[فيصل حواص]

لطفي بوشناق يكسب المعركة
لم يستنكف فنانو المشرق العربي ,بمختلف طبقاتهم , من لهجاتهم العامية ولم يترددوا لحظة واحدة في توظيف عباراتها في أغانيهم ,بكل فخر واعتزاز,ولم يجابهوا بحملات ممنهجة من الانتقاد والاستنقاص والاستهجان, ولم تمنع أغانيهم من البث ولم يتم اقتطاع أجزاء منها تحت أي ذريعة كانت خاصة ذلك التصنيف البغيض’’كلمات غير صالحة’’...إلخ
فهذا الموسيقار فريد الأطرش لا يرى غضاضة من استعمال عبارة’’يا عوازل فلفلو’’ في أغنيته المعروفة ’’ما قالي وقلتلو’’ أي ما يقابلها في اللهجة التونسية العامية ’’احمصو وغزلو’’...وهذه سيدة الغناء اللبنائي المطربة فيروز لا تجد حرجا من ترديد العبارة اللبنانية الرائجة’’يخرب بيت عيونك’’ في أغنيتها الشهيرة ’’على هدير البوسطة’’ والتي نجد لها نظيرا في العامية التونسية وتحديدا لدى مواطنينا ’’ الصفاقسية’’ عند إعجابهم بصفات و مواقف شخص فإنهم يقولون ’’يخلي دارو’’...
أما الوضع في تونس فمغاير تماما , فلئن استحسن واستملح التونسيون كل ما يرد من المشرق-غثه وسمينه دونما غربلة أو تمييز حتى وصل بهم الأمر إلى تأليه الفنانين المشارقة واعتبارهم فوق النقد - فإنهم في المقابل لم يتسامحوا مطلقا مع الفنانين التونسيين الذين اكتووا من ازدواجية المعايير وسياسة المكيالين ...فقد تعرض مطربهم الأبرز على سبيل الذكر لا الحصر علي الرياحي إلى حملات مسعورة من الاستهجان والازدراء والتشويه لا لشيء سوى أنه ضمن البعض من أغانيه عبارات مستمدة من العامية التونسية من قبيل ’’وسع بالك’’ أو ’’وحده وحده ’’ أو’’يا مأكبر دايا وما نقرش’’...إلخ
حتى جاء لطفي بوشناق وكانه أراد الثأر لعلي الرياحي ولغيرعلي الرياحي من الفنانين التونسيين , فخرج على الناس ذات يوم من سنة 2019 بأغنية فريدة في منحاها ومحتواها وأسلوب تلحينها ,عنوانها :’’هاموا بشقراء وسمراء’’ ,وهي في الأصل قصيدة ارتأى لطفي بوشناق أن يلحنها على نمط الطقطوقة ولم يكتف بذلك بل عن له أن يضعها في أجواء فن ’’المزود’’ التونسي الشعبي بتلحينها في طبع ’’الاصبعين ’’ على إيقاع ’’البوسيقة’’ الشعبي.
ولكن الطرافة والإضافة لا تكمنان في شكلها وطريقة تقديمها بل في تلكم العبارة التي تتفرد بها اللهجة العامية التونسية ألا وهي ’’يلعن بوزينك ياروحي’’ والتي وردت في المقطع الرابع من الأغنية :
يا وردة الحب فوحي
وضمديلي جروحي
’’ يلعن بو زينك ياروحي ’’
حرمت نومي عليا
أجزم بأن بوشناق استمرأ هذه العبارة واستلذها ,وتمسك بها ,وأصر على تثبيتها والإبقاء عليها , وفرضها فرضا ,رافضا الاستعاضة عنها مهما كان الثمن...
فما لبثت أن راجت هذه الأغنية وانتشرت على نطاق واسع وشدا بها بوشناق في مختلف المهرجانات التونسية كما غناها بقاعة الأوبرا بمدينة الثقافة’’الشاذلي القليبي’’ وأعاد مقطعها الرابع أكثر من مرة بطلب من الجمهور الحاضر,وحظيت بإعجاب الناس والمتابعين للشأن الموسيقي ورددتها الحناجروتنافست الإذاعات العمومية والخاصة على تمريرها وبثها بما في ذلك الإذاعة الوطنية ’’أم الإذاعات’’ دون اللجوء إلى حذف المقطع الرابع أو العبارة المذكورة آنفا...
فهنيئا لك يا بوشناق بهذا النصر والفتح العظيم