رد: فرقة ام كلثوم العظيمة
لم يكن الشيخ علي القصبجي يعطي ولده محمدا وهو صغير
ما يكفي من المال لشراء عود , فلجأ الى نجار الحي ليتبرع
له بقطعة من الخشب طولها 16 سنتمترا , ذات رقبة تشبه
الى حد م رقبة العود , وثبت عليها رزتين خلعهما من تختة
المدرسة (اللوح) . وكان كلما انقطع وتر من عود والده
تلفقه وشده على قطعة الخشب .
ويعد القصبجي في رأي المخصصين سيد عازفي العود في
القرن العشرين , برغم ان ثمة اسماء متداولة على مقربة
من هذه المكانة . نذكر منها رياض السنباطي , ومحمد
عبد الوهاب , وفريد الاطرش وأستاذه اللبناني فريد غصن
والعراقي جميل بشير. واذا كانت تسجيلات عزف القصبجي
على العود المنفرد شبه نادرة عند عامة المستمعين , فان
في امكان المستمع ان يطمئن , الى ان العود الذي يستمع
اليه في جميع أغنيات ام كلثوم حتى ((الاطلال ))هو عود
القصبجي . فلما مات سنة 1966 امتنعت كوكب الشرق
عن اعطاء مكانته لأحد خلفها على المسرح . فظلت
فرقتها بلا عود , حتى اضطرت الى ضم عبد الفتاح صبري
العواد المجيد , الى فرقتها سنة 1970 لأن مقدمة أغنية
((اسأل روحك)) التي لحنها لها محمد الموجي , تضمنت
انفرادا بالعود , يذكره المستمعون .
وللعزف على العود مؤهلات ثلاثة على الأخص :
المقدرة التقنية , والأحساس الوجداني , والخيال التأليفي
في التقاسيم . ولكل من العوادين الكبار الذين ذكرنا ميزة
على غيره في احدها .
فالسنباطي مقدرته التقنية ممتازة واحساسه مرهف للغاية
اما خياله في التقاسيم فتقليدي . وهذا يجعله أثيرا لدى كثير
من المستمعين الهواة ذوي الميول المحافظة ...
ويمتاز عليه عبد الوهاب بأن خياله التأليفي في التقاسيم ,
أي قدرته على التنويع والانتقال من مزاج الى مزاج ,
وتحكمه بالسكك المقامية , أخصب وان كان البعض يرى
ان المقدرة التقنية عند السنباطي اكبر . ولا منازعة في
احساس عبد الوهاب . وبراعته في استخدام العفق باليد اليسرى.
ويعد فريد غصن سيدا كبيرا في المقدرة التقنية . وهو الذي
نقل الى العود الكثير من أساليب العزف الغربية التي يتقنها
أيضا عازف العود العراقي منير بشير . وقد تعلم على فريد
غصن , فري الأطرش الشهير في العود . الذي يؤخذ عليه
في عرف البعض , انه استعراضي في عزفه ويقسو على
العود . ولا ريب في أمرين : ان فريد الأطرش مقتدرا جدا
على العود , وان خياله في التقاسيم ليس خصبا , اذ تكاد
في كل مرة تتوقع السكك المقامية التي يسلكها سلفا .
وأما جميل بشير فيكتنز في خياله الموسيقي الكثير من
روح المدرسة التركية في العفق باليد اليسرى , وهذا امر
كان من عناصر عزف محمد القصبجي على العود ,
الذي جمع ايضا جميع مؤهلات من ذكرنا في غاية مداها
ويذكر اذ يذكر , نقرتا العود الخطيرتان , في مطلع تقاسيمه
على العود , في مقطع ( حكيت لك عن سبب نوحي ) في
اغنية ( يا ظالمني ) (في تسجيل قاعة الأونسكو في بيروت
سنة 1955 ) وفيها خلاصة مقدرة القصبجي التقنية وأحساسه
الكبير في التعامل مع هذه الآلة الراقية . وهو يحظى في الاجمال
, باعتراف المتخصصين بتقدمه على العود , وبأنه الأستاذ فيه
فلم يتعلم عليه المشاهير فقط , بل عازفون مغمورون أيضا .
كانت للقصبجي مجموعة كبيرة من الأعواد في بيته
لا لحبه التحف فقط , بل لأنه كان باحثا نظريا وعلميا في
الموسيقى أيضا . وأخذ هذا العلم عن والده وصديق والده
اللملحن والعالم الموسيقي كامل الخلعي , الذي علمه
كذلك الموشحات . فلم يكن غريبا ان تكون للقصبجي
آراء في صناعة العود , اذ ينصح ألا يزيد طول وتره
على ستين سنتمترا . واستدعاه معهد فؤاد الأول
للموسيقى العربية في القاهرة مرارا للأستماع الى
آرائه في المقامات العربية وعلاقات بعضها بالبعض ,
وأقرت هذه الأراء واستبعد ما يخالفها . كذلك سجلت
في اللقاء الثاني والأخير بين القصبجي وسيد درويش
سنة 1921 مناقشة نظرية في المقامات ,
اقتنع فيها سيد درويش برأي زميله العظيم القصبجي .
|