عرض مشاركة واحدة
  #143  
قديم 12/09/2016, 21h06
الصورة الرمزية فاضل الخالد
فاضل الخالد فاضل الخالد غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:457466
 
تاريخ التسجيل: août 2009
الجنسية: عراقية-سويدية
الإقامة: السويد
المشاركات: 592
افتراضي

الشاعر غازي ثجيل
ولد شاعرنا في قضاء الشيخ سعد/محافظة ميسان وقد اصدر في حياته ديوانين من الشعر الشعبي اولهما (درب الشمس) وثانيهما(شوك(شوق) الشفايف ) وقد شغل وظيفة مدير اعلام محافظة واسط .. ولكن حياته انتهت نهاية ماساوية اذ تم اعدامه عام 1986 في زمن حكم الرئيس السابق صدام حسين
* اما بالنسبة الى عطائه الشعري في تأليف الاغاني فانه قام بتاليف عدد من الاغنيات اللواتي اشتهرن باصوات مطربين معروفين فللمطرب (حسين نعمة) كتب اغنية (الليلة الكمر(القمر) معزوم ) وللمطرب( قحطان العطار) كتب اغنية(ياضوه ولاياتنا) وللمطربة ( مائدة نزهت )فقد الف اغنيتين الاولى اغنية (حلوين ويدرون نحبهم ) والاغنية الثانية (ياهوانا الياملامة تريد بينا الياكتر) اما للمطرب ( ياس خضر) فقد الف اغنية (مسافرين ) وقد كتب الاستاذ (تحسين عباس ) في صحيفة (العراق اليوم ) موضوعا تحليليا عن كلمات وشعر هذه الاغنية وكذلك عن لحنها الموسيقي انقله وكما يلي :
من الأغاني العراقية التي لازمتْ الذاكرة الصوتية ليومنا هذا ولم تسمح لنا حين الاستماع لها ان نضغط زر - التالي- هي أغنية " مسافرين" لما فيها من معاني نغمية وشعرية تحاكي الوجدان وتحاور العواطف فتطيرُ بنا نحو فضاءٍ مملوءٍ ببراءة التعبير وصفاء التنغيم وحلاوة الصوت الشجي
الذي يغذي اذواقَنا وتعبقُ آذانُنا منه ، والجدير بالذكر ان هذه الاغنية في اغلب التسجيلات الموجودة التي استمعت اليها كانت مقدمتها الموسيقية غير كاملة حيث انها تبتدئ بفالت موسيقي على شكل تقاسيم بآلة العود ومن ثم تبدأ الأغنية بفالت غنائي فكلما حاولت ان اجد تفسيراً لمعنى العنوان - مسافرين- من خلال الفالت الموسيقي لم أفلح ؛ حتى عثرت أخيراً على مقدمتها الموسيقية الكاملة التي شرحتْ نغمياً الاحوالَ التي يمرُّ بها من يُودِّع مسافراً بعودةٍ او بلا عودة ، وكالمعتاد عندما اتعرض الى تحليل الجمال التعبيري في العمل الفني سأبدأ بالفكرة التي احتضنتْ مكامن الابداع التي تجسدتْ في هذا النص الغنائي ، فمن كلمات الشاعر غازي ثجيل وأنغام الفنان محمد عبد المحسن غنّى ياس خضر . الفكرة : تنطلق فكرة بناء هذا العمل من الاحوال التي يتقلبُ فيها المحب عندما تُفرضُ عليه الظروف الاجتماعية بان يذوقَ مرارة الفراق الوقتي او الدائمي من اثر سفر المحبوب لكني في هذا النص أميلُ الى معنى السفر بلا عودة سواء كان المسافرُ قد ماتَ او أنّهُ حيٌّ ولن يعود وهذا ما يثبتهُ قول الشاعر في الافتراض الأول : (وتغفى بعيوني المحطات وصورها) و (رايحين وآخ لو عندي گلبكم) حيث ان وجود مفردة ( المحطات) و (گلبكم - قلبكم ) تدلُّ على انَّ المسافر حيٌّ يرزق لكن، احتمال عودتهِ ضعيفة . أما في الافتراض الثاني نرى انَّ الشاعر يقول : (شوگنا جناحين للراحو بلا كلمة وداع و ضيعونه ) و( لكن الدنيا سفر ولنحبهم ما نسيناهم نسونا وسافرو) . فالذي يسافرُ بلا كلمة وداعٍ وينسى من احب لا يكون إلا من رحلَ مجبراً وإلا كيف قال الشاعر : ( لكن الدنيا سفر) !! فالدنيا لا تفهمُ على انها سفر إلا بالسفر الأخير ( الموت) وهذا ما اشتمل عليه النص الشعري فلا توجد فيه كلمات تأنيبٍ وعتابٍ لاذعةٍ دلالةً على ان المسافر لم يكن قاصداً الفراق بلا سبب . وعلى ما يبدو وهذا واقع لكثرما يحصل عند الشعراء عندما يطلبُ منهم كتابة نصٍ شعري في موضوعٍ ما وفي ذاكرتهِ الباطنية اشياء اخرى مشابهة لوحدة الموضوع ، فقد يكون الطلب الذي قدِّمَ للشاعر في موضوع سفر الاحياء في داخل الدنيا مع بقاء وجودهم لكن ما افاضته الذاكرة الباطنية ( اللاوعي ) لما تحملُ من ألمٍ سابقٍ هو سفر الاحباب وانقطاع وجودهم . فالنص الشعري فيه خلطةٌ من ألوان الألم والشعور بالحزن المتراكم وهنا سوف يطرحُ سؤال مفاده : لماذا لم يستخدم المُنغم لهذه الأغنية الانغام المثخنة بالحزن ؟! ورداً على هذا السؤال المفترض اقول : ان المنغم هو من يفرض ايقاعه التعبيري على العمل الفني بما يتناسب وتجربته الفنية ورؤيته الخاصة للموسيقى فهو وعاءٌ تملؤه الانفعالات الباطنية التي يصنعها الاحساس والشعور من أهمية الحدث . لكن رغم ذلك فقد رسم ( محمد عبد المحسن) لوحته عند المقدمة الموسيقية بنغم الرست من درجة ال (صول ق) بفالتٍ تؤديه مجموعة الكمانات توحي للسامع بهجرة طيورٍ حلَّقت بعيداً وتركت اعشاشها بما يشيرُ الى الحزن لينتقل الى ايقاع المقسوم على النغم نفسهِ ثم تحدو به محاكاة الألم عند انتقاله من الدرجة نفسها الى نغم النهاوند الذي تتجسد فيه المعاناة المشبعة بالحزن والحيرة وعلى إيقاع الفالس، ليتحول الى البعد الخامس( ره) من نغم النهاوند الى نغم البيات مع تحول الايقاع الى الوحدة الكبيرة والمقسوم ومن ثم يتهيأ المطرب الى الدخول في غنائِه الفالت بعد فالت الموسيقى الذي يقوم به العود .
مسافرين... وعيني مشدوده لدربكم
رايحين وآخ لو عندي گلبكم
چنت ألم جروحي كلها
ويا جرح يلچمني بيكم آنه الـچـمه . نرى في فحوى المقطع الأول ( الاستهلال الغنائي ) ان المنادي لحبيبهِ يحتاج الى مناجاة ٍ يفصح بها عن تدفق احساسهِ ، ماذا سيفعل به الغياب وكيف يكون وقعهُ عليه ؟ فكان اسلوب التنغيم هنا موفقاً حين جعل محمد عبد المحسن بداية الأغنية على هيئة فالت غنائي من نغم البيات على درجة الدوكاه (ره) ثم يتلوه صدى حقيقي تؤديه مجموعة من المنشدين ( كورس غنائي )على ايقاع المقسوم فالفالت الذي أداه المطرب ياس خضر الذي عبّر عن المناجاة والصدى الحقيقي ( الكورس) رسمَ لوحةً تعبر عن وجود عاشق وجمهور له يردد مناجاتهِ . في موسيقى المقطع الثاني استخدم المؤلف الغنائي ( محمد عبد المحسن) الجمل النغمية المتسارعة في نغم البيات حيث تقافزت الاحرف النغمية بين الدرجة الخامسة والأولى ومن ثم الصعود والنزول على سلم البيات للدلالة على تفاقم المعاناة التي يولدها التوتر الناتج من الغياب واستحضار الذكريات الجامعة بين الأحبة ، وهذا ما تحدثت عنه كلمات المقطع الثاني : مسافرين ..
وروحي يطويها الدرب غربة وملامة
رايحين ..
من بعدكم صرنه لشطوط العشگ والحب علامه
واحنه طرزنه الستاير للشبابـيـچ العبر منها الضوه
واحنه علمنا الخلگ طبع الوفه بدرب الهوى .. يُختتم التنغيم ُ في هذا المقطع بآخر جملة ( طبع الوفه بدرب الهوى ) ثم تعود الموسيقى نفسها والكلام نفسه لكن بإضافة شطر آخر وهو : ( شوگنا جناحين للراحو بلا كلمة وداع وضيعونه
) فيتضح ما مدى بلاغة المنغم في التكتيك لاستدراج المتلقي ومن ثم القاء الدهشة فيه وخاصة بعدما دخل الى الجملة اعلاه منسلخاً من ايقاع المقسوم الى الفالت .... كأن الصورة التي أراد ان يوصلها لنا المنغم هي : الاستسلام المفاجئ بعد لهاثٍ طويل . مسافرين وتغفى بعيوني المحطات وصورها
مسافرين
وترفه ياعيني المواعيد وصورها
رايحين وذبلت جفوني لتعب بيها سهرها
عيونهم عشگ الربيع
الغض على الدنيا حلاته بروح ترفه
رموشهم ليل الطويل ليشرب عيونه الضوه وباهدابه تغفى
روحي مثل الگاع لو مرها المطر
تمطر وفه وخير ومحبه
لكن الدنيا سفر
ولنحبهم ما نسيناهم نسونا وسافرو
مسافرين وعيني مشدودة لدربكم يعود الرست لنعود معه فنرى كيفَ كان وقعُ تصفيق اجنحة ِ الطيور مؤثراً عندما هاجرت وتركتْ اعشاشها للذكريات . فقد ابتدأ المقطع الأخير بإيقاع المقسوم لتلحقه نغمات الرست فاحتوى هذا المقطع على عُصارة الشاعرية وكثافة المعنى فاستغلَّه ( محمد عبد المحسن) بإبداع الانتقالات الايقاعية بين المقسوم والوحدة الكبيرة والنغمية ، بين الرست والعودة الى البيات حيث ابتدأ الغناء . التوزيع : استطاع توزيع مهام الآلات الموسيقية ان يخلق حوارية بين العقل والروح والنفس فحاكى الناي مجموعة الكمانات وتسللت آلة القانون الى القلب بلا رويِّة وأدهشت النقرات على اوتار الكمان ( البيزيكاتو ) القلب . الغناء : استطاع المطرب الكبير ياس خضر ان يوصل فن الكلمات والتنغيم اليَّ وللمستمع حيث أخذني الى عالمه فشعرت بما سأخلفه من ألمٍ ومعاناة لمن أحبني فيما اذا اجبرني السفر على الغياب.

التعديل الأخير تم بواسطة : نور عسكر بتاريخ 20/09/2016 الساعة 01h47
رد مع اقتباس