عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19/09/2011, 16h13
MAAAB1 MAAAB1 غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:16330
 
تاريخ التسجيل: février 2007
الجنسية: المانية
الإقامة: المانيا
المشاركات: 1,194
افتراضي رد: العدواني شاعراً أصيلاً

العدواني شاعراً أصيلاً


الدكتور جابر عصفور

وإذا كانت الأصول الرومانسية لهذه الدلالة تصل إبداع الشعر بالألم والوحدة والعزلة عن الآخرين الذين نجافيهم لنعرفهم، ونلعنهم لنطهرهم، والتي تجعل الشاعر نقيض الأحياء الموتى التائهين في "مدينة الأموات"، فإن تجاوب هذه الأصول مع الصيغ السائدة من المشروع القومي جعلت العلاقة بين "أنا" الشاعر و "الآخرين" مجلى مغايرا للعلاقة بين الصوت الصارخ في البرية والقطيع الغارق في المعصية، وذلك على النحو الذي بدت معه "الأنا" الخاص بالشاعر نورا هاديا، أو طائرا يحمل علامة، وتجلت دائما وراء أقنعة الأبطال المنقذين.

العلاقة بين ذات الشاعر والآخرين

في هذا السياق يبدو معنى المنقذ ء المخلص في قصيدة "خطاب إلى سيدنا نوح" لافتا، وتنطوي قصيدة "دعوة" على مغزى خاص للعلاقة بين "الأنا العليا " للشاعر الذي يخالفه أحباؤه الذين يخاطبهم خطاب الأنبياء، رمزا وإشارة. ولا تتباعد عن هذا المغزى قصيدة "وقفة على طلل" حيث نواجه المخلص ء المنقذ الذي يزرع النور في حقل الظلام فيثور عليه. ومثلها قصيدة "من أغاني الرحيل" حيث يرتحل المخلص ء المنقذ عن ذويه الذين أبوا عليه أن يقول كلمته التي يشرح فيها دعوته، فتركهم إلى ما هم فيه. ودلالة "السفر" و "الارتحال" المتكررة الرجع في قصائد العدواني ذات صلة وثيقة بهذا السياق إلى ما تحمله "أجنحة العاصفة" الواعدة للشاعر المخلص. إن "السفر"، في هذا السياق، ليس طلبا لبعد الدار حتى يقرب من فيها فحسب، بل هو مظهر للتمرد على من في الدار نفسها، وعلامة على بحث عما يوجد في دار أخرى يمكن أن تحمل وعدا بعاصفة ربيعية تهب على مدن الموتى.
لكن العلاقة بين "أنا" الشاعر المخلص و"ذوات" الآخرين الذين تسعى الأنا إلى خلاصهم ليست دائما علاقة الأعلى بالأدنى في شعر العدواني، فهي تتحول إلى علاقة بين مرايا متوازية أحيانا، وذلك بالمعنى الذي يجعل من الشاعر المخلص مرآة لقومه، تساعدهم على أن يروا ما في داخلهم. وإذا كانت رمزية المرآة التي تعلمها العدواني من الشعر الصوفي هي التي جعلته يقول:


حدقت في مرآة نفسي
فدار رأسي


فإن هذه الرمزية هي التي تقرن المرآة بدلالة اكتشاف النفس وتعرف ما فيها، وذلك حين تتسع النفس وتتحول من صيغة المفرد إلى الجمع، حيث الأهل الذين لا بد أن يتعرفوا عالمهم إذا نظروا في مرآتهم، كما يتعرف المخلص عالمه إذا طالع مرآته، فالعلاقة بين الطرفين علاقة متبادلة الوضع، بالمعنى الذي تنعكس به صورة المخلص على الآخرين. وعندئذ، قد يتعرفون مخلصهم بالمعنى الذي تنطقه خاتمة قصيدة "اعتراف":

يا أنتم يا أهلي
عودوا إلى أنفسكم
وحدقوا فيها
لعل من بين ظلالها ظلي
فأنتم يا أهلي واأسفا مثلى


وأحسب أن هذا الجانب الذي تنطوي فيه صورة الشاعر على معنى المنقذ المخلص، والذي تنطوي فيه صورة المخلص على دلالة الغربة، وفي الوقت نفسه تتضمن القصيدة معنى المرآة المقترنة برمزية المعرفة الذاتية، أحسب أن هذا كله هو الذي جذب العدواني إلى التصوف، حين قارب التجربة الصوفية في قصائد لافتة من شعره، من مثل "مناجاة" و "إشارات" و"رؤيا حلم" و "ياليتها كانت معي"، و "شطحات على الطريق". ولكن هذه القصائد لا تنقلنا إلى عالم التصوف بمعناه المفارق للواقع المادي، ولا تدخلنا إلى قدس أقداس حلوله أو كشوفه، فقصائد العدواني تظل مرتبطة بالواقع المادي الذي يواجهه الشاعر في النهاية، وتظل قرينة نزوع عقلاني انتقادي لا يكف عن السخرية من ناحية ثانية، وتحافظ على العلاقات التي تتناص فيها بالواقعي المتعين لا المثالي المفارق من ناحية أخيرة. كل ما في الأمر أن هذه القصائد تستعير من التصوف بعض مفرداته الدالة، وبعض رموزه الأثيرة، وتقوم بتوظيف هذه المفردات وتلك الرموز في خدمة مجالها الخاص الذي تكشف عنه خاتمة قصيدة "رؤيا حلم" التي تنتهي بهذا المقطع:

قلت لها: أيتها الحورية
صمتي طبيعة لي
ألمح فيها راية الحرية
في ساعة التجلي
صمتي قضية
كنوزه الخفية
ما عرفت خزانة قبلي
ولو كشفت عن أشيائها السرية
قتلني أهلك أو أهلي


والمقطع لافت في دلالته التي تتباعد عن العالم الذي يقال فيه: "إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" إلى العالم المناقض الذي تتشح فيه العبارات المباشرة بأسمال الرمز حتى تقي نفسها من الشرور المادية الملموسة للعالم الواقعي تعيشه "مدينة الأموات". هذا العالم الواقعي المناقض بما يلازمه من تضاد هو ما تكشف عنه قصيدة "شطحات في الطريق" بوجه خاص، حيث نرى مفارقة التضاد التي تفصل هؤلاء الذين يزينون الليالي سيرة وعقيدة، وأولاء الذين غدوا دروعا للطغاة. إنه التآخي الذي يكشف عن طبيعة العالم الذي نعيشه مع العدواني فعلا، والذي نسعى إلى تغييره بأجنحة العاصفة. وعندما يرفع الشاعر ستار الأمثال عن هذا العالم، وتبرع "الحقيقة" الكامنة من وراء تمثيلات الرموز، تبدو "الحقيقة" في هيئة "الأمة" التي ينوشها شعر العدواني في أبياته:

من يملك الدينار يملك أمرها
فزمامها في خدمة الدينار
وتبيت تحفر قبرها وتظنه
قصرا وتكبر همة الحفار
وتهش للنجار يصنع مجدها
والنعش بعض صناعة النجار


الحلم القومي والحلم الإنساني

لنقل إن العدواني يفيد من التصوف ما يدعم به صورة الشاعر المنقذ ء المخلص، ويعمق مفارقة التضاد التي ينطوي عليها الواقع الذي يواجهه، ومفارقة التضاد التي تباعد بين المنقذ ء المخلص والواقع المتخلف في ان. وبمثل هذه الإفادة يتباعد العدواني عن الجانب السلبي للتصوف ويقترب من الجانب الإيجابي الذي أكده الشعراء المعاصرون من أمثال صلاح عبدالصبور وعبدالوهاب البياتي. وأحسب أن هذه الإشارة الأخيرة تعود بنا إلى بعض ما يميز العدواني الشاعر عن غيره من الشعراء الذين انغلقت على شعرهم حدود الكويت، فهو شاعر استبدل بالانغلاق الانفتاح، وبالخنوع التمرد، وبالمحافظة التجديد، وبأسر التقاليد آفاق التحديث. وكانت رحابة وعيه القومي قرينة اتساع أفق إبداعه الذي لم يكف عن الحوار مع كل التجارب الجديدة في الإبداع العربي، وذلك إلى الدرجة التي جعلت من شعره صورة للتغيرات التي طرأت على القصيدة العربية منذ نهاية الأربعينيات.
إن أهم ما يميز شعر العدواني أنه بالقدر الذي يغوص في أعماق واقعه الخاص، ليستخلص منه رموزه المميزة وأمثولاته الدالة، على النحو الذي يجعلنا نشعر بخصوصية معنى "الجمل" و "النخلة" و "الصحراء" أو نشعر أننا إزاء "صفحة من مذكرات بدوي" أو إزاء معنى خاص جدا لأمثولة "معزتنا العجفاء"، فإن هذا الشعر يستشرف الآفاق المتجددة للشعر العربي كله، ويصل الحلم القومي لهذا الشعر بالحلم الإنساني الذي ينطوي على معنى الانتقال من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية. ومن هنا انسرب في شعر العدواني هذا النوع من "التناص" الذي يكشف عن حوار دائم بينه وبين الإبداع العربي الموازي، وذلك بالمعنى الذي يصل قصيدة "الناسك وشكوى الشيطاني" و "ترجمة شيطان" للعقاد مثلا، أو يصل بين مفتتح "تأملات ذاتية" ومختتم "سفر ألف دال" لأمل دنقل، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. ولا أقصد بالتناص المعنى السلبي للتأثر بل إلى تفاعل قصيدة العدواني وكل أشكال القصيدة العربية وأنواعها في المجال الخلاق للحوار وليس المجال السلبي للتكرار.
وإذا كان هذا الحوار هو الذي نقل شعر العدواني من وعي القبيلة التقليدية (الذي أغرق بعض معاصريه من شعراء الكويت) إلى وعي المدينة الحديثة، حيث الآفاق المتجددة للتحديث والتجريب، فإن هذا الحوار هو الذي جاوز بشعره قيود المحافظة بمعناها العرقي (الذي ينغلق على الشعر العربي وحده) إلى العوالم الرحبة للشعر العالمي. ولم يكن من قبيل المصادفة أن ينطلق العدواني من جدران "الأزهر" الذي أنهى دراسته فيه بالقاهرة عام 1949 ليدخل عوالم الإبداع العالمي عام 1950، فيستوحي قصيدة للشاعر الإنجليزي توماس هاردي، مؤسسا بذلك ملمحا ثابتا لم يفارق شعره قط، أعني ذلك الملمح الذي وصفه العدواني نفسه بقوله:


دياري فكرة كالنور تسري
وما احتبست على علم وتربه
تركت سواكن الأوطان خلفي
لمن ألف الحياة المستتبه
وسابقت الرياح بكل أفق
فلي والريح ميثاق وصحبه


المصدر: مجلة العربي ـ مارس 1992 27/8/1412هـ / العدد 400

من دواوينه :

أجنحة العاصفة عام 1980
أوشال عام 1996 ، جمعه خليفة الوقيان و سالم عباس خداده
صور و سوانح


من مؤلفاته :

نشيد الكويت الوطني عام 1975
أرض الجدود
يا دارنا يا دار ـ لحنها رياض السنباطي


رجاء وأمل : أما آن الأوان ليرفع لنا أحد فطاحل منتدانا ديوانا من دواوينه
رد مع اقتباس