عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 09/12/2012, 22h52
الصورة الرمزية مهيمن الجزراوي
مهيمن الجزراوي مهيمن الجزراوي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:370575
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 54
افتراضي رد: الموسيقار والشاعر عثمان الموصلي

الملا عثمان الموصلي : موسوعة المواهب والعلوم




محمد توفيق الفخري


باحث في التراث



ولد عثمان الموصلي عام 1271هـ الموافق لعام 1854م في محلة باب العراق لاب يعمل سقاء وهو الولد الأكبر لأربعة اخوة وكان والده يرعاه لما لمس منه من ذكاء ولما بلغ السابعة من عمره توفي والده ثم اصيب بداء الجدري الذي أفقده البصر.
تشاء العناية الالهية ان تحيط بالطفل اليتيم الضرير فقد أخذه الوجيه (محمود بن سليمان العمري) ليضمه الى ابنائه ويرعاه رعاية خاصة حيث عهد به الى مدرس ليحفظه القران الكريم ويعلمه بقية علوم اللغة العربية وخصص له مدرساً يدرسه الموسيقى وكان عثمان سريع الحفظ ويملك صوت رخيم حاز على اعجاب مربيه العمري، ومضى عثمان يواصل دراسته فشرع في قراءة علوم اللغة العربية على علماء عصره من شيوخ المدينة كالشيخ الحاج (عمر الاربلي) والشيخ (صالح الخطيب) والشيخ (عبد الله الفيضي الخضري)وغيرهم كما درس الحديث والتفسير على علماء الموصل المتميزين.
في سنة 1865م توفي (محمود العمري) فكان وقع الوفاة شديداً على عثمان فقرر السفر الى بغداد ليلتحق بربيبه (احمد عزت باشا العمري بن محمود) الذي تربى معه في صغره ووجد منه كل ترحيب وقدمه الى اهالي بغداد ووجهائها وعلمائها فوجد عثمان في بغداد كل تقدير واستطاع التعرف على ادباء العراق ورجاله البارزين وبدأ الدراسة على الشيخ داؤد افندي بن سليمان العاني ثم بعد وفاة المذكور أكمل دراسته (لصحيح البخاري) على الشيخ (بهاء الحق الهندي) كما درس الموسيقى على استاذ الموسيقى (رحمة الله شلتاغ) لمدة خمسة سنوات وبعد وفاة شلتاغ استمر بدراسته للموسيقى على الحاج (عبد الله الكركوكلي).
في عام (1886م) حصلت جفوة بين عثمان الموصلي ووالي بغداد نفي على اثره الى سيواس ثم اطلق سراحه ليعود الى الموصل ويواصل دراسته على شيوخ المدينة وعلمائها فدرس القراءات القرانية السبع على الشيخ (محمد بن الحاج حسن) ونال الاجازة فيها كما اتصل بالشيخ (محمد بن جرجيس الشهير بالنوري) في تكيته وأخذ يقرأ القران الكريم في مجالس وعظ الشيخ المذكور واخذ عنه الطريقة القادرية.
لم تكن الموصل لترضي طموح هذا النابغة فعزم على السفر الى استانبول حيث كان (احمد عزت باشا العمري) قد استقر فيها بعد احالته على التقاعد فرحب به وقدمه الى الزعماء والادباء العرب المقيمين في استانبول منهم نواباً في مجلس المبعوثين والذي كان منهم من تعرف عليه اثناء مكوثه في بغداد و هاموا بمواهبه ورائ هؤلاء ان يقوم بزيارة الى جامع ايا صوفيا الشهير ويقرأ القرآن الكريم فيه ايام الجمع وصار المصلون في الجامع المذكور يسمعون ما لم يسمعوه من قبل من ضبط القراءة وروعة التجويد وجمال الصوت وصار اهل استانبول يدعونه الى مجتمعاتهم كما سمعوا الحانه وموسيقاه وموشحاته وأشعاره فزاد تعلقهم به ، وتعرف على الشيخ (ابو الهدى الصيادي) شيخ مشايخ الطرق الصوفية واخذ عنه الطريقة الرفاعية وقدمه الصيادي الى الخليفة العثماني وحظي عند السطان عبد الحميد وأعجب بقراءته القران وصوته الجميل في الغناء.كما اكمل عثمان الموصلي دراسته للقراءات القرآنية على مفتي أزمير الشيخ (مصطفى مخفي) وأخذ عنه الاجازة بالقراءات العشر.
كما بدأ بدراسة الموشحات والحانها وهي لا تبعد كثيراً عن المقامات الموسيقية.
توثق السلطان عبد الحميد الثاني من امكانيات الشيخ عثمان فقرر ارساله الى السنوسي ملك ليبيا لسبر غوره فذهب الموصلي واكمل مهمته وتوثق من نوايا السنوسي وفي طريق عودته من ليبيا نزل في الاسكندرية وذهب الى القاهرة ورائ الأجواء فيها.
عاد الى استانبول واعلم السلطان وطمأنه الى نيات السنوسي ونجاح مهمته.

قرر الشيخ عثمان الموصلي السفر الى مصر نظراً لما شاهده من اجواء مريحة فسافر سنة 1895م قاصداً القاهرة فوصلها ووجد حوله الادباء والفنانين الذين بلغتهم شهرته وأول وصوله سأل عن شيخ قراء مصر فدلوه على الشيخ (يوسف عجّور) امام الشافعية ولما قرأ الموصلي امام شيخ القراء ابدى اعجابه بقرأته ومنحه الاجازة بالقراءات العشر ايضاً.
في ذلك الوقت كان عبده الحمولي يتربع على عرش الغناء والطرب فالتقى عثمان الموصلي به حيث اعجب كل منهما بالاخر وصارت بينهما صلات توثقت على ارهاف فني وصاروا يلتقون في مجالس الطرب وصار الموسيقيين المصريين يسمعون من عثمان الموصلي نغمات الحجاز كار والنهاوند فاقتبسوا منه هذين النغمين وفروعهما وكانت غير معروفتين في مصر.
كما ان عبده الحمولي اخذ عن عثمان الموصلي الموشحات ومزجها بالادوار المصرية.
كان مجتمع القاهرة يقدر نبوغ الموسيقار (عثمان الموصلي) فيهرع الناس لحضور حفلاته وسماع اغانيه.
اثناء هذه السفرة الى القاهرة التقى عثمان الموصلي باتباع الطريقة المولوية واحتضنه هؤلاء وصاروا يصحبونه الى التكية المولوية في السيوفية ووجدوا فيه ضالتهم المنشودة فهو الموسيقي وهو متصوف فأخذ الطريقة المولوية واصبح قطباً من اقطابها.
كما عمل عثمان الموصلي اثناء وجوده في القاهرة بالصحافة واصدر (مجلة المعارف) في ذلك الوسط الذي يعج بالصحف والصحفيين المصريين وكانت المجلة (علمية، سياسية، تاريخية، ادبية، اخبارية)كما اصدر عدة مؤلفات منها:
1. كتاب المراثي الموصلية في العلماء المصرية
2. سعادة الدارين (مجموعة قصائد مع مقدمات نثرية).
3. الابكار الحسان في مدح سيد الاكوان (قصائد مخمسة ومشطرة) .
كما قام بتحقيق ونشر ديوان (عبد الباقي العمري الفاروقي) الموسوم (الترياق الفاروقي) بعد ان قام بتصحيح اخطائه واضافة القصائد التي كان يحفظها ولم تكن من ضمن اوراق الديوان.
كما قام بنشر كتاب (خواتم الحكم) المسمى(حل الرموز وكشف الكنوز) للشيخ (علي دده).
كان لعثمان الموصلي في مصر تلاميذ درسوا عليه مختلف العلوم والفنون لاسيما فيما يخص الموسيقى والالحان والمقامات من هؤلاء الموسيقار (محمد كامل الخلعي) والشيخ (احمد ابو خليل القباني) والشيخ (علي محمود) الذي اخذ عن الموصلي اصول المقامات والالحان التركية والشامية واصبح للمذكور فرقة تقوم باحياء الحفلات وكان ممن التحق ببطانتها (زكريا احمد) الذي لحن للسيدة ام كلثوم العديد من أغانيها.
أما في القراءات القرانية فمن اشهر طلابه الشيخ (محمد رفعة) شيخ قراء مصر الذي درس على الموصلي في القاهرة :يقول الدكتور عادل البكري (ان من يستمع الى الشيخين محمد رفعة وعثمان الموصلي يجد تشابهاً في اسلوب قراءتيهما وهو اسلوب مخاطبة السامع الذي اوجده الشيخ عثمان).
بعد مضي خمسة سنوات عاشها الملا عثمان في مصر قضاها عثمان الموصلي بين قراءة القران الكريم في الازهر وتدريس الالحان وحضور الحفلات وحلقات الذكر الصوفية والقيام بزيارة رجالات مصر وعلمائها ونشر الكتب واصدار مجلة فقد شعر بالملل وقرر العودة الى استانبول.
عاد الشيخ عثمان الى استانبول وفتح له دكاناً ليبيع فيه الكتب وعينته الدولة مدرساً للموسيقى ، واصبح الدكان ملتقى الموسيقيين الاتراك يتباحثون مع عثمان الموصلي في فنون الغناء والموسيقى واستمر بتدريس الموسيقى في المدرسة. كما قام بتسجيل عدة مقامات واغاني على اسطوانات شمعية وارسل البعض منها الى اصدقائه.
والتقى هناك بالموسيقار التركي (كاظم اوز) الذي استفاد من عثمان الموصلي وتأثر به
كما اهتم عثمان الموصلي في هذه الفترةً بطبع ونشر بعض الكتب منها كتاب (الأجوبة العراقية على الاسئلة الايرانية)للامام (ابي الثناء شهاب الدين الالوسي) كما طبع ايضاً مجموعة تخاميس تحتوي على تخميس قصيدة البردة لابن النحوي وتخميس (مقصورة ابن دريد) وتخاميس (لابن الخياط الدمشقي) و (عبد الباقي العمري) .
بتاريخ عام 1906م ارسل الخليفة العثماني الملا عثمان داعية له الى بلاد الشام والحجاز فتوجه الى بيروت ثم دمشق وجاور الجامع الاموي وكان يخطب فيه خطباً حماسية بين الناس وتعرف في دمشق على رجالاتها وادبائها ومنهم (محمد باشا العظم الدمشقي) وزير الأوقاف وفي أجواء دمشق انطلق الموصلي في شتى الميادين من حضور الحفلات الاجتماعية والجلسات الصوفية المولوية و قام بتخميس (لامية البوصيري) وطبعها .
كما التقى بالموسيقار المصري (سيد درويش) الذي قدم الى دمشق مع فرقة الأخوين (امين و سليم عطا الله) ليسمع من الحان الموصلي ويأخذ عنه اصول الموشحات العربية والتركية. بقي الشيخ عثمان في دمشق ثلاث سنوات قرر بعدها السفر الى الديار المقدسة راكباً القطار على سكة حديد الحجاز سنة 1909 وأدى الفريضة وكان يخطب بالناس ويدعو الى عدم تفرقة المسلمين.
بعد ان علم ما آلت اليه الأوضاع بعد الانقلاب على الخليفة عام 1908م قرر العودة بعد اداء الفريضة الى استانبول ليتفقد زوجته التركية وأحبابه وخاصة الشيخ (ابو الهدى الصيادي) فعاد اليها ووجد الأوضاع مختلفة وان ابو الهدى الصيادي قد نفي وتوفي في منفاه الا انه لم ييأس وبدأ بالظهور ليقرأ القران الكريم بصوته الخاشع في جامع السلطان (أحمد) ويخطب بحضور كبار الموظفين وبعض العرب من اعضاء مجلس المبعوثين واوضح بأن (ان الانقلاب حركة سياسية لا تغير من صميم الخلافة الاسلامية شيئاً وان من الواجب تأييد حكومة الخلافة)، الا ان تغير الجو السياسي والاجتماعي جعل الشيخ عثمان يقرر السفر الى وطنه فترك زوجته التركية لعدم رغبتها في ترك أهلها وعاد عام 1911م الى دمشق وبقي فيها سنتين التقى مرة ثانية (بسيد درويش) الذي عاد ليتلقى دروسه على الموصلي ثانية ويعمل مع فرقته ليلاً وفي فترة مكوث الموصلي في دمشق اوعز الى ابنه في الموصل ان يبني مسجداً فيها فعاد الملا عثمان الى الموصل عام 1913م وسكن في المسجد المذكور.
استضافه بعدها احد اصدقائه في دار خصصها له وأصبحت الدار مجلساً يجتمع فيه محبو الموصلي وطالبي العلم ولم تدم الحال طويلاً اذ تشاء الأقدار ان يتوفى صاحب الدار ويقرر الشيخ عثمان مغادرة الموصل الى بغداد فعاد اليها وبدأ يمارس حياته ونشاطه في التدريس وحضور الاجتماعات والحفلات ومجالس العلماء واصبح له أصدقاء عديدون وفي هذه الاثناء اعلنت الحرب العالمية وبدأت اخبار انكسارات الجيوش العثمانية تصل الأسماع وبدأ االانكليز احتلالهم للعراق ثم احتلال بغداد سنة 1917م الذي اثر في نفسية عثمان الموصلي وبدأت الاجتماعات في المساجد والخروج للتظاهر ضد الانكليز وبدأت ثورة العشرين فكان الموصلي يقف خطيباً يندد بالاستعمار وتكرر حضوره في هذه المناسبات في جامع الحيدرخانة وجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وجامع الخلاني حتى اصدر المحتلين أمراً حضر هذه التجمعات في 23/8/1920 الا ان عثمان الموصلي بقي على صلته بالثورة حتى تكللت جهود العراقيين بمجيء فيصل الأول ملكاً على العراق وزار الملك الشيخ عثمان في غرفته في جامع الخفافين تقرباً منه الى شخصيات بغداد .
في صبيحة 30 كانون الثاني عام 1923م عاجلت المنية الشيخ عثمان الموصلي عن عمر ناهز السبعين سنة قضى منها 63 سنة في تحصيل العلوم ولم اشتاتها متنقلاً بين كبريات العواصم مكتسباً من ثقافات وعلاقات أهلها الاجتماعية وناشراً للعلوم والفنون التي أتقنها فكان بحق سفيراً لبلاده وملحقاً ثقافياً وداعية من دعاة علوم القراءات القرانية وآداب الطرق الصوفية وغيرها من العلوم والفنون التي استطاع ان يضع بصمته عليها فأستحق ان نقول عنه انه (موسوعة المواهب والعلوم ونادرة عصره).
اسمحوا لي باسمي وباسمكم ان أتقدم بالشكر والعرفان للدكتورعادل البكري الذي قام بجمع شتات أوراق وعلوم وأخبار الشيخ عثمان الموصلي منذ 45 سنة ولحد هذه اللحظة واصدر كتابين وملحق ولولا هذه الجهود لضاع الكثير منها.
كما لا انسى ان اتقدم بالشكر الجزيل للاستاذ الدكتور (محمد باسل العزاوي)لاستجابته الفورية لطلبي القيام بعقد ندوة خاصة لاحياء تراث هذا العالم الموصلي الشامخ والاساتذة الموقرين الذين قاموا بجهودهم للتحضير للندوة ونجاحها.
كما أناشد باسمكم جامعة الموصل وكلياتها الانسانية للقيام بدراسة الشيخ عثمان الموصلي دراسة اكاديمية يكلف بها طالب من طلاب الدراسات العليا.
رد مع اقتباس