مونولوج السفينة
في " ملحمة السفينة " التي أنشدها الاستاذ عزيز علي عام 1949 يصور الفنان شعوب الدول العربية ( التي كانت في يوم من الايام امة واحدة ودولة واحدة ) على متن سفينة يقودها اكثر من ربان واكثر من ملاح. ويصف عزيز علي السفينه بانها :
" عائمة في بحر خضم هائج ، شراعها ممزّق وصاريتها مائلة للسقوط ، تتلاعب بها العواصف الهوجاء ، فتدفعها ذات اليمين تارة، وذات الشمال تارة أخرى، وملاحوها منقسمون على أنفسهم، يتطاحنون ويتشامتون، وهم في غفلةٍ مما تبيته لنا ولهم خلافاتهم من نتائج سيئة وما تخبئه لنا ولهم تيارات المحيط ، الشرقية منها والغربية ، من مصير" .
عزيز علي يدعو العرب ( ركاب السفينة ) الى التمرد والقيام بالإصلاحات ومحاسبة الحكام واللجوء في النهاية الى العلاج الجذري (الكي ) وهو آخر الحلول.
يَعَرَبْ كَثْرَوْا لِمْلاليحْ....وسْفينَتْنا غُرْفَتْ مَيْ
وفَوْكَاها مْعَاكِسْنَا الرّيحْ....وهذا الرّوْجْ الْيِطْوي طَيْ
يَا أهْلِ الأفْكَارْ....حَالتْنا عَدَمْ في عَدَمْ
ناحِرنَا تَيَّارْ....سَايِكَنا وْلاسْوكَ الْغَنَمْ
مِنْ هذِي لَخْطَارْ....لوْ نِسْلَمْ يا أهْلِ الرَّحَمْ
ذَولَهْ الْمَلالِيحْ....لَابُدْ مَا نِحَاسبْهُمْ
سَلْموهَا لِلرِيحْ....جَنْهَا مُو سِفينتْهُمْ
بَسْ بِالتَّصَارِحْ.... إقْبَضْ مِنْ (دَبَشْ) عَنْهُمْ
مَا حَرْكوْا قَدَمْ عَنْ قَدَمْ
يا نَاس وْكَعْنَا بْسُوَّيْرَهْ....وْدِخْنَا وْضِعْنَا يَهْلِ الغِيرَهْ
الغَرْبِي مْوكَّعْنا بْحِيرَهْ....والشَّرْجِي ثَابُرْنا ثِبيرَهْ
وهَا لرّوْج الماخِذْنَهْ كَسِيرَه....مِنْ كُل صَفْحهْ وْمِنْ كُلْ دِيرَه
كُل هذي الأحْوالْ بْجِفَّه....ومَوقِفْ لِمْلاليحْ بْجِفَّه
جَازَوْا كُلْهُمْ مِنّ الدَّفَّه....وكُلْ وَاحِدْ صَارْ بْفَدْ رَاي
خَايفْ توْكَفْ عِدْنَا الزَّفَّه....ويِمْشِي مِنْ جَوَّانَا الْماي
حِرْنا وضَيَّعْنا التَدْبِيرْ....ومِنْ يِدْري بَاجِرْ شِيصِيرْ
الله الْعَالِمْ هُوَ الْحَيْ
لِسْفِينَه مُوُ رَاحْ....تِغْرَكَ يا رَبعْ وحْنا هَمْ
سَامَتنا لِرْيَاحْ....ضَيْم وذِلْ، عَذَابْ وألَمْ
شِفيدِ الصْيَاحْ....شِيفيدِ الألَمْ والنِّدَمْ
يَاعَالَمْ الدَّادْ....طَرْشَة مِلِحْ طَرْشَتْنا
مِنِّ العِنَبْ عَادْ....جِزْنَا نْرِيدْ سَلَّتْنَا
وحَكَ رَبِّ الْعْبَادْ....بَسْ تخْلَصْ سَفينَتْنَا
ونْسَيْسِ الرَّبُعْ بِالبَلَمْ
يا نَاسْ بلِيَّتْنَهْ بْليَّه....سَوْدَه مْصخْمَهْ صْخَام ولِّيَّه
لِسْفينَهْ بْليَّهْ صَارِيَّه....وْلِشْراعْ الْبِيهَه عَارِيَّه
وْوَزنَة لِمْلالِيحْ وْكيَّه....كُلمَنْ دَ يْكَلَّكْ شَعْلَيَّه
كُل واحِدْ مَشْغُولْ بْشُغْلَه....وْخُبْزَه مْأمَّنْ جَوَّه السَّلَّه
هوَّ لازِم بيديْه حِلَّه....وكَاعِدْ لكْ مِرْتاحْ الْبالْ
شِيهِمَّهْ مْن الْعالَمْ كُلَّه....وحَمِّلْ مِنْ هَا لْمالْ جْمالْ
شِرْكَتْ لوْ غَرْبَتْ بِالقِيرْ....مَا عِنْدَهْ بْعير بْهَا لْعِيرْ
خَلْ يَا خُذْها الدنيا الْمَيْ
مِمْتَحْنِينْ بْهذي الْمِحْنَهْ....لا لِلنَّارْ وْلا لِلْجَنَّه
مِنّانَهْ الشّرْجِي مْهَدِّدْنهْ....ومِنَّانَهْ الغَرْبي معَاكِسْنَا
وْلا عدْنا جْنَاحْ نْطِيرْ احْنا....وَيْن نْوَلّي وْنِنْطِي وَجهْنَا
هوَّ الخَابِرْها يْدَبِرّها....يْشَرِكَهْا يْرِيدْ يْغَرِبهْا
وِصْلَتْ حدْها وْمِنْ شِدَّتْها....خْتِنْكَتْ ونْحِبْسَتْ لَنْفَاسْ
ضاكَتْ كُودْ الله يِفْرِجْها....ويْجِيبْ الرّاسْ عْلى الرَّاسْ
يَا عَالَمْ كُل حَالْ يْزُولْ....ما تْظَلْ هِيجي مُو مَعْقُولْ
وآخِرْ كُلْ عْلاجْ الجَيْ
يعَرَبْ كِثروأ لِمْلاليحْ....وسْفِينَتْنا غُرفَتْ مَيْ
معاني بعض كلمات المونولوج كما ذكرها المؤلف الاستاذ عزيز علي :
دَبَشْ : دبش كان رجلاً كذاباً أفاقاً ، محتالاً
الفنان عزيز علي يخاطب العرب قائلاً : يا عرب ، لقد كثر الملاحون وسفينتنا قد غرفت الماء ، و الرياح تعاكسنا وكذلك الأمواج العالية. يا أصحاب المعرفة لقد أصبحت حالتنا في خطر وقريبة إلى العدم ، ويناحرنا تيار يجرفنا الى مصير مجهول لا تحمد عقباه ( نساق فيه كما تساق الأغنام ). و اقول لكم يا اهل الرحمة باننا لو سلمنا من هذه الأخطار فسنحاسب هؤلاء الملاحون الذين أسلموا السفينة الى الرياح وكأنها ليست سفينتهم ولم يقدموا شيئاً اكثر من التصريحات الجوفاء الكاذبة ، ولم يحركوا ساكناً (ساقاً واحداً ) عندما داهمتنا الأخطار.
ايها الناس لقد وقعنا في مطبه مائية دوختنا فبقينا تائهين : فالغربي ( المعسكر الغربي ) أوقعنا في حيرة والشرقي ( المعسكر الشرقي ) مصر على ملاحقتنا ، والأمواج العاتية تدفع سفينتنا الى مختلف الاتجاهات. ولكن كل هذه الأوضاع الصعبة بكفة وموقف الملاحون ( القادة ) المشين بكفة اخرى فهم قد تخلوا عن دفة السفينة ، وأصبح لكل ملاح رأي خاص به ، والخوف هو من حصول عطل في آلات السفينة يؤدي الى غرقها . ووسط هذه الأحوال المخيفة لا ندري ماذا سيحدث لنا غداً ، والله الحي هو العالم بما تخبئه لنا الأقدار.
ان السفينة توشك على الغرق ... فهذه الرياح العاصفة والتيارات الجارفة تسومنا الضيم والذل والعذاب والألم. ولا فائدة من الصياح والنواح ولا فائدة من التألم والندم ، لقد وصلنا الى حد نريد فيه سلامة السفينة لاغير وانقاذ ما يمكن انقاذه والخروج بأقل الخسائر ( لقد تخلينا عن العنب ونريد فقط استرجاع السلة - مثل شعبي ). ونحن نقسم برب العباد بالقيام بالاصلاح ومحاسبة الحكام حال إنقاذ سفينتنا .
ان البلاء الذي ابتلينا به ، ايها الناس ، هو بلاء كبير : السفينة قد غدت بدون صارية وشراعها على وشك الوقوع...والملاحون يتنصلون من مهامهم وواجباتهم حيث ان كل واحد منهم مشغول بنفسه وينال حصته وما يريده بالخفية ( خبزه مضمون تحت السلة - مثل) وهو بذلك مرتاح البال ولا يهمه ما يحدث لركاب السفينة او ما يحدث في العالم.
لقد امتحنا بهذه المحنة فلا نحن للنار ولا نحن للجنة ( مثل)...فمن جهة "الشرقي" يهددنا ومن جهة أخرى "الغربي" يعاكسنا ، ولا ندري ماذا نفعل والى اين نذهب ونتوجه فليست لدينا أجنحة كي نطير. لقد ضاقت الأمور ووصلت شدتها الى حد الاختناق و انحباس الأنفاس ونأمل الفرج من الله..وكل حال يزول ولا يمكن ان ان تبقى الأمور هكذا...وان آخر الحلول هو العلاج بالكي ( اي الثورة ).
السفينة
للفنان عزيز علي