قارئ المقام
عبد الرحمن العزاوي
1928 - 1983
ولادته ونشأته
رغم الشهرة التي إكتسبها وحققها كل من المطربين المقاميين عبد الرحمن خضر وحمزة السعداوي، من خلال أدائهما للمقامات العراقية، والتي فاقت شهرة معاصرهما المطرب الكبير عبد الرحمن العزاوي..! إلا أن كليهما لم يصلا الى المستوى الفني والتقني في الأداء المقامي الذي وصل اليه المطرب عبد الرحمن العزاوي.
ولد مطربُنا الكبير عبد الرحمن العزاوي، في محلة الخالدية من بغداد عام 1928.. وهو أحد الاربعة الابداعيين الكبار من مغني المقام العراقي في القرن العشرين بعد إستاذهم المبدع الأكبر ومثيرهم الاول محمد القبانجي، وهم (حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي) وقد خصصتُ كتاباً خاصاً بهذا الصدد أسميته (الاربعة الكبار في المقام العراقي) طبع في وزارة الثقافة بالعاصمة الجزائرية عام 2007، ومنذ صغره إستفاد كثيرأً من تعلمه في (الكتاتيب) – الملا – مما ساعده ذلك على تقويم لغته النحوية ولفظه للكلمات والحروف العربية بصورة جيدة وإدراكه لأهمية الشعر المُغنّى وتوضيح الكلام، وتعلَّم من والده الذي كان يملك محلاً للخياطة يجتمع فيه الكثير من مُؤدّي ومُحبّي المقام العراقي ليصبحَ ملتقىً للوسط المقامي مثل رشيد القندرجي ونجم الشيخلي وعباس كمبير وغيرهم..
بدايته الفنية
أكمل عبد الرحمن العزاوي المدرسة الابتدائية والمتوسطة، ثم أخذ يتردد على الأمكنة التي تمارس فيها الشعائر الدينية من تلاوةٍ للقرآن الكريم أو المدائح والمناقب النبوية الشريفة والتهاليل والاذكار.. للتلذذ بسماعها وتعلمها ثم مارسها عملياً بصورة إحترافية، وأتذكر أنني شاركت معه أكثر من مرَّة في هذه المناقب النبوية، ومنها كانت بمعية الملاّ بدر الاعظمي في منقبة نبوية أُقيمت في بيت الصديق العزيز عبد الخالق العزاوي أو أحد أقرباء السيد عبد الخالق في الأعظمية قرب رأس الحواش خلف سينما الأعظمية عام 1975.. وقد قمت بتسجيل هذه المنقبة النبوية الشريفة حينها ولا زلت محتفظاً بالتسجيل، ورغم ذلك فقد بدأت مسيرته الفنية على صعيد الفن، بالتمثيل ونظم الشعر..! وليس بالغناء..! إذ عمل مع بعض الجمعيات من خلال فرقها الفنية مثل جمعية النهضة الفنية وجمعية مجاهد وجمعية انصار التمثيل والسينما، ويقال انه شارك في حفلة مع المطرب الكبير ناظم الغزالي عام 1959، ولكنه لم يبدأ رسمياً في تسجيل المقامات العراقية في دار الاذاعة العراقية إلا في عام 1963 عن طريق الخبير المقامي الحاج هاشم الرجب، فكان مقام الراشدي أول المقامات التي سجلها في الاذاعة بكلام الزهيري الذي كتب كلماته هو على أرجح الظن..
بهواها شفت العجب من يوم خلتني
بفنونها والحسن ياربي خلتني
بين الحيا والامل والموت خلتني
حاير صرت يا ترى بين الجفا وامان
متعاهد اويا الولف باقسامنا وامان
بعد الحلف والقسم يمته الوصل وامان
بلكي يعود الهنا يا قلبي خلتني
ومنذ هذا التاريخ بدأت مسيرة المطرب الكبير عبد الرحمن العزاوي بصورة منتظمة، حيث سجل العديد من المقامات العراقية سواء في الاذاعة أو التلفزيون حتى وفاته يوم 1/3/1983..
رؤيته الفنية المقامية
إنَّ المطربَ عبد الرحمن العزاوي خيرُ حالة تقدم للفحص والإختبار في تاريخ المقام العراقي، وإن أداءه المقامي في تسجيلاته الاذاعية والتلفزيونية يعبر تماماً عن شخصيته وحياته.. فتعابيره توحي بتجاربه، إذ كان يرى أن فن أداء المقام العراقي إنما يتطلب منه ترتيب المواد الاولية والعناصر المكونة للشكل المقامي بأُصوله ومساراته اللحنية التقليدية.. وهكذا إكتسبت تسجيلاتُه المقامية صوراً نموذجية في الأداء ودقة ترتيب وتوزيع الأُصول والمواد المقامية بصورة متناسبة داخل غنائه للمقام، أي أنه كان يصمم في ذهنه وأحاسيسه الشكل الذي يراه نموذجياً تاريخياً لغناء المقام أو المقامات العراقية بصورة عامة، إذ توحي لنا بأن ما نسمعه نماذج جيدة ومبسطة لعموم المقام العراقي.. وقد ثبت لديه خطأ الاداء من قبل بعض المغنين، مرَّة بعد اخرى، بما يمارسونه من إنتهاكات للشكل المقامي والتلاعب بأُصوله التاريخية، ودعا الى الاخلاص في إنكار الذات بالمحافظة والالتزام بالشكل المقامي الرصين.. وقد إنساق مطربنا الكبير عبد الرحمن العزاوي الى معادلة بسيطة، هي (الحب + الرغبة + الإخلاص) أساساً وقبل كل شيء للمقام العراقي، والحاجة الملحة والمتزايدة الى التعابير الجميلة في مضامين الاداء المقامي والتجارب التي تبعث في النفس قدراً أكبر من الارتياح..! وهناك إعتبار آخر، لاشك أن مطربنا العزاوي وجد الادلة عليه من خلال نجاحه في اداء المقام العراقي، فدعا الى معادلته إعتماداً على تجربته..
ثقافة عبد الرحمن العزاوي
إكتسب عبد الرحمن العزاوي ثقافة عامة متوسطة..! فأعطى جُلَّ إهتمامه للمقام العراقي ونظم الشعر وطرح الملاحظات الفنية والنقدية الجارحة في أغلب الاحيان هنا وهناك، ولكن بعض هذه الملاحظات النقدية كانت على درجة جيدة من الملاحظة..!! وكان من حيث الواقع في وضع يساعده على الإفادة من هذا الاهتمام وهذا الاخلاص.. لكنه كان ذا شخصية غريبة..!! فقد كان تفكيره غير طبيعي.! ويعتقد أن الجن تكلمه، ومن ناحية اخرى فقد كان لسانه سليطاً على معاصريه من المؤدين، وكذلك لم يتميز بالتواضع إلا في مرَّة واحدة إذ قال (لا وجود لأي مطرب في العالم غير أنا وأم كلثوم..!!) وإشارته هنا لأم كلثوم تعتبر تواضعاً، فقد كان يرى نفسه وحيداً في الغناء لا يُضاهيه فيه أحد..!! ومن جانب آخر فقد كان من الوجهة النفسية لا يحب أن يصبح غنياً..! ليس تزهداً، وإنما يتلذَّذ كما يبدو عندما يكون لا يملك شيئاً..!! فهو لا يعمل ولا يرغب في ذلك.. واذا أوجد له بعض الاصدقاء المحبين عملاً، فإن نَفَسَهُ قصير فيه، إذ سرعان ما يتركه ليعود الى الإفلاس.!! وفي إعتقادي أنه لو كانت شخصيته طبيعية ومتزنة، لأصبح ظاهرة كبيرة جداً في تاريخ اداء المقام العراقي أو رُبَّما ظاهرة عصره على الأقل.. إن له إمكانيات ومواهب طيبة، لكنه أضاع منها الكثير، فقد كانت لديه إضافة الى إمكانياته الادائية، البصيرة الجيدة والرؤية الثاقبة في معرفة أُصول المقام العراقي، ووفرة في الحماسة التي تميز بهما في خدمة غناء المقام العراقي.. ومع كل مقومات هذه الشخصية، فقد كسب عبد الرحمن العزاوي جمهوراً ينصت لصوته ويقتني تسجيلاته المقامية وإزدادوا إعجاباً كلما أدّى في حفلة من الحفلات..!!
تسجيلاته في الأستوديو والمسرح
وبعض الغرابة في الأمر.! هي حينما نستمع الى التسجيلات المقامية التي سجَّلها عبد الرحمن العزاوي في ستوديوهات دار الاذاعة العراقية، نراها سريعة الاداء ومبالغ في إختصارها على غير ما نعهده في أداء عبد الرحمن العزاوي في أمكنة أخرى غير الاستوديو، وكأنها سجلت كنماذج مقامية تقليدية توثيقية، ورغم أننا لا نعرف شيئاً عن ظروف تسجيلها، لكنها ملاحظة موجودة، لكننا أيضاً نستطيع أن نتحدث عن بعض مقاماته، فهذا مقام العجم عُشَيْران الذي يغني فيه العزاوي قصيدة لتقي الدين السروجي حيث نلاحظ التتابع الذي يبدو سريعاً ومكثفاً في بنائِه للجُمل الأدائية لهذا المقام الرئيسي..
انعمْ بوصلِكَ لي فهذا وقتُهُ
يكفي من الهِجران ما قد ذقتُهُ
أنفقتُ عمري في هواكَ وليتني
أُعطى وصولاً بالذي انفقتُُهُ
يامن شُغِلْتُ بحبهِ عن غيرهِ
وسلوتُ كل الناسِ حين عشِقتُهُ
كم جال في ميدانِ حبِكَ فارسٌ
بالصدقِ الى رضاكَ سبقتُهُ
قال الوشاةُ قد ادعى بك نسبةً
فسررْتُ لما قالَ قد صدقتُهُ
بالله إن سألوك عني قل لهم
عبدي وملك يدي وما أعتقته
أو قيل مشتاق إليك فقل لهم
أدري بذا وأنا الذي شوقته
يا حسن طيف من خيالك زارني
من عظم وجدي فيه ما حققته
فمضى وفي قلبي عليه حسرة
لو كان يمكنني الرقاد لحقته
بعض الملاحظات الفنية
نرى أن أداء عبد الرحمن العزاوي لهذا المقام الرئيسي كشأن المقامات الأُخرى، أداءاً سريعاً وكأنه نموذج لأداء الشكل المقامي يصلح أن يكون تعليمياً، إضافة الى أن هناك نقصاً في الأداء الأُصولي من حيث الشكل التقليدي لهذا المقام، فجلسة المقام الواقعة قبل – الميانة – الاولى لم يؤدِّها بشكلها الكامل، فقد كانت ناقصة الأُصول التقليدية، وتكرر ذلك مرَّة اخرى في التسليم حيث يعاد مسار لحن الجلسة ثانية في نهاية المقام ليعتبر موقعها هنا (تسليم) المقام، وقد كان هذا التسليم فرصة لتلافي النقص الذي حصل له في المرَّة الاولى في موقع الجلسة ولكنه لم يفعل ذلك.. والحق أن هذا النقص غير معهود في أداء عبد الرحمن العزاوي للمقامات بصورة عامة ونادر ايضاً في تسجيلاته فهو مطرب تقني في صدد أداء الشكل وتطبيق الأُصول المقامية التقليدية ولا يُعاب عليه..
وعندما نستمع الى تسجيل – الشعر مع الابوذية – نراها سريعة وفي نفس المنحى..
لا جزى اللهُ دمعَ عينيَ خيراً
وجزى اللهُ كلَ خيرٍ لساني
باحَ دمعي فليسَ يكتمُ سراً
ورايتُ اللسانَ ذا كتمان
كنتُ مثلَ الكتابِ اخفاه طيرٌ
فاستدلوا عليه بالعنوان
كتم السر لساني يروم سراي
اودمعي للذي منهم سراي
كتاب او جنت مطوي افضح سراي
الدمع لمن غدة عنوان اليه
وهناك مقامات أُخرى على هذه الشاكلة، مثل مقام الجهاركاه ومقام الصبا ومقام الشرقي رست الذي ترافقه فيه فرقة الجالغي البغدادي حينما يقول في مطلع الزهيري..
يامن جمالك حوى حسن الورود وجله
والبدر امسى لوجهك بالشعاع او جله
في حين أنَّ نفسَ هذا المقام (الشرقي رست) الذي أداه برفقة فرقة – التخت البغدادي، المُكوَّن من فرقتي الجالغي البغدادي وبقية الآلات العربية – قد تفنن في أدائه له، وأعطاه روحاً تطريبية جميلة، ومثل هذه التسجيلات الجميلة المسجلة في الاستوديو قليلة لديه، لأن غالبية تسجيلاته في الاستوديو تبدو مقتضبة، وهذا هو مقام الشرقي رست المُغنّى بهذا الزهيري مع التخت البغدادي..
يامن عليك الدمع فوق الوجن ليله
سهران بجفاك ما ضكت الكرى ليله
ارجوك فد يوم زور امتيمك ليله
واتشوف نارك توج بين الحشا والراي
واعليك دمعي يكت شبه المزن والراي
لتلومني لو ذهب مني العقل والراي
مجنون قبلي ابتلى وجن بهوى ليله
وكذلك الأمر في مقام الحكيمي عندما يؤديه مع فرقة التخت البغدادي ايضاً، إذ نرى أن البناء الادائي والمزاجي جيد، حيث يوحي لنا عبد الرحمن العزاوي بأن العطاء الصوتي لموسيقى التخت البغدادي يروق له.. ويمنحه مزاجاً أفضل..! وهذا هو كلام الزهيري في مقام الحكيمي لكاتبه محمود الخطاب..
يامن محياه حياه البدر وانظام
مكنون ثغره سبه الليلو بحسن وانظام
واسى سبيل الرضى بتصدني وانظام
واني عليك بحياتي الغالية ماظن
حبك بكبدي ماض السهم ماظن
ترضى بضيم او ظلم اقضي العمر ماظن
حاشاك ترضى بودادك انظلم وانظام
إنَّ هذه التناقضات المزاجية موجودة في تسجيلات المقامات لدى بعض المُغنّين المقاميين المعاصرين، فالنظر إليها من زاوية تقييم نهائية شيئ في غير محله..! وأعتقد أنه يمكننا الحديث عن مقامات عبد الرحمن العزاوي بإيجابية صريحة ونحن مطمئنون، عندما يتعلق الأمر بشأن حفلاته على المسارح وأمام الجمهور، حيث يكون العزاوي في ذروة مزاجه الادائي..! إذ يتفاعل مع الجمهور ويتفاعل معه الجمهور بقوة..! ولا أنسى تلك اللحظات الخالدات التي كنا نجلس فيها على خشبة مسرح المتحف البغدادي اوائل السبعينات مع آخرين من المُغنّين المقاميين ينتظرُ كلّ منا دورَه في الغناء في الجمعة من كل أسبوع، وإستمع إليه عندما يأتي دورُه، ومرَّة غنى مقام الحجاز ديوان بأُسلوبه التعبيري الذي يعجز الكلام عن وصفه وجماله وكأنَّني أستمعُ اليه في كل لحظة حتى يوم الناس هذا، هكذا كان عبد الرحمن العزاوي على المسرح وهو يواجه الجمهور، غالباً ما ينقلنا الى جوِّ عالمٍ خياليٍ مُهيب، بتعابير تعجز الكلمات عن وصفها..!! فقدرة عبد الرحمن العزاوي في التَّفّنُّنْ بأداء المقام العراقي وتعابيره الجميلة تتجلَّى عندما يؤدي ذلك على المسرح وأمام الجمهور في أغلب الأحيان..
أسلوب غنائه
على كل حال، اذا تأملنا الآن فيما تركه لنا عبد الرحمن العزاوي من تسجيلات غنائية مقامية، ندرك انه من أتباع الطريقة القبانجية، رغم أنه لا يرضى إطلاق هذه الصفة عليه، ويقول تبجحاً بأنه تعلَّم من والده، في حين أن والده لم يكن معروفاً في هذا المجال، فضلا عن أن أُسلوبَ غنائِه مُستقى بصورة كبيرة وواضحة من الطريقة القبانجية، هذا بالرغم من أنه تميَّز بأسلوب خاص إهتم من خلاله بالشكل المقامي التقليدي وبمضمون تعبيري جميل أقرب الى التعابير الروحانية والدينية، ولكنه لا يخرج عن طوق الطريقة القبانجية، ورغم أن العزاوي يرفض القول انه من أتباع الطريقة القبانجية كما قلنا، إلا أنه لا ضيرَ في ذلك، فشأنه شأن معظم المغنين الذين يدَّعون بأنَّ طرُقَهُم هي من إبتكاراتهم الخاصة..! في حين أن حقيقة الأمر غير ما يقولون..!
بعض أرائه
في حوار صحفي أُجري مع المطرب عبد الرحمن العزاوي، حاوره فيه الناقد الموسيقي الكبير عبد الوهاب الشيخلي نُشر بجريدة العراق في العدد 1019 صفحة 8 في عام 1979.. حيث سأله الناقد الشيخلي..
هل إستطعت أن تحقق طموحاتك من خلال نشاطاتك في المتحف البغدادي..؟
أجاب عبد الرحمن العزاوي.. بالنفي..! والسبب في ذلك ضعف الإعلام وقلة الحفلات الشهرية والتي لا تتجاوز الأربع حفلات، تبدأ من الساعة الرابعة عصراً ولغاية الساعة السادسة من مساء كل جمعة.. يحضرها عدد محدود من الناس..
وعن المساهمين من مطربي المقام العراقي في هذه الحفلات الأُسبوعية..؟
أجاب.. محمد العاشق وعبد الرحيم الاعظمي وابو عبد البغدادي وعلي ارزوقي..
سؤال آخر.. من تسمع من المغنين العراقيين والعرب..؟
أجاب العزاوي.. إنني أستمع الى كثير من المغنين العرب، وبنفس الوقت أنا من أشد المعجبين بصوت المطربة أنوار عبد الوهاب حالياً، لأنها تحمل في طيات حنجرتها ملامح المطربات العراقيات اللّواتي عرفن بعذوبة الصوت وقوة الأداء..
إن مطربنا الكبير عبد الرحمن العزاوي وكما قلنا كان مُغنياً مقامياً تقنياً، وقد كان يميل الى التقليدية في أداء الشكل المقامي وينفر من التجديد فيه.. وأتذكر مرَّة من المرَّات كنا سوية في إجتماع فني في دار الاذاعة والتلفزيون لمغني المقام العراقي أداره مدير المنوعات الفنان المعروف طالب القرغولي، وفي سياق كلام المطرب عبد الرحمن العزاوي وهو يتحدث في الاجتماع، جاءت بعض الكلمات إشارة عنّي حيث قال (إنَّ حسين الأعظمي مطرباً مجدداً.!) فكانت هذه الاشارة السريعة نقدية ولا يقصد فيها المديح، أو أشبه بذلك، فهو لا يرضى بالتجديد، في حين كانت بالنسبة لي أن هذا الكلام يعتبر إعترافاً بخصوصية منهجي الغنائي ومن مطرب لا يرضى على أحد غير نفسه، وبالتالي ولدَت عندي شعور بالإرتياح..
على الإجمال، فإن عبد الرحمن العزاوي بامتلاكه موهبة أصيلة في التعبير المبتكر، أنتج نسبة لا بأس بها من تسجيلات مقامية أُعتبرت له بحق.. تاريخاً جيداً في هذا المجال، وبالإجمال تظل تسجيلاته في الحفلات أفضل أعماله، حيث لم تكن معظم تسجيلاته الاذاعية أو التلفزيونية في الاستوديو بمستوى تسجيلاته في الحفلات المسرحية وأمام الجمهور.. إن المرء يكتشف فيه مؤدياً مرموقاً ذا شخصية مثيرة ميتافيزيقية ولو أنَّها مهزوزة..!! وفي النهاية فإنها حقيقة عبد الرحمن العزاوي، ومع ذلك فإن المرء في الوقت نفسه، يأسف لهذه الموهبة المهدورة..! لأن عبد الرحمن العزاوي بمقدرته الفطرية والعفوية وموهبته وبالمادة التي حفظها من تراثه الغنائي، يمتلك مزيجاً كان من الممكن أن يبني عليه مستقبلاً أدائياً فذَّاً في غناء المقام العراقي ولأصبحَ ظاهرة َعصره..
عن كتاب
الأستاذ حسين الأعظمي
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ