عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 02/04/2007, 21h26
MOHAMED ALY MOHAMED ALY غير متصل  
قـناديلى ـ رحمة الله عليه
رقم العضوية:700
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 69
المشاركات: 839
افتراضي مشاركة: شعراء ام كلثوم

21 -- العباس بن الأحنف
وأبيات نسبت إليه ظلماً !
على الرغم من أن عدد الأبيات التي شدت بها سيدة القصيدة العربية وسيدة الغناء أم كلثوم للشاعر العباسي العباس بن الأحنف لم تتعد أصابع اليد الواحدة، إلا أنها قد أخذت منا جهداً ووقتا يساوي تقريباً نصف ما بذلناه في الكتاب كله !
والسبب يرجع في الأساس إلى ذلك الخطأ الذي جاء في كتاب "جامع أغاني أم كلثوم"، وهو الخطأ الذي ارتبط بأحداث فيلم "سلامة". والذي غنت فيه أم كلثوم هذه القصيدة.
ففي عام 1944.وفي الفيلم المذكور والذي وضع قصته الأديب علي أحمد باكثير غنت أم كلثوم عدة قصائد ملحنة كان بينها بيتان بعنوان "يا بعيد الدار" نسبا إلى العباس بن الأحنف وتقول كلماتهما:
يا بعيد الدار موصولاً بقلبي ولساني
ربما أبعدك الدهر وأذتك الليالي
كلما زاد بي الشوق وفاضت بي شجوني
لُذت بالسلوان والبعد وما يفعلان
وبعد البحث والتنقيب في أشعار العباس بن الأحنف، ومن داخل أوراق ديوانه.. لم نعثر على هذين البيتين، وكانت تلك هي المفاجأة !، إذ عثرنا على أبيات مشابهة لها في بعض الألفاظ والكلمات !، وذلك ضمن أربعة أبيات اختتم بها الشاعر ديوانه المطبوع !. وقد قالها قبيل موته، كما سوف نشير إلى ذلك تفصيلاً عند الحديث عن بعض لمحات من سيرة حياته.
والبيتان اللذان ذكرهما العباس بن الأحنف تقول كلماتهما:
يا غريب الدار عن وطنه
مفرداً يبكي على شجنه
كلما جد البكاء به
دبت الأسقام في بدنه
ولكي نقطع الشك باليقين في شأن هذين البيتين، أخذنا في السؤال عنهما لدى بعض المصادر الحيوية من أساتذة الجامعات وبعض الشعراء. وكلهم أجمعوا على أن ما شدت به أم كلثوم وما نسب إلى العباس بن الأحنف مشكوك فيه.! لسببين أولهما: أن بالبيتين مشاكل كثيرة متعلقة بأصول العروض. وثانيها: أن مثل هذه الموضوعات لم يتطرق إليها ابن الأحنف رغم ما اشتهر به من موضوعات قالها في الغزل.
من أجل ذلك ثبت لدينا باليقين أن ما لحنه زكريا أحمد ونسب إلى العباس بن الأحنف غير صحيح.. أو ربما غير اللحن في الكلمات وفق ما رآه صالحاً للألحان المصاحبة لأحداث الفيلم !، وقد وقع غيرنا من المؤرخين والمهتمين بالفن في نفس الخطأ، إذ ذكرت الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها المهم عن "أم كلثوم" وفي صفحة 213من هذا الكتاب. أن قصيدة "يا بعيد الدار" من تأليف عباس بن الأحنف.وما دمنا قد ذكرنا الشاعر الكبير ابن الأحنف، كان لزاماً علينا على الأقل رداً على ما التصق به ظلماً من أبيات لم يؤلفها، التقاط بعض الأضواء المبهرة على بعض لقطات حياته وأشعاره، وكذلك عما أثير من أساطير عن موته وما ارتبط بهذا الرحيل من كلمات حرفت من أجل أن تغنيها أم كلثوم !.
وشاعرنا المقصود هنا.. وفق الإجماع هو أبو الفضل العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة بن حردان بن كلدة بن عبد الله بن حنيفة بن نجيم الحنفي اليمامي.
وهناك من يرى أن نسبه لليمامة ربما جاء لمولده بها.. أما صالح بن عبد الوهاب فيقول إنه عربي من خراسان ومنشؤه بغداد.
وشاعرنا المنوه عنه يعتبر من الشعراء العرب الذين قصروا شعرهم على الغزل، إذ لم يتجاوزه إلى غيره من فنون الشعر إلا في حالات نادرة.
ولقد استبدل المؤرخون من دارسي أشعاره بأنه كان على اتصال بالمهدي والرشيد وهما من الخلفاء العباسيين، وكان اتصاله بهما اتصال إلفه وليس اتصال تَكسُّب !.
وفي إطار اهتمام ابن الأحنف بشعر الغزل.. ذكر العديد من النساء اللائي حفل بهن في أشعاره، وكان من أبرزهن فوز ومظلوم ونرجس ونسرين وسحر وضياء. إلا أن معظم ما قاله في الغزل قد اختص به فوز بالذات، وقد احتل هذا الغزل قرابة ثلاثة أرباع ديوانه !.
وهناك من النقاد والمؤرخين من يرى أن فوز هذه ما هي إلا امرأة باسم مستعار، وقد لجأ إلى تلك الحيلة خشية أن يعرض نفسه للعقاب.
وإلى جانب ما اتصف به شعر الأحنف، كان كذلك يتسم بالنزعة الدينية، حيث حفل بالعديد من المظاهر الإسلامية من أبرزها التدين والتقوى عنده أو عند محبوبته فوز، وحرصهما على أداء العبادات.
ولقد اعجب المغني العباسي الكبير إبراهيم الموصلي بأشعار العباس بن الأحنف ولذلك فقد كان كثيراً ما يتغني بتلك الأشعار، وربما إقبال الموصلي على هذه الخطوة هو الذي شجع الملحن زكريا أحمد لأن ينسب البيتين السابقين ظلماً للأحنف !.
وعلى أية حال، فلقد أدلينا برأينا في هذا الأمر المهم.. وعلى غيرنا من المهتمين بالشعر العربي وقضاياها.. الوقوف أكثر على هذه القضية.
ولكن ماذا عما قيل بشأن موته من أساطير ؟!.. خاصة وأنها ارتبطت بالأبيات السابقة الإشارة إليها والتي تشبه في بعض معناها ما شدت به أم كلثوم ؟!
وكان لهذه الأساطير عدة مصادر.. من أهمها مصدران، الأول عمر بن شيبة الذي حكى يقول: مات إبراهيم المعروف بالنديم الموصلي سنة ثمان وثمانين ومئة.. ومات في ذلك اليوم الكسائي النحوي والعباس بن الأحنف وهشيمة ابن الخمارة. فرفع ذلك إلى الرشيد، فأمر المأمون أن يصلى عليهم.. فصفوا بين يديه، فقال: من هذا الأول ؟!. قالوا: إبراهيم الموصلي.. فقال: أخروه، وقدموا العباس بن الأحنف، فقدموه، فصلى عليه.
فلما فرغ انصرف، فدنا منه هشام بن مالك الخزاعي فقال: يا سيدي كيف آثرت العباس بن الأحنف بالتقدمة على من حضر ؟ فأنشد:
وسعى بها ناس فقالوا، إنها
لهي التي تشقى بها وتجاهد
ثم قال: أتحفظها ؟ قلت: نعم، وأنشدته.. فقال المأمون:
أليس من قال هذاالشعر أولى بالتقدمة؟ فقلت: بلى والله يا سيدي !.
وثمة أسطورة ثانية رواها صاحب كتاب معاهد التنصيص من أبي زكريا الصولي حدثه بها رجل من قريش، ورواها المسعودي في مروج الذهب عن جماعة من أهل البصرة، خرجوا يريدون الحج، فلما كانوا في بعض الطريق عرجوا ليصلوا، وإذا هم بفلاح جاءهم وقال لهم: هل فيكم أحد من أهل البصرة، فأجابوه: كلنا من أهل البصرة، فما تريد ؟!. قال: إن مولاي من أهلها ويدعوكم إليه وهو لما به يريد أن يوصيكم، فقاموا إليه، فإذا هو ملقى تحت شجرة قراب عين ماء، فجلسوا حوله، فأحس بهم، فرفع رأسه وهو لا يكاد يرفعه ضعفاً وأنشأ يقول:
يا غريب الدار عن وطنه
مفرداً يبكي على شجنه
كلما جد البكاء به
دبت الأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه طويلاً، وبينما هم جلوس حوله، إذ أقبل طائر فوقع على أعالي الشجرة التي كان تحتها وجعل يغرد، ففتح عينيه وجعل يسمع تغريد الطائر. ثم أنشأ يقول:
ولقد زاد الفؤاد شجىً
طائر غنى على فننه
شفه ما شفني فبكى
كلنا يبكي على سكنه
ثم تنفس نفساً فاضت نفسه معه فلم يبرحوا عنده حتى غسلوه وكفنوه وحولوا الصلاة عليه، فلما فرغوا من رفعه سألوا الفلاح عنه فقال: هذا العباس بن الأحنف.

رد مع اقتباس