عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 03/05/2010, 22h06
الصورة الرمزية بشير عياد
بشير عياد بشير عياد غير متصل  
رحـمة الله عليه
رقم العضوية:58261
 
تاريخ التسجيل: août 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 2,220
افتراضي رد: مربعات عبد النبى الرنان

مقالٌ بديع عن " الرّنّان "
بقلم الأديب : أحمد أبو خنيجر
به لمحاتٌ عن آخرين غيره
أنقلُهُ لكم عن جريدة " أخبار الأدب " المصريّة
ـــــــــــــــــــ

الرنان.. روح هائمة في سماء المديح







" أنا بعت روح لروح روحي تجيب روحي
لا جاتني روحي ولا اللي راح يجيب روحي
يا نجمة الصبح قلها ارجعي يا روحي
ماتسلمي لي علي اللي عندهم روحي
أنا عملت صباعي قلم وكفتي لوحي
ما أكتب وأسطر علي اللي عندهم روحي«.
الاسم/ عبدالنبي عبدالعال محمدين. والشهرة: الرنان. وهو اللقب الذي ورثه من والده فنان الكف، لكنه هو من أعطي الاسم الشهرة والرنين في عالم المديح أو الإنشاد الديني الشعبي، وقد أطلقت الجماعة الشعبية هذا اللقب عليه لقوة صوته وما يتمتع به من حلاوة وطلاوة جعلته قريبا من رنين الموسيقي الشعبية؛ من مواليد 1950 بقرية الدير التابعة لمركز اسنا بمحافظة قنا، وهي ذات القرية التي يسكنها كبير المداحين بجنوب مصر: أحمد برين. وإلي الجنوب قليلا بقرية راجح يقيم الشيخ محمد أبوالضوي، الذاكر الكبير والمداح الشهير.
في ذلك الوقت كانت السيادة للإنشاد الديني في الأفراح والمناسبات الشعبية المختلفة، والانشاد ينقسم الي نوعين: إما الموالدية/ أصحاب الدكة، أو أهل الذكر/ أصحاب الحصيرة. مدرستان وطريقتان في الانشاد، عظيمتا التأثير ولا ثالث لهما، وكان قطب الموالدية وإمامهم الشيخ أحمد برين قد استطاع أن يطور في الانشاد التقليدي لأصحاب الدكة ويتقدم بهم خطوة هائلة وحاسمة تجاه الحس الشعبي، مطعما الموشحات والطقاطيق والدوار القديمة المتوارثة بالمواويل/ المسبوع تحديدا، وبعض المربعات، تلك التي تهيم بها الجماعة، وتبدع في انشائها، وتتباري في جعل قوافيها مستغلقة كي تثير خيال وحماسة المتلقين ليفكوا شفرات الموال أو المربع، فتحدث اللذة والمتعة وطلب الاستزادة؛ لم يفعل أبوبرين ذلك مرة واحدة إنما بدأ في غناء المواويل التي تخص الجانب الديني وانشاء القصص الخاصة بالأنبياء: خلق آدم، ابراهيم واسماعيل، موسي والخضر، يوسف وزليخة، مريم وعيسي.. وغيرها، وقصص الأولياء وأهل الطريق، كان ذلك يتم رويدا بجانب البداية التقليدية في الانشاد، ثم بدأ في ادخال المواويل التي تصيغ منظومة القيم التي تتبناها الجماعة الشعبية، وأيضا ينتقد التغيرات والانتهاكات الأخلاقية - من وجهة نظر الجماعة - وخاصة تلك التي بدأت الأجيال الجديدة في تبنيها، كما لا ينسي الفنان الشعبي أن يدلي بدلوه في الأحداث الجارية وما يطرأ علي الأمة والوطن، ساعد أبوبرين في هذا قدرته الخاصة في انشاء الموال والمربع وحضوره الغامر وقوة صوته وجماله، لكنه ظل مخلصا للايقاع القديم، فلم يتخل عن شكل البطانة التقليدية والتي ورثها من شيوخه، وكان اجتهاده في هذا الجانب أن يقدم ايقاعات جديدة وحيوية، ووصلت به البراعة للدرجة التي جعلت جمهوره يناديه بـ: يا ابو برين يا معلم، خلي الطار يتكلم. وكان قادرا علي ذلك الفعل.
> > >
أما أهل الحضرة فكان الرواجحية بقيادة الشيخ محمد أبوالضوي قد تقدموا خطوة في ادخال الموسيقي، الغاب تحديدا لقلب الذكر بجوار وحدات الايقاع الموروثة، بدا الطرب عظيما مع ما يتمتع به الشيخ من قوة في الصوت وجمال في التلوين والأداء، كان يستخدم الغاب في الذكر، لكن في وقفات الاستماع، أي في وقت الراحة بين طبقات الذكر، فقد ظل اعتماد الشيخ علي صوته، هذا من ناحية، أما في جانب القول، لم يقم الشيخ بإدخال تعديلات أو اضافات، اللهم إلا بعض القصص التي كان يقولها في وقفات الاستماع، ولعل أشهرها: فاطمة بنت بري.
بالاضافة لما سبق كان فن الكف هو بطل الليالي التي تسبق الليلة الكبيرة في الأفراح والمناسبات الأخري، وهو فن دنيوي بامتياز، وكان والد الرنان، واحدا من أبطال هذا الفن، بالطبع غير هذا الكثير من الفنون القولية الأخري التي تنشئاها الجماعة الشعبية: كالموال والمربع بتنويعاته الهائلة: الواو، والسيرة، وليس بعيدا أغاني النساء في الأفراح والعديد.
كل هذه الروافد كان يتلقفها وعي الصبي، وكان يتمتع بموهبة الحفظ السريع، فبدأ بترديد ما يسمعه غناء، وكان الانشاد الأقرب الي روحه، مخلافا بذلك طريق الوالد، وذلك بسبب أن فن الكف يتمتع بخصيصة ليست متوافرة لدي الفتي، والخصيصة التي يتطلبها فن الكف هي الارتجال الفوري، والرد علي اللازمة التي يرددها الكفافة ودون اعتماد علي المحفوظ الشعري فقط، لم يتمتع اذن الصبي بموهبة القول والانشاء، وهو ما دفعه نحو الانشاد الديني الذي يمكن للمداح فيه أن يكتفي بما يحفظه من مأثور شعري: موشحات وأدوار ومواويل، هنا تبقي الجدارة للصوت وجماله، وطريقة الأداء التي تميز بين شيخ وآخر، تلفت الفتي حوله، وكان الأقرب منه جيرة وروحا الشيخ أحمد برين، فراح يتتبع لياليه، ويلتحق ببطانته لفترة قصيرة، ثم ينفصل عنه، ليبدأ في البحث عن بطانة وطريقة في الأداء تخصه، وأظن بسبب الرغبة في الانفصال والتميز، بداية عن والده وفن الكف، ثم عن شيخه أبوبرين، فحط رحاله داخل ساحات الذكر، وبين رجال الحضرة.
سلطانية من الألمونيوم استعارها من والدته وشدا جلد عليها فصارت طبلة صغيرة، صار ينقر عليها أثناء المديح، بدت كأنها رفيقة له، ودلالة علي حظوظه الآخذة في الارتفاع، هكذا أخبرني أثناء حواري معه، هذه الطبلة ستستمر معه حتي نهاية حياته، وسوف يرثها أولاده مع كم هائل من تراث الشيخ من انشاد وسيرة حسنة بين الناس، ذلك وهم يكملون طريقه الآن؛ أضاف للطلبة الصغيرة دف ورق وغاب ومزهر وكان في هذا يتطابق مع سيد الحضرة في المنطقة؛ أقصد الشيخ محمد أبوالضوي، لكنه سيفارقه فيما سيقوله داخل الحضرة، كان الحضور الباهر والطاغي للشيخ أحمد برين وبما أدخله في صميم المديح من مواويل وغيرها، فسلك الشاب نفس طريق الشيخ، محققا بذلك معادلة صعبة التحقق داخل ساحات الذكر، قبل ذلك كان لا يمكن الاستماع لأي من المواويل التي تناقش أوضاع الجماعة، قيمها وأشواقها، وحكاياتها، فإذا كان مبررا مثلا وردود قصة يوسف وزليخة كواحدة من القصص الدينية، أو بالأحري متعلقة بواحد من الأنبياء، لكن أن تغني قصة عزيزة ويونس، وهي واحدة من قصص السيرة الهلالية داخل ساحة الذكر أو الحضرة، مما يعد ذلك مغامرة كبيرة، وقد قوبل هذا من الجماعة بالرضا والقبول، مما دفع بدخول غيرها من المواويل.
> > >
قبل ذلك كان علي الرنان أن يبتدع طريقة في الغناء والأداء لا تقترب من أي من الشيخين، طريقة تخصه هو، وقد حقق ذلك من خلال الطرائق الشعبية المختلفة، ليحفر لنفسه وطريقته دربا مميزا داخل حقول الانشاد الديني الشعبي، فمثلا يمكنك الاستماع لنفس المواويل التي يغنيها الشيخ أحمد برين يقولها الشيخ الرنان، لتدرك كم الاختلاف بين الطريقتين في الأداء، فمن خلال اللازمات الخاصة بالصوت وطريقة النطق، وأحيانا الاضافات والتعديلات الطفيفة في الموال ستجعلك تشعر بأنك أمام موال مختلف.
قالوا العسل من قصب وأصله القصب من طين
قالوا الزبيب من عنب وأصله العنب من تين
أصل المحبة وجاهة وقوم روح يا مسكين.
في النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي بدأ انتشار الكاسيت، وكان الرنان قد حقق شهرة طيبة في مجال الانشاد في محيط مركز اسنا وادفو والأقصر، مما دفع بشركات الكاسيت بالقيام بتسجيل حفلاته وتوزيعها علي نطاق واسع، مما ساهم في ارتفاع شهرة الشيخ وطريقته في المديح، فما أن جاءت الثمانينيات وبعدها التسعينيات كانت شهرته قد تعدت مصر، فسافر لإحياء العديد من الليالي في البلاد العربية والأوربية والافريقية، قال الشيخ عن هذه الفترة: كان إذا جاءني أحد طالبا كي أحيي ليلة له، كنت أقول له بعد ستة أشهر علي الأقل، وكان هذا حقيقيا، فالاقبال المتزايد علي الشيخ جعله لا يكاد يستريح، هذا مع حرصه علي الانشاء في الموالد الخاصة بالأولياء والليالي الكبيرة التي يقيمها المريدون ورجال الطرق علي اختلاف مشاربهم، فستجد الشيخ نجما في ليالي مولد الشاذلي بحمثرا، والمولد النبوي بأسوان وأبوالحجاج بالأقصر وغيرها.
بالله يا طير أعطيني جناحيني
لأفر وأنزل علي روحي حبيب عيني
من حبني يوم حبته سبوعيني
من حبني شهر حبته سنتيني
ما صابح مسافر تسبني لمين يا عيني
في سبتمبر من العام 2001م أصيب الشيخ في قدمه اليمني، ولما كان مصابا بالسكر من قبلها، وكانت غرغرينا، مما استوجب بترا للساق اليمني، لكن ذلك لم يوقف الشيخ أو يفت في عزمه، فواصل طريقه في الانشاد واحياء الليالي، معمرا اياها ببهاء صوته ورنينه المحبب لقلوب مريديه، حتي وافاه الأجل في الثامن عشر من أغسطس 2009م. تاركا خلفه كما هائلا من التسجيلات والتراث الفني والذي أرجو أن يقوم أحد الباحثين بجمعه، والعكوف علي دراسته، كما ترك أنجاله خلفه يكملون ما بدأه الأب، خاصة أنه كان قد جعلهم أفراد بطانته منذ فترة طويلة.
رد مع اقتباس