عرض مشاركة واحدة
  #85  
قديم 17/12/2009, 20h25
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوه الاعزاء
السلام عليكم



شاعر العراق الكبير



معروف عبد الغني الرصافي








معروف عبدالغني الرصافي (1875 - 1945 م) ولد وعاش في مدينة بغداد وحين بلغ الثالثة من عمره ارسلته والدته الى الكُتابْ وهو صغير السن فحفظ القرآن ثم انتقل الى المدارس الابتدائية وبعد ثلاث سنوات تركها ودخل المدارس الدينية لينضم بحلقة استاذه الشيخ محمود شكري الالوسي الذي قال له " سيكون لك يامعروف شأن فيما بعد . فأن كانت الكرخ تفتخر بمعروف الكرخي فما أحرى الرصافة بأن تفتخر بمعروف الرصافي " ذاعت شهرته حتى اعتبر بعضهم ان اسم معروف الرصافي هو اسم مستعار لشاعر كبير ومتميز لايريد الافصاح عن اسمه ..

اشتهر الرصافي بشعره المتميز ووطنيته وعدائه للاستعمار البرطاني ودفاعه عن المرأة وحريتها..عاش حياة متقلبة ومتناقضة فهو كما قيل عنه وحدة ،، وحدة نموذجية لمجموعة من التناقضات السلوكية والفكرية.
دخل المدرسة (الرشدية العسكرية) ولكنه مالبث ان تركها ليدخل مدرسة شيخه العالم الجليل “محمود شكري الالوسي” ثم لازمه اكثر من اثنتي عشرة سنة.بعدها توفي استاذه.
ثم عين معلما في مدرسة اولية في احدى القرى قضى فيها سنة دراسية ونقل معلما الى مدرسة ابتدائية ببغداد.
و عين مدرسا للغة العربية في المدرسة الاعدادية وقد اعلن الدستور العثماني سنة 1908 م، وهو في وظيفته ودعي الى الاستانة ليدرس اللغة العربية في “المدرسة الملكية الشاهانية” وليقوم بالكتابة في” مجلة الارشاد” فسافر اليها.
وفي سنة 1921 م شغل وظيفة “نائب رئيس لجنة التأليف والترجمة” مكث فيها نحو سنة ونصف.
ثم سافر الى الاستانة لانه ترك زوجته هناك وبقي سبعة اشهر اصدر خلالها جريدة سياسية باسم (الامل).
وفي اواخر سنة 1924 عين مفتشا للغة العربية لوزارة المعارف ثم انتقل الى تدريس اللغة العربية في دار المعلمين العالية .
وفي سنة 1928 استقال ولم يعد للوظيفة..بل ناب عن الامة في (المجلس النيابي)خمس مرات ،فتقلب على كرسي النيابة ثمانية اعوام .

امتاز شعرالرصافي بمتانة لغته ورصانة أسلوبه، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه "ديوان الرصافي" حيث رتب إلى أحد عشر بابا في الكون والدين والإجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة وقدم له وعلق عليه صديقه الوفي مصطفى علي .

لقد استأثرت حياة الشاعر العراقي معروف الرصافي باهتمام الباحثين والدارسين ولم يتركوا شاردة ولا واردة إلا أحصوها، ويأتي ذلك بسبب الحياة الطويلة العريضة التي عاشها الشاعر بأنفلات واضح في السلوك والتصرف وغشيان الكثير من المحظورات، وقد أهتم الباحث العراقي الدكتور يوسف عز الدين ببعض أحاديث الرصافي وحققها ونشرها عام 2004م، والأحاديث المنشورة في الكتاب الذي عنونه الدكتور يوسف بـ"الرصافي يروي سيرة حياته"، سجل للحياة الإجتماعية والسياسية والفكرية بكل جراءة وصراحة، والصادر عن دار "المدى" يتوزع على ثلاثة أبواب،

* الأول: الأحاديث التي أدلى بها الرصافي لصديقه حاكم محكمة الصلح في الفلوجة المرحوم خالد محمد حافظ .
* الثاني: أحاديثه يوم غادر الفلوجة إلى محلة السفينة بالأعظمية والمدونة من قبل الأستاذ خالد كذلك، وقد سبق للأستاذ المحقق المدقق عبدالحميد الرشودي أن نشرها في جريدة "الاتحاد" الأسبوعية الصادرة عن اتحاد الصناعات العراقي خريف عام 1989م.
* الباب الثالث: أحاديث الرصافي التي أدلى بها للوجيه البغدادي الأستاذ كامل الجادرجي رحمه الله صيف عام 1944م، وقد نشرها الأستاذ كامل في العدد الأول من مجلة "الثقافة الجديدة" الصادرة في شهر نيسان من عام 1954م.

كان الرصافي قد أرتحل من بغداد من الدار التي مازالت قائمة في سوق الهرج في منطقة الميدان وفي الزقاق المؤدي من السوق إلى بناية الثانوية المركزية، ارتحل عام 1933 إلى مدينة الفلوجة ونزل في ضيافة آل عريم الكرام، الذين أستضافوه في أحد منازهم المطلة على نهر الفرات قريباً من الجسر الذي كان قد ابتني حديثاً والشبيه بجسر الصرافية في بغداد وهو الان ( 2001م)، مهدماً وإن أصحاب العلاقة ينوون بناء عمارة على أرض الدار.

ارتحل إلى الفلوجة بعد أن سئم الحياة في بغداد، ولغرض التفرغ للمطالعة والكتابة فكان يمضي مدة الصباح حتى الظهر بالكتابة لكنه على الرغم من السنوات الطوال وحتى مغادرته الفلوجة أبان أحداث ثورة مايس 1941م، ونشوب الحرب بين الجيش العراقي والقوات البريطانية لم يكمل تأليف كتابه (الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس)، والذي ظل مخطوطاً طيلة هذه السنوات ومنه نسخة لدى الاستاذ كامل الجادرجي وأخرى لدى الاستاذ طه الراوي وثالثة في المجمع العلمي العراقي وقد نشر الكتاب في مدينة كولون عام 2002م، من قبل دار الجمل التي يديرها الشاعر العراقي خالد جابر المعالي وهو معروض الآن في المكتبات .

ليلاً ينعقد مجلس الشراب اليومي الذي يحضره عدد من أصدقائه منهم حاكم محكمة الصلح في الفلوجة خالد محمد حافظ رحمه الله حتى إذا انفض السامر ولعبت الخمرة بالرصافي كل ملعب جلسا ليتحدث ويسمر وقد وجد خالد أن أحاديث الرصافي هذه جديرة بالتسجيل والتدوين فإنه بدأ بتدوين الأحاديث حالما يعود إلى داره خشية اللبس وضياعها من الذاكرة لا بل كان يستزيده ويستوضحه عن أشياء محددة وحوادث مهمة وبعضها شخصي وأنا أراها حالة استراقية استغفالية إذ كان الرصافي يتحدث على سجيته وحينما يكون في أوج تدفقه وتألقه وأخذ الخمر منه كل مأخذ وأزال عن طريقه كل المحظورات والممنوعات وأوغل في التنقيب عن الأسرار وتعرية الذات والآخرين وإذا كان أبو نواس قد اوقفها عند موطن الأسرار فإن الرصافي لم يوقفها، ترك نفسه تأخذ حريتها كاملة وكأنه يتحدث إلى نفسه.

تخطى المحظور والممنوع

لو أن خالد محمد حافظ أخبر الرصافي بأنه يدون أحاديثه إليه وأنه قد ينتظر فرصة سانحة لنشرها لما كان الرصافي قد تخطى المحظور والممنوع، ومايؤكد الرأي هو قوله: "كان الأستاذ الرصافي عندما يخلو بنا المجلس ويتشعب الحديث صريحاً إلى أبعد حدود الصراحة، يذكر الحوادث مفصلة على علاتها وحقيقتها المجردة بلا مواربة ولاتورية فانتهزت مثل هذه المناسبات للحصول على ضالتي المنشودة، وصرت أجمع منها عن الرصافي ومن أقواله كل ماأريد وأتوق إليه ولهذا كنت عندما يجمعني مجلس منفرد أو عام به يستطرد الحديث إلى ما فيه ذكر أو خبر تعلق به وبزمانه أنتبه للحديث وعند رجوعي للبيت أبادر بتدوينه كما حفظته من الذاكرة وكنت في سياق الحديث أستوضح عن عدد من النقاط وأسجلها .
لا بل أنه قد حذف بعض الأخبار التي تتعلق بالأحياء والحوادث المثيرة التي لامجال لسردها وما كنت أرى الرصافي بحاجة إلى مشاكل مع الناس ولذلك لا أكاد أتفق مع ما قاله الباحث الكبير الأستاذ عبد الحميد الرشودي، بين يدي الجزء الثاني من أحاديث الرصافي المنوه عنها آنفاَ والتي نشرها بجريدة "الاتحاد" في شهري أيلول وتشرين الأول 1989.

كان المرحوم الأستاذ حافظ خالد قد عين قاضياً في مدينة لفلوجة وكان يؤم مجلس الرصافي وقد استهوته أحاديث الرصافي فكان عند عودته إلى داره يدون مسموعاته في أوراق خاصة وكان يعرضها على الرصافي لتأييدها وتوثيقها وقد أتيح لي أن تشرفت بمعرفة المرحوم الأستاذ حافظ خالد يوم كان قاضياً في محكمة بغداد سنة 1955 وقد مني إليه المرحوم عبد صالح فحدثني عن ذكريات الرصافي وكيفية تدوينها وأنه كان في بعض الاحيان يستملي الرصافي بعض المعلومات التي عاصرها فدونها الرجل بأمانة وصدق وقال أنه يحتفظ بها وهي في إضبارة كبيرة .

وأرى أن هذا الأمر ينطبق على القسم الثاني من المذكرات التي أدلى بها الرصافي للسيد خالد محمد حافظ في بغداد بعد مبارحته الفلوجة عام 1941م، لأن المقارنة بين الأحاديث هذه والأحاديث التي أملاها على الأستاذ كامل الجادرجي عام 1944م، من جهة وبين أحاديثه الأولى المدونة في الفلوجة تظهر الفرق شاسعاً بين المجموعتين فضلاً على أن الرصافي لم يشر إلى أنه أملى أحاديث إلى غيره كما لم يشر إلى تلك الأحاديث ولو بشكل عابر مع قرب العهد بين المناسبتين (1940-1944)م. إذ كان في أحاديثه إلى الجادرجي يتحدث باحتراس وذاكرة صاحية، عدا أبياته المقذعة بحق الزهاوي التي لم تنشرها مجلة "الثقافة الجديدة" بعددها المذكور آنفاً ونشرت في الكتاب موضوع بحثنا هذا في حين نشرت المجلة اسم معلم الصبيان المنحرف وحذف من الكتاب لقبه.

في أحاديث الرصافي المنشورة في هذا الكتاب اختلاف واضطراب وخاصة مايتعلق بزواجه من المرأة التركية المسماة "فاطمة" يوم ذهب إلى الأستانة عام 1912م، نائباً عن المنتفك في مجلس المبعوثان التركي "النواب" الذي أنشئ بعد الإنقلاب ضد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908م، وعزله والمناداة بالسلطان عبد المجيد بدلاً عنه ومن ثم اعلان الدستور "المشروطية" اذ لم تخلف هذه المرأة بحجة كونها ضعيفة البنية، إذ يقول: "وكانت زوجتي فاطمة نحيفة للغاية ولهذا كانت أحوالها الصحية لاتساعدها على الولادة فإنها حملت مرة واحدة وأجهضت ابناً وأشار الطبيب عليها بعد ذلك بعدم الحمل وإلا فقدت حياتها وأعطيت الأدوية اللازمة، وقد جاء إرشاد الطبيب في مصلحتي لأني لم أكن راغباً في الأولاد وبقيت في معاشرة زوجتي فاطمة المذكورة والسكن معها في بيت واحد المدة التي قضيتها في الأستانة وحتى تركي الأستانة بعد الهدنة .

الاخيلة، تكاد تنسحب على قصة لقائه بالملك فيصل الأول وأنه غادر المجلس مع عدم صدور مايستوجب زعله من قبل الملك فيصل الأول إذ كان قال ضد الملك وبلاطه شعراً فأرسل عليه الملك جليل الشأن ليستوضحه ويعاتبه وبدل أن يعتذر عن قولته الفاحشة ترك المجلس مغاضباً وإعلانه في أحاديثه للحاكم خالد محمد الحافظ أنه ترك المجلس لايزيد في شأنه بل يزيد من شأن الملك واسع الصدر.

الملك لايريد المفاهمة

قال الرصافي أخذني "تحسين قدري" وكان أحد المرافقين وأدخلني على جلالة الملك في غرفته، بادرني الملك ليش يامعروف أنا الذي أعدد أياماً وأقبض راتباً ولم يكن بخلدي أن القصيدة ستسبقني اليه فأجبته: أسأل الله أن لاتكون كذلك وجلست على الكرسي دون استئذان ثم قال ليش كل هذا العداء يامعروف؟ فأجبته ياصاحب الجلالة لايوجد شخص واحد في الدنيا يقول أن لي مطمعاً في مقامكم لأجل أن يكون لي عداء معكم .. ولما وجدت أن الملك لايريد المفاهمة قمت من مجلسي ولوحت يدي بالسلام وانصرفت .

وأرى أن حديثه هذا من مبتدعاته وانتفاخ الذات لكن الثابت أن الملك فيصلاً وقد جمعهما مجلس عام عاتبه على بيته الذي يقول فيه يعدد أياماً ويقبض راتباً فقال له يامعروف أنا الذي أعدد أياماً وأقبض راتباً فأجابه الرصافي أرجو أن لاتكون كذلك ياصاحب الجلالة، هذا ما حدثني به المرحوم أبي وكان يحضر بعض مجالس الرصافي التي يعقدها في داره ايام الجمع، جدت في هذه الاحاديث ارتباكاً كثيراً لعله ناتج عن ان الرصافي يدلي بأحاديثه تحت تأثير المسكر لذا لم اجد انه ذكر تاريخاً محدداً لاي حدث لابل اختلط عليه حتى اسم عبد الرحمن النقيب ، نقيب اشراف بغداد ومشكل أول وزارة عراقية بعد جلاء العثمانيين والطامع بعرش العراق مثل غريمه طالب النقيب فيذكره باسم (محمود النقيب)، ويذكره بهذا الأسم مرات عدة ثم يعود إلى الصواب كما اورد لنا روايات متناقضة عن مقالة كان قرر نشرها في جريدته (الأمل) ضد الكاتب إبراهيم صالح شكر فيرجوه عبد العزيز المظفر مدير المطبوعات وقد اجتمعوا في دار الدفتري بسحب المقالة، يؤازره في ذلك السيد احمد الشيخ داود ورؤوف الجادرجي" الاخ غير الشقيق لكامل الجادرجي"، وبعد مرور ثلاثة ايام ذهب إلى المطبعة ليلاً وحذف المقال لكن المفجع انه يضيف وكأنه نسي ما قاله آنفا : (وفي اليوم التالي ظهرت جريدة (الأمل) والمقال على صدرها فيزوره ياسين الهاشمي معاتباً.

كيف حصل هذا وقد ارسل من يقوم بحذف المقال نزولاً عند رغبة اصدقائه وذهب بنفسه إلى المطبعة للتأكد وحذف المقال؟


كذلك اخطا في تحديد مساحة الارض المهداة اليه من متصرف لواء الدليم صديقه محمود السنوي البالغة خمسون دونماً في أبو غريب مع انها لاتعود ادارياً إلى لواء الدليم بل إلى قضاء الكاظمية التابع للواء بغداد وقد اوضح جلية الأمر الاستاذ عبد المجيد حسيب القيسي - اطال الله في عمره- اذ زود المؤلف بنص رسالة متصرفية لواء بغداد المرقمة 5146 في 1938/9/3 (وزاره المدفعي الرابعة) من ان اللجنة قررت تخصيص قطعة ارض في ابي غريب للاستاذ معروف الرصافي تبلغ مساحتها الف دونم.

والانكى من ذلك انه يقع في الوهم، وهو يسجل اسم صديقه ، مدون مذكراته على صورته الشخصية اذ يكتب عليها ما نصه اقدمه إلى حضرة حاكم الفلوجة السيد حافظ خالد تذكاراً لما عندي له من صداقة واعجاب بأفكاره الحرة واخلاقه الفاضلة معروف الرصافي 1 أيار 1940.

ويقع في الخلط ذاته وهو يهديه صورة جمعته مع الزهاوي وبينهما عازف الكمان سامي شوا كاتباً على الصورة (تقدمة مودة واحترام إلى الفاضل المهذهب(هكذا) السيد حافظ خالد حاكم الفلوجة المحترم.




تمثال الرصافي في ساحة الرصافي ببغداد



لقد بذل الباحث الكبير الاستاذ الدكتور يوسف عز الدين الذي اهدى المكتبة العربية ما ناف على الخمسين كتاباً في تاريخ الادب والشعر والترجمات والترجمة الذاتية في (حلو الذكريات ومرها) بذل جهداً كبيراً في اخراج هذا الكتاب، الذي احتوى المذكرات والاحاديث التي ادلى بها الشاعر معروف الرصافي إلى الحاكم خالد محمد الحافظ، خلال السنوات 1938 يوم عين حاكماً في محكمة صلح الفلوجة، وحتى اواخر عام 1940 حيث دعي إلى دورة الضباط الاحتياط لتلبد الجو السياسي في العراق واشتداد الصراع بين العقداء الاربعة من جهة والشرعية الدستورية من جهة اخرى وما نتج عنه من احداث مايس 1941 وظل ملازماً للرصافي يسجل احاديثه حتى بعد انتقال الشاعر إلى بغداد وانتقال السيد خالد إلى وظيفة حاكم تحقيق الكرخ وحتى وفاة الرصافي فجر الجمعة 16 آذار 1945 وقد آلت هذه المدونات بعد وفاة الاستاذ خالد إلى صديقه الاستاذ عبد الرحمن سليمان الخضير الذي اعطاها بدوره إلى صديقه الدكتور يوسف عز الدين كان ذلك نهاية السبعينات واذ يغادر العراق مختاراً للعمل في جامعة الرياض (جامعة محمد بن سعود حالياً) والعديد من جامعات الخليج العربي تظل هذه الاوراق ثاوية في مكتبته في بغداد وقد فعلت الأيام فيها الافاعيل واذ يزور نجله الدكتور موئل بلده يختطف هذه الاوراق من ثوائها ليقوم الدكتور يوسف عز الدين بتبويبها وكتابة مقدمة لهاونشرها ساعده في ذلك الباحث الكبير عبد الحميد الرشودي والاستاذ عبد الحميد حسيب القيسي وشقيقه الاديب عبد الرزاق السامرائي.

واذا كان لهذه الذكريات من فضيلة فلها فضيلة أظهار الرصافي على حقيقته بدون مواربة أو رتوش الذي روى الاحداث من غير تعمية او مجاملة ذلك انه كما ارى كان يتحدث حديث الصديق لصديقه من دون ان يكون يطرق ذهنه انها ستنشر في زمان ما لذا جاء على ذكر الكثير من المسكوت عنه انها اشبه بتأريخ ما اغفله التاريخ الذي يقف عند الحوادث الكبرى والمهمة اما الصغيرة والشخصية فيطويها النسيان وكر الايام فجاءت هذه السطور لتصور عقوداً من حياة العراق الحديث والمنطقة العربية وحياة الرصافي في تألقه وخفوته في غضبه وحبوره في انفته واستجدائه، او بين أوجه وحضيضه على لغة الشيخ جلال الحنفي - رحمه الله- الذي الف كتاباً عن الرصافي بهذا العنوان، نشره عام 1962 م ، إنه قريب من كتاب (بغداد كما عرفتها) للبغدادي العراقي الحاج أمين المميز - رحمه الله- فلقد جاء في كتابه على الكثير من الاسرار مما دفع الرقابة إلى نزع صفحات منه من ص282 -ص293 والاهم كان الرصافي يتحدث عن ماسونيته التي غادرها سريعاً ؟ أو حديثه الصريح مع رجينة وأختها سليمة بنتي مراد بن باشا وبشكل لا تقبله أعراف المجتمعات الشرقية التي تميل إلى التستر وتعمل الموبقات وتستحي من الاعلان عنها .

مختارات من شعره


* قال في وصفه عظمة الله

انظر لتلك الشجرةذات الغصون النظرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
فابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة

ويقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة، توفي زوجها وتركهمابين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث‏ بلغ القمة بوصفه إذ قال:

لقيتها ليتنـي ما كنـت ألقاها تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابـها رثة والرجـل حـافية والدمع تذرفه في الخد عيـناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها وأصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميـها ويسعدها فالدهر من بـعده بالفقر أنساها
الموت افجعهـا والفقر أوجعها والـهم انحلهـا والغم أضـناها
فمنظر الحـزن مشهود بمنظرها والبؤس مــرآه مقرون بمرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها حملا على الصدر مدعوما بيمناها
تقول: يا رب لا تـترك بلا لبن هذي الرضيعة وارحمني وإياها
كانت مصـيبتها بالـفقر واحدة ومـوت والدهـا باليتـم ثناها
هذي حكاية حال جئـت اذكرها وليس يخفى على الأحرار مغزاها

لقد شارك الرصافي في قضايا أمته السياسية والاجتماعية ، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم ، والتي ينبغي لطالب العلم ألا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى ؟ لذلك نجده يقول:

ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا حتى نطـاول في بنيانها زحلا
جودوا عليها بما درت مكاسبكم وقابلـوا باحتقار كل مـن بخلا

لا تجعلوا العلم فيها كـل غايتكم بل علموا النش‏ء علما ينتج العملا
ربـوا البنيـن مع التعليم تربية يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا
فجيشوا جيش علم من شبيبتنـا عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا
أنا لمن أمة في عهد نـهضتنا بالعلم والسيف قبلا انشات دولا

وعندما احتل الانجليز العراق سنة 1920م، سرعان ما نصبوا فيصل ملكا على البلاد وأصدروا دستورا وأنشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث أنشد قصيدته التي جاء فيها:

علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم أنه وفقا لصك الانتداب مصنف


فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الانجليز على العراق، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:

يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم
وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا
ودعوا التفهم جانبا فالخير أن لا تفهموا
أما السياسة فاتركوا أبـداً ولا تنـدموا


انتقد الرصافي الملك فيصل الأول واعتبره آلة بيد الانكليز حيث يذكر في احدى قصائده:ـ

ليس له من امره غير انه
يعدد اياما ويقبض راتبا


لكن الملك لم يتذمر من الرصافي حيث ارسل الى الرصافي في بلاط الملك كما ان الرصافي لم يغير من موقفه من الملك فالرصافي كانت آراؤه السياسية ثابتة لاتتغير.لكن الرصافي ترحم على الملك فيصل الاول وايامه بعد ان ذاق مراحل اخرى واياما غير تلك التي كانت في عهد فيصل حيث يقول ”رحم الله فيصلا ورعى عهده فقد كان لايحمل غلا في صدره، كنا نتكلم في عهده بشتى النواحي ولم يتعرض لنا احد .


امتلك الرصافي علاقات بشخصيات سياسية واجتماعية منها علاقته بنوري السعيد الذي كان صديقه في الاستانة وله قصيدة في مدح السعيد عندما كرم نوري السعيد بوسام الرافدين:

ته وسام الرافدين بصدر من
هو في العلا للرافدين وسام
نوري السعيد ابو صباح ومن به
سعد العراق فثغره بسام

لكن العلاقة توترت فيما بعد بين الرصافي والسعيد نتيجة ميل السعيد الى الانكليز .

ونستطيع القول ان القاسم المشترك لسيرة الرصافي هو التذبذب والتقلبات في مراحل مختلفة من حياة الرصافي فهو كان يمتلك وظيفة مرموقة في الاستانة، وهو عضو في الحركة الماسونية في تركيا، ومدرس الآداب العربية في معهد المعلمين في القدس كل تلك المناصب. والوظائف كانت خارج العراق.. اما عند عودته الى بغداد فعين بوظيفة شبه فارغة، في حين ان اهم أصدقائه اصبحوا من ملك الى وزير والى غيره كل تلك الامور اثرت في شخص الرصافي حيث حصلت عنده رد فعل قوي جدا.. فأتجه الى الشرب بقسوة والتذمر من السياسة والتذمر من الدين. الا ان الرصافي امتلك سلبيات لكنه بدل ان يتستر عليها اعلنها جهرا ولم يخف من لومة لائم... كانت نتيجتها فقره وعوزه ومرضه وعزلته عن الحياة فقرر المكوث في الفلوجة ومن هناك بدأ بكتابة كتابه الخطير والمهم جدا ”الشخصية المحمدية“ .

كان الرصافي يشاهد مساء بكوفيته وعقاله يجلس في مقهى عارف أغا، القريبة، من جامع الحيدر خانة في شارع الرشيد، يجلس كواحد من الناس، وفي مكان منزو، ليلتف حوله المعجبون من اصدقائه والمعجبون به ومحبوه ومن هوايات الرصافي، ممارسة اللعبة المشهورة "النرد" الطاولي وسماع "المقام العراقي" الذي كان يعرف أصوله ويفكك مغاليقه، وكان كما يذكرون أن قارئ المقام رشيد القندرجي كان يزوره في داره ويغني له المقام.

طقوس وعادات
كشف الرصافي عن طقوس وطريقة نظمه الشعر في مذكراته قائلاً:
كنت أدرس العربية على أستاذي المرحوم محمود شكري الألوسي، وأنا إذ ذاك دون العشرين حفظت الفية أبن مالك، وقرأت منها عدة شروح، وكنت مولعاً بحفظ الشواهد التي يوردها النحويون في كتبهم وكنت إذا مر بي في أثناء الدرس بيت من الشعر، راجعت فيه الشروح والحواشي فعلمت من قائله ماذا بعده أو قبله من الأبيات فحفظتها، وكنت قوي الحافظة حتى حفظت شيئاً من هذا القبيل بحيث أن أستاذي كان يلقبني بالشاهد، وكنت أشعر بميل شديد في نفسي إلى الشعر لشدة تأثيره في.


للرصافي مشاهد كثيرة في الحكم والأوصاف والأقاصيص الحزينة التي تظهر بؤس وفقر الأمة ومقاومتها للاستبداد وظلم الأجنبي ، بالإضافة إلى آرائه الحدية في السياسة وانتقاد السلطة ، فهو يدعو إلى الثورة الاجتماعية والسياسية ليعم الرخاء ولتنعم البلاد بالحرية والمساواة .

عاصر معروف الرصافي الشاعرَ العراقي جميل صدقي الزهاوي وقد دعى كلاهما إلى تحرير المرأة ونزع الحجاب (العباءة) التي كانت مستخدمة من قبل عامة نساء العراق. ولكن كانت المنافسة والعدواة بينهما شديدة حيث قال الرصافي اشياء كثيرة في النيل من الزهاوي.

ولكن الحمد لله انتهت بالصلح بينهما قبل وفاتهما في جلسة صلح نظمها محمود صبحي الدفتري في داره في الحيدرخانة وقد حضر الجلسة عبد العزيز الثعالبي وروفائيل بطي و فؤاد السمعاني والعلامة بهجة الأثري .

وهو القائل

كان لي وطن ابكي لنكبته واليوم لاوطن لي ولا سكن
ولا ارى في بلاد كنت اسكنها الا حثالة ناس قاءها الزمن


وكأن الزمن الان يعيد نفسه على العراق وعاصمته الحبيبة بغداد .

توفي الرصافي يوم الجمعة 16 اذار 1945م في منزله بمحلة السفينة في الاعظمية ، ودفن في مقبرة الخيزران المجاورة لمرقد الامام ابي حنيفة النعمان وليس بعيدا عن قبر منافسه وغريمه جميل صدقي الزهاوي.

رحم الله الشاعرين الكبيرين الوطنيين ورحم الله جميع رجالات العراق الافذاذ .


منقول للفائدة بتصرف

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg الرصافي 1.jpg‏ (35.5 كيلوبايت, المشاهدات 223)
نوع الملف: jpg الرصافي 2.jpg‏ (40.0 كيلوبايت, المشاهدات 225)

التعديل الأخير تم بواسطة : قصي الفرضي بتاريخ 17/12/2009 الساعة 20h58
رد مع اقتباس