التذوق الموسيقي والغنائي
التذوق هو حرية الفرد في أختياراته العديدة وما يشعر من فرح وسرور أوحزن أو هموم أو حب ,هيام ,وخاصة في الأستماع للموسيقى أو الصوت المصاحب معه ( المؤدي , المطرب ,المغني,المغنية..أو مجاميع المنشدين ..الخ ) تبعاً لنشئته والبيئة التي أعتاد العيش فيها .
هناك كتب عديدة حول تذوق الموسيقى ,وعن تاريخ الغناء ومراحله والأشكال الموسيقية ,من المقامات والآلات الموسيقية ,وغيرها وهي موجودة ضمن صفحات المنتدى ,ولقد أوصى مؤتمر الموسيقى العربية /15 ,الأهتمام بالتذوق الموسيقي من خلال برامج التربية الموسيقية في الأقطار العربية .
أذكر هنا ومن أرشيفي ما كتبه الناقد الموسيقي عبد الوهاب الشيخلي والملاحظات التي أوردها في العام 1989 ,ملاحظات في التذوق الموسيقي والغنائي, :
لاحظنا من خلال التجربة ان بعض الناس يميل الى لون معين من الغناء الريفي مثلاً, وهناك من يفضل الأستماع الى المقام العراقي , وهناك أيضاً من يستمتع بهذا اللونين من الغناء , مضافاً اليهما الموسيقى الأوربية الكلاسيكية الى جانب الأستمتاع بغناء البادية ,أو الأغاني المصرية , ولكننا نجد من يهوى الغناء الريفي بصوت معين ,داخل حسن مثلاً ,أو القبناجي في المقام العراقي ,أي يجد أسلوبهم في الغناء وهو ما يتذوقه ويشنف به آذانه ,أي المستمع , وهناك من كان يستمع الى أسلوب القندرجي في المقام أو عبد القادر حسون .. كل هذا يدخل في باب التذوق الفني الذي يتكون عند الفرد خلال سنوات طويلة نتيجة لتراكم ألحان وأنغام معينة بتأثير البيئة ولكنه قد يتحول بعد سنوات ليصغي الى ألحان جديدة ويتأثر بها ويأخذ في البحث عن مصادر تلك الألحان والأنغام والأصوات , وقد ذكر له الدكتور علي الوردي أنه مر بمراحل عديدة في هذا المجال.. وأن الألحان والأغاني التي كان يستسيغها في عهد الشباب لم تعد محتملة ومقبولة عندما تجاوز الستين من عمره .
والمعروف ان الذي يرسخ في الذهن وتبقى جذوره ثابتة هي الألحان التي يسمعها الفرد في عهد الطفولة والصبا, ومهما أرتقى الأنسان في مجال العلم والثقافة والمعرفة ..فأن حنينه للأصوات القديمة لن ينقطع من حياته مطلقاً .
مثلاً هناك أشخاصاً يفضلون صوتاً معيناً ,ويحملون شهادات عليا وفي الثمانين من العمر لايستمع الا لصوت* حريب – ولايتأثر الا بالآغاني التي نسجت من مقام الرست ,أو لايردد بينه وبين نفسه سوى أغنية " لو حن دليلي "ويقول عن هذه الأغنية أنها تعادل كل سيمفونيات وأعمال بيتهوفن في الغرب وكل ما غناه عبد الوهاب في الشرق ,ولا أعتراض طبعاً ,لآن المسألة هنا تدخل في باب التذوق الموسيقي والغنائي .
وهناك من هو موسوعي في هذا المجال فهو يستمع الى كل ما تقدمه البشرية من أنتاج موسيقي وغنائي وبكل اللغات ويستمتع بغناء البادية وغناء الريف والمقام العراقي والبستة البغدادية ويستمتع بالموسيقى ورباعيات بتهوفن وجايكوفسكي ,أو كورساكوف ( مؤلف س .شهرزاد).
ويذكر أحد الأشخاص انه كان في زيارة للريف ( البزايز) وعند حلول العصر سمع دوي أطلاقات نارية مصدرها القرية ,ولدهشته علم بعده ,ان السبب غناء مطرب الربابة ملا ضيف الجبوري ,وهو يسأل ,هل سمعت يوماً ان عراقياً اخذ يهلل ويطلق عيارات نارية بعد سماعه احدى أغنيات محمد عبد الوهاب ؟ ويعقب الشيخلي على السؤال الوارد له ,بأن الموسيقار محمد عبد الوهاب قد مر في مثل هذه المواقف الخطرة عندما كان يغني في الريف المصري في أول عهده بالغناء وأكتفى بعد ذلك الغناء في المسارح والأفلام والتسجيل في الأذاعة وشركات الأسطوانات وبعدها أنقطع نهائياً عن أحياء الحفلات في الريف المصري ,لأن الأطلاقات النارية لاتتفق مع لون الغناء الذي يمارسه ... ومحمد عبد الوهاب لايعتبر من المطربين الشعبيين رغم أتساع شهرته في جميع أنحاء الوطن العربي ,, وكما ان المغربي والتونسي والمصري واللبناني والأردني والخليجي يستمتع بغناء ناظم الغزالي ,فأن الجمهور يجد في محمد عبد الوهاب نجماً عربياً لامعاً استطاع بألحانه العذبة وصوته الرقيق وأحساسه ان يحقق الكثير في مجال الموسيقى والأغنية العربية المتطورة, ورغم ذلك تبقى القنوات المتعددة والمتنوعة لكافة الأذواق للأغتراف منها .. وهذا ينطبق على الكتب والمجلات والصحف والأذاعات والتلفزيون في الوطن العربي ووسائل الأعلام المختلفة في مجال الأدب والفن والثقافة ..وذلك هي أحدى مميزات لغتنا العربية الواحدة .. في وطننا العربي الكبير .. ويقول الشيخلي , لاأعتقد ان الأطلاقات النارية من شروط الغناء الجيد أو تنسجم معه,والا كان بتهوفن أكثر الفنانين غبناً في كل الأزمنة والعصور .
لذلك نسمع هنا في منتدى سماعي من كل ماورد أعلاه ,من الرواد الأوائل وعصر النهضة الموسيقية ونجوم الطرب والموروث والشعبي لكل قطر ,فهي مجتمعةً أرضاء لكل الأذواق وما يودون من سماعه هنا , تحياتي وتقديري .
·* حريب
مغني ريفي قديم .وأسمه ( حريب صنگور العمارتلي)
ورد أسمه في مثبت مطربي الريف ( صفحة مسعود العمارتلي في المشاركة/ 25 بو بنيان )