عرض مشاركة واحدة
  #65  
قديم 23/03/2011, 06h42
الصورة الرمزية نهاد عسكر
نهاد عسكر نهاد عسكر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:550503
 
تاريخ التسجيل: octobre 2010
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 304
افتراضي رد: الاحتفالية الكبرى لمئوية ميلاد الفنان عزيز علي

مقالات وأقوال
عن عزيز علي في ذكراه المئوية





سعاد الهرمزي:
-منذ عرفته في عام 1948 وهو فنان مختلف في فنه ومخالف في طريقة ادائه و(متخلف) في نظر الطغمةالحاكمة في ذلك الوقت طويل القامة. مليح الطلعة، ذو حاجبين كثين يتهدلان على عينين شديدتي الذكاء، تزين عنقه وردة سوداء لم يتخل عنها قط فهي علامته الفارقة وشارته المميزة مبتسم دائما ضاحك احيانا، ساخر من كل شيء حوله،ولم يستثني حتى نفسه من تلك السخرية وكأن لسانه يقول عليّ وعلى اعدائي يارب وكان عدوه –المفضل- الذي يشنع عليه ليل نهار هو الاستعمار البريطاني صاحب اللقب المعروف – ابو ناجي- بين اوساط العامة. وعزيز علي ودود عندما تكون ودودا معه، ومشاكس عندما يحس انك لاتضمر له الخير، احبك ان احببته وكرهك ان كرهته، يقترب منك اذا اقتربت منه، ويبتعدعنك اذا ابتعدت عنه. واناقة عزيز علي متطورة على قامته الممشوقة وشعره الاسودالمصقول مرسل الى الخلف ولا يمكن ان يتهدل ولو مرة واحدة.. اما حركات يديه وتعبيرات وجهه وايماءات نظراته فهي تتوافق تماما مع لون المونولوج الذي كان يغنيه.. عزيز علي متفرد في انتزاع البسمة من الشفاه. كان بعض الحاقدين على عزيز علي يقولون ان اقواله ليست من تأليفه وان البعض يؤلف له منولوجاته والبعض الاخر يلحنها له ولكن هؤلاء لم يقدموا لنا من كان يضع له اداءه.. وسواء صحت هذه الاقوال ام لم تصح فقد كان عزيز علي متفردا في انتزاع البسمة من الشفاه والفرحة من القلب والبهجة من الفؤاد. اختلف معها الكثيرون في طريقة تفكيره في فهم الفن واساليبه وان –بالقوة- على الاجهزة الفنية وفي مقدمتها الاذاعة وكان مخالفا للكثير من مطربي المقامات ذوي السمعة والشهرة. اماشعاره الدائم فهو – الفن للحياة لا الفن للفن- كما كان يحمل افكارا جديدة في تطويرالعمل الاذاعي بشكل عام في تطوير الموسيقى بشكل خاص. معان سياسية في اغنياته كان عزيز علي يغني غير ما يغني الاخرون ويكتب اغانيه بنفسه بمعان تخرج عن اطار الاغنية العاطفية الى معان سياسية لاذعة لا تخفي على من يستمع اليها. كان عزيز علي يؤدي أغانيه مباشرة على الهواء قبل ان تعرف اجهزة التسجيل الصوتية وكان المسؤولون في الاذاعة يتابعون اذاعتها وايديهم على قلوبهم خشية ان يخرج عزيز عن النص ويدخل فيها كلمات لم ترد فيها قد تطول احد المسؤولين في ذلك العهد وقد شهدت بحكم عملي في الاذاعة في ذلك الوقت ان مسؤولا قد وقع على مونولوج كان سيغنيه عزيز في احدى حفلاته الغنائية وهو يقول له (اوقع على هذا المونولوج على مسؤوليتي وانا غير مقتنع به ولكن اياك ياعزيز ان تضيف اليه شيئا آخر) ولم يكن عزيز علي بحاجة الى تغيير اي من مونولوجاته، فقد كانت جميعها حافلة بالغمز واللمز ذات المعنى ونقد الاوضاع التي كانت سائدة في ذلك العهد. وهكذا فان هذا الفنان المخالف ظل مخالفا فترة طويلة قبل ان ينتهي دوره في المونولوج الانتقادي. كان لعزيز علي كثير من الخصوم في ذلك العهدوكان لايهمه ان رضي فلان او لم يرض.. ودائما يرفع شعاره الذي لم يتنازل عنه في يوما ما –خالف تعرف - وان كان المعنى هنا يختلف، فهو يخالف لا ليعرف بل ليعرف الناس. بمن تأثر عزيز علي؟ عزيز علي تأثر باثنين من كبار المنولوجست او (القوالين) احدهماالسوري (سلامة الاغواني) والثاني (عمر الزعني) وكانا في الثلاثينيات من هذا القرن يثيران ضجة كبيرة في الاوساط السياسية والفنية في الاقطار العربية وعلى نهج هذين(القوالين) في الانتقاد الحر والسخرية اللاذعة نهج عزيز علي وطار صيته في بلده عاجزا عن تخطي الحدود الى الاقطار العربية الاخرى بسبب ان الفن العراقي كان اقليميا بحتا في الوقت الذي خرجت الاغنية العربية في مصر وسوريا ولبنان وفلسطين الى آفاق ارحب بما لديها من وسائل الانتشار كالراديو والاسطوانة والسينما. ان عزيز علي واحد من اعاظم المونولوجست في الوطن العربي، وهو الى جانب الاغواني والذعني رائد من رواد المونولوج الفكاهي الملتزم، والافضل لهما عليه الا في جانب التحريض على ان ينحوالمنحى الذي نحاه في حياته الفنية.. وعزيز علي بعد ذلك- تاريخ في سفر الفن العراقي وسيبقى هذا التاريخ محفوظا له في درج الذكريات والمذكرات. ظاهرة لم تدرس بعدالظاهرة التي يمثلها الفنان عزيز علي في الاغنية العراقية ، ولم يتح لها ان تمتلك ابعادها الحقيقية في المناحي النظرية والعملية والفنية والاجتماعية والنفسية لان عزيز علي لم يكن يحمل اسما له مواصفات فنية معينة، انما كان ومازال يشكل تيارا لم يتح للغناء العراقي قديمه وحديثه، ان يحتضن مثل هذاالتيار، الذي كان ولاشك وليد عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وفلسفية. واجد من الواجب تحديد معنى كلمة (مونولوج) في فن عزيز علي، فنظرة تاريخية بسيطة تؤكد ان فن المونولوج انتقل الى لبنان وسوريا عن طريق الاغنية الفرنسية المتعددة الاغراضوالمتنوعة النوايا، مع اسم الفنان اللبناني (عمر الزعني) والفنان السوري (سلامةالاغواني) كظاهرتين اجتماعيتين انتقاديتين الى جانب خطهما السياسي الواضح القسمات،من خلال ما قدماه من منولوجات انتقادية ووطنية كانت الاثر المباشر في سجنهما وتشريدهما من قبل سلطات الانتداب الفرنسي، ذلك ان فن المونولوج في سوريا ولبنان وفلسطين والاردن لم يتخذ الطابع الرومانسي الذي شاع في مصر على يد اقطابها الكبارسيد درويش ومحمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب وزكريا احمد ورياض السنباطي والاطرش، بل اتخذ طابعا وطنيا، اجتماعيا، انتقاديا، شأنه شأن المونولوج في العراق الذي نهض بافاقه الفنية الراسخة على يد الفنان عزيز علي الى جانب ذلك فان اعمال عزيز اقترنت بحركة واسعة من الاغاني الوطنية الحماسية، التي تحيي الوطن وتؤجد اتجاهات التعبيرعنه في الولاء والحب والتضحية كما في اعمال اكرم رؤوف وحنا بطرس وسعيد شابووغيرهم.. انطلق الفنان عزيز تحت رعاية الالتصاق بالتراث والتأليف على قوالبه الفنية، الى جانب التكلم بلغة العصر الذي عاش فيه، فكانت اغانيه رسائل الهام وتعبيرعن الوجع الروحي مما آل اليه مصير الوطن، استطاع من خلالها بسليقته الفنية وعفويته البالغة ان يكرس ازجاله لخدمة قضايا وطنه الكبرى. تحليل علمي للمونولوج ونظرة علمية للمونولوج الذي ابتدعه عزيز علي نلحظ انه كان يتألف من المقطع الغنائي الاول وهو مايعرف – بالمذهب- وهو يتكرر دائما بعد الانتهاء من كل مقطع من مقاطعه (اغصانه) التي تسمى ايضا بالادوار، وهي على هذا الاساس تتشكل من النحو الآتي. اللازمة الموسيقية،المذهب، الدور الاول، المذهب، الدور الثاني، المذهب، الدور الثالث، المذهب، وهكذا،اما القفل فيكون بترديد المذهب من قبل المغني الانفرادي وحده. انتشرت اغاني عزيزعلي انتشارا طغى على كل انتشار لاي لون غنائي، بل ان اسمه غدا كيانا فنيا قائما بذاته، وقد اسهم الكثير من العوامل في دفع عزيز علي الى هذه المكانة المتفردة منها العوامل السياسية والوضع السياسي الذي كان قائما انذاك في العراق ومنها تعاطفه مع اوسع شرائح المجتمع العراقي ومنها تأليفه الزجلية التي انتظمت فيها الكثير من ملامح الاتقان في السبك والصياغة والتعبير الى جانب ذلك صوته العميق الوقع في الاذن العراقية لما فيه من رجولة وقوة وتمكن عجيب في الاداء البعيد عن الميوعة العاطفية وكان صوته ينطلق من القرار الى الجواب في اقتدار وعمق وتأثير في حدود الدرجات الصوتية التي تمتلكها حنجرته، ولم يكن في صوته اي وجع او ترنح عاطفي،، بل كان مقدرة ساطعة على طرح الهموم الاجتماعية والانسانية والسياسية باسلوب فني متماسك، قل نظيره في تاريخ الغناء العراقي ولم يحدث في تاريخ غنائنا ان تحلقت حول صوته الرجولي البعيد عن الالتواءات والزخرف الغنائي مثل هذه الجماهير الغفيرة من الاسماع تطرب له وتنصت اليه في اصغاء نادر المثال وفي استمتاع كامل وتعلق عميق، لذلك لم يكن عزيزعلي صوتا واداءا فحسب، بل كان احساسا حيا بكل كلمة ينطقها وحرف يتفوه به، وكان لسانه الغنائي من الوضوح والابانة ما جعله يشكل معمارا فنيا وحده، هذا المعمار بقي اثرا واتجاها واسلوبا ومن حسنات الظاهرة التي شكلها عزيز علي انه بقي تعبيرا اصيلا عن اغنى فترة نضالية في حياة شعبنا.





مجلة الفنون 1995





المقالة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أن تعبرعن رأي المنتدى أو اللجنة الاحتفالية .

التعديل الأخير تم بواسطة : نهاد عسكر بتاريخ 23/03/2011 الساعة 07h15 السبب: تعديلات