الاخوة الاعزاء
السلام عليكم
طابت نفسها فغنت ..عفيفة اسكندر في بغداد
حضرت الفنانة العراقية الكبيرة عفيفة إسكندر إحتفالية بمناسبة عيد الاضحى المبارك الفائت 7/12/2009 أقيمت في بيت النائبة في مجلس النواب العراقي صفية السهيل ورغم تقدم العمر بعفاوي الا أنها كانت مشرقة ولامعة كعادتها دائما وطاب لها الغناء فغردت وكانت ليلة نادرة في ذاكرة الحاضرين.
ما الذي يمكن ان يخطر على البال في اللحظة حين مشاهدة المطربة العراقية الكبيرة عفيفة اسكندر ؟ سؤال .. ليس من السهل الاجابة عنه ، فالمشاعر تحتدم ولا يظهر الا بريق في العيون ، يمتلأ بالدهشة والبهجة معا ، فهذه الفنانة التي تحمل على عاتقها 82 عاما (من مواليد الموصل 1927) لآب عراقي من الموصل وام يونانية وهي تحرص ان تظهر بأجمل ما يكون ،حين تدعى الى احتفال ما ، انيقة مشرقة ، ومسحة الجمال ما زالت تلوح على ملامح وجهها ، وتمتلك ذاكرتها ، تزرع في كل مكان تكون فيه الامل والتفاؤل ، ولا بد للمكان الذي تحضر فيه ان يكون ان يكتظ بالمحبة ، وهكذا كان بيت النائبة في مجلس النواب العراقي صفية السهيل في يوم العيد
.
حضرت عفيفة اسكندر .. وان كانت على كرسي متحرك ، لكن بهجتها ما تزال ترفرف حولها ، وذلك الثوب (الهاشمي) يضفي عليها رونقا ، استقبلت بترحيب كبير من قبل الجميع فازدان الحفل سرورا ، كانت ضيفة من ضمن الضيوف لكنها منذ اللحظة التي حلت فيها تميزت وغدت نجمة الحفلة ومحط كل الانظار، ومع الوقت استرخت تماما مع المشهد العام للفرح الذي كان عليه المكان ،ومن الممكن القول انها استعادت فرحها المفقود ونفضت عنها هموم الاهمال والزعل وقد قالت بشيء من الاسى لماذا لم يسأل عني احد ، لا احد سأل وزارني ما عدا مؤسسة المدى وخيال الجواهري (ابنة الشاعر الجواهري) ، قالت ذلك بعتب جميل ، كأنها تقول ان بيتها في وسط بغداد ومن غير الممكن ان لا يسأل عنها احد وهي في هذا العمر !!، وهي ليست شكوى بالطبع بقدر ما تكون كلمات للتذكير وللعتب فقط ، لكنها ابدت سعادتها وهي بين هؤلاء الناس السعداء بحضورها .
عفيفة اسكندر .. وسط الحشد الجميل المبتهج طابت نفسها ، فما وجدت حين اجتمع حولها المعجبون وطالبوها ان تغني الا ان تغني ، فغنت بصوتها المميز وبنبرته الخفيضة التي ظهرت عليها اثار الزمن ، ملبية رغبة الحضور ، غنت اولا :
يا حلو يا اسمـر
يا حلو يا اسمـر غنى بـك السمَّر
رقّوا ورقَّ الهوى في كل ما صوروا
ما الشـعر مـا سـحره ما الخمر ما السكر
ينـدى على ثـغرك من انفاسـك العنبر
وحين وجدت ان سعادتها اكبر ازاء هذه الحفاوة التي قليلا ما تشعر بها ربما ، وهي معتزلة في منزلها ، يبدو ان بغداد التي تعشقها ارتسمت في خاطرها وشعرت بالحنين اليها والى ذكريات كثيرة ووجدت انها تستحق منها اغنية فراحت تردد تلك الكلمات المفعمة بالحنين :
هزني الحنين لهلي
والشوق بي ّ زاد
هيا بنا يا ربع
نمشي درب بغداد
وهي الاغنية التي طالما رددتها كلما سئلت عن اشواقها ومحبتها لبغداد التي عاشت فيها ، ومعها طرب الحضور وانشرحت نفوسهم ، فهذه التي غنت لهم عفيفة اسكندر ، ولا يمكن للمرء الا ان يطرب ويسترجع تلك الاغنيات وتلك المسيرة الطويلة والتي لايجد الا يحيي هذه الروح المفعمة بالحياة ، فكانت التحيات تنثر عليها من كل الايدي والالسن.
رئيس جمهورية العراق التفت الى اوجاع عفيفة اسكندر ومعاناتها وخصص لها راتباً تقاعدياً مدى الحياة تكريما لها وللفن الجميل الذي قدمتة للتراث العراقي الاصيل على مدى سنوات حياتها المديدة التفاتة جميلة ولو انها جائت متأخرة بعض الشيء .
وقد سبق ان كرمت الفنانة عفيفة قبل فترة من الزمن ( 2008 )من قبل مؤسسة المدى الاعلامية وكتب عنها احد الصحفيين من المؤسسة المذكورة ....
ما ان تمد اولى خطواتك داخل صالة دائرة السينما والمسرح في بغداد صباح يوم الاثنين الماضي ، حتى يداهمك صوت المطربة العراقية الكبيرة عفيفة اسكندر وهو يملأ المكان ، ولا تستغرب ذلك ابدا لأن مهرجان اسبوع نهارات المدى الذي يقام على المسرح الوطني اعتاد خلال ايامه بث أغنيات لكبار المطربين العراقيين ، وهو ما أشاع نوعا من السرور في نفوس الحاضرين ، وكان علي ان انصت الى الصوت الطافح بالبشر ، ولكن ما يثير الانتباه هو ان الاغنيات تكررت اكثر من مرة ولم يشارك اي صوت اخر صوت عفيفة اسكندر الصادح في تلك الساعات الصباحية ، وسرعان ما بطل العجب حين طلت الفنانة عفيفة اسكندر من الباب الرئيس وهي على كرسي متحرك تدفعه امرأة ترافقها ، تعلقت الانظار بها ، مثلما تعلقت هي بالانظار ، واندفعت الدهشة تسبق الناظرين اليها ، كان صوتها الاتي من مكبر للصوت لا يتوافق مع اطلالتها ، فالفرق يمتد الى سنوات بعيدة ولكن بأمكانك ان ترى لمحات من السحر ما زالت راكزة في وجهها وتشع ببريق يترك بصمة في الذاكرة ، وانحدرت عفيفة بكرسيها المتحرك نحو غرفة مدير المسرح الصغيرة .
وجلست لتستريح قليلا وتستقر في مكانها الذي ذهبت اليه ، كانت تجلس على الكرسي ذاته وبجانبها المرأة التي عرف عنها انها المسؤولة عن الرعاية والعناية بها واسمها (نهرين / ام عيسى) ، حيث ان عفيفة تسكن لوحدها في شقة بالطابق السادس في منطقة الكرادة على شارع ابي نؤاس حييت المطربة الكبيرة ، صافحتها، ووقفت قبالتها ألتقط لها بعض الصور ، ومن ثم سألتها عن سبب وجودها الجميل اليوم في المسرح فقالت : انهم يريدون ان يكرموني من قبل مؤسسة المدى ، وقد اتيت لهذا السبب ، ثم اضافت بعد لحظات من الصمت ( رجلاي توجعانني .. ) وحاولت ان تجهش بالبكاء ومن ثم تأوهت وهي تقول لي ( شوفي حالي .. شلون صرت) ، وحاولت ام عيسى تهدئتها ، وبالفعل هدأت ، وقالت عنها : (انها تشكو من كسر في الحوض ، حدث ذلك قبل ثمانية اشهر ، ولم تتم معالجتها معالجة تامة ).
وحين سألت عفيفة اسكندر عن شعورها في هذه اللحظة ، فقالت بسرعة وهي تتوجع ( شعوري .. تلف ) لكن ام عيسى اعترضت عليها قائلة لها ان هذا يعني ان الناس يحبونك وعليك ان تكون فرحانة ) فقالت عفيفة : نعم انا فرحانة بالناس والتكريم وانهم لا زالوا يتذكرونني ، ولكني مريضة ، واطلب العلاج في اميركا لانها الوحيدة التي فيها العملية ناجحة ، كما انني ما زلت اسكن في الطابق السادس من عمارة (حبو) واذا تعطلت الكهرباء لايعمل المصعد ) ، وحاولت ان اخفف من حزنها ، وقلت لها : الم تسمعي اغانيك وهي تملأ صالة المسرح الوطني ؟
قالت : اسمعها واشكرهم عليها ،قلت لها : هل هنالك اغنية تحبينها اكثر من اغانيك الاخرى ؟ ، وبسرعة اجابت بنعم ومن ثم راحت ترفع صوتها بالاغنية : (هزني الحنين لهلي / والشوق بي ّ زاد / هيا بنا يا ربع / نمشي درب بغداد) ، وانتشت عفيفة مع ترديدها للكلمات ثم قالت انا احب بغداد ، امنيتي ان ابقى في بغداد ولا اغادرها ، حتى اموت فيها وادفن ، اتمنى ان تصير صحتي (زينة) واتعالج وابقى فيها ، انا احب بغداد كثيرا ، وما سافرت ولاهاجرت من زمان (بس) لسبب انني احب بغداد ) ، ثم سألتها عن المطرب الذي تحب ان تسمع اغانيه فقالت : ناظم الغزالي .
وحاولت ان اشحذ ذاكرتها واتعمد الضغط عليها من اجل جعلها تسترسل في الحديث ، فذكرت لها العديد من الاسماء التي ارتبطت بها في مسيرتها الفنية ولكنها لم تتذكرها بقدر ما كانت تحاول حين تقول في لحظة تأمل : (نعم .. نعم ) واعتقد انها لم تتذكره ، ولكن حين قلت لها : يا ست عفيفة .. هل تذكرين انك اضعت فرصة التمثيل مع المطرب محمد عبد الوهاب في فيلم (يوم سعيد) ، وهنا قالت : نعم .. ارادني المخرج المصري محمد كريم ان امثل معه ولكن وصلتني برقية من بغداد تقول ان امك مريضة جدا ، ولهذا رجعت الى بغداد وتركت الفيلم وندمت لانني لم اشترك في الفيلم ،وراحت تدندن بمقطع من اغنية (يا ورد مين يشتريك) ، ومع ان مرافقتها ام عيسى قالت لي ان ذاكرتها تعبت فهي تحمل (84) عاما وبالتأكيد التذكر لديها ضعف ، لكنني طلبت منها ان تجيبني بصراحة عن سؤال طالما تحدث عنه الاخرون كثيرا ، وهو : هل فعلا كانت لديك علاقة حب مع الشاعر حسين مردان ؟ ، وبصراحة لم يظهر على وجهها اي اثر للسؤال واعتقد انها لم تتذكره ، ولكنني الححت عليها ان تتذكر وتجيب ، وبعد ان شرحت لها قالت : ( لا.. لا .. لا (ماكو) هيج ، هو شاعر (خطية) كان يحضر في مجالسي وحفلاتي وكنا اصدقاء فقط ، وكنت اجامله ) ولا اعرف لماذا ذكرت اسم جميل صدقي الزهاوي .
وتركت الاسئلة ،وبقيت اتطلع الى وجهها واركض بذاكرتي بعيدا الى زمنها الجميل التي كانت علامة فارقة من علاماته ، وكيف كانت (اميرة) في بهائها ،لايمكن لصوتها الا ان تتلقفه الاذان وتحتضنه القلوب ، اسمع اغنياتها من خلال وهج السحر في ملامحها ، شاهدت على صفحات وجهها اسماء واحداثا وذكريات وكم تمنيت ان تكون ذاكرتها قوية لتفصح عما اختزنته .
وبعد ان ابتدأت فقرات المهرجان جرى تكريم الفنانة بعد عرض فيلم بعنوان (معشوقة بغداد) عنها للعلاقة الكبيرة بينها وبين بغداد ، والذي اخرجه فريد شهاب ومدته (15) دقيقة ، والذي يتحدث عن شخصيتها ، تارة عن لسانها وتارة اخرى على لسان بعض من عاصرها من الفنانين ومن ابرزهم عازف الطبلة الفنان سامي عبد الاحد ، وقد اجشهت المطربة الكبيرة بالبكاء عندما سمعت امر السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية بتخصيص راتب تقاعدي له مدى الحياة .
يبدأ الفلم بلقطة جميلة عن نهر دجلة الخير، ومن ثم منظر لشقة الفنانة عفيفة اسكندر الواقعة على شارع ابي نؤاس ، وبعدها تحدث عازف الكمان المشهور (آنذاك) سامي عبد الاحد والذي رافق المطربة في جميع حفلاتها قائلا : في مطلع القرن العشرين جاءت المطربة عفيفة اسكندر وهي صغيرة من حلب لتعيش في أربيل ، وهي صغيرة السن تزوجت من عازف كمان مشهور اخذت عنه اسمه (اسكندر).. عاشت الفنانة متنقلة بين الموصل وأربيل ، ثم تتحدث المطربة عفيفة اسكندر في الفيلم عن بداياتها الفنية قائلة : في أربيل كان عمري 8 سنوات عندما حضرت ذات يوم حفلة كانت المطربة فيها غائبة فتقدم مني منظم الحفل وسألني ان كنت استطيع ان احل محلها فاجبت بالايجاب وهكذا غنيت لأول مرة على خشبة المسرح وصفق لي الجمهور طويلا ، واضافت : في بداية عمل الاذاعة العراقية قدمت طلباً ( عريضة) للعمل في الاذاعة فكان الرد من الاذاعة انهم لا يريدون اطفالاً (زعاطيط) ،وكان في ذلك الوقت قد لمع نجم العديد من المطربين في الاذاعة امثال صديقة الملاية ورشيد القندرجي قارئ المقام المشهور، وكنت اتحدث اللهجة الموصلية إلاّ أن المطربة سليمة مراد علمتني كيف انطق اللهجة البغدادية وبذا صرت اغني الاغنية البغدادية مع وجود مطربين آخرين مشهورين.. وقد عشقت الاغنية البغدادية.. والمنولوجست ايضا، ويتحدث الفيلم على لسان احد الكتاب القدامى كيف ان اسم عفيفة اسكندر لمع بسرعة وبشكل كبير ويعود الفضل في ذلك الى جمالها الأخاذ وموهبتها القيمة ونطقها السليم لكلمات الاغاني وخاصة الاشعار ومنها اغنية
البهاء زهير يا عاقد الحاجبين , على الجبين اللجين , ان كنت تقصد قتلي , قتلتني مرتين ...
تمنياتنا لمطربتنا الكبيرة عفيفة اسكندر بالصحة والعافية والعمر المديد....
منقول للفائدة بتصرف
تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد