كان الفنان عزيز علي متمرداً على التوجهات السياسية للحكم الملكي في العراق وكان يقدم منولوجات تسخر من الاستعمار وأذنابه بطريقة لبقة ولكنها موجعة لأركان الحكم في ذلك الوقت ، اذ أن تلك المونولوجات كانت تذاع من دار الإذاعة العراقية وعلى البث المباشر . وقد عانى واعتقل بسبب ذلك عدة مرات .
في عام 1943 أطلق سراحه وفرضت عليه الإقامة الجبرية في مدينة كربلاء والامتناع عن تقديم منظوماته الشعرية ، وفي عام 1947 زاره مدير الدعاية العام يعرض عليه العودة الى بغداد ومواصلة إذاعة مونولوجاته على ان لا توحي بما لا يرضاه المسؤولون.
عاد عزيز علي الى بغداد ، وفي بداية عام 1948 وقف امام ميكروفون إذاعة بغداد بعد غياب طويل ليصرخ و تصرخ معه الجماهير العربية (الممثلة بجوقة الإذاعة) بوجه المستعمر وأذنابه مونولوج "حبسونا". تطرق في ذلك المونولوج الى الأوضاع العربية وهاجم الاستعمار الذي خلق إسرائيل في قلب الامة العربية وكشف ألاعيب المستعمر واسلوب عملائه في اتهام كل من يقف ضده بشتى الاتهامات ومنها الانتماء الى النازية او الشيوعية.
اليكم كلمات مونولوج حبسونا:
حِبْسُونَه عَذْبونَه....والله لولَهْ تْقُتْلونَه
وتحركَونه وتْذَرّونَه....لْهذا الوطنْ حْنا نْصُونَه
ما بَعْد تْغرْنا وْعُودْ....ولا نِتْقَيَّدْ بِقْيُودْ
عْرَفْناكُم وعْرَفْتُونا....بْهذِي اللعبة الملْعونهْ
يا ناس حْنا الأحرارْ....ما نِرضَهْ الاستعمارْ
جوَّعْتُونا وعَرَّيْتُونَا....ولعَنتوأ اُمْنَا واْبُونَا
فُكّونَا....مَرْمَرْتُونا
ييزي نِتحَمَّل عادْ.... الظلمْ والاستبدادْ
يا ما تْجرَّعْنَا العَلْكَمْ....وشْبَعْنَا مِن الهم والغَمْ
يا ما وْعَدْتُونا وعُودْ....وعاهَدْتونا بِعْهُودْ
توْفُوهَا مْن يْخَضْر العُودْ
وَهدنْتُونا وغَشَّيتُونا....خوْ مُو بَلْوَهْ بْلَيْتُونا
مَنهابْ حْنا التَهديدْ....ولا الضَغْط وْلا التَشْديدْ
مَجلِسْكُمْ مِنكُمْ بيكُمْ.... يا مِنْ غَضَب الله عَليكُمْ
تِردُوها كْبارْ كْبارْ....تِردوُها زْغار زغَارْ
مَجلسكُمْ مَجْلِسْ أشْرارْ
دتْراوونا الموْت شْلونَه....حَتّى نِرْضَه بِلِصْخُونَه
صارِلْنا حَفْنهْ سْنِينْ....دنْشُوفْ حْنا فَلَسْطِنْ
هذي الأرضِ العربيهْ....تِنهَبْنَا الصهيونيهْ
بَسْ صِحْنا يَمْعَودينْ....تْهَمـتُونَا نازِيّينْ
سَكَّتُونه ولهّيْتُونَه....وسَوّيْتُو اللّي تْريدُونَهْ
بِعتوُنَه....وخْسَرْتُونَه
ما كنّا نَازيينْ....ولا إحْنا شْيوعيينْ
إحنا نريدْ الحُريهْ....وحْكومهْ دستوريهْ
ليريدْ الاستقلالْ....ما يْهِمَّهْ الدَّمْ والمَالْ
مْنِ تْحبسُونا وتِعتَقْلونَا....لا تْظنّونْ تْخِذْلُونَا
تفسيري المتواضع للمنظومة الشعرية لمن لا يعرف اللهجة العراقية العامية :
احبسونا وعذبونا ،وحتى ان قمتم بقتلنا وحرقنا فاننا نصون الوطن و لا تظنون اننا سنخونه.
لم تعد تغرينا الوعود ولا نتقيد بقيود ، لقد عرفناكم وعرفتونا بهذه اللعبة الملعونة ( اي خلق إسرائيل ) . نحن أحرار ولا نرضى بالاستعمار ، نقبل بالنار ولا بهذا العار. لقد استخدمتم معنا أساليب التجويع والقمع ونحن نريد الفكاك منكم.
لم نعد نتحمل الظلم والاستبداد فقد تجرعنا العلقم وشبعنا من الهم والغم وأعطيتونا وعوداً وعهوداً لم توفوا بها. لقد اوقعتونا بورطة وتعرضنا منكم الى الغش والسرقة والنهب .
نحن لن نهاب التهديد ولا الضغوط ولا استخدام الشدة.ان مجلسكم (المقصود مجلس الامن) هو منكم ويعود اليكم. لتحل عليكم اللعنة ، فعندما تريدوها كبار تصبح كبار وعندما تريدوها صغار تصبح صغار (اي ان المجلس هو لعبة بأياديكم ) ، مجلسكم هو مجلس أشرار. لقد اريتونا الموت حتى نقبل بتقديم التنازلات ، ولكن يبدو انكم لم تعرفونا بعد.
منذ سنوات ونحن نرى الارض العربية فلسطين تنهبها الصهيونية وعندما صرخنا واستنجدنا بالخّيرين اتهمتمونا باننا نازيين وشيوعيين ( اتهم عزيز علي تارة بالنازية وتارة بالشيوعية علماً انه لم ينتمي الى اي حزب او منظمة سياسية ). و بهذه التهم اردتم اسكاتنا واشغالنا لتمرير ما تريدون ، لقد بعتونا وخَسَرْتُونا.
لم نكن نازيين ولم نكن شيوعيين ، وانما نريد الحرية وحكومة دستورية. ومن يريد الاستقلال لا يهمه ان يبذل دمه وماله في سبيل ذلك والايمان يهد الجبال. ولا تحسبون انكم عندما تحبسونا وتعتقلونا نصاب بالخذلان فانكم قد جربتمونا وعرفتمونا.
حبسونا
عزيز علي