http://www.sama3y.net/forum/showpost...&postcount=100
______________________________________
( المشاركة /100 ،عن الفنان الفطري الراحل منعم فرات )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
" العفـاريت الصخرية للفنان الفطري مُنـعم فــرات "
ربما بعضنا يتذكر الفنان الفطري الراحل منعم فرات ومنحوتاته الصخرية الموغلة في عمق تأريخ وحضارات العراق القديمة
مازلت ومنذ أكثر من أربعة عقود لم أنسى هذا الفنان الفطري العراقي وتماثليه الصخرية الصماء في الظاهر ،والممتلئة بآلاف التساؤلات منذ بزوغ فجر البشرية.
أرى أن هناك حكايات عديدة يمكن أن نستخرجها من هذه العفاريت (التماثيل الصخرية ) ..عفاريت يحاورون بعضهم وبلهجات لاصوت لها،وهم واقفين ،جالسين، مجتمعين ،بهيئتهم الصخرية هذه في عالم الأنسان العراقي القديم ، منذ عصر المسلات والأختام الأسطوانية الذي كتب به أنساننا أولى كلماته(المسمارية).
نرى عفريتاً يقفز بعينيه أو بكل العيون ، لأنه يملك اكثر من عين للنظر الى كل الزوايا ،ولكنه لايتنفس ! يفتح أذنيه لكل الأصوات ! ولايسمع!! يبث رعباً دون وعي ،وهنا هي المأسأة ،مأساته (لأنه صخر)
مَن تأمل ووقف مقابل ( عفاريت منعم فرات) لأستمع الى ذلك الحوار الصامت فيما بينهم ونحن بني الأنسان صامتين ! أغلبية صامتة ! مازلنا نحاكي الصخر بصمته!
منذ الأزل والخلق الأول ، ولكن تماثيل منعم فرات ليس مثل البشر، نجد مابين الأصابع وراحة اليد أعضاء وأجزاء لأجسام أخرى مكبوته في قبضتها ، وفي الخيال،تجد فم حيواني (فم الأسطورة) التي صودرت وضاعت في خلود التاريخ، مسلوبة من كل حركة ونطق!
في الصخر المجمد، حتى أجزائها سلبت وجودها وتركها تبحث مع عشرات العيون التي تمتلكها، ينظرون في كل الأتجاهات ، يتسألون بأفواه (مسدولة) هذه النظرة وهذا الصمت ! هو القتل في صلب الصخر، حتى الناظر اليهم يُقتل صمتاً ويهبون الآخريين آلمهم ..يبكون .. يلطمون .. يولولون !
دموعهم صخرية جامدة !
وهنا يُشيد هيكل العفاريت الصخري من أجساد غريبة بعضها ينتصب والآخر يَركع صاغراً! وهم في مسرح الحياة الصامت ..مهزلة ومأساة في كل وجه نتأمله ،نجد مأساة ،وملهاة ، ونضحك ساخرين !!والذي يَركع لآلهته والتي تَجثم صنماً فوق ظهره! وهو اكثر وقاراً منها، لكنها تهزأ منه وتصنع له قدره ،وهناك شهود يسجلون ما يدور في الظواهر وفي بواطن الأشياء .
لنستمع الى حوارثلاثة من عفاريتــه :
قال العفريت الأول: في قلبيّ المكتوم صوراً لبني البشر.
وقال العفريت الثاني: أنت شاهدٌ ، وناظر وحافظ.
قال العفريت الثالث : منذ اليوم الذي ولدنا فيه معاً في (الصخر) كنا شواهد لصور الأحياء.
قال العفريت الثاني: وشواهد الأموات ...حروف على قبورهم !
قال العفريت الثالث: كل المطارق والأقلام حفرت في صمتنا المألوف نطقاً.
قال العفريت الثاني : في واجهات الدور وخزانات المتاحف وراء الزجاج .
قال العفريت الثالث: منظورين يصفقون لنا ! ونحن نسجل لهم كل التواريخ، التي عرفتها البشرية ،من عفريت له وجه الصخر، وآخر من التبن، وثالث من الزفت، ورابع من الشمع ،وخامس وسادس من الماء والهواء( مراحل التكوين ) في الحضارات ، أنهم يخاطبون بأيديهم ممسكين صبرهم على كل التمرد الذي يريدونه ولايقدرون عليه، ولاأحدٌ منهم يَقود أحد! كل وجه يبحث عن جهته، فالخطوات ثابتة والمحزوزة في الصخر.
لقد أرخ الفنان الفطري منعم فرات ،صمتنا وأحزاننا في تماثليه (عفاريته) الصخرية ،وكأنه ترك رسالة لنا (كان أمياً) ،أن الأحزان سوف لن تنتهي من بلاد وادي الرافدين أبداً أبداً .
مقال منقول بتصرف من مجلة الموروث الشعبي في بداية السبعينات ومن أرشيفي أرفق صورأ لعفاريت (تماثيل) منعم فرات الصخرية ،مع..التحيات .
------
------
-----