سعــدي البياتي
أردت تسليط الضوء في هذا الموضوع على الفنان سعدي البياتي (شجن العراق المجيد)
عندما تسمع أغانية الطربية تذهب بك مخيلتك لأحد مقاهي بغداد المطله على نهر الفرات
قد يطول التكلم عن هذا الفنان الكبير ولاكن لا تحرم مسماعيك من التعرف على هذا الفنان الكبير
مع التواصل في كتابة الموروث الغنائي العراقي تأكد لنا من خلال ألوان الفن المختلفة ان الفنانين العراقيين الذين ولدوا على نهر الفرات قد اضافوا ألواناً جديدة على نتاجات المطربين الذين ولدوا على نهر دجلة فحينما يغني حضيري ابو عزيز النايل والابوذية
وهو في مدينة الشطرة يغني ناظم الغزالي وهو المولود على نهر دجلة المقام والنايل والابوذية فكان هناك اجماع على شراكة الأغنية العراقية ما بين النهرين وانتقل هذا التباين والمشاركة الى كل انحاء وادي الرافدين فغناه الفنان عبد محمد وعبد الجبار الدراجي وزهور حسين ولميعة توفيق والفنانة عفيفة اسكندر ونهاوند ونرجس شوقي وجبار ونيسة وغيرهم ومما زاد تألق الأغنية العراقية ظهور التسجيلات التجارية عام 1920 ونقلها للصوت العراقي الجميل الى الاقطار العربية كافة .
ومع هذا التطور في الموروث الفني العراقي كان صوت الفنان « سعدي البياتي » يختمر ليعلن عن موعده ليضاف الى الأصوات العراقية المبدعة في خضم التسابق نحو الابداع في الغناء العربي الذي حدث ما بين القاهرة وبغداد وقد برز في مصر الفنان محمد عبد الوهاب وبرز في العراق الفنان محمد القبنجي وذلك عام 1945 وقد حضر الفنان محمد عبد الوهاب الى بغداد واحيا حفلته في احدى الأماكن كما ذهب الفنان محمد القبنجي الى القاهرة وأحيا حفلته في مسرح الريحاني هناك ..
وفي خضم هذا التسابق ظهر صوت الفنان سعدي البياتي وترعرع في احضان رواد الفن في بغداد ومسارحها ومدارسها الغنائية .
ولد الفنان سعدي البياتي عام 1934 في بغداد الرصافة تل محمد وهي منطقة معروفة في احياء بغداد القديمة ثم انتقل والده وهو موظف في الجمارك الى العمارة محافظة ميسان وتربى هناك ما بين دواوين العشائر العربية واهوار العمارة المشهورة بالسمك والقصب والبردي والطيور المهاجرة وكان الفنان سعدي البياتي مكفوفاً منذ صغره وقد لاقى صعوبات جمة في حياته وكان يتمتع بصوت جميل اشبه بصوت حضيري ابوعزيز وناصر حكيم وحسن داود وقد غنى في حفلات محافظة ميسان خاصة في الاعراس والمناسبات الدينية فأحبه الناس وخاصة اهل الطرب سيما ونحن نعرف ان اكثر ابناء محافظة ميسان « العمارة » هم من محبي الغناء الريفي وقد برز منهم فنانون كبار مثل داخل حسن وحسن داود ومسعود العمارتلي وغيرهم ثم احب هذا المكفوف سعدي البياتي امرأة من طي وهي قبيلة تعيش في العمارة فوافق والدها على الزواج وكانت تعيش على شواطئ هور الحويزة وهو هور كبير يربط العراق مع ايران ويسكن فيه عدد كبير من السكان وخاصة قبيلة طي وقبيلة حرب وبني كعب وبني طرف وبني أسد ..
-توفي والده بعد زواجه من حبيبته (نسيمة) من بني طي وعلى اثر ذلك انتقل الفنان سعدي البياتي وأخواته واخوانه الى بغداد بعد زمن ليس بالقصير قضوه في مدينة العمارة جنوب العراق وقد غنى يوم زفافه لحبيبته (نسيمة) هذا البيت من الأبوذية ..
-ثم دخل الفنان سعدي البياتي دار الاذاعة العراقية عام 1965 كمنشد في كورس الاذاعة بعدها قدم العديد من الأغاني في تلفزيون بغداد ومنها ،الأبوذية ،النايل ،العتابة ،السويحلي ،مقام النهاوند ،ومن أغانيه لايولدي حنت عليه ،ألوجن ،هذا الحلو ،براضه أمشي براضه ،بسكوت ،عاين يادكتور ،يازين ،ياأميرة ،من العين ،يانبعة الريحان ،يادمعتي بين الجفون ،سلم عليهم ،ابن آدم ،وغيرها ..
سافر الفنان سعدي البياتي الى سورية وزار كلاً من الحسكة والرقة ودير الزور ودمشق وحلب ودرعا واللاذقية ثم عاد الى بغداد وغنى في مهرجان ذكرى تأسيس الإذاعة والتلفزيون العراقية عام 1974 ثم سافر مرة أخرى الى عمان والقاهرة والتقى هناك بالفنانة المرحومة سعاد حسني وغنى لها أغنية (حمام يلي على روس المباني) بعدها سافر الى قطر والسودان وتونس وهناك التقى الفنان أحمد بوسراج وأحيا بعض الحفلات في تونس ثم عاد الى وطنه العراق .وفي عام 1986 توفيت زوجته نسيمة بعد أن أنجبت له (4) أولاد
-كما كان يردد هذا البيت من الشعر في حله وترحاله وفي فرحه وأحزانه .
نسيت اسمك صرت أشكال اسميك ..
والغيرة طبع ياللأسف بيك ..
-وقد ازدادت شهرة الفنان سعدي البياتي في سنوات الثمانينيات والتسعينيات كونه قد استخدم في أغانيه لحن أهل الأهوار وخاصة عندما كان في مدينة العمارة المشهورة بأهوارها الكثيرة كما أن لقاءاته بالفنان المبدع (حسين نعمة) وهو من سكان محافظة ذي قار (الناصرية) قد هيأ له العديد من الألوان الغنائية الريفية وكما نعلم ان محافظة ذي قار هي الأخرى مشهورة بأهوارها مثل هور الحمّار و الخشيني و هور رجب فتأثر الفنان سعدي البياتي بغناء أبناء الأهوار اضافة الى اللون البغدادي ( دجلة ) لأنه انهى حياته في بغداد العاصمة ...
و في عام 1994 حضر الفنان سعدي البياتي الى مدينة الموصل ( نينوى ) لإحياء حفل جماهيري كبير بمناسبة إحياء المولد النبوي الشريف و قد سمع بخبر مؤسف وهو احتراق بيته في بغداد فتألم كثيراً و غنى هذا البيت من الأبوذية ..
و استطاع الفنان سعدي البياتي ان يطور بعض الأغاني العراقية القديمة فكان ذكياً في اختياره لألحان قديمة غناها الفنان داخل حسن و ناصر حكيم
رحم الله الفنان سعدي البياتي و اسكنه فسيح جناته و الى لقاء قريب ما بين دجلة و الفرات .