تذكرت ايام زمان والاعمال الكاملة للعظيم امل دنقل
وكان الواحد ينام وفى حضنة الديوان
جلبت علينا المواجع
واليك من اوراق ابو نواس
من روائع امل دنقل ( اللة يرحمة )
( الورقة الأولى )
خارجين من الدرس كنا..
وحبر الطفولة فوق الرداء..
والعصــافــــير تمرق عبر البيوت..
وتهبط فوق النخيل البعيد..
"ملكٌ أم كتابة؟"، صاح بي..
فانتبهتُ..
ورفَّتْ ذُبابة حول عينين لامعتين..
فقلتْ : الكتابه..
فَتَحَ اليدَ مُبتَسماً:
كانَ وجهُ المليكِ السَّعيدْ بَاسِماً في مهابه !
"ملكٌ أم كتابة؟"، صحتُ فيه بدوري..
فرفرف في مُقلتيهِ الصِبَّا والنِجابه..
وأجابَ : الملكْ..
(دون أن يتلَعَثَمَ أو يرتَبِكْ !)
وفَتحتْ يدي..
كانَ نقشُ الكتابه..
بارزاً في صلابه !
دارت الأرضْ دوراتهَا..
حَمَلَتْنَاَ الشَّواديفُ من هدأة النهرِ..
ألقتْ بنا في جداول أرض الغَرَابه..
نتفرَّق بينَ حقول الأسى.. وحقول الصبابه..
والتقينا..
قطرتْين إلتقينا على سُلَّم القَصرِ..
ذاتَ مسَاء وحيدْ..
كُنتُ فيه : نديمَ الرشيد !
بينما صاَحِبي.. يتولى الحجابه!
( الورقة الثانية )
مَنْ يَمْلِكُ العُملهَ يُمسكُ بالوجهيْن !
والفقراءُ : بَيْنَ بيْنْ !
( الورقة الثالثة )
نائماً كنتُ جانبه : وسمعتُ الحرسْ يُوقِظُون أبي..
- خَارِجيُّ !
- أنا.. ؟!
- مَاَرِقٌ !!
- مَنْ ؟! أنا ؟!!!!
صَرَخَ الطِفلُ في صدرِ أمّي..
(وأمي َ محلولةُ الشَّعر.. واقفةُ في ملابسها المنزلية)
- إخرَسوا !
وإختبأنا وراءَ الجِدار..
- إخرَسوا !!
وتسللَ في الحلق خيطٌ من الدم..
كان أبي يُمسِكُ الجُرحَ..
يُمسكُ قامته.. ومَهَابَتَه العائليه !
- يا أبي..
- إخرسوا !
وتواريتُ في ثوب أمِّيَ..
والطِّفلُ في صدرها ما نَبَسْ..
ومَضوا بأبي..
تاركين لنا اليُتم.. مُتَّشِحاً بالخَرَس !!!
( الورقة الرابعة )
أيُهَا الشِعرُ..
يا أيُها الفَرَحُ المُخْتَلَسْ..
كُلُّ ما كُنتُ أكتُبُ في هذه الصفحة الورقيه..
صادرتهُ العَسسْ !
( الورقة الخامسة )
وأمي خادمةٌ فارسيَّة..
يَتَنَاقَلُ سَادتُها قهوةَ الحب وهي تدير الحَطبُ..
يتبادلُ سادتُها النظرات لأردَافِهِا بينما تنْحني لِتُضئ اللَّهب..
يتندَّر سادتُها الطيِّبون بلهجتها الأعجميَّه..
نائماً كُنتُ جانِبَها..
ولمحت ملاكَ القُدُسْ..
ينحني.. ويُرَبِّتَ وجنَتَها..
وتراخى الذراعانِ عني.. قليلاً.. قليلاً..
وسارتْ بقلبي قشعريرة الصمت:
- أمِّي !
وعَادَ لي الصوتُ..
- أمَّي !!!
وجاوبني الموتُ..
- أمَّي !!
وعانقتها.. وبكيتُ..
وغَامَ بي الدَّمعُ.. حتى إحتَبَسْ..
( الورقة السادسة )
لا تسألني إن كانَ القرآنْ مَخلوقاً.. أو أَزَليّ..
بل سَلْنِي إن كان السُّلطانْ لِصاً.. أو نِصفَّ نبيّ !!
( الورقة السابعة )
كنتُ في كَرْبلاْْء،
عندما قال لي الشيخُ إن الحُسينْ ماتَ من أجلِ جرعةِ ماءْ !
وتساءلتُ : كيف السيوفُ إستباحتْ بني الأكرمين ؟!
فأجاب الذي بصَّرتْه السَّماء :
إنه الذَّهب المتلألئُ في كلَّ عينْ..
إن تكُن كلماتُ الحسينْ..
وسُيوفُ الحُسينْ..
وجَلالُ الحُسينْ..
سَقَطَتْ.. دون أن تنقذ الحقَّ مِن ذَهب الأمراءْ..
أفتقدرُ أن تنقذ الحقَّ: ثرثرةُ الشُّعراء؟
والفُراتُ لسانٌ مِن الدم لا يجدُ الشَّفَتينْ!
ماتَ مِنْ أجلِ جرعة ماءْ !
فإسقني يا غُلام.. صباحَ مساء..
إسقني يا غُلام..
ربما بالمُدام.. أتناسى الدماءْ !!
..
آهٍ..
من يوقف في رأسي الطواحين..
ومن ينزع من قلبي السكاكين..
ومن يقتل أطفالي المساكين لئلا يكبروا في الشقق المفروشة الحمراء خدّامين..
من يقتل أطفالي المساكين لكيلا يصبحوا في الغد شحاذين..
يستجدون أصحاب الدكاكين وأبواب المرابين..
يبيعون لسيارات أصحاب الملايين الرياحين..
وفي المترو يبيعون الدبابيس وياسين..
وينسلون في الليل يبيعون الجعارين لأفواج الغزاة السائحين..
..
هذه الأرض التي ما وعد الله بها..
من خرجوا من صلبها..
وانغرسوا في تربها..
وانطرحوا في حبها مستشهدين..
فادخلوها بسلام آمنين..
ادخلوها بسلام آمنين..
__________________
أنت القتيل بيد من أحببته
فأختر لنفسك في الهوى من تصطفي
محمد عبد الرازق
المحامى