عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 31/08/2009, 19h38
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوه الاعزاء
السلام عليكم
محمد القبانجي ... ترك المدرسة العسكريه واختار الغناء

في عام 1929 طلبت شركة بيضافون الالمانية من شاب عراقي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره ان يسافر الى ألمانيا لتسجيل سبعين اسطوانه لحسابها تحوي جميع المقامات العراقية والاغنيات (البستات) واختيار شركة بيضافون للشاب محمد القبانجي لم يكن ارتجالاً اوعفوياً. فالالمان اذكياء وعمليون في معظم الاحوال ولهذا كان هذا الطلب وقتئذ من شركة بيضافون حدثا مهماً لا في تاريخ محمد القبانجي فقط. بل في تاريخ الموسيقى العربية والعراقية.
وفعلا نفدت هذه الاسطوانات من السوق وانتشرت بسرعة في المنطقة العربية..
و نجح هذا النجاح الكبير برغم انه لم يكن قد درس الموسيقى والغناء في معهد متخصص او في اي مدرسة اكاديمية .

وكلمة (قبانجي) نسبة الى )القبان) وهو الميزان الكبير للسلع. اما (جي) فهي اضافة باللغة التركية العثمانية تستعمل عند النسبة لشيء. والده عبد الرزاق القبانجي كانت له شهرة مزدوجة. فهو في النهار يعمل في التجارة والقبانة...اي الكيل والميزان...وكان يتمتع بسمعة طيبة بين التجار نظراً لأمانته ووقفته على الميزان..وهو في الليل من عشاق الفن والفنانين وقد ساعد صوته الجميل على ان يحتل مكانه لا بأس بها بين منشدي المواليد والحفلات الدينية.
في هذا الجو المختلط بين الفن والتجارة ولد محمد القبانجي عام 1904. كان منذ طفولته يستمع الى الارقام والاسعار في التجارة والقبانة. وفي نفس الوقت يستمع الى الالحان والاغاني في عالم الفن والطرب. تناقض غريب ولكنه وجد فيه لذة وسعادة .
وحرص الصبي محمد القبانجي في سنوات طفولته ثم صباه على ان يرافق والده في الموالد. وتطورت هوايته فبدأ يحفظ الاغاني والاناشيد ويرددها. ثم عشق الشعر فحفظ منه الكثير برغم صغر سنة. وبعد فترة قادته هوايته الى الاماكن الشعبية والمقاهي الكبيرة التي كان يغني فيها كبار الفنانين وفي هذه الاماكن استمع الى كل ألوان الغناء السائد وقتئذ في بغداد، وبدأ يتابع الفرق بين المطربين في الاداء محاولاً صقل موهبته الفنية.
وحدثت في حياته قصة غريبة هزت كيانه بعنف. فقد كان والده يدفعه الى مواصلة التعليم حتى وصل الى مدرسة كانت معدة لتخرج الضباط والعسكريين وفجأة اخرجه والده من المدرسة قبل ان يكمل دراسته. وظن ان الاسرة قد لحقت بها خسارة فادحة في التجارة. ولكنه وجد الاسرة تعيش في نفس المستوى المادي المعقول كما كانت تعيش من قبل. ولم يلاحظ تغييراً في حالة التجارة والقبانة التي يمارسها والده.
ان الجيش العثماني اخذوا اثنين من اخوته للخدمة العسكرية في الحرب العالمية الاولي ( السفر بر ) ولم يعودا. وافاق الشاب محمد القبانجي من الصدمة المزدوجة صدمة فقده اثنين من اخوته. وصدمة اخراجه من المدرسة العسكرية التي كانت ستجعل منه ضابطاً ورويداً رويداً احس بالهدوء وبالسرور المدرسة والخدمة العسكرية كانت ستحول بينه وبين ممارسة هوايته للغناء والموسيقى وبدأ يعمل مع عمه في مهنة القبانة بسوق الجملة للفواكه والى جانب مقر عمله كان يوجد مقهى شعبي يرتاده اهل الفن من مغنين وموسيقيين صاحب هذا المقهى كان اسمه قدوري العيشة. وهو من مشاهيرالمغنين الهواة. وكان يتميز باتقانه غناء المقام العراقي. واعجب قدوري العيشة بالشاب محمد القبانجي لسببين:
الاول: جمال صوته
والثاني: حفظه مئات الابيات من قصائد الشعر النفيس.
وقدمه قدوري العيشة لمشاهير المطربين والمغنين الذين لم يبخلوا عليه بالتدريب وشرح اصول الغناء والموسيقى في مقابل ان يقرأ عليهم القصائد التي يحفظها لكبار الشعراء .
وفي ميدان الموسيقى العراقية. بدأ يدرس الفن الشعبي العراقي. عرف البستة ودرس القصائد واجاد المواويل. ولم يكتف بالدراسة في بغداد والتتلمذ على ايدي كبار مطربيها بل قام بمغامرات اشبه بمغامرات الرواد والمكتشفين مخترقاً جبال الشمال و المناطق الشمالية ليستمع الى مطربيهم وباحثاً عن اصل كل اغنية شعبية مفتشاً عن كنوز الموسيقى العربية والعراقية. ومع الدرس والتنقيب كان يغني. وازدادت حلاوة صوته.
ثم عادت ضغوط الاسرة تلعب دورها في حياته:
فقد تقدمت السن بوالده واعتزل العمل.
ثم لحق به عمه ايضا.
وكان والده قد ضغط عليه واجبره على الزواج من ابنة عمه قبل ان يتجاوز السابعة عشرة من عمره.
وهكذا فجاة وهو الفنان الرقيق ملزم ومسؤول عن معيشة ضخمة العدد: والده ووالدته وزوجته واربعة من الاخوة والصبيان والبنات ثم عمه واسرته.. وصلت الى بغداد بعثة من شركة بيضانون الالمانية في عام 1926 . وكان هدفها تسجيل بعض اغاني مشاهير الفنانين في العراق. واستمع خبراء بيضافون الى الكثيرين الذين كانوا يكبرون محمد القبانجي سناً ومقاماً وشهرة. ولكن خبراء بيضافون توقفوا مبهورين وهم يسمعون صوت الشاب محمد القبانجي.. وكان في نهاية العشرينات من عمره. وسجلت له الشركة مجموعة من الاسطوانات تفوق عدد ما سجله للمطربين الآخرين ويبدو ان هذه الاسطوانات لاقت رواجاً كثيراً خلال السنوات الثلاث التالية فقد فوجئ محمد القبانجي بدعوة من شركة بيضافون في عام 1929 لتسجيل جميع المقامات العراقية والاغاني التي تسمى بستات في سبعين اسطوانة بصوته فقط دون غيره من المطربين . وبرغم انه كان في الخامسة والعشرين من عمره فقط وكانت هذه الفرصة التي اعدها له القدر مكافأة له على اخلاصه لاسرته ووفائه لاهله فقد انتهت مشاكله المالية وعادت الاسرة لتعيش في مستوى كريم. رفع القبانجي اجور حفلاته، لكنه ظل متمسكا بعدة امور: لم يتخل عن القبانة فقد وجد ان نظرية والده صحيحة فالفن لايتعارض مع اي عمل شريف آخر بل العمل التجاري يجعله يصون نفسه وفنه من الانزلاق والاضطرار الى قبول ما لايرضيه، لم يسمح لنفسه بالغناء الا في اماكن محترمة بشرط ان يكون راغبا في الغناء ويغني للفن قبل ان يغني للمادة وقد افلس قي تجارته اكثر من مرة بسبب هبوط الاسعار خلال الازمة المالية التي سادت العالم كله بين عامي 1930 و1935 وتكفلت اسطوانته بسد احتياجات اسرته واذا زادت ارباحه من التجارة كان هذا خيرا وبركة لا أكثر ولا أقل لاغرور ولا تعالياً ولا اعتزالاً لمهنة الغناء او التجارة وان كان دائما يثير احزانه وآلامه فهو كما يقول لم يكن موفقا في زواجه الذي فرض عليه وهو في السابعة عشرة من عمره والزاوية التي تثير اشجانه دائما ان الزواج وخاصة للفنان ينبغي ان يتم بتفاهم تام وانسجام كامل. فالزوجة الحكيمة كما يقول تجعل من الرجل الجاهل حكيماً. وهي التي تعرف متى تقترب من زوجها الفنان وهي التي تعلم متى تبتعد عنه وتدعه غارقا ً في تأملاته وافكاره واحلامه. وترمقه بنظرات منها تبعث الحب والحنان والرضى والتشجيع في نفسه المرهفة الحس. وقد واصل محمد القبانجي رسالته في ميدان الموسيقى والغناء في العراق فأثر فيها على النحو الآتي .

فطن الى عدد من الانغام المتداولة في البلدان العربية وصاغ منها باقة من الالحان والمقامات والاغنيات اضافها الى الغناء العراقي وموسيقاه كمقام النهاوند والحجاز كار والحجاز كاركرد.
وضع مقامات جديدة استخلصها من بعض القطع الغنائية القديمة وطورها الى مقامات بديعة كمقام القطر وغيره.
اشتهر له في البلدان العربية مقامان هما: مقام اللامي الذي تاثر به الموسيقار محمد عبد الوهاب في تلحين اغنيته المعروفة )ياللي زرعتو البرتقال) ومقام الحجاز غريب الذي تأثر به ايضا عبد الوهاب في تلحين اغنيته الرائعة (جبل التوباد) .
سجل بصوته عدداً كبيراً يصعب حصره من المقامات والاغنيات. وهكذا لم يعد مستغربا ان يستقبل القبانجي بكل مكان بالتقدير والاعجاب بشخصه ولم يكن الالمان فقط هم الذين اعجبوا بالقبانجي في اوروبا فقد منحته الحكومة الفرنسية وسام الكومندور تقديرا لفنه.
وتوفي هذا الفنان الكبير في عام 1989 بعد ان خلف لنا تراثاً فنياً زاخراً .
منقول بتصرف .

تحياتي ......
قصي الفرضي
رد مع اقتباس