عرض مشاركة واحدة
  #241  
قديم 10/04/2012, 10h09
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوة الاعزاء
السلام عليكم


" ديوان المكير" و "زامل سعيد فتاح" والاغنية العراقية الخالدة



ديوانٌ شعري صغير، طبع بإمكانات بسيطة، حتى يخيل للقارئ أنه قديم، قدم الفرح العراقي الذي أصبح ذكرى أو حكاية يحكيها الكبار لأحفادهم كالسندباد وألف ليلة وليلة.
هذا الديوان الصغير المتواضع ، البسيط في كل ما يحتوي، الورق، الطباعة، الغلاف والكلمات، خرجت منه أجمل الأغاني العراقية في فترتها الذهبية (السبعينيات)، ترى هل سبق هذا الديوان، ديوان آخر منح ساحة الغناء العراقي أكثر من خمسة عشرة أغنية؟.




الشاعر المرحوم زامل سعيد فتاح



"المكَيَّر" وحسب ماهو معروف باللهجة العراقية هو الشارع المعبد بالأسفلت (القير– أو الجير) ولكن "مكَيَّر" الشاعر زامل سعيد فتاح هي زقورة أور في الناصرية، وهي من آثار السومريين، وزقورة أور تبعد عن مركز مدينة الناصرية قرابة خمسة عشر كيلومتراً، والطريق الأسفلتي المؤدي إلى الزقورة يمر بمحطة قطار الناصرية، لذا ظنَّ البعض أن "المكيَّر" هو محطة القطار نفسها، وهذا إشكال ولد بولادة القصيدة التي تحمل إسم الديوان "المكَيَّر"، خصوصاً بعد أن أصبحت أغنية شهيرة عرفها الجمهور العراقي بصوت المطرب ياس خضر بعد أن أسندها له الملحن الراحل كمال السيد عام 1969، لتكون هذه الأغنية بمثابة الباب الكبير الذي دخله المطرب ياس خضر إلى عام الأغنية العراقية والشهرة فيما بعد:


مشيت وياه للمكَيَّر أودعنه
مشيت وكل كتر مني
إنهدم بالحسرة والونه
وعلى الرملة…
وبضوة الكَمرة
يناشدني وأنشدنه


طبع ديوان "المكَيَّر" عام 1971، في مطبعة الجامعة ببغداد على حساب "منشورات دار أحياء التراث العربي" وتحملت "مكتبة المنار– بغداد" مهام توزيعه، والديوان يحتوي على خمسة وثلاثين قصيدة، جاء في مئة وأربع عشرة صفحة من الحجم الصغير، وأهمية هذا الديوان هو أنه منح من بين وريقاته أغاني عراقية مهمة لا زال العراقيون يتذكروها ويتغنون بها، وهذا ما نود أن نتناوله في مقالنا هذا، فبالإضافة إلى أغنية "المكَيَّر" نجد بين صفحات هذا الديوان أغنية عرفها العراقيون بصوت المطرب قحطان العطار، هي أغنية "شكَول عليك" التي لحنها الملحن محسن فرحان، ثم نجد أيضاً أغنية "هذا آنه" التي لحنها وغناها الملحن طالب القره غولي، وهي الأغنية الأكثر شهرة من بين قصائد الديوان إذا استثنينا منه قصيدة "المكَيَّر":


هذا آنه.. وهذاك إنت
وتظل بضنوني ذاك إنت
هذا آنه ويمر طيفك، وشوف أماني لو شفتك
عرفتك جوري لو فوَّح
عرفتك طير من يصدح
ومن حبك غناي آنه تعلمته.. وهذاك إنتَ


قدم الكاتب عادل سعد ديوان "المكَيَّر"، ومن خلال مقدمته راح يظهر أهمية الشعر الشعبي العراقي من خلال تلاحمه مع الواقع اليومي المعاش ووقع كلماته وموسيقاها داخل الروح العراقية، وفي النهاية قال: "إن شعر زامل سعيد فتاح، هو نزوح مسالم في بقاع الذاكرة، يفشي أسرار الغصون والإنتظار، ويتقد بالملوحة الطازحة. ولهذا… لهذا ينبغي أن نغنيه".

الشاعر زامل سعيد فتاح من مواليد مدينة الشطرة التابعة لمحافظة الناصرية، هذه المحافظة التي أغنت الساحة الفنية العراقية، بأهم الأسماء التي عرفها العراقيون عن قرب، فلها في الشعر زامل سعيد فتاح وعريان السيد خلف وكاظم الركابي وجبار الغزي، صاحب الأغنية الشهيرة "إيقولون غني بفرح" التي لحنها الملحن محسن فرحان، وسمعها العراقيون بصوت المطرب قحطان العطار، ولمدينة الناصرية ملحنوها الكبار مثل الملحن الراحل كمال السيد والملحن طالب القره غولي، وتكاد مدينة الناصرية أن تكون الرافد الحقيقي والمهم لضخ أجمل الأصوات العراقية إلى ساحة الغناء، فمنها خرج حضيري أبو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم وجبار ونيسة وحسين نعمة وستار جبار وعلي جودة والقائمة تطول. في هذه المدينة وبين ثناياها ترعرع الشاعر زامل سعيد فتاح وفيها أكمل دراسته حتى أصبح معلماً للدراسة الإبتدائية فيها. بعد فترة من الزمن وعند تعرفه على الملحن طالب القره غولي إنتقل زامل إلى بغداد بتشجيع من صديقه القره غولي الذي سبقه إلى ذلك حيث كان قد عُين معلماً في إحدى مدارس قضاء المحمودية أحد أقضية العاصمة عام 1970. كان لإنتقال الشاعر زامل سعيد فتاح إلى العاصمة بغداد أثره الكبير، حيث أخذت معالم حياته تتغير بشكل واضح وسريع، فلقد تعرف على كبار الفنانين ودخل الوسط الفني الغنائي من أوسع أبوابه، وفيها تزوج ليستقر حتى يومه الأخير.

وفي بغداد أصدر الشاعر زامل سعيد فتاح ديوان "المكَيَّر"، وبالعودة إلى هذا الديوان نجد أن الملحن طالب القره غولي قد أخذ حصة الأسد في تلحين أغلب قصائده، فبالإضافة إلى أغنية "هذا آنه" لحن طالب القره غولي أغنيته الشهيرة "جذاب" التي انتشرت بين البيوتات العراقية بشكل غريب، ويمكن أن يقال إن ما من مطرب عراقي عرفه الجمهور إلا وتغنى بهذه الأغنية:

جذاب دولبني الوكت بمحبتك
جذاب روحي تمرمرت من عشرتك
جذاب… وتريد أرد إنوب إلك
لا ما أرد وأنسى المضى

ويبدو أن الشاعر زامل سعيد فتاح قد غيَّر كلمات القصيدة بشكل كبير كي تخرج إلى مسامع الجمهور في صورتها الجميلة والسلسة التي عرفناها. ولطالب القره غولي أغنية أخرى في هذا الديوان هي أغنية– قصيدة– "يا ليل" هذه الأغنية التي غناها لأول مرة المطرب جميل قطشة ، ليغنيها ويتألق بها بعد ذلك المطرب ياس خضر، والتي حركت مشاعر مثقفين العراق قبل عاشقاته:

حيل اسحن بروحي سحن
ماكولن احاه واون
يا ليل صدق ما أطخلك راس
وأشكيلك حزن


قدم الشاعر زامل سعيد فتاح في ديوانه البسيط هذا، أجمل صور العشق العراقية، فقصائده المتنوعة بحكاياتها وبنائها الشعري قد تكون السر في أن يكون هذا الديوان رافداً مهماً من روافد الأغنية العراقية، وما زلنا نتحدث عن القصائد التي لحنها طالب القره غولي، يجدر بنا أن نذكر أغنية "فرد عود" التي سحرنا بها صوت المطرب حسين نعمة. القصيدة مكونة من مقطعين شعريين، يحتوي كل مقطع منها على صورة شعرية ذات دلالة لم تعرفها الأغنية العراقية من قبل–فترة الستينيات:


سَيَّر علينه الهوى
وجَفَّل بقايا الشوق…
وكلمة هلا ومرحبا
بس إلحبيبي اتلوك


هذه الصورة الشعرية التي أراد شاعرها أن يفصح عن عشق سكن داخل الروح العاشقة منذ سنين طويلة، ولكنه سرعان ما تحرك وطفحت معالمه عند قدوم الحبيب. أما الصورة الشعرية الثانية فقد حولت صورة النخلة العراقية إلى عاشقة تذرف الدموع عسلاً:


والليلة فتّح طفل
يا روحي عشق الراح
دمع التبرزل عسل
وعثوكَه ما تنلاح.


عندما سمع الجمهور العراقي هذه الأغنية لأول مرة بصوت المطرب حسين نعمة، عرف وبشكل لا يحتمل اللبس بأن هذا المطرب هو من يمتلك بين ثنايا صوته أجمل قرار غنائي من بين أصوات المطربين العراقيين. للمطرب حسين نعمة حصة لا يستهان بها من ديوان "المكَيَّر" فلقد أخذ منه أشهر المواويل التي غناها وسميت باسمه مثل:


يا عيني عليمن اربيّه…
ولا جيه بعد منهم…
ولا كَعدات كَمرية…


حيث غنى هذا الموال على نغم العجم... وعلى نغم الرست له كذلك موال من قصيدة "ديس العنز" الذي أخذ شهرة كبيرة والذي يقول فيه:

روحي طريِّه وتشتهي
صوباط عنبك عالي
ردناك يا ديس العنز
وأمك تسوم بغالي


أما القصيدة الثالثة والتي أخذ منها المطرب حسين مقطعاً ليغنيه موال على نغم الرست أيضاً، هي قصيدة "قداح"، حيث تقول الأبيات الأولى:


قداح.. والقداح يذبل من تريد اتجيسه
يا بوسة العريس ليلة زفته بعروسه


هكذا يفصح لنا ديوان الشاعر زامل سعيد فتاح "المكَيَّر" عن قصائد أصبحت تحف غنائية غالية الثمن بسيطة التناول عصية على النسيان، ولم يكتفِ هذا الديوان الصغير بذلك، بل راح يشكو عشقه الجميل إلى كل من عرف فرحة العشق، بصوت ومن بين أوتار الملحن طالب القره غولي في قصيدة "شكوى" التي عرفها المستمع العراقي بصوت المطرب رضا الخياط من خلال كلماتها الدافئة:

تكبر فرحتي بعيني
وأشوف الدنيه بعيونك
ويمر بخاطري وضني
أمل وردي من أشوفنك


وهذه الأغنية هي أول أغنية غناها داود القيسي قبل أن يتحول إلى غناء الأغاني والأناشيد الوطنية. انتشرت هذه الأغنية بصوت رضا الخياط وطالب القره غولي بشكل ملفت للنظر، حيث دخلت كل البيوتات العراقية بعدما سكنت قلوب العاشقين، على الرغم من إنها بقيت حبيسة الكاسيتات ولم تصور إلى التلفزيون.

وهنا نصل إلى قصيدة "نسينه يا هوى"، هذه القصيدة التي أصبحت أغنية عراقية دافئة عندما سمعتها الأذن العراقية بصوت المطرب فؤاد سالم، هذه الأغنية خرجت بجملها الموسيقية الجميلة والمتقنة من بين أوتار الفنان الملحن ياسين الراوي:


نسينه يا هوى انسينه…
وتبعنه قلوبنا وحبينه
وعلى شاطي المحبَّة اسنين…
ودروب الهوى امشينه


ولا تزال هذه الأغنية ساكنة أذهان العراقيين، حيث يطلب الجمهور سماعها في كل مرة يكون فيها المطرب فؤاد سالم في حفلة من حفلات منفاه.

أما قصيدة الغلاف (اختار مصمم الغلاف قصيدة "يا غريب الدار" من بين قصائد الديوان لتكون الوجه الحقيقي والمعبر عن ما يحتويه
للأسف لم يذكر اسم المصمم على صفحات الديوان) فلقد أهداها الشاعر زامل سعيد فتاح إلى صديقه حيدر الجاسم الذي كان يقيم في إيطاليا، وهي قصيدة تشكو البعد والغربة، وهي صورة شعرية وأحاسيس لحالة إنسانية لم يكن العراقيون قد اعتادوا عليها بعد:


يا غريب الدار من دار الأهل
هاك بوسة شوق معتز بيها
من نواعير الغفت حدر النخل
من ثنايا الهور، من برديها
هاك بوسة لعينك الحلوه كحل
شوف بيها أحبابك وناغيها


خرجت هذه الأغنية من بين أوتار ملحن ترك أثره الواضح في تاريخ الأغنية العراقية، إنه الملحن الراحل كمال السيد، هذا الملحن الذي لحن لأغلب المطربين العراقيين، فما من مطرب عراقي عرفه الجمهور وسمعه باحترام إلا وكان للسيد حصة فيه، أما هذه الأغنية "يا غريب الدار" فلها طعمها الخاص، كونها خرجت إلى المستمع العراقي بصوت مطرب صداح احبه الجمهور العراقي بشكل مميز إنه المطرب قحطان العطار، صاحب أغاني الفرح الذي أتعبته الغربة وبلاد المنافي.

في الأشهر الأخيرة من عام 1983 توفي الشاعر زامل سعيد فتاح أثر حادث سير غامض كثرت عنه الأقاويل والشبهات، ففي إحدى ليالي بغداد الشتوية خرج زامل سعيد فتاح من مبنى إتحاد الأدباء وكان بمعية المخرج نبيل إبراهيم الذي كان يقود السيارة التي سرعان ما اصطدمت بسيارة أخرى، ليكون هذا الشاعر، شاعر "المكَيَّر" الضحية الوحيدة في هذا الحادث.

ربما هو العطش الذي نعانيه منذ سنوات طوال، عطش الكلمات الدافئة واللحن الساحر، عطش العراق ودموع النخيل، ما دفعني للكتابة عن هذا الديوان، ديوان "المكَيَّر" الذي صدر قبل اثنين وثلاثين عاماً، وعن هذا الشاعر العراقي الذي يستحق أن يُذكَر ويُكَرَّم كل عام، إنه شاعر "المكَيَّر".

منقول للفائدة بتصرف

تحياتي
قصي الفرضي
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg زامل سعيد فتاح.jpg‏ (12.3 كيلوبايت, المشاهدات 237)
رد مع اقتباس