلوا أيضا مع جيل سيد درويش ذلك العبقرى الذى جعل (الغناء للجميع) فالأغانى تخرج من الناس لكى يغنوها، كما استفاد الطويل وجيله من عبقرية البساطة الآسرة عند محمد فوزى تلك العبقرىة التى ظهرت فى أوضح تجلياتها عند بليغ حمدى.
المهم أن الطويل وجيله كانوا يتعاملون على أنهم (جيل عبد الناصر) ويقدمون أغنياتهم الوطنية من منطلق (عشق الوطن) وهذا لم يكن موجودا من قيل.
وكان الطويل بشكل خاص يمتلك موهبة ثرية مدعمة بثقافة موسيقية اكتسبها من الدراسة والسماع ويكفى أنه بعد أن أصبح ملحنا مشهوراً ذهب لكى يلتحق بمعهد الكونسرفتوار وأخذ معه بليغ حمدى ومحمود الشريف ولكن التجربة لم تنجح. كما اتسم الطويل بقدرة كبيرة على فهم حقائق الأمور كما أنه النموذج العصرى للفنان الذى يتسم بالتقدمية ويبحث عن التغيير إلى الأفضل وينشد التقدم والتطور كما أنه ملحن دقيق فى عمله.. كما أنه نموذج للفنان المسيس. فبعد تجربته العظيمة مع ثورة يوليو وعبد الناصر. شعر بكثير من الغربة بعد رحيل عبد الناصر. ثم انضم إلى حزب العمل عندما تعرض رئيسه إبراهيم شكري لهجوم ضارى من السادات. ثم انضم الطويل إلى حزب الوفد (انتماءه العائلى القديم) وتم انتخابه عضوا بمجلس الشعب عام 1987 على قائمة الوفد وتشهد مضابط الجلسات بمدى الحيوية التى كان يتسم بها النائب كمال الطويل الذى فجر العديد من القضايا الجماهيرية الهامة - وكان الطويل فى سنوات حياته الأخيرة يؤكد على أنه لم يعد هناك الفنان صاحب القضية. وكان يرى أن الأغانى الوطنية التى تم تقديمها فى الخمسينات والستينات نجحت لأن دوافع وانفعالات الفنانين الذين قدموها كانت صادقة وكانت الدولة كلمة واحدة وكان الفن ملتصقا بالشارع أما الآن فالحسابات والتوازنات كثيرة.
ورغم انتقاد الطويل لأجيال الشباب فى الأغنية إلا أنه كان يؤكد على حقهم فى التعبير عن أنفسهم وواقعهم العصبى المضطرب وعلى أن يأخذوا الفرصة للتعبير عن ذواتهم حتى لو بالصراخ والرقص. وكان ىأخذ على هذه الأجيال قطع صلتها بالقديم وعدم حرصها على التواصل بالتراث ولذلك ولدوا ولادة غير طبيعية فأصبح الفن لديهم مجرد (تيك أواى) أو حاجة تسمعها وأنت (بتحلق دقنك) وكان الطويل يؤكد على أن هذا الفن نتاج للمناخ العام الذى تعيشه الأجيال الجديدة مما جعلهم يفتقدون القدرة على الحلم.
كما كان يؤكد على أن شركات الكاسيت قد لعبت دوراً كبيراً فى إفساد الغناء فى مصر من خلال الملايين التى تدفعها للمطربين تلك الملايين التى تؤكد على وجود عمليات (غسيل أموال) وجريمة شركات الكاسيت جعلت كل الأغنيات نغمة واحدة وإيقاعا واحدا ولذلك يملها الناس بسرعة. ورغم محاولات الطويل مساعدة جيل الشباب من خلال تبنيه لصوتى أحمد حسن ولينا الطويل إلا أن التجربة لم تنجح لأن المناخ قد تغير وأصبح من الصعب عليه أن يصلح ما أفسده الدهر. ورغم هذا فقد نجحت تجربته مع محمد منير فى أغنية (على صوتك بالغنا) التى قدمها فى فيلم المصير ليوسف شاهين كما يجب ألا ننسى تجربة كمال الطويل مع سندريلا الشاشة سعاد حسني تلك التجربة التى استطاع الطويل من خلالها أن يقدم موسيقى جديدة ومتطورة وأن يستثمر الإمكانات الفنية الهائلة لدى السندريلا ذات الذكاء الفطرى الكبير. كما كان الطويل يرى أن عبد الحليم حافظ استطاع أن يوظف ذكاءه لصالح فنه أما مطربو هذه الأيام فيبحثون فقط عن المال. وأن عمرو دياب مثلا ليس مطربا بقدر ما هو(أحسن المرقصاتية).
كما كان الطويل يؤمن بأن الفن كله سياسة وأن الفنان بلا موقف لاقيمة له وأن الفن لا يمكن أن يواجه الأزمات إلا إذا أعطيته (ميكرفون) بينما الآن نجد الجماهر فى واد وأجهزة الإعلام فى واد آخر. وحتى لو قدم الإعلام بعض الأغنيات لإسقاط الفريضة فلن يصنع (اتجاه عام) لأنه قد انفصل تماما عن قضايا وطموحات الجماهير.
ورغم انسحاب الطويل فى سنوات حياته الأخيرة من الحياة تدريجيا إلا أنه كان يؤكد دوما (لو اتحد العرب سيتحول الفنان إلى شعلة لاتنطفئ وكتلة من اللهب)..
لقد رحل الطويل مكتئبا وحزيناعلى العرب بعد أن فقدوا الكثير فهل يتحد العرب قبل أن يفقدوا كل شىء وقبل أن نموت جميعا تحت أقدام الاكتئاب والحزن.
تعقيب : اعجبنى هدا التحليل المنصف لواحد من احسن الملحنين المصريين المحدثين والتى لاتبلى الحانه بل تتعتق وتزيد اصالة ادا ما قورنت بالغث السائد هده الأيام ولدلك نقلته لكم كما هو ... عسى ان يعجبكم
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11/08/2006, 13h48
الصورة الرمزية محمد فهمي
محمد فهمي محمد فهمي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:2722
 
تاريخ التسجيل: juin 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 99
افتراضي Re: كمال الطويل - من الكبرياء الى العزله

مشكور يا استاذ سمير علي هذا الموضوع للموسيقار العظيم اعظم من لحن الاغنية وجعلها علي لسان الاطفال قبل الكبار ويكفي ان كمال الطويل الموسيقار الذي لم يكن يتقاضي اجرا علي الحانه وان شاء الله حانزل احاديث بصوته نادرة
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07/09/2006, 03h21
adham006
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي الموسيقار كمال الطويل: آخر غصون الذهب

الموسيقار كمال الطويل: آخر غصون الذهب



رحل كمال الطويل في شهر يوليو من عام 2003, وبذلك رحل آخرملحني الزمن الجميل الذي أرسل موسيقاه الشجية لـ (الثورة) والحب, واعتنق الأفكارالتقدمية كوسيلة للخلاص.

عندما رحل الموسيقار العظيم سيد درويش باكرا في الربع الأول من مطلع القرن العشرين ( 1923), كان قد حقق إنجازًا فنيًا عملاقًا في سنواته الست الأخيرةالتي عاشها في القاهرة (1917-1923) هو إقامة قواعد مدرسة القرن العشرين في الموسيقى العربية المتقنة المعاصرة, تأسيسا على النهضة الأولى للموسيقى العربية المعاصرة في القرن التاسع عشر, تجاوزا لها وتوسيعا لآفاقها في التعبير الفني, بما أفاد منه وانطلق منه بعد ذلك كل من عمل في حقل الموسيقى العربية في القرن العشرين, وهو ما كان يعبر عنه الموسيقار رياض السنباطي بشيء من المبالغة والتواضع بعبارة: (نحن لا نفعل سوى ترديد ما أنجزه سيد درويش).
فإذا انطلقنا إلى تأريخ منجزات الموسيقى العربية المعاصرة بعد سيد درويش, في قطرها العربي المركزي (مصر) والأكثرتأثيرا في الوجدان العربي العام, فإننا سنلاحظ تعاقب ثلاثة أجيال:
  • الجيل الأول من الموسيقيين الكبار الذين وُلدوا في العقد الأخير من القرن التاسع عشر, أو أوائل العقد الأول من القرن العشرين, وهو الجيل الذي تكوّن من محمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد ورياض السنباطي, وقد انطلق الزخم الفني الكبير لهؤلاء بين العشرينيات والخمسينيات, وإن امتد زمن عطاء السنباطي وعبدالوهاب حتى الثمانينيات للأول والتسعينيات للثاني.
  • الجيل الثاني الذي ولد في العقد الثاني من القرن العشرين, ومن أبرز أعلامه محمد فوزي وفريد الأطرش وأحمد صدقي ومحمود الشريف وعبدالعظيم عبدالحق وعلي فراج وعزت الجاهلي وسواهم.
  • الجيل الثالث الذي ولد في العقد الثالث من القرن العشرين, ومن أبرز أعلامه كمال الطويل ومحمد الموجي وسيد مكاوي ومنير مراد وبليغ حمدي وعبدالعظيم محمد. وجدير بالذكر أن ظهور هذا الجيل في مصر قد تزامن في الولادة (العشرينيات) وفي انطلاق الإبداع الفني (الخمسينيات والستينيات بشكل بارز) مع الجيل الذي نهضت على أكتافه النهضة الموسيقية المشرقية التي انطلقت من بيروت, ومن أبرز أبناء هذا الجيل عاصي ومنصور رحباني, وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وفيلمون وهبي وسامي الصيداوي وعفيف رضوان.
شجرة العائلة الفنية
هذه هي إذن شجرة العائلة الفنية للفنان الكبير كمال الطويل, إنه واحدمن فرسان الجيل المصري الثالث في النهضة الثانية للموسيقى العربية المعاصرة, التي انطلقت من مصر في أعقاب ثورة سيد درويش. وهو بذلك يكون آخر غصن من تلك الشجرة الذهبية, امتد به العمر حتى أوائل القرن الواحد والعشرين.
ولد كمال الطويل لعائلة ميسورة كانت منتمية إلى قيادة وقواعد حزب الوفد, حزب الوطنية المصرية الأكثر شعبية في النصف الأول من القرن العشرين. ولكن شأنه شأن شباب هذا الحزب, اتجه في عقد الأربعينيات ومطلع الخمسينيات إلى يسارالحزب, تلبية لمشاعر ومفاهيم العدالة الاجتماعية التي كانت تعاندها وتعارضها طبقة كبار الملاك من قيادات حزب الوفد, لذلك كان بدهيا أن ينخرط كمال الطويل اجتماعيا وسياسيا, عند قيام ثورة الضباط الأحرار في العام 1952, وخاصة عند نضج الثورة على نيران معارك الجلاء وتأميم قناة السويس, في القاعدة الاجتماعية والثقافية لتلك الثورة.
إذا استثنينا سيد مكاوي من أبناء هذا الجيل الثالث, الذي كان امتدادا طبيعيا لزكريا أحمد, فإن كل نجوم هذا الجيل وفرسانه, من كمال الطويل إلى محمدالموجي إلى منير مراد إلى بليغ حمدي, قد خرجوا من عباءة عبدالوهاب الفضفاضة, حتى ولو صدر تصريح عن كمال الطويل يركز فيه على تأثره بمحمد فوزي (من أبناء الجيل الثاني), ذلك أن محمد فوزي لم يفلت هو الآخر من الخروج من عباءة محمد عبدالوهاب, في الحداثة الموسيقية كما في الحداثة الغنائية.
وإن كان هذا التصنيف لا يمنع التأثر المتبادل بين عبدالوهاب ومحمد القصبجي بشكل خاص, ثم تفاعل عبدالوهاب بالذات مع كل مجايليه (السنباطي وزكريا) وحتىكل تلاميذه بعد ذلك, بمن فيهم الطويل والموجي وبليغ, ولكن تلك قصة طويلة معقدة نتركها لمجال آخر.
قدر لي في السنوات العشر الأخيرة من حياة كمال الطويل أن اقترب منه شخصيا, وأعقد معه صداقة فنية وثقافية وشخصية أعتز بها, أتاحت لي التأكد من كثير من الاستنتاجات العامة التي كنت قد خرجت بها من عشرتي الطويلة لأعماله الفنية من أولها حتى آخرها.
من أهم تلك الاستنتاجات, ما كنت أعبر عنه في مقالات نقدية سابقة لأعمال كمال الطويل, شعوري بأن موسيقى كمال الطويل, وإن كانت عربية مصرية واضحة المعالم, فقد برز منها انتماؤه إلى الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط, وتأثره بالرياح الفنية القادمة من الشواطئ الشمالية لذلك البحر: إيطاليا واليونان وإسبانيا.
عقدة من آلة العود
ضحك كمال الطويل من قلبه عند سماع هذه الملاحظة, موافقا على مضمونها, وروى لي أنه كان في أيام شبابه الأول يحمل فكرة عامة سيئة عن آلة العود, إحدى الآلات الرئيسة في الموسيقى العربية, بل الآلة الأم التي يترجم الملحن العربي أفكاره عليها, في مقابل دور آلة البيانو بالنسبة للملحن الأوربي.
وخلاصة هذه القصة أن سيدات أسرة الطويل, من أقارب الموسيقار, كن يستأجرن موسيقيا عجوزا لإحياء حفلات الطرب في منازلهن, وكان ذلك الموسيقي يحمل آلة عود, ويأتي للعزف والغناء في مقابل جنيهات معدودة, وغالبا ما يؤدي أغنيات قديمة من تراث القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. هذاالمشهد - يقول كمال الطويل - ربط في ذهنه بين آلة العود والتخلف الموسيقي , أو ضيق الأفق الموسيقي .
غير أن من يأخذ هذه القصة على علاتها (وقد عقدت في ذلك نقاشا مطوّلامع كمال الطويل) يمكنه أن يستنتج خطأ أن كمال الطويل قد انطلق من تلك (العقدة) المبكرة من آلة العود, إلى التغرب الموسيقي والفني الكامل. غير أن كل أعماله بعد ذلك جاءت تكذب هذا الاستنتاج الشكلي, فكيف كان ذلك?
عندما ترعرع كمال الطويل واكتمل وجدانه واكتملت ثقافته فيما بين العشرينيات والخمسينيات, كانت تيارات ثقافية وفكرية عدة تتجاذب المجتمع المصري الشديد الحيوية في تلك المرحلة التاريخية, في كل الأصعدة الثقافية والفنية والأدبية والسياسية والاجتماعية. وكانت هذه التيارات المتلاطمة تختلف بأطياف وظلال غنية, بعضها يذهب في التغرب إلى حدود التقليد الكامل للغرب, بل والانتماء الكامل للغرب أحيانا. وبعضها يذهب في حرصه على الهوية الوطنية والعربية والإسلامية, إلى حدود الإغلاق الكامل لكل النوافذ والأبواب, بينما يرى البعض الثالث أن الحضارة العربية, في عهودها الذهبية الغابرة, لم تكن لديها هذه المشكلة, لأنها كانت ذات شخصية عربية أصيلة وعميقة, وذات فهم شديد, في الوقت نفسه, لحسنات الاتصال بحضارات وثقافات الشعوب الأخرى, حتى كان عصر الخليفة العباسي المأمون, العصر الذهبي للثقافة العربية الأصيلة, من جهة, ولترجمة ثقافات الشعوب الأخرى, والتفاعل معها من جهة ثانية.
فإذا عدنا إلى حقل الموسيقى بالذات, فإن عبدالوهاب قد حل تلك المعضلة حلا إبداعيا عمليا, فهضم كل تراث القرن التاسع عشر, وسيد درويش بعد ذلك والإنشاد الديني الإسلامي والمسيحي المشرقي, ثم انطلق يهضم الإنجازات الأوربية العظيمة في حقل الموسيقى , في القرون الثلاثة الأخيرة, فخرج بشخصية موسيقية وغنائية ضاربة بعمق شديد في جذورالهوية الحضارية العربية والإسلامية, ومشرئبة العنق بشدة نحو الآفاق الرحبة لثقافات وموسيقى الشعوب الأخرى, خاصة ما أنجزته أوربا من كلاسيكية موسيقية شامخة في القرون الأخيرة.
وهذا بالضبط ما شد وجدان وآذان كمال الطويل وأبناء جيله إلى موسيقى وغناء عبدالوهاب, وتلاميذه من أبناء الجيل الثاني, فعقد صداقة متينة مع عبقري الكمان أنور منسي (العازف الرئيسي في فرقة عبدالوهاب, وأحد المترجمين الرئيسيين لأفكاره الموسيقية المتطورة), حتى روى لي كمال الطويل أن معرفته الشخصية الأولى بعبد الوهاب, كانت عندما اصطحبه أنور منسي لحضور تمارين الفرقة الموسيقية على لحن عبدالوهاب لليلى مراد (اتمختري واتمايلي يا خيل), أولى أغنيات الفيلم الخالد (غزل البنات), وكلها من ألحان عبدالوهاب.
عشق للمقامات العربية
ومع أن كمال الطويل لم يحسن العزف في حياته إلا على آلة البيانو, فإن ذلك لم يحمل أي تغريب لأعماله الموسيقية, بدليل أن لحنه الأول كان قصيدته الدينية العظيمة (إلهي ليس لي إلاك عونًا), شعر والده وغناء المطربة الناشئة يومذاك فايدة كامل. وبدليل أن كل أعماله الكبيرة بعد ذلك, بالذات لحنجرتي نجاة الصغيرةوعبدالحليم حافظ, كانت مشبعة بالمقامات العربية الأصيلة التي لا تعزف على آلة البيانو, كالبياتي والهزام والراست والصبا وسواها. وبدليل أن السيدة أم كلثوم قداستدعته للمشاركة في تلحين قصائد الفيلم الديني رابعة العدوية إلى جانب زميله محمدالموجي والعملاق رياض السنباطي. وبدهي أن ألحان تلك القصائد كان لابد من أن تكون خالصة (العروبة الموسيقية), وهكذا كان بالفعل لحن كمال الطويل الذي غنته أم كلثوم في رابعة العدوية (لغيرك ما مددت يدا), الذي انطلق فيه بتأثر واضح بقصائد رياض السنباطي, ثم برزت في المقاطع التالية شخصية كمال الطويل الموسيقية الخاصة. وقد كان التعامل الثاني والأخير لكمال الطويل مع أم كلثوم نشيد صلاح جاهين (والله زمان ياسلاحي), في أيام معركة تأميم قناة السويس, الذي تحول في عصر جمال عبدالناصر إلى نشيد وطني لمصر, وبقي كذلك حتى زيارة السادات للقدس المحتلة.
لقد واصل كمال الطويل بإبداع كبير وبخصوصية واضحة المعالم, جهود التحديث الهائلة التي بدأها أسلافه الكبار (محمد عبدالوهاب, محمد القصبجي, محمدفوزي, بشكل خاص), ولعل أبرز معالم الإضافات التجديدية لكمال الطويل برزت في خطين فنيين كبيرين:
  • خط الألحان الرومانسية الشديدة العذوبة والحداثة التي غناها كل منعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة بشكل خاص, وإن كان قد لحن قليلا منها لفايزة أحمد وصباح ووردة وعفاف راضي وسواهن.
  • خط الألحان الوطنية الكبيرة التي أرّخ فيها عبدالحليم حافظ بصوته لعصرجمال عبدالناصر, بكل أحداثه الكبرى, على أشعار لصلاح جاهين وأحمد شفيق كامل. وقدتميزت هذه الألحان الوطنية بنَفَس شعبي فيه تأثر واضح بسيد درويش, مع طغيان الطابع الملحمي على بعض تلك الألحان الكبيرة مثل: المسئولية وبالأحضان ويا أهلا بالمعارك وصورة وسواها. وتتميز هذه الألحان بشخصية فنية عربية واضحة المعالم, وبنَفَس مصري شعبي صارخ, وبحداثة في وضع الأوركسترا الكبيرة في خدمة هذه التغييرات الفنية والمتنوعة, مما يجعلها نماذج تستحق الدراسة والتحليل من قبل الأجيال اللاحقة.
وألحان شعبية
لم يخل رصيد كمال الطويل مع ذلك, من أغنيات مصرية صارخة الشعبية مثل لحنيه الشهيرين لحنجرة محمد قنديل الممتازة (بين شطين ومية), و (يا رايحين الغورية), وأغنيته الرائعة لمحمد عبدالمطلب (الناس المغرمين), ومن ألحان دينية تستحق التنويه, مثل (قل ادع الله) الذي غنته شادية ثم نجاة الصغيرة, ومثل القصيدة - الموشح (يا ضنين الأمس) التي غناها كارم محمود ثم عبدالحليم حافظ.
ظل كمال الطويل مع كل هذا التنوع الفني الشديد الثراء, شخصية إنسانية وفنية شديدة العذوبة والرقي, في تجسيد حي لصيغة عجيبة تجمع بين الأرستقراطية وروح ابن البلد المصري, وذلك في حياته الخاصة كما في نشاطه الفني.
ولكن قبل ذلك وبعده, كان كمال الطويل فنانا عالي الإحساس بكرامته الفنية, حتى لا يتنبه الكثيرون إلى أنه قد قاطع حنجرة عبدالحليم حافظ قبل عشر سنوات من رحيل هذا الأخير, لأن عبدالحليم كان يصر على القيام بدور الملحن في إدارة الفرقةالموسيقية, وتوجيه التعليمات التفصيلية التي تترجم شخصية اللحن. وكان كمال الطويل يصر من جهته (وهو على حق في ذلك) أنه هو مبدع اللحن, وهو صاحب الحق في التوجيهات الأساسية للفرقة الموسيقية, وإذا كان لعبدالحليم حافظ من إضافات على ذلك, فعليه التفاهم أولا مع الملحن, وليس إلغاء دور الملحن, والاستئثار بإعطاء التوجيه للفرقة الموسيقية.
الطويل والعزلة الفنية
هذه المسألة المبدئية في تقنيات العمل الموسيقي , والمبدئية في الكرامة الفنية للمبدع الموسيقي , دفعت كمال الطويل ليس فقط إلى مقاطعة نجم شهير كان شريكا في إطلاق شهرته, بل دفعته إلى حالة تشبه الاعتزال, حتى أن إنتاجه الأساسي بقي محصورا في عقدي الخمسينيات والستينيات.
أما بعد ذلك, فقد دخل في رحلة الإقلال الفني, فلم يخرجه عن صمته إلا صوت سعاد حسني, واللون الجديد الذي كانت تجيده, في الأغنيات السينمائية والتلفزيونية التعبيرية, فلحّن لها أغنيات ثلاثة أفلام (خلي بالك من زوزو, وأميرةحبي أنا, والمتوحشة) وأبدع في تلحين أغنيات تعبيرية عميقة للمسلسل التلفزيوني (هووهي) غنتها سعاد حسني.
وختم حياته الفنية بعد صمت طويل, بالتلحين لفيلم يوسف شاهين (المصير), ورفض التلحين لفيلمه الثاني (الآخر), لأنه بكل بساطة, لم يقتنع بالموضوع, كما قال لي.
أما آخر إبداعات كمال الطويل فكانت قصيدة (درس خصوصي) للشاعرةالكويتية سعاد الصباح, غنتها نجاة الصغيرة. ويبدو هذا اللحن الذي صدر قبل سنوات ثلاث أو أربع من رحيله, كأنه قادم إلينا من خضم العصر الذهبي الأخير, الذي تفجّر في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
كمال الطويل آخر غصن ذهب سقط من الشجرة الذهبية للموسيقى العربية المعاصرة, ويبدو أن عصر القحط الموسيقي سيلازمنا وقتا غير قصير, قبل أن تعود أرض الموسيقى العربية الجادة والغناء العربي الجاد, إلى خصبها التاريخي الذي طال فامتد من منتصف القرن التاسع عشر إلى ثلاثة أرباع القرن العشرين.

إلياس سحّاب

المصدر:
http://www.alarabimag.com/arabi/common/showhilight.asp
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28/02/2009, 01h26
الصورة الرمزية Muzikart
Muzikart Muzikart غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:239356
 
تاريخ التسجيل: mai 2008
الجنسية: تونسية
الإقامة: تونس
المشاركات: 4
افتراضي رد: كمال الطويل - من الكبرياء الى العزله

مقال جيد . ملاحظة = اغنية لسة فاكر لرياض السنباطي وليست للطويل
كما ان لحن خلي بالك من زوزوالذي غنته النجمة سعاد حسني لسيد مكاوي وليست للطويل بل هو صاحب لحن ياواد ياتقيل لنفس المطربة
وازيد ان كمال الطويل هو النغمة الجديدة في جيله...حتى الموسيقار محمد عبد الوهاب تاثر بتركيبة الطويل اللحنية

وستلمس هذا في اغنية الطويل ليه خليتني احبك لليلى مراد وتهجرني بحكاية لعبد الوهاب وفايزة احمد...وساساهم بحول الله في شرح طريقة الطويل اللحنية واختلافها عن جيله .مع الشكر
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04/03/2009, 10h51
الصورة الرمزية أمين عبد الوهاب
أمين عبد الوهاب أمين عبد الوهاب غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:14970
 
تاريخ التسجيل: février 2007
الجنسية: تونسية
الإقامة: تونس
العمر: 51
المشاركات: 45
افتراضي رد: كمال الطويل - من الكبرياء الى العزله

في انتظار مساهمتك يا أسامة... فقط ملاحظة : أظن أن تأثير عبد الوهاب على كمال الطويل أكبر من تأثره به... فعبد الوهاب له ميزة أنه يلتقط بسرعة كل ما هو جديد يصدر من غيره ثم يطوره بعبقريته حتى أنه يتفوق فيه ويصبح كأنه من ابتدعه لأول مرة... ما رأيك ؟
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14/05/2023, 16h40
الصورة الرمزية حازم فودة
حازم فودة حازم فودة غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:726270
 
تاريخ التسجيل: juillet 2014
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 69
المشاركات: 7,529
افتراضي رد: كمال الطويل - من الكبرياء الى العزله

الإختيار الصعب
(حلقة كمال الطويل)

تقديم أمال العمدة - إعداد مفيد فوزي - لحن عمر خيرت

استكملت أمال العمدة مونتاجها يوم 12-05-1988

أذاعها الإعلامي أ.إبراهيم حفني في برنامجه في يوم في شهر في سنة
الحلقة رقم 303 بتاريخ 12-05-2020
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 05h12.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd