كتب بعض النقاد (هبه محمد علي)عن أحداث الفيلم فقالت:
البحث عن أم كلثوم.. محاولة فاشلة لتفكيك أسطورة كوكب الشرق
«خطوط درامية متداخلة بشكل غير منطقى» بهذه الجملة يمكن أن نلخص الحديث عن الفيلم الألمانى/ النمساوى المشترك «البحث عن أم كلثوم» والذى أخرجته المخرجة الأمريكية من أصل إيرانى، شيرين نيشات، ومن بطولة الفنانة المصرية ياسمين رئيس، والإيرانية نيدا رحمنيان، والذى عرض مؤخرا فى افتتاح مهرجان أسوان لأفلام المرأة.
والحقيقة أن وجود تلك التركيبة المختلفة لصناع الفيلم، وتباين خلفياتهم المعرفية والفنية، جعل من اختيار قالب مركب فى سرد أحداثه أمرا طبيعيا، فهو عبارة عن فيلم بداخل فيلم، يحكى قصة محاولات مخرجة إيرانية تقيم فى الخارج عمل فيلم عن كوكب الشرق، أم كلثوم.
اختيار المخرجة لأم كلثوم كرمز نسائى ناجح له دلالة كبيرة، فأم كلثوم القادمة من أصول ريفية بسيطة، والتى لم يتحقق نجاحها إلا بعد أن حفرت فى الصخر، تشبه كثيرا حال المخرجة المرفوضة من بلدها إيران، والمضطرة إلى تحقيق حلمها فى أمريكا.
يبدأ الفيلم برحلة البحث التى تقطعها تلك المخرجة من أجل اختيار الممثلة المناسبة للدور، حيث يقع الاختيار فى النهاية على غادة، والتى قامت بدورها ياسمين رئيس.
غادة هى معلمة فى مدرسة الأطفال، تتمتع بصوت ساحر، حيث تُقبل على تجربة أداء تمثيلى لأم كلثوم، وأمام لجنة الخبراء تقف تُغنى موال «برضاك يا خالقى» بصوت المغنية مروة ناجى، والحقيقة أن طريقة أداء ياسمين للأغنيات الأربع داخل الفيلم هى أحد أهم عناصر قوته، ليس فقط بسبب صوت مروة الساحر، لكن أيضا لأداء ياسمين المبهر للشخصية رغم اختلاف التكوين الجسمانى لها عن أم كلثوم، حيث لا يشعر المتفرج ولو للحظة أنها تحرك شفتيها على صوت مطربة أخرى، فقد استطاعت دراسة لغة جسد أم كلثوم عبر أعمار مختلفة بشكل محترف، حتى وإن شابه بعض الأخطاء التى تعد المخرجة هى المتهم الأول بها، لكنه يُدخل ياسمين رئيس فى مصاف مقارنة مع ممثلات أخريات أدَّين شخصية أم كلثوم، سواء فى السينما أو التليفزيون، مثل صابرين فى المسلسل الذى أخرجته إنعام محمد على، أو فردوس عبد الحميد فى فيلم محمد فاضل، حتى وإن لم تحسم تلك المقارنة لصالحها فى النهاية بشكل كامل، لكنها تدل على أن سيرها على طريق النجومية يحدث بثبات.
قيام المخرجة داخل العمل، التى لعبت دورها الممثلة الإيرانية نيدا رحمنيان، بالإعداد لفيلم يتحدث عن أم كلثوم يقابله خط دارمى آخر يعكس أزمة شخصية لها، حيث تسعى إلى تحقيق نفسها فى عالم الفن، لكن هذا الطموح يأتى على حساب عائلتها الموجودة بإيران، فيحول علاقتها بابنها إلى علاقة متوترة، تدفعه إلى أن يعبّر عن كراهيته لها، ثم يختفى تماما من حياتها، الأمر الذى أثر على رؤيتها لأم كلثوم كأسطورة تعشقها وتجمع صورها وتوثق أحداث حياتها، حيث حاولت فى النصف الثانى من الفيلم أن تفكك تلك الأسطورة، وأن تظهر أم كلثوم مضطربة، وغير قادرة على غناء «إنت عمرى» أمام الرئيس جمال عبد الناصر، حيث تتلعثم عدة مرات، حتى تتوقف تماما عن الغناء، وتتراجع عن استكمال طموحها.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه بشكل مُلح: ما علاقة أزمة المخرجة فى حياتها بتغير منظورها عن الشخصية التى تقدمها فى الفيلم، للدرجة التى تقودها إلى صدام مع منتجيه الذين أصروا على الالتزام بما جاء فى السيناريو؟
تَشدُّق المخرجة طوال أحداث الفيلم بأنها تصنع فيلما يعبر عن أم كلثومها هى، وليس فيلما يسرد سيرة ذاتية لمطربة عظيمة، لا يمنحها أى مبرر لأن تحرف حقائق تاريخية فى حياة أم كلثوم واضحة وضوح الشمس، فالأغنيات التى غنتها أم كلثوم بعد نضوجها وقطعها شوطا كبيرا فى عالم الفن، تتغنى بها ياسمين رئيس على المسرح مؤدية دور أم كلثوم وهى فى سن الشباب، فضلا عن أننا لم نلحظ أبدا فى الحفلات التى تبث فى التليفزيون حتى يومنا هذا أن جمهور أم كلثوم الموجود فى الصالة كانوا يرتدون جلابيب ريفية وملابس بسيطة، كما ظهر فى الفيلم، وهو الأمر الذى قصد منه أن أم كلثوم هى مطربة الشعب بكل طوائفه، وأنها ليست حكرا على الرؤساء أو أصحاب الياقات البيضاء، لكن عدم انشغال المخرجة بالدقة التاريخية والتجسيد الدقيق للأماكن أو الأزياء والمراحل التاريخية أفقد الفيلم الكثير من مصداقيته، وحوله إلى مجرد محاولة لتفكيك أسطورة أم كلثوم، لكنها باءت بالفشل.