حوار مع عاشق العتابا
الشاعر الغنائي سعيد البيروتي
اشترك العرب مع الشعوب القديمة في مفهومين لتاريخ الغناء الأصل الغيبي الغنائي والوحدة المطلقة في نشأة الشعر والغناء . فقد كان العرب أكان في العصر الجاهلي أم في العصر الأموي يطلقون لقب المغني عل الشاعر ـ فقد عرف كسر أنو شروان الشاعر الأعشى باسم مغني العرب كما قدم المغني سائب خاثر إلى معاوية بن ابي سفيان باسم الشاعر .
وفي هذا اللقاء يطيب لنا أن نستضيف الشاعر الشاب سعيد البيروتي الذي يترجم المعنى والمبنى للتسمية العربية قديما فيما ينهجه من فن كتابة شعر العتابا وغنائه والذي عشقه منذ نعومة أظافره وتدرج فيهما حتى غدا معلما بين فحول شعراء العتابا في محافظة حماة .
وعند سؤالنا له عن الغناء والشعر في التراث العربي قال :
· كان الفنان( الغناء والشعر) يؤلفان في نظر العرب وحدة متجانسة تتمم الواحدة منهما الأخرى فالغناء الشعبييؤلف عند العرب ثروة وطنية كبرىلما توفرت فيه من خصائص تعبر أصدق تعبير عن روح الشعب العربي ولكن هذا اللون من الغناء لم يلق اهتماما خاصا من المؤرخين القدامى وخاصة مؤرخي الموسيقى إذ انصرف اهتمامهم إلى الحديث عن الغناء الكلاسيكي والفنانين الذين مارسوا هذا الغناء اعتقادا منهم بأن الغناء الشعبي لا يستحق منهم كبير اهتمام لا في مادته ولا في مادته الغنائية ولأنه لا يمثل المستوى الأدبي والفني للفئة التي كان يكتب لها التاريخ في العصور الخالية .
ـ وما السبب في هذا الازدراء عن الغناء الشعبي ..؟
· إن هذا الإغفال لقصة الغناء الشعبي عند العرب لم يستطع الثبات أمام تيار هذا الغناء الذي فرض نفسه على المؤرخين في كثير من المواطن ، فارتباط بعض ألوان الغناء الشعبي بأحداث سياسية معينة كلون ( المواليات) وبعض الحكايات المتداولة كلون العتابا . ان هذا الارتباط فرض نفسه على المؤرخين القدامى ولكن إلى قدر محدود .
ـ ولماذا ..؟
· لأن التراث الوطني العربي مثل تراث أي شعب من شعوب العالم زاخر بكل أبواب وفنون الغناء فلقد خلد الشعب العربي حياته في أغانيه فكانت لوحات تصور مختلف اوجه هذه الحياة ففيها تتجسد مطامحه وتصوراته وأماله وآلامه .
ـ وكيف يقوم بناء القصيدة أو ( البيت) لديك في كتاباتك للشعر الشعبي المغنى ..؟
· بداية لابد لي من أن أذكر عما تميزت به بلاد الشام عن غيرها من البلاد العربية ألا وهو ظهور ما يدعى بالغناء الحوراني فقد وصف (ابن خلدون) هذا اللون في مقدمته بان الذين طرقوه كانوا ( يجيئون به معصبا على أربعة أجزاء تخالف آخرها الثلاثة في روية ويلتزمون القافية الرابعة في كل بيت إلى آخر القصيدة ) وقد تجاوز هذا اللون من الغناء الشعبي قواعد الأعراب المقررة فلم يلتزم أصحابه أنفسهم بقاعدة فكان شأنهم في ذلك شأن كل منظوم من الشعر الشعبي .
ـ وماذا عن فن شعر العتابا ..؟
· هو اللون الشعبي الثاني الذي عرف في بلاد الشام .
ـ حدثنا عن نشأته :
· إنه لون شعبي أنبتته هذه الأرض الطيبة العريقة بشعبها وفنونها . لقد نشأ فن العتابا في حضن حكاية ، وحكاية تحدث مثيلاتها كل يوم في أي مجتمع نظير المجتمع الذي نسب إليه .
ـ حبذا لو انك ترويها لنا ..؟
· قبل عدة قرون كان يقيم في إحدى جبل الأكراد فلاح يكسب قوته بعرق جبينه وكان له زوجة اسمها ( عتابا ) وكانت فتية وجميلة ويبدو ان القدر أبى إلا أن ينزع منع ( عتابا) فقد استهواها مالك القرية فانتزعها منه فغادرت كوخها الى قصر الملاك الكبير ولما عاد الزوج لم يجد في البيت ( عتابا) فسأل الجوار فأخبروه بما حدث معها فضج روحه في أرجاء المكان ورحل عن القرية حتى انتهى به المقام إلى جبال عكار في لبنان وفي غمرة هذا الألم الجارف أنشد هذه الأغنية الشعبية :
عتابا بين برمي وبين لفتي عتابا ليش لغيري ولفتي
أنا ما روح للقاضي ولا أفتي عتابا بالثلاث مطلقا
وظل الزوج يردد هذا اللون الذي عرف فيما بعد باسم العتابا ودرج على السنة الناس وادخلوا عليه مقدمة عرفت باسم ( الميجانا ) .
ـ ومما يتألف تركيب ( العتابا ) الشعري ..؟
· تتألف تركيبة العتابا في نصها الشعري من أربعة مقاطع ، الثلاثة الأوائل منها تنتهي أواخرها بكلمات متشابهة في اللفظ ولكن معناها يختلف ثم تنحرف في الشطرة الرابعة . وقد درج شعراء العتابا على أن تكون قافية الشطرة الأخيرة ( الرابعة ) منتهية بألف مقصورة أو أي حرف بعد الألف الساكنة .
ـ هل تختلف العتابا الدارجة في سوريا عن العتابا في بلد آخر ..؟
· درج الأدباء الشعبيون على تسمية العتابا حسب الجهة الواردة منها فكان توزيعها كما يفندها المؤرخون ، فهناك العتابا الشرقية وهي العتابا القادمة من الجزيرة الفراتية والبادية وطابعها بدوي خالص صورة وتركيبا ونطقا وهناك العتابا العراقية لورودها من العراق وتمتاز بقوة التعبير وصراحة الكلمة وتضمين الشمائل القبلية والعربية الأصيلة ، كما تذكر بعض المراجع بأنواع أخرى كالعتابا (الفاضلية) والعتابا ( الجبورية) والعتابا (العقيلية) والعتابا ( القبلية) والعتابا ( الغربية ) والعتابا ( السلمونية ) …
ـ انطوى الشعر العربي على ذكر أحداث معينة قيدها في قوافيه فهل نهجت العتابا هذا الشأن ,,؟
للعتابا أغراض تتماشى مع خلجات الضمير وتقلبات الحياة وتغير المواقف فهي عبارة عن لوحات متحركة ترسم قصة الإنسان منذ فجر وعيه إلى
...// ... يتبع
أبو الفداء الحموي
كمال الديري