عرض مشاركة واحدة
  #140  
قديم 09/05/2010, 19h38
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الأستاذ محمد القبانجي
سيد المقام العراقي وشاعر يرتجل



هناك قول مأثورمفاده
الشاعر يشعر بما لايشعر به سواه
والشاعر عندما يمتلك موهبة الغناء، يكون دقيقاً في اختياراته ومتحفظاً الى ابعد الحدود بانتقاء القصائد الشعرية.
الاْستاذ القبانجي ، شاعر ومطرب يمتلك الموهبة الخصبة في الاختيار من مصدر القوافي التي يكتبها غيره من الشعراء وقد قالوا قديماً(يكاد المطرب ان يكون شاعراً) والقبانجي بحكم اصالته وحبه للغناء وهبه الله موهبة القوافي فكان لا يختار من الشعر إلا احلى الكلام.
ومن الذين غنى لهم الاستاذ القبانجي من الشعراء الخالدين شعراء العصر الجاهلي وعصرالاسلام والعباسي ومنهم جميل بثينة ..الذي قال في حبيبته بثينة.
لكل حديث بينهن بشاشة / وكل قتيل بينهن شهيد
كان القبانجي ذواقاً في اختياراته للقصائد التي يراها تصلح للغناء في دواوين الشعراء القدامى والمعاصرين له، وذكياً في تغيير الجمل التي يعتقد انها ناشزة اوجارحة للاذن ويضع مكانها جملة شعرية موسيقية تضفي شيئا من الجمالية على جو الاغنية وهو الشاعر المثقف الذي يجيد صياغة الكلمات الشعرية، وهو الذي يدرك جيداً، ان ليس من مهمة الشاعر ان يرصف الكلمات على الورق كما يرصف الحجر على الارض وانما مهمة الشاعر اشبه بمن يدخل الى خميلة وارفة الظلال ينتقي اشذى واجمل ما فيها من ازاهير نعم هذا هو الاستاذ محمد القبانجي وهذه هي اختياراته الواعية منذ وضع الخطوة الاولى في طريق الفن والغناء، فقد كان ينتقي اغانيه من عيون الشعر العربي ومن ارشق القصائد المهيأة للغناء من دواوين الشعراء امثال (ابن الفارض –وابن زريق البغدادي –وعبدالغفار الاخرس –ومحمد سعيد الحبوبي –والسيد حميد الحلي –وعبد الباقي العمري-ومعروف الرصافي ، وعبد الرحمن البنا – والشيخ علي الشرقي والشيخ محمد رضا الشبيبي وعباس العبدلي –وعبد السلام حلمي –ومحمود الملاح – وخضر الطائي)
اما بالنسبة لشعبياته الغنائية فقد استفاد من الحاج زاير الدويج واقتطف منه مجموعة من الزهيريات التي وجد فيها نفساً شعرياً ولمسة غنائية كما اختار من اشعار الملا عبود الكرخي وملا منفي العبد العباس الذي يعتبره القبانجي قمة في شعر الابوذية والموال.
اما شعره هو بالذات فقد غنى الكثير من (الزهيريات والابوذيات والدارميات وبعض المقامات التي تؤدى بالشعر الفصيح وكذلك البستات البغدادية) مضافاً لهذا الابداع حالات الارتجال السريع وامام الجمهور يعطيك شعراً موزوناً لاغبار عليه من حيث الفكرة والمضمون والصورة الشعرية الجميلة ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر ففي حفلة تتويج الملك فيصل الثاني قال:

واليوم انشد في المليك مدائحي
..............في فيصل الملك العظيم الثاني
يوم اغر فيه توج فيصل
..............تاجاً سما فخراً على التيجانِ
والمرتجى للنائبات ليعرب
.............ابن النبي المصطفى العدناني

كان هذا من مقام الجمال وخلال هذا الاحتفال بتتويج الملك فيصل بتاريخ 4 مايس عام 1953 نادى رئيس الوزراء انذاك نوري السعيد، على عريف الحفل المذيع الاستاذ محمد علي كريم وهمس بأذنه: ان الملك فيصل الثاني امر بتكريم الاستاذ محمد القبانجي وسام الرافدين من الدرجة الثانية وطلب منه الاعلان عن هذا التكريم. فأسرع الاستاذ محمدعلي كريم الى (الميكرفون) ليعلن للمدعوين تكريم القبانجي بالوسام المذكور، وفي هذه الاثناء كانت الفرقة الموسيقية ما زالت على المسرح فما كان من القبانجي إلا اْن يمسك ( الميكرفون) بعد الاعلان عن تكريمه مباشرة وأرتجل مغنياً من مقام الدشت ابياتا من الشعر مطلعها:

لأن حليت صدري في وسام
....................كان سنانه بدر تمام
فلي ياسيدي شرف عظيم
..................يحليه رضاؤك والوسام

وقد ادهش الحاضرين لسرعة البديهية الشعرية التي يمتلكها وبعد الانتهاء توجه نحوالشاعريين محمد رضا الشبيبي والشيخ علي الشرقي مستفسراً منهما عن الابيات التي ارتجلها بقوله انقذني يا شيخ. فقالا له حسناً فعلت ولم تخطئ ابداً فأبياتك كانت مقفاة وموزونة وهي من بحر الوافر ومن ارتجالاته في الشعر انه في عام 1948 حضرالاربعينية التي اقامها الشباب القومي على مسرح قاعة الملك فيصل (قاعةالشعب حاليا) على ارواح شهداء انتفاضة معاهدة (بورت سموث) وحينما كان القبانجي يؤدي وصلته التأبينية دخل عبد الاله الى القاعة وكان وقتها وصيا على العرش ارتجل القبانجي كعادته في الارتجال الآني ابياتا من الشعر بدأها قائلاً:
خذ من سير الامير...

وكانت هذه الابيات مفاجأة للحاضرين الذين ادهشتهم قدرة القبانجي وسرعة بديهيته حتى في اصعب الحالات التي يكون معها الارتجال ضرباً من المستحيل.
ففي المؤتمر الثاني للموسيقى الذي عقد في بغداد عام 1964 طلب من الاستاذ القبانجي ان يغني مقام اللامي وهو من ابتكاراته واحد ابداعاته الكثيرة وما ان انتهى القبانجي من اداء المقام الذي هز الحاضرين طرباً حتى قدمت باقة ورد اليه بأسم المؤتمرين سلمها له المرحوم حقي الشبلي نقيب الفنانين.
فأرتجل ابياتا من الشعر وغناها في آنٍ واحد شاكراً فيها المؤتمرين الذين عبروا عن اعجابهم بهذه الاضمامة من الورد وقد كان مطلع القصيدة:

ماذا اقول لصاحب الورد
...........ما في الوجود مثيلهُ
شكراً له ولحبهِ
..........يا حبـــــــذا تقبيلهُ

وكان من بين الحاضرين الشاعر الراحل احمد رامي الذي فقد السيطرة على اعصابه وراح يهتف ويصفق بشكل لفت اليه انظار الجميع ولدرجة انه راح يرمي بمعطفه فوق الرؤوس أعجاباً بصوت القبانجي وموهبته الشعرية وادائه العذب وأرتجل احمد رامي للقبانجي هذه الابيات حينها:

يابلبل الروض ياصداح طر بِنا
................وردد الشعر تقطيعاً وتلحينا
يا أبا الفنون جزالك الله رحمةً
................وصلت وادييهم بوادينـــــا

أما علاقته بالشاعر الشعبي الساخر الملا عبود الكرخي صاحب جريدة الكرخ حينذاك فقد كانت صداقته حميمية وعلاقته وطيدة وبحكم هذا التواصل في اللقاءات بينهما غنى له اغنية (المجرشة) والتي ينسبها البعض (للملا نور الحاج شبيب) – من المشخاب –والتي اخذ منها الاستاذ القبانجي بعض المقاطع وغناها ويقال ان سبب نظم الملا نور لهذه القصيدة يعود الى انه شاهد امرأة ريفية تجرش (الشلب) بواسطة المجرشة وهي تقاسي العناء والارهاق جراء هذا العمل الشاق فكتب على لسان حالها قائلاً:

ذبيت روحي اعلى الجرش
..............وادري الجرش ياذيها
ساعة واكسرالمجرشة
..............وانعل ابو راعيها

ونتيجة لتأثر الملا عبود الكرخي بهذين البيتين اضاف اليها بقية ابياتها وجعل منهاقصيدة كاملة كان لها صداها الواسع بين الناس واطلق عليها ملحمة المجرشة لتناولها من قبل شعراء كثيرين وقصيدة المجرشة هي من مجزوء بحر الميمر ويسمى، بالفصحى الرجزالعاشر بشطرها الاول ولو وضعنا اليه تفعيلة اخرى كالاتي:
(ساعة واكسر المجرشة....يا اسمر ) لأصبح من بحر الميمر الكامل.
عن كتاب محمد القبانجي للمؤلف ثامر عبد الحسن العامري
الصادر في بغداد عام 1987
منقول بتصرف
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg القبانجي.jpg‏ (79.4 كيلوبايت, المشاهدات 252)
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

التعديل الأخير تم بواسطة : محمد العمر بتاريخ 09/05/2010 الساعة 20h43
رد مع اقتباس