عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 14/11/2009, 21h38
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوه الاعزاء
السلام عليكم



العلامة د. مصطفى جواد


وبرنامجه الشهير قل ولاتقل





ولد الدكتور مصطفى جواد مصطفى البياتي من عشيرة صارايلو البياتية في محلة (عقد القشل) ببغداد عام 1904 ووالده جواد الخياط ابن مصطفى بن إبراهيم البياتي، وأصل أسرته من ديلتاوه الخالص. وله ولد اسمه جواد مصطفى جواد وهو دكتور في هندسة النفط وهو الآن استاذ في احد الجامعات الكندية .

درس العلوم الابتدائية في مدارس ديلتاوه(الخالص بمحافظةديالى ) في عهدالدولة العثمانية . وبعد وفاة والده بديلتاوه في أوائل الحرب العالمية الاولى عاد إلى مسقط رأسه بغداد بعد الاحتلال البريطاني للعراق فكفلهُ أخوه (كاظم بن جواد) وكان يعد من أدباء بغداد في التراث الشعبي وهو الذي أسهم ببناء قاعدة العشق اللغوي في شقيقهِ الأصغر، فدرس النحو ومعاني الكلمات وأعطاهُ قاموساً في شرح مفردات اللغة العربية وأوصاه بأن يحفظ عشرين مفردة في اليوم الواحد، وحفظ أكثر من عشرين حتى نشأت عندهُ حافظة قوية.


دخل دار المعلمين الابتدائية عام 1921م ، وفي هذه الدار وجد أثنين من أساتذته يعتنيان بموهبتهِ وهما طه الراوي (1890- 1946)م، حيث أهداهُ كتابا للمتنبي وأستاذه الاخر ساطع الحصري , حيث أهداه قلماً فضياً بعد ان وجد قابليات تلميذه تتجاوز عمرهُ الفتي بمراحل، وكانوا يقولون له (أنت أفضل من أستاذ) فهو يكمل عجز البيت الشعري اذا توقف الأستاذ عن ذكرهِ، ويحلل القصيدة ويتصيد الأخطاء ويشخص المنحول بقدرة استقرائية غير مستعارة من أحد. و تخرج من دار المعلمين بعد ثلاث سنوات فعين مدرساً للمدارس الإبتدائية عام، 1924م ومارس التعليم في المدارس تسع سنوات -1924 1933 متنقلاًبين الناصرية والبصرة وبغداد وديلتاوه.

ولما اكتشف فيه المفتشون انه أكثر قابلية منهم في طرق التدريس (وبلغة عربية فصحى لا مثيل لها) رحل إلى تدريس المتوسطة، وخلال تسع سنوات في التعليم قرأ المطولات في الشعر والتاريخ والتراث، وكانت مكتبتهُ ترافقهُ حيثما حل، وفي هذه الحقبة ذاتها نشر ابحاثهُ اللغوية في الدوريات المحلية والعربية ولاسيما تلك الصادرة فيمصر ولبنان وطبع كتابين في التحقيق التراثي، وفي أثناء إجازتهِ أخذ يتردد على مجالس بغداد ويدخل معارك أدبية حول فنه الذي مافارقه (التصحيح اللغوي) الذي ألزمه بان يحفظ كثيراً ويعلل الحفظ ويقرنه بمزيد من الأسانيد والشواهد مما أتاح لهُ ذاكرة وحافظة قوية.


وسافر إلى فرنسا ، وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في جامعة السوربون ونشبت بعدها الحرب العالمية الثانية فعاد إلى بغداد قبل أن يناقش الرسالة وعاد معه د.ناجي معروف والدكتور سليم النعيمي وهما مثله كانوا بإنتظار مناقشة الرسالة ورجعوا معه.


ثم عين كاتباً للتحرير في وزارة المعارف ونقل بعد ذلك معلماً في المدرسة المأمونية ببغداد و منها نقل إلى المدرسة المتوسطة الشرقية ببغداد . و تعرف خلال هذه المدة على الأب أنستاس الكرملي فلازمهُ وكتب في مجلته (لغةالعرب) وكتب الكثير من الأبحاث والكتب عن اللغة العربية وتحديثها وتبسيطها. وشغل منصب المشرف على الأساتذة الخصوصيين الذين أشرفوا على تدريس وتثقيف فيصل الثاني ملك العراق .

ومن اللطائف التي تروى عنه ركوبه إحدى سيارت الأجرة في بغداد وفي الطريق شغل السائق المذياع فكان برنامجه من الاذاعة ( قل ولا تقل)، فضجر السائق وأغلق المذياع وقال باللهجة العراقية العامية: ( اسكت جلب ). فطلب مصطفى جواد التوقف ونزل من السيارة وهمس في أذن السائق (قل كلب ولا تقل جلب). فسارع السائق للأعتذار منه وقبل مصطفى جواد إعتذاره وضحك. لقد كانت له روح فكاهة، مع طيبة قلب ويروي عنه البغداديون الكثير من النكات قد يكون بعضها من باب الفكاهه وليست حقيقية .

توفي ببغداد يوم الاربعاء السابع عشر من كانون الأول 1969م ودفن في مقبرة خاصة في جامع براثا بالعطيفية وسويت بالارض هذه المقبرة الخاصة مع قبور اخرى لااعلام العراق منهم د.علي الوردي وطه باقر و د. حسين علي محفوظ و د. جواد علي الطاهر وبدون اعلام ذويهم لنقل رفاتهم عام 2008 لفتح طريق خلفي خاص للجامع يدخله احد مسؤولي الحكومة الحالية .
قبور العلماء والمفكرين والادباء يفتخر العالم بها وتكون مزارات للمثقفين لتعكس وجها مشرقا من حضارة وثقافة بلدهم , اما نحن فالامر معكوس لدينا ولاحول ولا قوة الا بالله .


كان دائرة معارف متنقلة تمشي على أرجل بما حفظ ووعى من دقائق الأشياء، وله القدرة على الإجابة عن أي سؤال يوجه له في أي وقت، ، وقد بز أساتذته وأقرانه وأستظهر عليهم في مناقشاتهم لعويص المسائل، فقد كان بمثابة تلميذ للمرحوم الكرملي لمواظبته على حضور مجلسه والاستفادة من مكتبته ألا أنه تفوق عليه في الكثير من مسائل اللغة ومنعطفات التاريخ،


وقد كتب لويس ما سنيون المستشرق المعروف إلى وزارة المعارف العراقية خطاب شكر على إرسالهم مصطفى جواد الذي تعلموا منه ولم يتعلم منهم وهذه شهادة لم يحظ بها عالم عربي على كثرة الأفذاذ والمشاهير، وكان أعلام اللغة والأدب يتحاشون الدخول معه في جدل أو مساجلة لما عرف به من إحاطة واسعة وعلم غزير، وقد دخل مرة في نقاش مع العلامة محمد رضا المظفر حول دخول (أل) التعريف على كلمة (فوضى) فكان المظفر حذرا خشية أن يكون الجواد مطلعا على مصادر تبيح هذا الاستعمال فطالبه بإظهار الدليل على صحة دعواه فرد عليه بأنه اجتهاد منه فقال المظفر لماذا لم تقلها منذ البداية لأتجنب الدخول في المناقشة .

وخاض معارك وصراعات نقدية كثيرة مع أعلام الأدب وأساتذة الجيل فكان المجلي في هذا المضمار وشغل الناس بمساجلاته تلك، وقد اختلفت ردوده بين الشدة واللين، وقيل أنه جمعه مجلس في بدايات حياته مع شاعر العراق الرصافي فلفت انتباه الرصافي إلى خطأ لغوي وقع فيه فهال الصافي أن يرد عليه من يعتبره بمثابة طالب من طلابه، فنهره بشدة قائلا (أنجب) وهي كلمة نابية اشد وقعا من كلمة صه أو اسكت فتحامل الجواد على نفسه غافرا خطأ أستاذه احتراما لمكانته ومراعاة لما يمر به من وضع نفسي خطير وهذا من الأدب الذي كان عليه أبناء ذلك الجيل.

وكان جادا في عمله التربوي، ومعروفا بصرامته العلمية منذ بدايات عمله في التعليم، وقد أشرف على أعداد الملك فيصل الثاني وتعليمه،

و كان يأخذ طلابه المشاغبين بالشدة التي كان عليها أساتذة تلك الأيام وقام ذات يوم بضرب خلدون ساطع ألحصري الذي كان والده مديرا للتعليم العام ويأتي بعد وزير المعارف في الدرجة الوظيفية وطرده قائلا(اذهب إلى والدك المربي ليعلمك التربية قبل أن تأتي إلى المدرسة).


وبعد عودته من دراسته العالية أنصرف لعمله التربوي بما عرف عنه من علمية، وانشغل بالتدريس في الجامعة العراقية وإلقاء المحاضرات في معاهد العلم ونوادي الأدب، واشتهر بحضوره التلفزيوني من خلال الندوة الثقافية التي يقدمها الدكتور حسين أمين وبعده الأستاذ سالم الألوسي وبرنامجه الشهير ((قل ولا تقل)) الذي طبع مادته بجزأين في حياته، ما أكسبه شهرة شعبية لم تتأت للكثيرين من أقرانه، ولم يحظ بها عالم عراقي بعده،إضافة لزياراته إلى المواقع الأثرية وتقديمه الشروح عن خططها وطراز بنائها مما أنتفع به الكثيرون، وكان يكتب الشعر وهو في دار المعلمين طالبا وقد نصحه ساطع ألحصري بالابتعاد عن نظم الشعر: " يا ابني.. الشعر يضرك وما ينفعك و لم يحفل مصطفي جواد بقول ألحصري ؛ بل ازداد تمسكاً في النظم، ونشر شعراً سياسياً واجتماعياً في شتى الأغراض، وله الكثير من القصائد والمقاطع وترجم رباعيات الخيام ورباعيات قدس نخعي شعرا.






وكتب القصة والرواية وشارك في الكثير من المؤتمرات الأدبية واللغوية والتاريخية وحاضر في الجامعات العربية والأجنبية، وكان مكثرا في نتاجه حتى لا تخلو مجلة أو جريدة من بحث أو مقال، ولو هيئ لنتاجه أن يجمع ويطبع لأربا على عشرات المجلدات إضافة لكتبه المطبوعة والمخطوطة التي تجاوزت الأربعين،وهي كتابات متنوعة تناولت التاريخ واللغة والخطط والأدب والتراث العربي والشعبي، وكان من رواد الكتابة الفولكلورية في العراق وأسهم بالكثير من المقالات في مجلة التراث الشعبي منذ صدورها عام 1963.


ومن طرائفه ...
أخطرته وزارة المعارف يوما بكتاب رسمي بضرورة عدم نشر المقالات في الصحف استنادا للقوانين الحكومية التي لا تجيز للموظف المشاركة في الأمور العامة أو النشر في وسائل الأعلام، فقام بتصحيح الأخطاء الواردة في الكتاب بالقلم الأحمر وأعاد الكتاب إلى الوزارة داعيا أن تقوم بتقويم كتابها قبل أن تقّوّم الآخرين .


وذات يوم كان مسافرا خارج العراق وعند وصوله مطار المدينة التي يروم السفر إليها طلب منه الموظف المسؤول أبراز وثيقة التطعيم ضد الجدري فأخطأ في نطق الكلمة بكسر الجيم ورفع التشديد فرد عليه الجواد قل الجدري برفع الجيم وتشديد الدال فهز الموظف رأسه مستغربا وسمح له بالمرور.


وكان بعيدا عن السياسة ومشاكلها لا يعنى بمتابعة مجرياتها حتى قيل أنه لو سئل عن اسم مدير شرطة بغداد لصعب عليه معرفته ولكن لو سئل عن رئيس الشرطة في زمن هارون الرشيد لقال أنه فلان أبن فلان عين لرئاسة الشرطة سنة كذا وعزل من عمله عام كذا وتوفي عام كذا واستخلفه فلان الذي... الخ ولأورد تاريخ الشرطة في ذلك الزمن دون أن يعنى بالحاضر لاشتهاره باهتماماته التاريخية وانصرافه للعلم وحده .

وكان يعشق الغناء العراقي ويستمع إلى المقامات البغدادية ويزور الملاهي والسينمات للتمتع بمباهج الحياة وذات يوم كان في أحد الملاهي وعندما علمت الراقصة بوجود هذا الرجل الشهير رقصت له رقصة خاصة أبدعت فيها أيما أبداع أكراما له وكان أسمها (تسواهن) فخاطبها قائلا(أنت فعلا تسواهن) بتشديد الكلمة بإعادتها إلى اللغة الفصحى .


وفي لقاء مع الفنانة عفيفة اسكندر قالت: كان الدكتور مصطفى جواد يقرأ القصيدة التي سأغنيها قبل أن اطلع أمام الجمهور، ولا اغني قصيدة قبل أن يعطي موافقته عليها، وكان مصطفى جواد وجعفر الخليلي مستشاريّ في كل شيء .


والفنانة مائدة نزهت فاقت الجميع بصوتها العذب المنتظم "بتجلياته" العراقية الأصيلة، وأخذت أغانيها شهرة عراقية وعربية ومن أهم أغانيها أصيحن آه والتوبه هذه الأغنية الجميلة التي تعلق بها مصطفى جواد و يذكرها في اغلب لقاءاته التلفزيونية ويثني عليها.


وقال مرة للزعيم عبد الكريم قاسم: (أرجو أيها الزعيم أن لا تقول: (الجمهورية) بفتح الجيم، بل قل الجمهورية بضم الجيم) وتقبل الزعيم النصيحة لكنه تساءل عن السبب، فقال له مصطفي جواد: (لان المأثور في كتب اللغة هو (الجمهور) بضم الجيم ولان الاسم إذا كان علي هذه الصيغة وجب أن يكون الحرف الأول مضموماً لان وزنه الصرفي هو فعلول كعصفور)..

ومن الطرائف التي ذكرها الدكتور حسين أمين وحصلت خلال فترة تقديم برنامج الندوة الثقافية ، إن أحد المشاهدين اتصل بنا وكان البث على الهواء مباشـرة طالباً من الدكتور مصطفى جواد أن يعلمه عن الاسم الحقيقي(لأبي بريص) فسكت الدكتور مستغـرباً من هذا الســؤال واعتذر عن الإجابة عليه .

واتفقت معه يوما على الذهاب لزيارة موقعي بابل والكفل، واصطحبنا معنا الأستاذين حسين أمين وسالم الألوسي. كنا نحاول قراءة ما كتب على منارة جامع الكفل التاريخية عندما أسرع ألينا من ادعى بأنه الدليل السياحي للمنطقة وقال بان الأستاذ بهجت الأثري قد زار الموقع في الجمعة الماضية وقرأ ما هو مكتوب على المنارة وهو كذا وكذا، فرد عليه الدكتور بأن بهجت الأثري له عينان ونحن لنا ثمانية، فخجل الرجل وانسحب .


وفى سفرة إلى اثار سامراء دخلنا إلى المطعم السياحي لتناول طعام الغداء، فأسرع المدير لاستقبالنا وأبدى امتعاضه لعدم إشعاره مبكرا بالزيارة، فقال له الدكتور: المفروض بالمطاعم أن تكون جاهزة لاستقبال الزبائن خاصة في أيام العطل. فأجاب الرجل محاولا أن يبرهن على إجادته العربية: هذا صحيح يا دكتور ولكن الطباخ متغيب هذا اليوم ولا يوجد لدينا الآن إلا (الكامخ والمكموخ وما بينهما) وكان يقصد (ألهامبرغر).


وذات مرة كان يقدم برنامجه الشهير قل ولا تقل وكان البث مباشرا تلك الأيام فجاءه الساعي بسؤال لأحد المستمعين كتبه في ورقة ودسه إليه وكان السؤال أن يذكر الدكتور أسماء الخلفاء العباسيين، ولما قرأه ضحك وقال لا ادري هل يريد السائل أن يمتحنني بسؤاله ولكن سأذكر ما تجود به الذاكرة وأخذ يعدهم واحدا بعد الآخر مشيرا إلى سنة الولادة ومدة الاستخلاف وسنة الوفاة ولم ينس أياً منهم.


وقد التقى ذات يوم الشاعر الراحل عبد القادر رشيد الناصري في شارع أبي نؤاس عقب صدور كتابه دليل الجمهورية العراقية وكان الناصري وقتها في أوج سكره فقال له لماذا لم تذكر اسمي ضمن شعراء العراق فقال له الدكتور لم اكتب أنا الجزء الخاص بالشعراء وقد كتبه غيري فقال له الناصري هذا لا يكون ولن اقبل إلا إذا كتبت لي شهادة تبين فيها قيمة شعري فجلس الدكتور على الأرض واخرج ورقة وقلماً وأملى عليه الناصري ما يريد فكتبه بخطه الجميل وأعطاه له.
واتصلت به امرأة كبيرة السن بالتلفون فقال لها يا بنتي فقال له احدهم كيف تقول لها يا بنتي وهي أكبر سنا منك، قال وهل خسرت شيئا إذا أفرحتها بهذه الكلمة .

بذل اربعة عقود من الزمن وهو يمسك بقلم التصحيح، يصحح كتب اللغات وأساليب الكتاب الكبار بلياقة الكبار، ويصحح ويصوب ويشذب ويهذب مافسد في وسائل التعبير عند اساتذة التاريخ والجغرافية والاقتصاد، وما رافقها من عجمة وتغريب، وتحمل كل ماصدر عن الاساتذة الكبار من ردود افعال انفعالية بحوصلته الجميلة التي رزقها الله طول النفس واعاجيب الصبر، وكان يقول لهم: (أحبائي انتم كبار وتبقون كباراً لكن السهو يجب ان يزال) ولم يقل الخطأ أو الغلط بل قال لهم السهو تجملاً وتحبباً ، فكم كان لطيف الطوية .


بعض الحاقدين شاغبو عليه واتهموه بـ (الماسونية) لانهم يخشون من لسانه اذا جلسوا بقربه في المجمع العلمي العراقي، حتي طه حسين وهو المنبر الذي لايضاهي كان يتبرم من وجوده في ايام الاجتماعات السنوية في مجمع اللغة بالقاهرة اذ كان يخشى من ان يكشف جواد بعض اخطاءه اللغوية ، وكتب العقاد مقالة يذم بها مصطفي جواد لان راعي اللغة العراقي نبش ابحاثه فكشف عن اخطاء لغوية ونحوية واملائية ما كان ينبغي ان يقع فيها أديب عملاق كالعقاد .


كان لايبالي بتهم تقذف عليه جزافاً ، وكأنه كان منذوراً للغة الضاد أو منتدباً لحراستها من عبث الصغار أو الكبار أو من اولئك الذين يدعون العصمة في ادمغتهم .

وفي عام (1925) تعرف بالعلامة اللغوي الاب انستاس الكرملي (1866-1947) وكان للكرملي مجلس ادب ولغة في الكنيسة اللاتينية مقابل جامع سوق الغزل يؤمه ادباء الدرجة الأولي في بغداد، وفي جلسته الأولي اثار مصطفي جواد معركة حامية حول العامية والفصحي، وكان يبزهم في الادلة والبراهين، ومال اليه الكرملي منذ لحظته الأولي: (اريدك يا اخ اللغة ان تحضر مجلسي كل اسبوع) وعند حضوره في الاسبوع الثاني كلفه الكرملي بان يهندم مكتبته علي التنظيم العصري وكانت من خيرة مكتبات بغداد، فنظمها وجعل لها فهارس واخرج منها العابث والمكرر، ثم اقترح عليه الكرملي الكتابة في مجلته (لغة العرب) الشهيرة، فكتب ابحاثا لغوية ونقداً في التراث اللغوي وزاوية خاصة بـ (التصويبات اللغوية) وهذه جعلته علي الالسنة بين اخذ ورد وجدل وانتقاد وكانت معاركه تسمع في القاهرة وبلاد الشام، وهذه وحدها جعلته يمتد في الذاكرة اللغوية وجعلته أيضا ان يكون سيداً في ارجاع ما يشاع بانه فصحي الي العامية وبالعكس وكان الكرملي مثله سيدا في اللغة ومثله تعرض لخصومات جيرانه التي ارادت ان تبطش به لولا دفاع مصطفي جواد عن ابداعاته وانجازاته في لغة العرب، وكتب مقالة بحق الكرملي في مجلة (السياسة) المصرية في الثلاثينات أنهى بها خصومة الكرملي .


في 1934- 1939 حصل علي بعثة لتطوير دراساته في باريس، فقضي سنة كاملة في القاهرة لتعلم الفرنسية وهناك التقي رواد الثقافة طه حسين والعقاد والزيات وباحثهم وجادلهم في اخطائهم ولم يذعنوا لانهم كما يقول مصطفي جواد (مدارس وقدرات) ولايجوز انتقادهم ، ثم رحل الي السوربون بجامعة باريس يدرس دكتوراه الادب العربي فنالها عن اطروحته (الناصر لدين الله الخليفة العباسي) .

عاد الى العراق وعين في دار المعلمين العالية استاذا للادب العربي، وكان في الدار اساتذة كبار امثال محمد مهدي البصير (1896- 1974) وصفاء خلوصي (1917- 1995) ومحمد الهاشمي (1910- 1996) وحينما اضيف اليهم مصطفي جواد صار في الدار مجلس تراث لغوي تثار فيه كل شاردة وواردة في اللغة وتحسم فيه مواقف الادب الا ان الشهرة كانت لمصطفي جواد لانه اكثرهم تذكرا ومذاكرة واكثرهم قدرة علي تخيل الصحيح في القواميس وهو أيضا افاد منهم في جعل حافظته تتمرن علي الاعادة، واتمام النقص في مسائل التحقيق التراثي.


في سنة 1942 انتقل ملاحظا فنيا في مديرية الاثار العامة، وفي مدة اخري، رفع في هذه المديرية الي درجة اختصاصي في التراث حتي سنة 1948.. وبعدها عاد الي دار المعلمين العالية وكان في مديرية الاثار يجرد ذاكرته اللغوية في مكتبة المتحف العراقي، ثم يطبق ويقارن بين قراءاته في الكتب وماعايشه علي أرض الاثار، وتلك المشاهدة والمقارنة اعطته خبرة جديدة في الكشف عن الغامض في تراثنا، وهذا البحث عن الغامض هو الذي دفعه الي الاجتهاد، اذ كان يذهب بنفسه الي مواقع الاثر القديم ويجتهد في التوصل الي الحقيقة اولا والي اليقين التراثي ثانيا ، لذلك رأيناه يكثر من كلمة (أقرر) وكلمة (أجزم) في مقالاته وابحاثه في التراث لغة وتاريخا ومعرفة ومن تلك الوثوقية التي استبدت به ألف ووضع مع أحمد سوسة (خارطة بغداد قديماً وحديثاً) و(دليل خارطة بغداد) ومثل ذلك التأليف يحتاج الي قوة استذكارية عميقة الابعاد.

بلغ الشهرة أكثر فأكثر في موضوع (قل ولاتقل) اي قل الصحيح وانبذ الخطأ الشائع، وطبع له من هذا الموضوع جزآن (1970- 1988) وربما استعار عنوان كتابه من الدراسات اللغوية الفرنسية التي شاعت في أثناء دراسته في جامعة باريس. وابتدأ بنشر موضوعه منذ عام 1943 في مجلة (عالم الغد) فكان يذكر اولا الصحيح أو الفصيح ويشفعه بالغلط أو الضعيف، وكان يرتب ذلك علي حروف المعجم.

اول كتاب صدر له سنة 1932 تحت عنوان (الحوادث الجامعة) واخر كتاب طبعه وهو تحت عنوان (رسائل في النحو واللغة) سنة 1969، وبلغت كتبه المطبوعة عشرين كتابا بين تأليف وتحقيق ونقد، وبلغت كتبه الخطية أكثر من عشرة كتب وأهمها : (مستدرك علي المعجمات العربية)، وله ديوان شعر اسماه (الشعور المنسجم) وله أيضا كتب مترجمة عن الفرنسية ، ونقد شعره مرارا لانه شعر علماء يغلب فيه المنطق علي الوجدان، اما مقالاته في المجلات فتقدر بألف مقالة تتركز في علم التحقيق وفي علم المخطوطات وفي التاريخ والاثار العباسية وفي النقد اللغوي.

عرف العراقيون الذين عاصروا الفقيد مصطفى جواد من خلال برنامجه المشهور (قل ولا تقل). ذلك البرنامج اللغوي الشيق والذي كان يتابعه الصغار والكبار. ذلك البرنامج الذي كان فيه المرحوم يبسط اللغة العربية للمستمع العام وللمختص اللغوي وبحرفة الكتابة في آن واحد. فكان من أبرز أعلام اللغة العربية في القرن العشرين. وكان عضوا نشيطا في المجاميع اللغوية والمجالس الثقافية ومحققا لغويا ومؤرخا ثقة في نتاجاته ودراساته في شتى اختصاصات اللغة العربية وتاريخها. وكما كان من رافعي مشاعل النهضة الأدبية وموسوعة معارف في اللغة والبلاغة.

انه من عمالقة اللغة العربية البارزين في العراق خدموا اللغة العربية وأسسوا قواعدها. فالمرحوم مصطفى جواد كان ولازال رمزا عراقيا خالداً خدم العراق وشعبه طيلة حياته فكان معلما ومربيا ورائدا وأديبا وفنانا وفيلسوفا وعبقري، وكان رجلا بكل معنى الكلمة وللعراقيين حق بالافتخار به.


رحم الله مصطفى جواد احد ابرز اعلام العراق واسكنه فسيح جناته .....


منقول بتصرف

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg د.مصطفى جواد.jpg‏ (11.5 كيلوبايت, المشاهدات 216)
نوع الملف: jpg مصطفى جواد.jpg‏ (16.4 كيلوبايت, المشاهدات 214)
نوع الملف: jpg مصطفى جواد سامراء.jpg‏ (29.2 كيلوبايت, المشاهدات 217)

التعديل الأخير تم بواسطة : هامو بتاريخ 20/11/2009 الساعة 08h29
رد مع اقتباس