اعزائي محبو الغناء الريفي المحترمون
عثرت على موضوع يؤرخ لحياة المطرب الربفي الكبير( خضير حسن ناصرية) كتبه الاستاذ حسين الهلالي انقله لكم فيما يلي:
خضير حسن ناصريه
بقلم الاستاذ حسين الهلالي
يعتبر خضير حسن ناصرية ظاهرة الغناء في الجنوب حيث اقترن اسمه بهذه المدن ، مثل الناصرية التي احتضنته وأحبته وذلك لتفرده في أداء طوره الخاص ( الشطيت) وابائه وأصالته وحبه للعمل وعدم احترافه الغناء كمصدر عيش له في المقاهي كالآخرين آنذاك، أضف الى ذلك حسه الوطني الفطري ومعاداته إلى الأنكليزحيث شهد معركة البطنجة وهو صبي سنة 1916 قرب ناحية الغراف وسمع الكثير من أهله من هم الإنكليز!! لقد نشأ في قصبة سويج حواس(ناحية الغراف حاليا" ) و(تشير ولادته الى1901 ـ ووفاته 1945) هذه المدينة القروية الصغيرة وهو ابن الثامنة بعد ان جاءها من قضاء بدره على اثر والده الذي هاجر الى( الغراف )لطلب العيش هناك وعند عودته تكفله خاله (الماز)وبعد موت خاله( الماز) تكفله خاله (ملا نادر)، التصق به وعمل معه بجد واخلاص، بدأ الغناء وهو ابن الثانية عشرة ،وعند بلوغه سن العشرين امتهن بيع العطارية في القري والأرياف لصالح خاله ، في هذه الفضاءآت وفي هذا التيه وعند أول ظهور للفجر يتسلل من بيته مع خيوله التي تحمل مواد العطارية ( الحناء والهيل والشاي والسكر والتبغ وفوطات النساء والأقمشة الأخرى) وخاصة ما يستهوي النساء ،وعندما يعتلي صهوة جواده ويبدأ بالغناء للاعلان عن بضاعته تتجمع حوله بعض من الفتيات اللواتي في طريقهن للتحطيب فيرددن ما يغنيه من بستات وعندما يفيق من سكرته الغنائية ينهرهن فيهربن هاربات باتجاه الحقول الملأى بالشوك حيث يبدأن التحطيب وهو يتوغل في الطريق المؤدي إلى القرية التي يقصدها لتستقبله جموع القرية وخاصة فتياتها بماجلب لهن من أشياء يرغبنها ووجوده الليلة في قريتهن وما اعتدن ان يسمعن من هو من غناء في مضيف احد أصدقائه فتكون تلك الليلة ليلة فرح وعرس القرية كلها لما فيها من أشياء تفرح الجميع صوت خضير ووجود (الغليون) الكثير والحناء والبخور بالنسبة للنساء وحتى الأقمشة والحلويات( الحامض حلو والمصقول) والتمر والشاي والسكر والقهوة0 وهذا كله يرضي خاله ملا نادر الذي يجد في خضير إعلانا" جذابا" لترويج بضاعته 0 في داخل المضيف تطرح أشعار الأبوذية ويبدأ الغناء بالتناوب بين القرويين وبعدها يغني خضير وتستمر السهرة حتى الصباح عندها يعود مودعا" من قبل أصدقائه بعد أن باع العطارية مع سفر القرويين الى المدينة الصغيرة وفي عودته هذه يبدأ الغناء إلي حين وصوله إلى أطراف المدينة وبعد استراحته وعندما يجن الليل والذي يصبح اكثر إغراء" لخضير حسن ولكن كيف؟ واين؟ هناك التجمع الأدبي والغنائي المغري لخضير (الديوانيات) التي تأوي هذا التجمع ، ديوانية (ملا علي) وديوانية(حنين) وديوانية (ملا نادر) وديوانية (راضي الزوري) وهذا التجمع هم صفوة المدينة القروية بدأ" من حسن قفطان وسيد موسى الشطرى وحضيري أبو عزيز وملا نادر وراضي الزوري، كانت الجلسات الغنائية تبدأ من أول الليل وحتى الفجر وكان يبدأها سيد موسى الشطري بصوته الرخيم وبطورالشطراوي وبعد ذلك يستلم الغناء حضيري أبو عزيز بموافقة خضير حسن الذي يعطيه إشارة البدء ومن الملاحظ حضيري أبو عزيز لايغني آنذاك إلا بموافقة خضير كونه اكبر سنا" والأجدر غناءا" وقطب هذا التجمع الذي يخضع إلي آرائه كل الحاضرين ، بعد ذلك يبدأ خضير الغناء حتى يوصل هذا التجمع الى الذروة والأنشداد اله ثم تبدأ الاستراحة وشرب القهوة وماتجود به يد صاحب البيت من طعام(تعتومة)بعد ذلك يبدأ غناء حسن قفطان وغنائه اقرب إلى الابتهالات التىي يقرأ ها الموحدون لينتهي هذا الصوت مع
خيط من خيوط الفجر،حيث تبدأ الصلاة في هذه المدينة القروية،أصبحت حياة خضير مع هذه المجموعة اكثر استقرارا"واكثر عطاءا"في فنه الغنائي ومن الطبيعي أن يختار خضير من يحب فأختار(نسيمة الزهيرية)زوجة له وانجب منها بنتا" اسماها (غزالة) لكن هذا الزواج لم يدم طويلا سرعان ما دب الخلاف بينهما لينتهي بالطلاق وتختار الابنة في المحكمة أبيها ويودعها عند عمته( زهرة ولي )بعد ان بلغت من العمر اثنا عشرة سنة، لقد قابلت هذه المرأة سنة 1997
وكان عمرها خمس وستون سنة وتحدثت عن أبيها وكيف كانت تهرع الى المقاهي وتأخذ الأسطوانة من(الكرمافون ) وتكسرها في الشارع متألمة على أبيها الذي تركها وغادر الى مكان آخر. اما (حضيري أبو عزيز) فقد شعر بالظروف الصعبة تحاصره في هذه المدينة الصغيرة فيغادرها الى خاله ليعمل معه خياطا وخضير حسن بعد تعكر صفو حياته يسافر هو الآخر الى الناصرية الأصدقاء وفي مقدمتهم التجمع الذي كان ملاذه الوحيد في ذلك المكان يدا ف اليهم ، صديقه محي يوسف الذي يصغره سنا" ولكن كان ملتصقا” به وهو الوحيد الذي كان يجيد طوره(الشطيت ) والآخر الشاعر عبد الجبار حمود الذي رافقه في رحلته الطويلة الى نهايتها وأصدقاؤه في القرى والأرياف اللذين يتعامل معهم كعطار متجول والحطابات وكل أولئك يشكلون حيزا” كبيرا" في حياته لا ينساه 00 الجميع ودعه بالدموع وبسرعة غادر إلى الناصرية، وتفيق مدينة الناصرية على رجل يتهدج بصوت وهو ماسك إناء اللبن ويسير ببطءفي السوق يصل الى باب شطره ناصرية هذه المحلة المكتظة مقاهيها بالغرباء وبأهلها من تجار وعمال وقرويين وترتسم ألف علامة استفهام على وجوه الجالسين وهم يسمعون هذا الصوت الغريب ويرون الرجل الذي يغني بانفعال،أذن من هو الطارق الذي استفز الجميع بغنائة؟! وينهض محبو الغناء والجمهور يتحلقون حوله ويتبرع نفر منهم ليحمل أواني اللبن وآخرون يساعدونهم بالبيع ويستمر خضير بالغناء ويصل في غنائه الى الذروة والجمهور يسير وراءه زرافات زرافات ويعود الى المقهى بعج ان قطع مسافات طويلة التي بدأ منها الغناء ويتهالك على الأريكة منفجرا" بالبكاء ، بعد ذلك يفيق ليجد اواني اللبن فارغة ونظيفة بجانبه والنقود موضوعة في قطعة قماش بيضاء بجانب الأواني ويتلقى الدعوات من تجار المدينة ومحبي الغناء امثال صالح النجار وعبد الحسن الملا عمران وتطورت هذه الى صداقة حميمة بينهما وقد غنى خضير من شعر عبد الحسن الملا عمران البيت التالي :-
ابدرس غيرك تضن يشكر سنلهه
اونارك تلهب ابجوفي سنلهه
ساعه الفاركت بيهه سنلهه
شحال افراك يومينك عليه
وقد طرح عبد الحسن الملا عمران على خضير ان يترك اللبن في باب شطرة ناصرية وهو مستعد ان يتقاسم ثروته معه على شرط ان يغني له يوميا" ليلا"في مجلسه مع أصدقائه من التجار ،رفض خضير هذا العرض بأباء شديد قائلا":- (أنا لست محظية لك أيها المتعالي وان غنائي وسط هؤلاء البسطاء هو أعلى المراتب عندي ) وغادر المكان ولم يعد إليه ثانية .لقد سمع به (ملا جادر) وضمه الى مجلسه تعلم خضير من ملا جادر الكثير من الأضافات التي أضيفت لطوره (الشطيت) كون الملا جادر أستاذا" كبيرا" في الغناء والشعر المغنى والمركز الأدبي الأكثر ثقلا في مدينة الناصرية وقد غنى خضير حسن كثير من شعره
ولعظام ـ تهاباكم ـ وشمرهه وهو كمايلي:-
يلوم المادره ابروحي شمرهه
وميدري الدهر عن ودهم شمرهه
ليالي افراكهم والله شمرهه
امر من المنازع بالمنيه
وهذا البيت وبيوت اخرى مسجلة على اسطوانات لشركات التسجيل وقد اكتفى بتسجيل تسع ا اسطوانات سنة 1926 وهي محفوظة في دار الاذاعةالعراقية وتعتبر مصدرا هاما من غناء الأبوذية بصورة عامة وطور (الشطيت) بصورة خاصة بعد ذلك غادر خضير الناصرية الى البصرة يرافقه صديقه عبد الجبار حمود، وهناك يجد حضيري أبو عزيز يغني في احدى المقاهي فيغني في الدار المقابلة للمقهى وهي الدار العائدة الى صديقهم هليل انسحب الجمهور من المقهى وتجمهروا قرب الدار ليسمعوا هذا الغناء الجديد0
وفي اليوم الثاني يذهب الى منطقة المغيسل حيث هناك المقهى التي يغني فيها عبد الأمير طويرجاوي ويختار المقهى المقابلة لها والفارغة من الجمهور ،ويبدا الغناء هناك وبعد لحظات يتحول الجمهور من عبد الامير طويرجاوي الى هذه المقهى ليسمع هذا المغني وهذا الغناء الجديد او الطور الجديد 0ويعرض عليه صاحب المقهى العمل كمغني يرفض خضير هذاالعرض مفضلا العمل في مطحنة كوبي في البصرة حيث يعتلى المطحنة ماسكا كيس الطحين ويبدا بالغناء هناك مما جعل دخل الماكنة من النقود يزداد فاراد عكوبي ان يكرمهما فدفع لهما اجرة مضاعفة كان رد خضير بالرفض قائلا:-
(نحن لسنا غجرا )وتركا الماكنة وغادرا إلى مكان آخر، وكان ينام وصديقه عبد الجبار حمود في كمب الإنكليز مع العمال العراقيين في الشعيبة وقد غنى للعمال اغاني وطنية أثارت فيهم الحمية والنخوة فحد ث اضطراب في المعسكرمن جراء هذه الاغاني :-
بلادي وان جارت عليّ عزيزة قومي وان شحوا عليّ كرام
اريد الطم على راسي بلادي
منك يلعذبت روحي بلاد ي
وان جارت علي عزت بلادي
كرام اهلي وان شحوا عليه
بعدها غادر الى عبادان هاربا من بطش الإنكليز وهنا في هذه المدينة التي يسكنها العرب جلس وصديقه في مقهى عبد اللطيف البغدادي وفي الليل كان يترددعلىمجلس احد الآدباء عبود فليفل الذي قدمه الى عبد اللطيف البغدادي ، كان يغني في هذه المقهى المغني المشهور محمد المشموم ( بطوره المشموم) واختمرت فكرة المسابقة في عقل عبود فليفل وجماعته واصبحت الفكرة مقنعة لخضير حسن بان يتحدى هذا المغني فاخبروا عبدا للطيف وهو بدوره اخبر محمد المشموم بذلك فرفض في بادىء الامر بتعالى هذا التحدي وبالاخير والاخير اقتنع بالمسابقة وعين يوم الجمعة لاجرائها 0
وفي ذلك اليوم بدات حفلة التحدي وغنى محمد المشموم وعندما انتهى بدا خضير الغناء واستمر في غنائه حتى اطرب الحاضرين في المقهى وحكمت اللجنة بالفوز الى خضير حسن ويهزم ابن مشموم ويتقدم خضير وجماعته الى الجائزة والجائزة هنا هي( خروف محشي) على صحن كبير من الرز يتناول خضير قطعة لحم من الخروف وينسحب والمجموعة معه يتقدم منه عبد اللطيف ويقدم له عرضا بالعمل كمطرب في مقهاه بدلا من محمد المشموم 00رفض خضير هذا العرض قائلا:- (ما جئت من اجل هذا !!) وفضل العمل في (كور) عبادان مع العمال
يعمل معهم ويغني لهم ولسوء التغذية والجو الر طب هناك أصيب بمرض السل الرئوي بعد ان سجل اسطواناته التسعة المشورة مع البستات التراثية :-
الوطن عبادان يهلي اشتكولون
الواشي والنمام خلهم يفرحو ن
وعاد به صديقه عبد الجبار الى البصرة وبقى في المستشفى خمسة عشر يوما بعدها توفي وكان في توديعه والسير وراء جنازته عبد الجبار حمود ومجيد حسن وحميد عباس وحامد مطلك وهليل ،ويدفن في مقبرة محمد جواد في البصرة 0
ويبقى خضير حسن ناصرية علما من اعلام الغناء الريفي الأصيل ويبقى طور الشطيت طورا متميزا ويبقى هو يمتاز بحنجرة طبقات الصوت فيها متماسكة الأجزاء، فالقرار يتبع الوسط والوسط يتبع الأعلى في أداء الابوذية وتعينه التجربة الكبيرة التي اكتسبها من مجالس الغناء ويستطيع ان يتلاعب بصوته وبسيطرته الكاملة عليه ، فان بدا محررا تتساوى ذبذبات الصوت في التحرير وان بدا في الوسط بإمكانه ان يرجع للقرار ويرتفع الى الأعلى دون تكلف.