* : محمد شريف (الكاتـب : loaie al-sayem - آخر مشاركة : اسامة عبد الحميد - - الوقت: 23h50 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سعاد محاسن (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 19h25 - التاريخ: 27/03/2024)           »          الشيخ محمد صلاح الدين كباره (الكاتـب : احمد البنهاوي - آخر مشاركة : kabh01 - - الوقت: 09h52 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سلمى (الكاتـب : حماد مزيد - آخر مشاركة : عطية لزهر - - الوقت: 09h18 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سمير غانم- 15 يناير 1937 - 20 مايو 2021 (الكاتـب : محمد البتيتى - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 01h14 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سلوى رشدي - مونولجست (الكاتـب : حازم فودة - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 00h43 - التاريخ: 27/03/2024)           »          الثنائي سعد و اكرام (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 00h09 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سعاد وجدي (الكاتـب : نور عسكر - - الوقت: 23h25 - التاريخ: 26/03/2024)           »          خالد عبدالله (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : محمود نديم فتحي - - الوقت: 23h11 - التاريخ: 26/03/2024)           »          علي سعيد كتوع (الكاتـب : abuaseem - - الوقت: 22h03 - التاريخ: 26/03/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > الموروث الشعبي والتراث الغنائي العربي > العراق > الدراسات و البحوث و المقالات

الدراسات و البحوث و المقالات المتعلقة بالغناء و الموسيقى العراقية و خصائصها

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 28/08/2017, 11h39
كريم راهي كريم راهي غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:679790
 
تاريخ التسجيل: février 2013
الجنسية: عراقية
الإقامة: السويد
المشاركات: 21
افتراضي النجف وإشكاليّة الغناء

بحث منشور في جريدة دليل النجف
النجف وإشكاليّة الغناء
كريم راهي
يتفّق جميع من كتب عن المجتمع النجفي على أنّه مجتمع منفتح، وما دليلنا على هذا إلا التنوّع العرقي والأثني الذي ميّز نسيج المدينة الإجتماعي كونها مركزاً لدراسة الفقه الإثناعشري، يفد إليها طلاّب دراسة العلوم الفقهيّة من شتى بقاع الأرض، حاملين معهم عاداتهم وطقوسهم وطرائق عيشهم المختلفة، لتصّب كلّها في تلك البودقة الكبرى المسمّاة بالنجف. ولا ريب أن احتضان النجف للتعدّدية العقائدية يؤكد دعوانا بذلك، فلا يمكن التغاضي عن تعدّديتها الفكريّة السياسيّة والدينية والمذهبيّة، وتميّز مدرستها الفقهيّة بالاجتهاد والتجديد، في خاصيّة من الإختلاف ليس بوسعنا الإسهاب في تفصيلها هنا.
ولمّا كانت القدسية التي منحها وجود الضريح الشريف الذي أنشئت حوله هذه الحاضرة، هي عماد البُنية البيئيّة وجوهر مكوّناتها من السلوكيّات العامّة، فقد أوجبت هذه الخصوصيّة إضفاء المزيد من الإحترام والتبجيل لطقسيّاتها الموجبة للابتعاد عن الغناء والطرب الموسيقى، لما فيها من ضديّة لطقس الحالة العامّة الموجب للتوقير. كما إن ارتباط العقيدة الشيعيّة بفاجعة الطفّ جعل من الغناء بمعناه المتعارف عليه، ضرباً من الخروج على تلك السلوكيّات.
إلا أن غريزة الإنسان للميل صوب التناسق في الحواس ولدّت حاجته للغناء بمثل حاجة العين للتأمّل في الجمال، فابتكر المجتمع التوّاق لسماع الطرب والممنوع منه، أنغام الرواديد والخطباء (الروزخونية) وتجويد القرآن بكل الأنغام والمقامات، وإنشاء المدائح النبويّة والتواشيح والأناشيد الدينية، والعاشورائيّات من ندب ولطميات وردات وإنشاد أشعار، وبدرجة ما، الطبول والصنوج والأبواق التي ترافق مواكب المشق والتطبير، أو حتّى درابك الماجينة الرمضانية. عنك أهازيج الباعة المموسقة وهوسات العراضات التي تلتزم الدبكات وغيرها، وهي الغريزة الإيقاعيّة المموسقة التي يقول عنها الشيخ (جلال الحنفي) أنها نزعة إنسانيّة يُردّ إليها قيام بعض أصحاب المهن بتبديد رتابة أعمالهم بها من خلال أصوات مقصّات الحلاّق أو قرقعة فناجين القهوة أو دقّات الهاون، أو السقاء بقرع طوسه، أو البناء بأحجاره، وهي ما دعاها بالتصديّات الموسيقيّة، وهذا كلّه في رأينا، يدخل في باب إمتاع الأسماع.
أمّا عن علاقة أطوار النعي بالمقامات فهي العلاقة الأقرب للغناء، فهنالك أطوار الدشت والبحراني والملائي والمثكل والنجفي والطريحي والقزويني والنصاري ووو.. ممّا دخل في كليهما أو انتقل من طرف لآخر. وقد كان لكل رادود طور مأخوذ من مقام معين يتميز به أداؤه، فعلى سبيل المثال نذكر الملا عبد المحمد الذي كان يبدأ قراءاته بـ(يحسين اشرب ماي عيوني) من مقام العجم تحديداً، تمهيداً للقراءة ولتمرين المرددين بنغمة المقام وتهيئة آذانهم.
واختلفت آراء رجال الإفتاء بخصوص حرمة الغناء وحدودها، فذهبت جماعة منهم لتحريمه على الإطلاق، فيما أقرّ آخرون بحرمته فيما إذا اقترن بالمفاسد فقط. وكتب الفقهاء في ذلك شتّى الرسائل والكتب والمستدركات واختلفوا فيما بينهم بخصوص الحدود والتفاصيل، لكنّهم جميعاً كانوا متّفقين على حرمة الغناء المصحوب بالموسيقى والإيقاعات، الذي يخاطب الشهوات ويبيح المحظورات.
بيد أنّنا لا ننكُر في هذا الصدد، أن أطواراً غنائيّة كثيرة أخذها المطربون من رواديد النجف وخطبائها، بنفس طريقة الأداء، لكن باختلاف الطرح. ويكاد يكون أهم طور نجفي هو طور (كاظم القابجي) 1906-1963، مبتكر طور الفجري المشتق من مقام الدشت، أو طور القابجي المقرون باسمه والمستنبط من طور الغافلي الجنوبي، وهو رادود تأثر بطوره من الرواديد ابنه جواد القابجي والشيخ وطن، ثمّ انتقل وصار طوراً غنائياً تأثر به العديد من المطربين. وممن تأثر بالقابجي من النجفيين كل من جعفوري محمد رفيش، عبد الله النجفي، إبراهيم الأسود الگهوچي، نصيّف بلدية، حسين جودة، عزيز النجفي، محسن الكوفي (الذي أفرز طوره الخاص فيما بعد) وياس خضر في بداياته. ومن غيرهم مسعود العمارتلي وسعدي الحلي ومظفر عبادي وعبد الأمير الطويرجاوي الذي كان غالباً مايلتقيه في زياراته للنجف في جلسات غنائية خاصة كان هدف الطويرجاوي منها تعلّم المزيد. وتعود تسمية الطور بالفجري لأنّه كان يُقرأ فجر العاشر من محرّم فقط، يقرؤه الرواديد بعد انتهاء استعراض مواكب العزاء قرب الصحن. وفي عادة درج عليها الرواديد في مثل هذه المناسبة، فإن كل رادود يقرأ الفجري كان يُشترط عليه لبس اليشماغ بدون عقال، مع دشداشة سوداء، تعظيماً للمأساة. وللقابجي فجري مشهور هو (عسه لا طر فجر يبن فارس بدر) شاع تلك الفترة.
ومن المشهورين بعذوبة أصواتهم، قرين القابجي وثنائيه في المجالس الشيخ حميد المحتصر هو صاحب طور الحميدي وصنوه ابن أخيه طالب المحتصر، وهناك أيضاً من الرواديد داود الكيشوان الذي قرأ للشاعر علي البازي وللشاعر عبد الحسين أبو شبع، كما أن هنالك الشيخ محمد الدسبولي وهو شاعر ورادود، والقاريء الشيخ جعفر الطريحي الذي أخذ عنه المغنّون الطور المقترن باسمه طور (الطريحي). والسيد (خضر القزويني) والد الفنان ياس والذي يُنسب طور القزويني إليه.
ومنهم أيضاً هنالك حسّون مكّي شيحان وهو قاريء يقرأ لأهل الشطرة كان مغنّياً في بداياته ثمّ تحوّل إلى المنبر واشتهر بالقراءة لموكب عزاء أهل الشطرة في مناسبة وفاة النبي (ص) كل 28 صفر من كلّ عام. وكان كل الفرات الأوسط ينتظر صعوده للقراءة لأن قصائده كانت سياسيّة وهو يأخذها من عبد الحسين أبو شبع تحديداً. وهناك أيضاً حمودي الفحام وهو رادود ومغنّي. ولاننسى أنّ مغنّيات حفلات الأفراح النسويّة هنّ ذات الملالي اللواتي يقرأن في المآتم وهذا أمر معروف في النجف.
وقد فرزتُ أسماء المطربين النجفيين من الرعيل الأوّل في القرن العشرين ومن تتلمذ على يديهم من الجيل اللاحق، في كتاب (المطربون الريفيّون وأطوار الأبوذيّة العراقيّة) للباحث (ثامر عبد الحسن العامري) فكانوا: ابراهيم الأسود، كاظم القابجي داوود الكيشوان، اسماعيل الشرطي، حاتم العكايشي، حسين مستري، حسين جودة، حسون شيحان، عبد الحسين چياد (الشروگية) وقد غنى في الكويت، محمد عبود النجفي، شيخ نور السلامي، نهاب ضاحي الفلاح، وناس، هجان الجبوري، ياس خضر، وشمران الحممچي الذي كان يمتلك مقهى في راس الجسر بالكوفة، كان يقصدهُ عشّاق الطرب.
وأضيف إليها أسماء أخرى مثل عزيز النجفي، عبد الله النجفي، ضياء النجفي، نوماس، محمد عبود النجفي الذي هاجر ليغني في الاذاعة على الهواء. كما أن هناك أسماء أخرى لها وزنها الفنّي مثل علي مدلول وهجان وجعفوري محمد (له طور خاص) وحميد النجفي اشتهروا بأداء طور (جبير الكون) المعروف فنيّاً بنغم الصبا زمزم العراقي، وهم جميعا خرجوا من عباءته وطوّروا طوره كلّ بما يناسب صوته. وأضيف لها - على ذمّة شاهد عيان - اسم الرادود شيخ وطن حنين، فقد كان يغني في المناسبات الخاصة جداً.
تأثير النجف على الغناء العراقي
على ذمّة الباحث الدكتور محمد سعيد الطريحي يبدو "أن الغناء في النجف ينافس الناصرية" فعلاً! فوجود هذا العدد الكبير من المبتكرين والمطوّرين والمؤدّين من القرّاء والمغنّين لا يدع مجالاً للشكّ بأن مدينة النجف كانت مركزاً للإبداع النغمي الذيّ صُدّر منها إلى باقي المدن والقرى من خلال القرّاء والرواديد، فشاع هنالك وأخذ عنه المغنّون أطوارهم المتميّزة بالحزن. وهنا تتكشّف لنا حقيقة تميّز الأبوذيّة العراقيّة، والأغنية فيما بعد، بالحزن. فقد كانت هذه الأطوار في حقيقتها هي أطوار حسينيّة ميّزها الحزن والنواح، نقلها المقرؤون (الروزخونيّة) إلى القُرى، التي وجد مغنّوها فيما بعد، أنها تلائم أرواحهم المعذّبة من جرّاء تعسّف الشيوخ وتسلطهم على الرقاب، فأخذوا عنها وحوّروها بملا يُلائم بيئاتهم وأسماعهم، حتّى صار الحزنُ بعد ذلك سمة عامة للغناء الريفي العراقي. كما لا يفوتنا في هذا الصدد أن نذكر أن هنالك أغنيات أخذت ألحانها بالكامل من (اللطميات) نذكر منها على سبيل المثال أغنية (لا تلوموني گلبي مايحمل ملام) لصلاح عبد الغفور المأخوذة بالكامل من لطميّة (يمّة اذكريني من تمر زفّة شباب) للرادود (حمزة الزغيّر)، وأغنية (بوسة من وجنتك) لسعدي الحلّي، المأخوذ لحنها بالكامل من لطمية (من بعد عزّتي) للرادود (وطن النجفي). كما أن الملحّن الفنان (كوكب حمزة) كان يُصرّح في أكثر من مقابلة فنيّة أنّ (العاشورائيّات) قد أثّرت في ألحانه وطغت على الجانب الأكبر من صناعته اللحنية. وقد أسرّني في جلسة خاصّة أنه استلهم لحن أغنيته (ابنادم) لحسين نعمة، من ألحان وإيقاعات المواكب العزائية.
أما عن التأثر العكسي، أقصد استفادة الردّات من ألحان الأغاني، فيُذكر أنّ كاظم البحراني (أبو جودت) قد اقترح على عبد الحسين أبو شبع أن يستغلاّ الألحان الشائعة من الإذاعة لكتابة الردّات واللطميات على غرارها، فتحوّل لحن أغنية (أبعثلك مراسيل استنّه تردّ عليه) لهدى سلطان إلى ردّة (ثاير رافع الراس حي روحك الثوريّة) التي قرأها الشيخ وطن عام 1970 بالسقاية يوم العباس، وأعاد قراءتها أواخر أيّامه، ولحن سيّد مكّاوي لأم كلثوم (القلب يعشق كل جميل) الذي حوّله فلاح صبار إلى (ثاير ثاير بسلاحه) 1970 لشهيد ابو شبع وقرأه في الصحن ليلة السابع (يوم المشاعل). وقرأ جميل ابو شبع (دگت بين الأقطار.. صرخة انذار) وهي مأخوذه من لحن طالب القرغولي (جزنه وعاودنه الشوگ.. وردّينه اردود) الذي غنّاه ياس خضر.

جغرافيا الغناء النجفي
في كتابه المرجعي (النجف الأشرف- عاداتها وتقاليدها) يذكر الباحث (طالب علي الشرقي) أن حفلات الطرب في النجف كانت تختلف باختلاف طبقات أهلها، فعند "طبقة الملاّئية ينعدم الغناء والتطبيل انعداماً تاما ويعوض عنه بالشعر وذكر مدائح بحق النبي (ص) وآل بيته (ع) أما الطبقات الأخرى فكانوا يعملون الحفلة ويسمّونها (كيف) في السراديب ويحاولون إخفاء العملية ومنع تسرب الأصوات بوضع أغطية على شبابيك ومنافذ السراديب احتراماً لقدسية المدينة ولطلبة العلوم الدينيّة". ويعود الباحث نفسه فيؤكّد ذلك في كتابه اللاحق (العتيد من العادات والتقاليد في النجف الأشرف) واصفاً بشيء من التفصيل، بعض الطقوس المصاحبة.
إلا أنّ حفلات السراديب والبيوت كانت تتعرّض للانتقاد من قبل المتشدّدين، فكانت سيّارة الشرطة (المسلحة) تداهم هذه التجمّعات وتدعو لتفريق المحتفلين. وروى لي الصديق الشاعر (عبّاس سميسم) حادثة طريفة في هذا الخصوص جرت في محلّة العمارة النجفيّة، حين داهم مفوّض الشرطة أو مامور المركز – وكان من المنطقة الغربيّة – مع مفرزته حفلاً كان الشيخ حميد المحتصر يغني فيه وطالبهم بإنهاء الحفل والتفرّق، فما كان من المحتصر إلاّ وأنشده هذين البيتين:
دع جانبا حمل السلاح فأنت بالألحاظ تُحرس
من عنده هذي العيون فليس يحتاج المسدس
فأطلق المفوّض عدّة طلقات في الهواء ردّاً للتحية، ووضع مسدسه جانباً تحت رجلي المغني، وأمر أفراد الشرطة بالجلوس والمساهمة!
ويبدو أن قدسية المدينة كانت حدودها الجغرافية ما يقع داخل السور فقط، ففي المقبرة الكبرى الواقعة إلى شماله، كانت تُقام حفلات الغناء والرقص الريفي (الچوبي) التي يُشارك فيها النجفيّون أبناء الريف فرحة العيد كما يؤكّد ذلك الدكتور عبد الإله الصائغ في مذكراته المبثوثة على الإنترنيت فيقول: "ويفاجأ النجفيون بالريفيين أصحاب القرى والقصبات وهم يدخلون النجف بالمئات للزيارة أولًا والتنعم بمشاهد النجف في العيد! وتشهد مقبرة النجف إقبالًا كبيراً في العيد من النجفيين والغرباء فكأنهم يعايدون موتاهم! وفي المقابر يتحزم أبناء المدينة وزوارها لرقصة الچوبية وهي رقصة جماعية موروثة يقودها راقص محترف ممسكاً بيده اليمنى منديلاً يفره فوق رأسه مرة أو مستوى كتفه ثانية، ويحاكيه الراقصون في حركات الرجلين والبطن والصدر! ولابد للچوبية من عازف على آلة المطبج". ويبدو أن الأحتفال بعيد (النوروز) كان الإستثناء الوحيد للغناء والرقص خارج السراديب، وقد برز كحاجة اجتماعيّة للتعبير عن بحث الأحاسيس الإنسانيّة عن متنفّسٍ لها في الرقص والغناء، لكن هذا لم يستمرّ طويلاً، فقد شكى بعض رجال الدين إلى المسؤولين من أن للقبور حرمتها ولا يجوز أن تقام فيها هكذا ممارسات، فأرسلت مفارز الإنضباطيّة والشرطة لمنعها وتفريق ألئك المحتفلين، لينتقلوا إلى مدينة الكوفة المجاورة ويقيموا حفلاتهم قرب مرقد السيّد (أبو صريمة) في منطقة الگريشات الريفيّة، ومناطق أخرى.
إنّ الأطوار الغنائيّة للأرياف الملحقة بالنجف، وبحكم قربها، هي الأكثر تأثّراً بالأطوار الملاّئيّة، وهي الأكثر خصوبة والأغزر عطاءً، كما أن مجتمعاتها تُعدّ أكثر تقبّلاً من مجتمع النجف فيما يخصّ الغناء، لذا فإن حفلات الكيف التي كانت تقام فيها كانت تجتذب إليها النجفيين ممّن يجدّون في طلب الطرب، فكانت حفلات غناء (محسن جبر الكوفي) و(ياس خضر القزويني) وأخرين قدّ سُجّل أغلبها في بساتين تلك الأرياف. وعسانا نذكر واحدة من تلك الحفلات الطربيّة كما وردتنا من أفواه المعمّرين، وهي الحفلة الغرائبيّة التي أقيمت في ريف (الكوفة) عام 1945 على الأغلب، حين جيء بجنازة المطرب (خضيّر حسن مفطورة) من الناصريّة إلى النجف بـ(المهيلة) وهي نوع من المراكب المائيّة، سحباً بالحبال عكس مجرى الفرات، لكي يُسهر عليها غناءً حتّى الصباح، لتوارى الثرى صباح اليوم التالي، عملاً بوصيّته في أن يقام مثل هذا الطقس الجنائزي، في كل قرية ضفاف تمرّ عليها المهيلة التي حملت الجنازة!

الشعر النجفي المغنّى
إذا استثنينا ما غُنّي من الأبوذيّات التي لا تُعرف نسبتها، فإنّ المنسوب منها للشاعر عبّود غفلة المعروف بأشعاره الحسينيّة فقط، هي الأبوذيّة التي غنّاها المطرب (رياض أحمد) وهي (إلك مرعى بدليلي وانته ريمة)، أما الشاعر الهزلي (حسين قسّام) فقد غنّى له المونولوجست الفكه (عبد الأمير الترجمان) الشقيق الأكبر للأديب (عباس الترجمان) مونولوج (المعيدي مات موتة امعلعلة) الهزليّ لصالح شركة (His master`s voice) للإسطوانات، ولم يصلنا عنهم غير ذلك. وتبقى الأغنية النجفيّة اليتيمة للشاعر (عبد الحسين أبو شبع) هي قصيدة (إرجم دليلي) الرائعة التي لحّنها الفنان النجفي (جاسم العرباوي) المعروف بالخيّاط، وقدّمها للفنان (ياس خضر). وللشاعر (هادي العكايشي) أيضاً قصيدتان أولاهما هي (شموع الخضر) للمطرب نفسه بلحن (كمال السيّد)، وأخرى لحّنها أمّوري للمطرب (حسين نعمة) هي (ردّيت)، كما غنى له سعدي الحلّي قصيدة (عشت الحرمان كله وتريد أملّه).كما أنّ الثنائي النجفي الشاعر الراحل (كاظم الخطيب) ومجايله وابن مدينته الملحّن (جعفر الخفّاف) قدّما في بداية حياتهما الفنيّة أوائل السبعينيّات أغنية (أحرگ بروحي حرگ)، إلا أنّهما لم يستمرّا. والشاعر عبد الحسين الشرع وكان وكيل المرجعية بمحلّة العمارة- غنى له داخل حسن قصيدته الرائعة (يا طبيب صواب دلالي كلف لاتلچمة بحطّة السماعة) التي اشتهرت بعد أن قرأها الشرع عام 1953 في حفل ختان في محلّة المشراق. وهي موشّح مناسبات تحوّل إلى أغنية عارضها الكثيرون آنذاك وكتبوا على غرارها. وفي حين كان الشعراء يجاهرون بخمريّاتهم وغزلياتهم فإنّهم كانوا يرفضون إقران تلك الاشعار بأسمائهم في حال أنّها غُنّيت، خوفاً من القيود والتقاليد، فظهرت الكثير من الأغنيات غفلاً من اسم الشاعر.
إلا أن العديد من أشعار وموشّحات الفقية والشاعر النجفي الكبير (محمّد سعيد الحبوبي) قد لُحّنت وغُنيّت بعد وفاته بالطبع (1915)، وأشهرها قصيدة (شمس الحميّا تجلّت في يد الساقي) التي قرأها محمّد القنجي عام 1932 في مؤتمر الموسيقى في القاهرة، وهي التي أبدى الشاعر المصري أحمد شوقي إعجابه بصياغتها.
كما غنّى لهُ القبنجي أيضاً، وأعاد غناءها بعده كثيرون، قصيدة (يايوسف الحسن) التي اشتهرت ببيتها القائل:
لُح كوكباً وامشِ غصناً والتفت ريما فإن عداك اسمُها لم تعدُكَ السيما
وهو البيت الذي عارضه كثيرون من شعراء العاميّة، فقد باراها أحدهم كدارمي قائلاً:
لُح كوكباً يهواي وامشي اعله هونك والتفت مثل الريم لليودّونك
وعارضها أيضاً الملا منصور العذاري في قصيدة طويلة منها:
لو لحت كوكب ومن تمشي غصن تلتفت چالريم يا ربّ الحسن
غافلت رضوان بالحيلة أظن وانته للدنية من الجنّة اطلعت
كما غنّت للحبّوبي المطربة زهور حسين من قصيدة (لا تدر لي أيّها الساقي رحيقا)، وغنّى له حامد السعدي أبياتاً من قصيدة (طرز خداك العذاران)، وهذا ما وقعنا عليه.
وبعد، فإنّي حاولت جهد الإمكان أن تكون هذه المقالة أرشيفاً ومرجعاً لكل ما يتعلّق بالغناء في النجف في القرن المنصرم، وليعذرني القاريء الكريم إن كانت قد وردت ثمّة أغلاط أو هفوات مما جهدنا أن لا يقع.
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 09h52.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd