قصيدة شاعر العراق الكبير والفيلسوف جميل صدقي الزهاوي (1863- 1936)
انشدها على المسرح امام الجمهور في بغداد
في 15 تشرين الثاني سنة 1932
(والمعلوم ان الشاعر كانت له اراء خاصه به في الطبيعة والعلوم وافكارتحررية وكان نصيراً للمرأة وبسبب ذلك اتهم بشتى التهم واضطر الى اللجوء الى مصر في عام 1924 حيث بقي فيها عدة اشهر).
انقل لكم القصيدة كما جاءت (دون تحريك) في "ديوان جميل صدقي الزهاوي" عدا بيت واحد لم ادرجه لكونه يحوي كلمات غير واضحة.
الفن روض انيق غير مسؤوم...وانت بلبله يا "ام كلثوم"
لأنت اقدر من غنى بقافية...لحنه يرجعه من بعد ترنيم
اني اخاف افتنانا فيه مفتضحي...فانما انا شيخ غير معصوم
سلي بي القوم قبل اللوم باحثة...وبعد ذلك يا لوامتي لومي
لا تفزع الكاعب العذراء من كلمي...فان نصل سهامي غير مسموم
اوعى الفنغراف اصواتا شدوت بها...وسار يضرب اقليما باقليم
لممت شمل الاغاني بعد تفرقة...لها فلم يبق شمل غير ملموم
يا ام كلثوم انا شاكرون فقد...اتيت طائرة فوق القشاعيم
هل انت سامعة شعراً ابث به...يا ام كلثوم اعجابي وتكريمي
لا تحسبي انني قد قلت مزدلفاً...فليس ذلك من طبعي ومن شيمي
يا ام كلثوم غني فالهوى نغم...تلذه الشيب والشبان كلهم
غني وغني على الاوتار صادحة... فانما بالاغاني تنهض الامم
من اجل صوت رخيم منك يسمعه...يا ام كلثوم جاء الجمع يزدحم
قد هزه صوتك الموار يطربه...فهاج كالبحر ذي الامواج يلتطم
غني فليلتنا من بعد حلكتها...فيها باوجهنا الانوار تبتسم
كأنما نحن في حرب تهاجمنا...فيها المسرات والاحزان تنهزم
غني لنا ثم غني ان ليلتنا...فيها العواطف بالالباب تصطدم
ان الغناء الى محياي يجذبني...وان مشت في طريق الموت بي القدم
الحسن تسمعه كالحسن تبصره...ما عنهما من غنى يأتي به السأم
كلاهما يبتغي قلباً ليملكه...والقلب بينهما في المرء منقسم
لا يبلغ المرء من لذاته وطرا...حتى يمتع منه السمع والبصرا
افرح بدنياك واشبع من مشاهدها...فبعدها لا ترى شمساً ولا قمرا
لم منك نفسا اضاعت ويك فرصتها...ولا تعاتب على ما فاتك القدرا
ماذا يريبك في عصر نعيش به...من شاعر بالذي في قلبه جهرا
قالوا كفرت ولم اكفر كما زعموا...أكل من قال حقاً بيننا كفرا
يا حبذا الحسن يهدي زهره عبقا...وحبذا الحب تلقي ناره شررا
قد تسقط النخلة الفرعاء لي رطبا...فقد رميت على عثكولها حجرا
لا خير في النخلة الفرعاء قد بسقت...ولم تساقط على من تحتها تمرا
انا بروض به الازهار مصغية...للعندليب وقد حفت به زمرا
يا ام كلثوم غني فالغناء اذا...ذهبت عنا سيبقى عندنا اثرا
يا ام كلثوم احييت المنى فينا...من بعد يأس تألمنا به حينا
يا ام كلثوم انا امة رزحت...تحت المصائب احقابا فسلينا
يا ام كلثوم ان اليأس يقتلنا...اذا تأبيت والآمال تحينا
حملت ما يعجز الفتيان محمله...وما ابن عشرين صنو لابن سبعينا
اني دخلت جحيمي قبل آخرتي...وذقت في العيش زقوما وغسلينا
يا نجمة في سماء الرافدين بدت...انا نحييك افواجا فحيينا
ارسلت نوراً بهيا في اشعته...نرى الجمال افنينا افانينا
يا ام كلثوم حيينا مغردة...حي الملائك منا والشياطينا
بلى جننا بلحن قد شدوت به...وقبل ذلك ما كنا مجانينا
لي في الحياة احترام للنواميس...فلا ابدل موهوما بمحسوس
اني امرؤ الشك لا ايمان يربطني...بالخير ان كان شيئاً غير ملموس
يا حبذا روضة ازهارها اتسقت...كأنما هي اذناب الطواويس
وحبذا عندليب فوق ايكته...يلقي الاغاريد ليلا بعد تغليس
وحبذا ام كلثوم اذا اخذت...تشدو فتلعب بالالباب في الروس
اني لفي جنة للفن دانية...قطوفها ولها حمدي وتقديسي
وكم هنالك ابليساً يحاول ان...يزيحني بخداع من فراديسي
غني بشعر جميل تنقذي رجلا...شيخا من الهم قد اضناه والبوس
غني وغني الى ان يظهر الفلق...ويذهب الليل كل الليل والغسق
يا ام كلثوم ان الامر مشترك...فان سكت فلسنا فيه نتفق
يا ام كلثوم غنينا مسلية...فاننا بعد ايام سنفترق
طلعت بعد انتظار كاد يقتلنا...كوكب في سماء الفن يأتلق
ما اجمل الفن قد ارخى ذوائبه...وكوكب الفن منه النور ينبثق
قد انتظرنا ونار الوجد واقدة...نكاد من حرها اللذاع نحترق
غني لنا ثم غني اننا فئة...الى الغناء اذا ما طاب نستبق
ولنغتنم هذه الساعات سانحة...فانني بصفاء الدهر لا اثق
قالو الغناء غذاء الروح ينعشه...والحق فيما به في وصفه نطقوا
فكم تثقف في ناس به عوج...وكم تهذب في ناس به خلق
اميرة الفن انا من رعاياك...نصبو لشدوك هذا الضاحك الباكي
في صوتك الفن قد لاقى سعادته...فانه كل يوم لاثم فاك
كان الفنغراف يحكي الصوت منك لنا...قبلا فيا حبذا المحكى والحاكي
ما كنت احسب حتى جئت محسنة...ان يجمع الله دنيانا ودنياك
يا ام كلثوم يقنو الشعب فيك هوى...من ذا الى امة تهواك القاك
كنا اذا ما تمنينا لعاطفة...في النفس لا نتمنى غير لقياك
وتلك امنية تغري الشكوك بها...كوردة ذات حسن بين اشواك
ورب سائلة لي وهي باكية...وقد رأتني ابكي بعد امساك
تقول ماذا الذي ابكاك خاطره...فقلت هذا الذي في النفس ابكاك
ماذا سيحكم قاضي الحب بينهما...غداً اذا اجتمع المشكو والشاكي
َ