الفنان القدير : عثمـــان السيد
حققت أعمال الفنان القدير والملحن والمطرب عثمان السيّد شهرة
واسعة بفضل صبره وجلده ومثابرته ودراسته الأكاديمية في الكويت وأنحاء الخليج والجزيرة العربية، ويعتبر أحد الأعمدة الأساسية المتميّزة
في مجال الأغنية الكويتية المطوّرة، وبرز في أعمال غنائية كويتية حديثة وناجحة بثّت على أثير الإذاعة وشاشات التلفزيون .
عثمان السيّد فنان مرهف الحس، ناعم الشعور، يحوّل الكلمة الحلوة إلى لحن جميل راقص مستمدّ من البيئة الكويتية الأصيلة،
تطرب له الأذن ويتمايل له الحضور.
وقد بلغ عدد الأغاني التي لحّنها حوالى400 أغنية بين عاطفية
ووطنية ودينية، غناها مطربون من الكويت والوطن العربي.
اسمه الكامل هو عثمان محمد السيد عمر عاصم (أبو عفان) ، من مواليد دولة الكويت 1936…
أنجز دروسه الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس الحكومة. متزوج ولديه ثلاثة أولاد أكبرهم عفان.
على غرار أي فنان كويتي، كانت بداياته في الغناء في ترداد أغنيات عربية لكبار المطربين فنما لديه
تجاوب وإحساس وتذوّق ما أفاده كثيراً في بداية مشواره الغنائي.
أول أغنية سجّلها كانت في الإذاعة الكويتية بعنوان « سلمولي على اللي يستحق السلامه » (1959)
مع فرق موسيقية جديدة مؤلفة من عازفين من جمهورية مصر العربية تم التعاقد معهم.
تميزت الأغنية بأنها عاطفية بلحن شعبي من فن السامري المطوّر وهي من كلمات الشاعر الغنائي الراحل بدر الجاسر،
وتولى الإيقاع زميله المرحوم الفنان عوض دوخي لأن العازفين المصريين آنذاك كانوا يجهلون الإيقاعات الكويتية، وعزف الفنان
الراحل محمد التتان على آلة الكمان مع أن ابنته توفيت في اليوم
نفسه، إلا أنه جاء في المساء وحضر التسجيل ما يؤكد عمق العلاقة بين الفنانين الكويتيين آنذاك.
مسيرته الغنائيّة
في عام 1964م سجّل عثمان السيد من ألحانه وغنائه: «يا نجوم
ما شفتو القمر من يخبرني عن البدر المنير» ، « ليش التعذر
يا زريف الطول» تأليف الشاعر الراحل بدر الجاسر،
«اسألني عن غرامي» وهي عاطفية ، «خلي الجفا والعناد» من كلمات الشاعر أبو باسل.
في عام 1965 توقّف السيّد عن الغناء واستمر في التلحين، فوضع قالباً محدداً للأغنية السامرية، إذ كانت تغنى على وتيرة
واحدة، فأدخل عليها التلوين المقامي بحيث تختلف المقدمة الموسيقية عن بداية الغناء اختلافاً مقامياً – المذهب – ثم يلي المذهب لزمة موسيقية تمهّد للكوبليه الذي يختلف بدوره عن المذهب، ثم تأتي بعد ذلك اللزمة الموسيقية لتمهّد للكوبليه الثاني الذي يختلف بدوره عن الكوبليه الأول والمذهب، هكذا ازدهرت الأغنية السامرية المطوّرة بفضله وفضل زملائه الملحنين الذين قدموا نماذج وأعمالاً مطورة أثرت الساحة الغنائية الكويتية في مجال السامري.
الدراسة في مصر
سافر عثمان السيد إلى جمهورية مصر العربية عام 1964م للدراسة في المعهد العالي للفنون الموسيقية في القاهرة لمدة سبع سنوات، وهو الطالب الكويتي الثاني الذي يلتحق للدراسة في المعهد بعد الفنان القدير الملحن أحمد باقر، بعد ذلك كرّت سبحة الفنانين الذين توافدوا للدراسة في المعهد من بينهم:
يوسف دوخي، عبدالرحمن البعيجان، عبد الحميد السيد، محمد التتان، يوسف الرشيد، إبراهيم الصولة.
رفض المعهد العالي للفنون الموسيقية فنانين قادمين من الكويت لدراسة فيه، وبما أن الفنان عثمان السيد كان رئيساً لقسم الموسيقى في الإذاعة آنذاك (1964 – 1965) وجد لزاماً عليه ساعدة إخوانه وزملائه، راجع سفير دولة الكويت في مصر، آنذاك، الفنان حمد الرجيب وطالبه بالتدخل لتسجيلهم في لمعهد، باعتبار أنه كان متفهماً لرغبة الفنانين الكويتيين في الدراسة الأكاديمية، فوقف معهم ولم تمرّ أكثر من أربعة أيام حتى
قُبلوا في المعهد.
امتيـــاز
تخرّج عثمان السيد في المعهد عام 1971 بامتياز وأثار تفوّقه في السنة الأخيرة ضجة في الصحافة المصرية بحصوله على مجموع 97.5% في امتحان البكالوريوس و 99% في امتحان العزف.
يُذكر أن اللجنة المختصّة في الاستماع إلى العزف أصرّت على أن يكون عثمان السيد آخر طالب يؤدي امتحان العزف أمامها، لذا انتظر يومها من الرابعة مساء لغاية التاسعة مساء، وكانت
وجهة نظر أعضاء اللجنة أن عثمان السيد لو أدى امتحان العزف قبل زملائه سيأخذون علامة «صفر».
بعد انتظار طويل امتثل عثمان السيد أمام لجنة الامتحان فإذا
برئيسها يقول له:
«عاوزينك تروّق مزاجنا»، فعزف مقطوعات عدة ومع كل واحدة كان يتلقى مزيداً من كلمات الإطراء والاستحسان من أعضاء اللجنة ونال في النهاية 99%.
بعد ذلك عاد السيد إلى أرض الوطن وهو أشدّ ما يكون حماسة ولهفة ليبدأ مشواره الفني ويكرّس جهوده الأكاديمية للحركة الغنائية الكويتية والخليجية ويشارك في تطوّر الأغنية الكويتية.
إذاعة الكويت
بعد تخرّجه شغل عثمان السيد منصب رئيس قسم الموسيقى في
الإذاعة الكويتية لمدة ثلاثة أشهر، ومن ثم تولى منصب رئيس
قسم الموسيقى في تلفزيون الكويت، وكان، بالإضافة إلى عمله،
يشارك في لجان مشاهدة الأفلام العربية ويوصل الليل مع النهار
حتى أنجز مشروع تكوين مكتبة موسيقية في تلفزيون الكويت،
واستمرّ على هذا الوضع لمدة سنتين…
من أبرز إنجازاته تسجيل سهرات شعبية شارك فيها كبار نجوم الأغنية الكويتية وروادها وتعتبر اليوم كنزاً ثمينا للأغنية والإعلام الكويتي، لاقت هذه السهرات والأغاني استحسان المشاهدين والمهتمين بالحركة الفنية الكويتية، كذلك قدم أعمالاً غنائية جيدة من تلحينه وغنائه، من أبرز النجوم:
مصطفى أحمد الذي غنى له «سلام مني»، وقد أشرف شخصياً على تسجيلها في استوديو الإذاعة، صادف أن وكيل الإعلام
آنذاك سعدون الجاسم كان يتفقد مرافق الإذاعة، فمرّ على الاستوديو وسمع عثمان السيد يحفّظ الفرقة، بعد ذلك طلب منه أن
يغنيها بصوته فسجّلها السيد في برنامج «البادية» التلفزيوني
وعرضت مرة واحدة فحسب.
الأغاني التي سجلها السيد من تلحينه وبصوته قليلة نسبة إلى فنانين آخرين يجمعون التلحين والغناء. من الأغاني التي قدمها بعد عودته من دراسته الأكاديمية للموسيقى في القاهرة «درب الهوى»،
يقول في مطلعها:
ماني على درب الهوى مجبور لولا الذي أهواه ويهواني
راعي المحبة يا ربع معذور ليمنه راح لصاحبه عاني
وبعد غياب عن الساحة الغنائية مطرباً عاد وسجل أغنية «طريح
الحبّ» (1974)، وهي عاطفية وجميلة في ألحانها وكلماتها
التي كتبها الشاعر طلال السعيد، وكان آنذاك في بداية حياته
كشاعر غنائي.
مبارك المعتوق
مبارك المعتوق أحد أكثر المطربين تعاوناً مع الفنان والملحن عثمان السيد في مجالات الأغنية العاطفية والدينية والوطنية
وغيرها، وكانت الإذاعة الكويتية والتلفزيون يرحبان بأعمال غنائية تتميز بمضامين تلائم المناسبات، لا سيما أن الإذاعة
الكويتية آنذاك كان لديها استوديو وفرقة موسيقية، ما يعني سهولة تنفيذ الأعمال بكلفة بسيطة…
في مجال الأغنية الدينية سجل المعتوق « شهر الصوم » من كلمات الشاعر محمد عبداللطيف، لمناسبة حلول شهر رمضان
المبارك، يقول في مطلعها:
في خشوع احنا لله دعينا شهر الصوم أقبل علينا
بان هلاله في سمانا نورت فيه ليالينا
سجل المعتوق أغنية خاصة لحملة التخضير، تشجيعاً للزراعة، من كلمات الشاعر محمد عبداللطيف السعيد، يقول فيها:
ازرع ازرع بالك تقطع ازرع ازرع كل شيء ينفع
نرفع النهضة أبلادنا هيا نسقي… هيا نرفع
وفي مجال الأغنية الوطنية غنى المعتوق مع ابنته الراحلة سارة « كويت المعان ي» كلمات الشاعر سليمان المرداس،
يقول فيها:
كويت المعاني تكبر بعيوني
وكل مالها تكبر
وعمر سنيني بوجودها تزهر
أما في مجال الأغنية العاطفية فثمة أكثر من أغنية سجّلها المعتوق من بينها:
لاشك أفكر واحاتي وأقول واشصار فيهم
هم ثمنهم حياتي ما دام قلبي يبغيهم
«هذا جزاي» من كلمات الشاعر المطرب حبيب فاضل،
يقول في مطلعها:
ما عليه هذا جزاي بيدي سلمتك هواي
وأنت ما رعيت حبي عفتني جرحت قلبي
مهرجانات عربيّة
كان عثمان السيد أحد الفنانين المسؤولين الذين يُعتمد على ثقافتهم
الموسيقية المقتدرة، ومن هذا المنطلق اختير لتمثيل الكويت في
أكثر من مهرجان ومؤتمر في عواصم عربية منها:
مهرجان «مجمع الموسيقى العربية» في 9 و10 إبريل
1973 في جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية، بعد عودته من
دارسته في القاهرة، مع الفنان القدير أحمد باقر، الذي كان
مراقب الموسيقى في إذاعة الكويت، والباحث والمؤرخ صفوت كمال.
في عام 1977 ترأس الفنان عثمان السيد، وكان رئيساً لقسم الموسيقى في تلفزيون الكويت، وفد بلاده إلى « المهرجان الأول
للأغنية العربية » الذي أقيم في دمشق وتناول مجالات الأغنية
المختلفة من قومية وفولكلورية وعاطفية معاصرة وأغانٍ للأطفال
ومسرحيات واسكتشات وحوارات غنائية…
وقدمت الكويت فيه 23 أغنية إذاعية و14 أغنية تلفزيونية، ففازت الأغنيات الإذاعية التالية:
- «من خلف المدفع» (نشيد) من كلمات محمد محروس وألحان عثمان السيد.
- «يا خليلي» (عاطفية) كلمات وليد جعفر، ألحان محمد التتان، غناء عوض دوخي.
كذلك فازت أوبريت «الحاضر والماضي» (كلمات عبدالمحسن الرفاعي، ألحان عبدالرزاق العدساني)،
تصميم الرقصات الفنان عبدالعزيز المنصور) إخراج أحمد البقشي بجائزة الإخراج التلفزيوني
وجائزة الإخراج المسرحي الذي نفذه صقر الرشود.
حول حضوره مؤتمرات ومهرجانات يقول الفنان عثمان السيد:
«حضرت مؤتمرات موسيقية عدة ولكن لم تثمر عن شيء لغاية اليوم، الأسباب تعود للأهم من القضايا التي يجب مناقشتها…
لأن في الوطن العربي الكثير من المشاكل والصعاب الموسيقية التي يعاني منها الفنان الكويتي وكذلك الفنان في منطقة الخليج العربي…
وأيضاً يحتاج اللحن العربي بصراحة إلى دراسة ومناقشة حازمة
في صياغة هذا التراث الموسيقي، حيث المعدات والآلات
الموسيقية مستوردة من الدول الغربية التي هي العمود الفقري في
تطوير النغم واللحن، ولا يوجد أي فكر عربي يصنِّع هذه
المعدات والآلات لتكون صناعة محلية تتناسب وموسيقانا الشرقية».
صالح الحريبي
تعامل الملحن القدير عثمان السيد مع مجموعة من المطربين في
تقديم إنتاجه الغنائي سواء العاطفي أو الرياضي أو الوطني…
من بينهم: المطرب صالح الحريبي الذي غنى له أغنيات كثيرة
من بينها:
أغنية رياضية (1976) من كلمات الشاعر عبدالمحسن الرفاعي ويقول فيها:
شـعار الرياضة للتفاهم نديم
مفهوم الرياضة يا اخواني عظيم
«دارت الأيام»(عاطفية) من كلمات عبد الخضر عباس، «كوني مثل ما تبين» من كلمات الشاعر عبدالله العبودي، «لو بيدني»
من كلمات أحمد اليتيم ويقول في مطلعها:
لو بيديني ما ابتعد عنك وأغيب
لو بيديني ما أبي غيرك حبيب
لكن اللي صار مكتوب وجرى
خل شوق القلب أفراحه تغيب
قدّم الفنان القدير عثمان السيد ألحاناً إلى كبار المطربين العرب
في إطار خطة نشر الأغنية الكويتية خارج نطاقها الإقليمي في
فترة الستينيات من بينهم:
محمد قنديل، كارم محمود، وديع الصافي، سعاد محمد، نجاح سلام، ابتسام لطفي، جابر جاسم.
«شافتك عيني»
من أعمال الفنان عثمان السيد الغنائية أغنيتان من كلمات الشاعر عبدالله العبودي.. الأولى « شافتك عيني » يقول فيها:
يــوم شافـتـك عـيـنـي صــدفـه قــريــب مــنـي
زاد الــولع فــيــني غـصـبــاً تـرى عــنــي
والثانية يقول فيها:
ما شفت منك ياضنا القلب من بوح
إلا الزعل كل يوم تفتح أبوابه.
موسيقى الأفلام التصويريّة
أسهم الملحّن والمطرب عثمان السيد في مجالات كبيرة وعميقة
كانت وراء النهضة التي عاشتها الكويت في الستينيات
والسبعينيات في مجالي الموسيقى والغناء. لحن أغنيات مسرحية «فوضى» من إخراج عبد الأمير التركي، فجسد فيها الكلمة على
المسرح وأعطى كل ممثل حقه في العمل المتميز…
كذلك ألف موسيقى تصويرية ومقطوعات موسيقية من بينها:
الموسيقى التصويرية لفيلم «المستوطنات البشرية» لحساب مجلس التخطيط، إخراج بدر المضف، طبع الصوت على
الصورة في معامل لندن فأعجب به الفنيون والمهندسون هناك
لنقاوة التسجيل ومطابقة اللحن للصورة.
وعندما أخبرهم المخرج بدر المضف أن الملحن القدير عثمان السيد ألف الموسيقى من دون أن يشاهد الفيلم دهشوا لهذه
القدرة… زاد على ذلك أن الفنيين في المعمل كانوا يرددون اللحن. نقل مخرج الفيلم بدر المضف هذه الشهادة بأمانة إلى
الفنان عثمان السيد وإلى مراقب السينما آنذاك المرحوم عبدالوهاب سلطان الذي رفع كتاباً إلى وكيل وزارة الإعلام
المساعد لشؤون التلفزيون محمد ناصر السنعوسي
طالباً منه إرسال كتاب شكر إلى الملحن عثمان السيد لا سيما أنه
صرح مراراً بأن السيّد أحد الأشخاص الذين يعتزّ بهم.
ابتسامة
في عام 1972 سجل السيّد مقطوعته الموسيقية «ابتسامة» وموسيقى تصويرية لأفلام خليجية وللبرنامج التلفزيوني « جولة
الكاميرا». وفي عام 1976 سجل «الجهراء»، مقطوعة موسيقية من إيقاع الصوت، موسيقى تصويرية لـمسلسل
«العنود» الذي بثته إذاعة الكويت بمناسبة ذكرى وفاة الراحل
صقر الرشود، المسلسل البدوي «الرحيل» من تأليف طلال
السعيد، برنامج «الفنون الشعبية في البحرين». من آخر المقطوعات الموسيقية التي سجّلها السيد «إشراقة المستقبل»
استلهم فيها التراث الموسيقي الخليجي والفولكلور لدول مجلس
التعاون الخليجي.
شهرة المطربين
قدم عثمان السيد ألحاناً إلى المطربين كانت وراء شهرتهم وتقديمهم إلى الساحة الفنية، ففي عام 1975 غنت له المطربة الشعبية الراحلة عايشة المرطة «نسى عشرتي» (عاطفية)، وكانت في بداية انطلاقتها في مشوارها الغنائي، من كلمات
الشاعر الغنائي يوسف المنيع ويقول في مطلعها:
صبرت أمس والبارح تـصبر على نار محبوب جفاني
نسى عشرتي وياه واقسمت ما أدوس الخطى لو هو بكاني .