عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27/03/2011, 14h48
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي العلاقة بين التصوف وشعراء الملحون (الشعر الشعبي) في الجزائر_2_

2- ارتباط الشعر الملحون بالسماع وتوظيفهما في نشر التعاليم الصوفية:

إن التصوف والطرق الصوفية التي كانت ظاهرة دينية اجتماعية حضارية عامّة في المجتمع الإسلامي، ظهرت في وقت مبكّر بالجزائر. ذلك أن أفكار محيي الدين بن عربي قد انتشرت فيها قبل العهد العثماني بزمن طويل، كما أن حسن بن باديس صاحب السينية، قد تحدّث عن الشيخ عبد القادر الجيلاني و طريقته في القرن الثامن الهجري. ومن جهة أخرى تحدّث محمّد الزواوي الفراوسني صاحب (المرائي الصوفية) عن الطريقة القادرية في القرن التاسع الهجري.
وقد شاع التصوف في الجزائر بفضل مدرسة سيدي عبد الرحمن الثعالبي ومحمّد بن يوسف السنوسي و أحمد زروق وغيرهم. ولم يكن الانتماء إلى طريقة من الطرق الصوفية يُعد نقصًا أو عيبًا، بل إن أخذ الطريقة كان شيئًا يعلن عنه ويشاع بين الناس ويمارسه العلماء والتجار والساسة والجنود فضلًا عن العامة. (3)
وقد دأب الصوفية في الجزائر وبلاد المغرب عموما على تذوق الموسيقى وممارسة السماع الذي ارتبط بالشعر الشعبي (الملحون) ارتباطا عضويا حيث كان بعض شعراء الملحون متخصصين في مدح بعض الأولياء من الأقطاب أو من مؤسسي الطرق الصوفية الكبرى. ونذكر من بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر : الشيخ عبد القادر بن طبجي دفين مستغانم ومداح سيدي عبد القادر الجيلاني، ومن بين أشهر القصائد التي كتبها في مدحه "عبد القادر يا بوعلام ضاق الحال علي" التي غناها كثيرون وحرفوا مضمونها. ومن الواضح في هذا السياق أن الشعر الملحون لا معنى لوجوده إذا لم يتحول إلى أغان ومدائح. ومن هنا كان شيوخ الصوفية يؤكدون على ضرورة صياغة تعاليمهم وتوجيهاتهم ووجدانياتهم في شكل قصائد من الشعر الملحون سواء بأنفسهم (كما هي حال الشيخ سيدي أحمد بن مصطفى العلوي المستغانمي مؤسس الطريقة العلوية والذي له ديوان شعر مطبوع أغلبه من الملحون) أو الذين كان لهم شعراء ينتسبون إلى طرقهم ويصوغون تعاليمهم شعرا ويمدحونهم كما هي حال مولاي إدريس بن دريس شاعر ومداح سيدي محمد بن عيسى الملقب بالشيخ الكامل مؤسس الطريقة العيساوية دفين مكناس، إضافة شعراء الطريقة العيساوية في الجزائر.
وقد فهم شيوخ وأقطاب الصوفية في المنطقة المغاربية منذ زمن بعيد أن الشعر الملحون هو أثقل وزنا وأكثر رسوخا في أذهان العامة الذين شكلوا وما يزالون يشكلون أغلبية أتباعهم. وفهم هؤلاء الشيوخ أيضا أن هذا الشعر لا يمكن أن يرسخ في أذهان العامة إذا لم يغن. ومن هنا جاءت العلاقة العضوية المتينة بين شيوخ وأقطاب التصوف وبين شعراء الملحون. ولا يعني ذلك أن شعراء الملحون كانوا عاجزين عن نظم الشعر الفصيح ولكنهم كانوا ينظمون الملحون أكثر من الفصيح (سيدي قدور العلمي نموذجا) لأنه أكثر وأسرع انتشارا وأكبر أثرا وبالتالي أكثر فاعلية في توصيل الرسالة الصوفية.
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار ظاهرة (المداح) اختراقًا فنيا للمجتمع من طرف الصوفية، أو بتعبير آخر توظيفا للفن كوسيلة لتحريك الخطاب الديني الصوفي على مستوى الطبقات الاجتماعية المختلفة وخاصة البسيطة منها.ولهذا نلاحظ أن العديد من شعراء الملحون من الصوفية كان باستطاعتهم نظم الشعر الفصيح على الأوزان الخليلية التقليدية، غير أن ذلك لم يكن ليحقق لهم الهدف الذي يقصدونه من النظم، لأن شعرهم في هذه الحالة لن يكون في متناول الأغلبية ولن تفهمه سوى النخبة الذي تمثل الأقلية داخل المجتمع.
ومن المعروف أن ثنائية (الطالب) و (المدّاح) هي التي تقف في النهاية من وراء ظهور ما يعرف اليوم بالفن الشعبي أو الغناء الشعبي الجزائري، حيث أن مدرسة الشعبي ما هي إلا امتداد لظاهرة المدّاح المنطلقة أساسا من الفضاءات الصوفية المتمثلة في الزوايا.فالمدّاح من جانب المضمون كان يمدح عن الله تعالى، وعلاقة الانسان به من حيث الطاعة و المعصية والاستغفار بما يشمل جميع الانشغالات السلوكية الصوفية، ويمدح أيضا عن الرسول علية الصلاة والسلام، والصحابة رضي الله عنهم، والأولياء والصالحين، إضافة إلى أيام وغزوات العرب.
وإذا كان بعض شعراء الملحون لم يشتهروا بانتسابهم لطريقة صوفية معينة (ومن بينهم محمد بن مسايب) فإن ذلك لم يمنعهم من كتابة عشرات القصائد الصوفية بل إن العديد من قصائدهم التي يصنفها بعض الدارسين في خانة "الغراميات" أو "الهزليات" هي في الواقع قصائد "جدية" وصوفية أيضا. وسنتعرض فيما يلي من هذه الدراسة للعديد من النماذج في هذا الإطار.
وإذا كان الشعر الملحون قد ارتبط عند الصوفية بمسألة السماع أو الغناء والموسيقى ارتباطا عضويا، فإن ذلك نابع أصلا من كون الصوفية منذ القديم يستشعرون الحرية في التعامل مع المسألة الفقهية بحيث لم تكن لديهم أية مشكلة في هذا المجال بل إنهم كانوا دوما يحبّذون السماع ـ الموسيقى والغناء ـ حيث اعتبروه من العلوم التي تجمع بين المعاملة والمكاشفة ونقلوا جوازه عن بعض العلماء والعارفين امثال أبي مدين شعيب بن الحسن الأندلسي، دفين تلمسان، و أبي القاسم الجموعي و أب الحسن الشاذلي والشطيبي وغيرهم، فقد أخبر محمّد بن سليمان عن جواز سماع الموسيقى للصوفي الحقيقي، و أخبر أن شيخه موسى بن علي اللّالتي كان حسن الإنشاد و أنّه إذا أسمع و أنشد يكاد قلب السامع من تأثيره ينفطر وينهدّ، و أن شيخه كان يقول " ورثنا هذا المقام عن داود عليه السلام" (4).
و بعد حوالي قرن، فصل الورتلاني في هذه القضية ، فهو كرجل من اهل التصوف أباح استعمال الموسيقى والإنشاد لأهل التصوف، ومنعه عن غيرهم لأنه يؤدّي في نظره إلى الاختلاط والفساد..فالغناء في نظره دواء لأهل العشق الصوفي، ولكنه وسيلة من وسائل الشيطان لغيرهم..وهو يعني بأهل العشق الصوفي أصحاب الحضرة الصوفية"

(5)
و هناك من الفقهاء غير الصوفية من كان يتذوّق الموسيقى في ذاتها ويحلو له الإنشاد وسماع آلات الطرب..فقد روي عن عبد الواحد الونشرسي (وهو لسخرية القدر ابن أحمد الونشريسي الفقيه المتشدّد في موضوع الغناء والموسيقى) أنّه كانت له أزجال و موشّحات و كان رقيق الطبع يهتز عند سماع الألحان وآلات الطرب، لاعتدال مزاجه وقوام طبعه...( 6)
و اخبر ابن حمادوش في رحلته أنه يعلم علوما شتّى من بينها علم الموسيقى الذي قال إنه تعلّمه بطريق الإجازة.وفي (الرحلة القمرية) لابن زرفة أنّه قد ورد على الباي محمّد الكبير عالمان حنفيان من مليانة، أحدهما مفتي البلدة والثاني فقيه، و أن كليهما كانا من الموسيقيّين المهرة.و قد عرفنا من حياة المفتي أحمد بن عمّار أن بعض علماء مدينة الجزائر، وهو منهم، كانوا يصوغون الموشّحات المولدية ونحوها وينشدونها في المولد النبوي بالألحان المطربة.وتذكر المصادر ان الفقيه محمّد القوجيلي قد استأذنه أحد علماء تونس في سماع الموسيقى فأجابه بقوله : كلّ ذي كرم من شأنه الطرب. (7) ويذكر الورتلاني أن الشيخ علي المهاجري كان عازفا مشهورا على المزمار بلغ الغاية في صنعته حتى أصبح الناس يشترطونه في الأعراس (Cool. .
رد مع اقتباس