الأصمعي
123 ـ 216 هـ
741 ـ 831 م
أبو سعيد عبد الملك بن قُريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع وإليه نسبتُه من قبيلة باهلة القيسية
راوية ثقة صدوق ، وإمام في اللغة والغريب والأخبار والمُلَح
نشأ الأصمعيّ في البصرة موئلِ العربية ومحفلِ علمائها في عصره
فتعلم فيها القراءة والكتابة ، ثم أتقن تجويد القرآن على أبي عمرو بن العلاء (ت 154هـ) أحدِ القُرّاء السبعة ، وهو أستاذه في سائر علوم اللغة والأدب ، وأكثر من لازمه من شيوخه
وممن ثَقِفَ عنهم علومه :
عيسى بن عمر الثقفي (ت 149هـ)
والخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ)
وسمع مِسْعر بن كِدام (ت 152هـ)
وشعبة بن الحجاج (ت 160هـ)
وحمّاد بن سلمة (ت 167هـ)
وحماد بن زيد (ت 179هـ)
ومما أسهم في ثقافة الأصمعي روايته عن فحول الشعراء
كرؤبة ، وابن ميادة ، والحسين بن مطير الأسدي ، وابن هرمة
وابن الدمينة وغيرهم وذلك لاعتقاده أن العلم لا يصح
إلا بالرواية والأخذ عن أفواه الرجال
أحبَّ الأصمعي اللغة حباً ملك عليه شغاف قلبه ، فارتحل إلى أعماق البوادي يشافه أرباب الفصاحة والبيان من الأعراب الأقحاح حتى إنه قلّما يقع المرء على كتاب في التراث يخلو من خبر للأصمعي مع الأعراب
ومما أغنى علمه خزانة كتبه الواسعة التي جمع فيها أصول علمه ومروياته
يتبين من هذا أن علم الأصمعي لم يكن علم سماع من الأعراب ورواية فحسب ، بل إنه كان مع ذلك علم درس ودراية ، وقد قيل للأصمعي : كيف حفظت ونسي أصحابك ؟
قال : درست وتركوا
استقدمه الرشيد إلى بغداد لِمَا بلغه من علمه وفضله واتساع درايته للغة وروايته لأنساب العرب وأيامها ، واتخذه سميره ومؤدِّب نجله الأمين وكان خفيف الروح ، ظريف النادرة ، إلى مزح يحرك الرصين ويضحك الحزين
كان الصدق لسان حال الأصمعي لغة ورأياً ومحبة للعربية
شهد له بذلك الشافعي : ما عبّر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي
وقال إسحاق الموصلي ، وكان عدوّه
والفضل ما شهدت به الأعداء :
لم أرَ الأصمعي يدّعي شيئاً من العلم فيكون أحد أعلم به منه
وقال أبو داود : صدوق ، وكان يتّقي أن يفسر القرآن
وقال المبرِّد : كان الأصمعي بحراً في اللغة
ولا يُعرف مثلُه فيها ، وفي كثرة الرواية
ولم يكن أولئك الأئمة إلى غلوٍّ في مقالاتهم هذه فقد عُرف عنه أنه كان ضابطاً محققاً ، يتحرى اللفظ الصحيح ، ويتلمّس أسرار اللغة ودقائقها ولا يفتي إلا فيما أجمع عليه علماء اللغة ولا يجيز إلا أفصح اللغات يسعفه في ذلك حافظة وقادة ، وصبر أهل العلم وجلدُهم
وعنه أنه قال : حفظت ستة عشر ألف أرجوزة
فكثر لـذلك خصومـه كأبـي عبيدة معمر بـن المثنى (ت 211هـ) وإسـحاق الموصلي (ت 235هـ) وأضرابِهم
والمعاصرة ، كما قيل ، حجابٌ
واختلاف الهوى عدوانٌ
وشر عداوة الناس عداوة الصناعة
وهذا يفسر العداوة بين الأصمعي ومعاصره أبي عبيدة
فقد كان الأصمعي اتباعياً يمجّد السلف وآثاره
ويروي هائماً مفتوناً أشعارَه وأخبارَه
وقد عرف عن أبي عبيدة أنه كان شعوبياً يبغض العرب
وصنّف كتاباً في مثالبهم
روى عن الأصمعي ابن أخيه عبد الرحمن بـن عبد الله
وأبو عبيد القاسم بـن سلاّم (ت 224هـ)
وأبو حاتم السجستاني (ت 248هـ)
وأبو الفضل الرياشي (ت 257هـ)
واليزيدي (ت 260هـ)
ولعل في أولئك التلاميذ العلماء أنصعَ دلالة على جلالة قدر شيخهم
ترك الأصمعي تراثاً جمّاً من التصانيف الجياد عدّتُها تزيد على الثلاثين منها : خلق الإنسان الأجناس ، الأنواء ، الخيل ، الشاء ، الوحوش اشتقاق الأسماء ، الأضداد ، اللغات ، القلب والإبدال
فحولة الشعراء : وقد رواه عنه تلميذه السجستاني ، وفيه نظرات لطيفة في تقويم الشعر والشعراء ، ولعلّ أجلّ آثاره الأصمعيات وهو اختيارات شعرية انتخبها من عيون الشعر العربي ، تصوّر الحياة الأدبية أدق تصوير ، في عاداتها وأفكارها وتقاليدها.
على أن قيمته اللغوية أعلى من قيمته الفنية إذ حفظ لنا تراثاً لغوياً قلما تخلو منه كتب اللغة والأدب . بَلْهَ ما يزال الأصمعي مضرب المثل في الفصاحة وسعة الرواية حتى يومنا
مات في خلافة المأمون في البصرة ، وأكثرت الشعراء رثاءه
من ذلك ما قاله أبو العالية الشامي :
لا دَرَّ دَرُّ نباتِ الأرضِ إذ فُجِعَت
بالأصمعيِّ لقد أبقت لنا أسفا
عشْ ما بدا لك في الدنيا فلست ترى
في الناس منه ولا في علمه خلفا
*****
الأصمعي ، والعاشق المغرم
يقول الأصمعي بينما كنت أسير في البادية
وجدت صخرة وقد كتب عليها :
أيا معشر العشاق بالله خبروا
إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع
فكتبت تحته :
يداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضع
فعدت في اليوم التالي فوجدت تحت ماكتبت :
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يـــــوم قلبه يتـــقطع
فكتبت :
إذا لم يجد صبراً بكتمان سره
فليس له شيء سوى الموت ينفع
يقول الأصمعي قعدت في اليوم الثالث فوجدت شاباًعند الصخرة قد فارق الحياة وقد كتب :
سمــعنا وأطعنا ثم متنا فبلغوا
سلامي إلى من كان بالوصل يمنع
هـنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم
وللعاشـــــق المســكين ما يتجــــرع
الأصمعي قصة وقصيدة
صَـوْتُ صَفِيْـرِ البُلْبُــلِ
هذه هي قصة الأصمعي مع أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي
فلقد كان أبو جعفر المنصور يحفظ القصيدة من أول مرة
وعنده غلام يحفظ القصيدة من المرة الثانية
وعنده جارية تحفظ القصيدة من المرة الثالثة
وكان أبو جعفر ذكياً
فأراد أن يباري الشعراء فنظَّم مسابقة للشعراء
فإن كانت من حفظه منح جائزة
وإن كانت من نقله فلم يعط شيئاً
فيجيء الشاعر وقد كتب قصيدة
ولم ينم في تلك الليلة لأنه كان يكتب القصيدة
فيأتي فيلقي قصيدته فيقول الخليفة :
إني أحفظها منذ زمن ويخبره بها
فيتعجب الشاعر ويقول في نفسه :
يكرر نفس النمط في بيت أو بيتين
أما في القصيدة كلها فمستحيل
فيقول الخليفة : لا وهناك غيري ، أحضروا الغلام
فيحضروه من خلف ستار بجانب الخليفة
فيقول له : هل تحفظ قصيدة كذا ؟؟
فيقول : نعم ، ويقولها فيتعجب الشاعر
فيقول :لا وهناك غيرنا ، أحضروا الجارية
فيحضروها من خلف الستار
فيقول لها : هل تحفظين قصيدة كذا ؟؟
فتقول : نعم ، وتقولها
عندها ينهار الشاعر ويقول في نفسه :
لا أنا لست بشاعر ، وينسحب مهزوماً
فتجمّع الشعراء في مكان يواسون بعضهم
فمر بهم الأصمعي فرآهم على هذه الحال
فسألهم : ما الخبر؟؟
فأخبروه بالخبر
فقال : إن في الأمر شيئاً ، لابد من حل
فجاءه الحل فكتب قصيدة جعلها منوعة الموضوعات
وتنكر بملابس أعرابي
وغطى وجهه حتى لا يعرف
ودخل على الخليفة وحمل نعليه بيديه
وربط حماره إلى عامود بالقصر
ودخل على الخليفة وقال : السلام عليك أيها الخليفة
فرد السلام ، وقال : هل تعرف الشروط ؟؟
قال : نعم
فقال الخليفة : هات ما عندك
قال الأصمعي :
صَـوْتُ صَفِيْـرِ البُلْبُــلِ
هَـيَّـجَ قَلْبِـيَ الثَمِــلِ
الـمَاءُ وَالـزَّهْـرُ مَعَــاً
مَـعَ زَهـرِ لَحْظِ الـمُقَلِ
وَأَنْـتَ يَـاسَيِّــدَ لِـي
وَسَيِّـدِي وَمَـوْلَـى لِـي
فَكَـمْ فَكَـمْ تَـيَّمَنِــي
غُـزَيِّـلٌ عَـقَيْقَــلـي
قَطَّفْـتُ مِـنْ وَجْنَتِــهِ
مِـنْ لَثْـمِ وَرْدِ الخَجَـلِ
فَقَـالَ بَـسْ بَسْـبَسْتَنِـي
فَلَـمْ يَجّـدُ بـالقُبَــلِ
فَـقَـــالَ لاَ لاَ لاَ لاَ لاَ
وَقَــدْ غَـدَا مُهَــرْولِ
وَالـخُودُ مَالَـتْ طَـرَبَـاً
مِـنْ فِعْـلِ هَـذَا الرَّجُـلِ
فَوَلْـوَلَـتْ وَوَلْـوَلَــتُ
وَلي وَلي يَـاوَيْـلَ لِــي
فَقُـلْـتُ لا تُـوَلْـوِلِـي
وَبَـيِّنِـي اللُـؤْلُـؤَلَـي
لَمَّـا رَأَتْـهُ أَشْـمَـطَـا
يُـرِيـدُ غَيْـرَ القُبَــلِ
وَبَـعْـدَهُ لاَيَـكْـتَفِـي
إلاَّ بِطِيْـبِ الوَصْلَ لِــي
قَالَـتْ لَهُ حِيْـنَ كَـذَا
انْهَـضْ وَجِدْ بِالنَّـقَـلِ
وَفِـتْيَـةٍ سَـقَـوْنَنِـي
قَهْـوَةً كَالعَـسَلَ لِــي
شَـمَمْتُـهَا بِـأَنْـفِـي
أَزْكَـى مِـنَ القَرَنْفُــلِ
فِي وَسْـطِ بُسْتَانٍ حُلِـي
بالزَّهْـرِ وَالسُـرُورُ لِـي
وَالعُـودُ دَنْ دَنْـدَنَ لِـي
وَالطَّبْـلُ طَبْ طَبَّلَ لِـي
وَالسَّقْفُ قَدْ سَقْسَـقَ لِـي
وَالرَّقْـصُ قَدْ طَبْطَبَ لِـي
شَوَى شَوَى وَشَـاهِـشُ
عَـلَـى وَرَقْ سِفَرجَـلِ
وَغَـرَّدَ القِمْـرِ يَصِيـحُ
مِـنْ مَلَـلٍ فِـي مَلَـلِ
فَلَـوْ تَـرَانِـي رَاكِـباً
عَلَـى حِمَـارٍ أَهْــزَلِ
يَـمْشِـي عَلَـى ثَلاثَـةٍ
كَـمَشْيَـةِ العَـرَنْجِـلِ
وَالـنَّـاسُ تَرْجِمْ جَمَلِـي
فِي السُـوقِ بالـقُلْقُلَـلِ
وَالكُـلُّ كَعْكَعْ كَعِكَـعْ
خَلْفِـي وَمِنْ حُوَيْلَـلِـي
لكِـنْ مَشَيـتُ هَـارِبا
مِـنْ خَشْيَـةِ العَقَنْقِـلِي
إِلَـى لِقَــاءِ مَلِــكٍ
مُـعَظَّــمٍ مُـبَجَّــلِ
يَـأْمُـرُلِـي بِـخَلْعَـةٍ
حَمْـرَاءْ كَالـدَّمْ دَمَلِـي
أَجُـرُّ فِيـهَا مَـاشِـيـاً
مُـبَغْــدِدَاً لـلذِّيَّــلِ
أَنَـا الأَدِيْـبُ الأَلْمَعِـي
مِنْ حَـيِّ أَرْضِ المُوْصِـلِ
نَظِمْـتُ قِطعاً زُخْرِفَـتْ
يَعْجِـزُ عَنْهَا الأَدْبُ لِـي
أَقُـوْلُ فِـي مَطْلَعِـهَـا
صَـوْتُ صَفيـرِ البُلْبُـلِ
هنا تعجب الخليفة ولم يستطع حفظها
لأن فيها أحرف مكررة
فقال : والله ماسمعت بها من قبل
أحضروا الغلام ، فأحضروه
فقال : والله ما سمعتها من قبل
قال الخليفة : أحضروا الجارية
فقالت : والله ما سمعت بها من قبل
فقال الخليفة : إذاً أحضر ما كتبت عليه قصيدتك
لنزينها ونعطيك وزنها ذهباً
فقال الأصمعي : لقد ورثت لوح رخامٍ عن أبي
لا يحمله إلا أربعة من جنودك
فأمر الخليفة بإحضاره
فأخذ بوزنه كل مال الخزنة
فعندما أراد الأصمعي المغادرة
قال الوزير : أوقفه يا أمير المؤمنين
والله ما هو إلا الأصمعي
فقال الخليفة : أزل اللثام عن وجهك يا أعرابي
فأزال اللثام فإذا هو الأصمعي
فقال : أتفعل هذا معي ، أعد المال إلى الخزنة
فقال الأصمعي : لا أُعيده إلا بشرط
أن ترجع للشعراء مكافآتهم
فقال الخليفة : نعم
فأعاد الأصمعي الأموال
وأعاد الخليفة المكافآت
من موقع أبو ليان جروب بعث لى بها صديق و أخ عزيز فأردت أن يقرأها الأصدقاء