عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12/12/2007, 11h02
الصورة الرمزية عمر كامل
عمر كامل عمر كامل غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:36477
 
تاريخ التسجيل: juin 2007
الجنسية: عراقية
الإقامة: السويد
المشاركات: 207
Post رد: سلمان المنكوب ...الغائب الحاضر

بالنسبة للفنان القدي سلمان المنكوب الان يعمل في احدى المهن الشعبية بعيدا عن الغناء و هذا حال الفن للاسف في البلد و لكن علينا نحن محبي الفن اصيل من اجل احياء فنوننا و تكريم مبدعينا من خلال نشر كل انجازاتهم خاصة بعد تعرضها للضياع و الاندثار و هذا واجب علينا اي واجب على كل عراقي محب للفن اصيل .
و هذه ريبورتاج اجرته جريدة الصباح له و جدت ضرورة نقله

""حوار مع المطرب سلمان المنكوب

حاوره: سامر المشعل ـ علي حمود
لم يكن ضيفنا هذه المرة بالفنان التقليدي، ولأجله عقدنا العزم للذهاب اليه حيث يسكن ، انا وزميلي علي حمود والمصور فؤاد شاكر، وكانت اسئلتنا ونظراتنا، مفهومة لدى اهالي المنطقة باننا غرباء عليها، فضيفنا ايضا يسكن في منطقة غير تقليدية في مدينة الصدر، لم يستغرقنا عناء البحث طويلاً، فبيت المنكوب بمساحته 120م2 نقطة-دالة في مدينة الصدر.

استقبلنا الفنان سلمان المنكوب بحفاوة، وارتداء افضل ما لديه من ثياب، عندما علم بقدومنا فارتدى دشداشته واعتمر عقاله، وجدنا (اسطورة الجنوب) الذي تجاوز عمره العقد الثامن يفترش له زاوية لا تتجاوز المترين، وسط بيت مكتظ بالاطفال والاجهزة الكهربائية وقطع الغيار، فهو للسكن وورشة للعمل والمنكوب يعاون اولاده واحفاده في العمل كونه مصدر رزقهم الوحيد في غرفة منام المنكوب، رأينا صورة كبيرة جدا علقت على الحائط للزعيم الراحل عبدالكريم قاسم وعندما اخذنا نتطلع اليها، فهم المنكوب نظراتنا واجابنا دون ان نسأله:
- هذه صورة ابي المروءة (ابو دعير) حبيب الشعب والحاكم المخلص للوطن وابي الفقراء، وذكر لنا المنكوب قصته مع عبدالكريم قاسم.
قصة المنكوب مع الزعيم عبدالكريم قاسم
قصته مع الزعيم، التي زادت حبه وتعلقه به، وتعود به الذاكرة الى تلك السنين الخوالي ويذكر المنكوب حيث كان في السجن:
- سجنت لقضية شخصية، بينما كنا في الزنزانة، وصلت بشارة، فرح بها المساجين، وهي مرحمة، فخرج من خرج، وخفضت احكام البعض. اما انا فلم تشملني المرحمة، فأصابني الهم والحيف وضاقت بي الدنيا، فكتبت قصيدة اشرح فيها مظلمتي وأبث فيها شكواي وحزني ويقرأ لنا المنكوب ابياتها التي مازال يتذكرها جيدا ومنها:
كلها طلعت بس ترى المنكوب ظل
أظن توفيقي يا خويا بي عطل
الى ان يقول:
كل هظيم وعيني ما شافت النوم
وبقت اطفالي يا ابن قاسم تحوم
وين تنطي الوجه من غيرك اليوم
يا زعيم الشعب يا عبدالكريم
واذا اخي يأتي ومعه بشارة الخير، فقصيدتي قرأها الزعيم، وخط عليها بالقلم الاحمر، حيث شملني بالمرحمة، وخفضت محكوميتي من عشر سنوات الى سبع سنوات.. لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد حدث الانقلاب، بعدها نقلت الى سجن بعقوبة ثم الى البصرة، حيث اعيدت محاكمتي ووبخني الحاكم، الذي اخرج القصيدة كشهادة ادانة لي، وصب جام غضبه علي قائلاً:”خلّي يفيدك زعيمك“ لاغياً المرحمة وهددني، اذا نطقت بكلمة اخرى، سيضاعف الحكم عليّ، وهكذا قضيت عشر سنوات في السجن.
ويعقب المنكوب، هذه القصة نموذج لقرب رئيس الوزراء من هموم المواطنين، وهذه هي الشفافية، مواطن يكتب لرئيسه ثم يأتيه الجواب بخط يده، فالرجل صاحب مروءة، ولا تلومني بحبه.. ثم تخنقه العبرة.. وتسيل دموعه على خديه، اتعرفون لِمَ لم يعدم الزعيم عبدالسلام، ليس لأنه بريء، بل لأنه افرح العراقيين بإذاعته بيان ثورة تموز 1958 وهذا ليس قليلاً عند الزعيم.
البكر أدخلني الاذاعة والصحاف وقف حجر عثرة
يستذكر المنكوب علاقته بالبعثيين بأسى، ولا يقارن نفسه بالفنانين الاخرين، الذين هاجروا العراق، بعيداً عن قبضة الدكتاتورية، مثل فؤاد سالم وغيره، إذ يقول: انا كنت تحت المطرقة، داخل الوطن، رغم تحفظي، غالباً ما يفلت لساني، وتكون النتيجة اعتقالي ثم اخرج من السجن بقدرة قادر، وتكررت معي عدة مرات.
ويضيف المنكوب مفارقة غريبة، ان لطيف نصيف جاسم كان محباً كبيراً لصوتي وغالبا ما يسلطن عند سماعي ويذهب في غيبوبة، والحق يقال، كان دائما يتدخل لإخراجي من السجن.
ويواصل المنكوب استذكاره قائلاً: ارسل الرئيس الراحل احمد حسن البكر بطلبي وحين قابلني قال لي: لا منكوب بعد اليوم، وأكرمني واعطاني هوية حمراء، احتفظ بها الى الآن، وعندما قدمت للتعيين في الاذاعة وقف الصحاف حجر عثرة في طريقي، لأنه طلب مني الانتماء الى حزب البعث فرفضت طلبه بلباقة، وقلت له: انا رجل حر، انتقل من مكان لآخر فلا استطيع الالتزام، وهكذا راحت الوظيفة وتوصية البكر.
النظام المباد يفضلون الغجر على زوجاتهم
المنكوب يرى ان وزارة الاعلام في النظام المقبور، حولت المطربين الى جوقة تتغنى بشخصية الطاغية، وكان المطربون مُحرجين، فالذي لا يغني لصدام تتحول حياته الى جحيم.
ويضيف المنكوب: ان رموز النظام المباد كان يكره كل ما هو اصيل، فقد همش الرواد والاغنية الريفية واضطهد منشديها، وجاء بالغجر وفضلهم حتى على زوجاتهم بل بعضهم تزوج من غجريات وانجب منها.
ينحدر من أسرة دينية
الفنان سلمان المنكوب مولود في مدينة كميت من اسرة دينية، فأبوه غلام علي، واحد من قُراء المنبر الحسيني المعروف على صعيد البصرة والعمارة والفرات الاوسط، وجده لأبيه الشيخ شرهان العاشقي رجل دين وصل الى مراحل متقدمة في الفقه والشريعة.
يقول سلمان المنكوب:”كان والدي رجل دين وكان من قُراء المنبر الحسيني، وهو بمثابة الشيخ احمد الوائلي، في هذه الايام، وجدي الشيخ شرهان، بلغ (آية الله)، وهذا ليس غريباً فكثير من الفنانين، انحدروا من اسر دينية مثل ياس خضر، أبوه العالم الجليل خضر القزويني.
وعن معارضة ابيه وخلافه معه بسبب الغناء يقول: والدي لم يتفهم ولعي بالغناء، حاول جاهداً، ابعادي عن هوايتي ولكن دون جدوى، عندها قال لي:”اسمع ابني اكيد انا لا استطيع ان اذهب معك الى عالمك، فأنا رجل دين، وعليه من الطبيعي، ان تأتي انت الى عالمي“، وحينما رفضت كانت القطيعة فرحلت الى العاصمة بغداد ليبدأ مشواري مع الاحتراف، ودخلت الاذاعة عام 1948 وعندما شاع الكاسيت بالعراق، دخلت كل بيت عراقي، قبلها كانت شهرتي من خلال الحفلات والاعراس.
يجيد خمس لغات
يعد المنكوب حالة استثنائية بين مطربي الريف، فمعروف عن مطربي الريف البساطة، والموهبة الفطرية، وبعضهم لا يجيد القراءة والكتابة، لكن المنكوب يتمتع بموسوعية فريدة، فهو قارئ نهم للتاريخ وحوادثه، فضلا عن وعي سياسي يرجع لروح اليسار الذي كان سائدا في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ساعدته على ذلك ذاكرة متفتحة على عيون الادب والشعر، وهو يجيد اكثر من خمس لغات هي: الفارسية، الانكليزية، الالمانية، الهندية والتركية بحكم اشتغاله بحارا وسفره الدائم لبلدان ايران وتركيا وعمل مع الهنود والاتراك والانكليز والايرانيين ويقول اتقنت الفارسية بشهرين، هذا الوعي جعل المنكوب يلعب لعبة القط والفأر مع حزب البعث المنحل، الذي استطاع بمكره ان يفلت من قبضته.
يتمتع المنكوب بذاكرة ممتازة فضلا عن فضول جارف نحو العلم والمعرفة فله قصائد يمتدح فيها اديسون مخترع الكهرباء وكذلك ملهم الشعب الهندي غاندي وهو يحفظ جانبا من نهج البلاغة.الى جانب معرفته بالعرف العشائري ونضمه للقصائد والابوذيات حد الارتجال، ويذكر انه كان حاضرا في احدى المشاكل العشائرية، وحينما وصل الخصمان الى طريق مسدود، ارتجل ابوذية، كان لها تأثير كبير على الديوان وحلت المشكلة، كما ان اغلب اغنياته التي ينشدها من شعره.
زوربا الجنوب
حسي ومحب كبير للحياة، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في مدينة الثورة، عندما كان المنكوب يحيي عرساً، تتحول المنطقة الى تظاهرة من الفرح ويتناقل الناس الخبر، ان سلمان المنكوب، سوف يغني في العرس الفلاني في القطاع الفلاني، فيتحول ظلام تلك الليلة الى نهار ويسهرون مع صوت المنكوب الحزين والقوي، محاطا بأساطير وطقوس، صنعت منه”اسطورة الجنوب“ وللمنكوب هيبة في الغناء لا توجد لدى سواه من المطربين.
يسترجع المنكوب طفولته في البصرة قائلاً:
- منذ طفولتي طلقت الدنيا، ولم ازل اصر على رأيي، كنت اتأمل الاشياء والمخلوقات بعمق منذ صغري، انظر الى الشجرة كيف جاءت ومتى اخضرت اغصانها ونضجت ثمارها، وهذه تحيلني الى قدرة الخالق، عرفت منذ زمن بعيد تفاهة وجودنا، فرحت اعيش حياتي بكل عنفوان تزوجت ثلاث عشرة مرة، نعم تزوج المنكوب 13 امرأة، وأنجب كما يقول 38 ولداً وخمس بنات، وله عشرات الاحفاد.. عشقت بقوة واحببت كثيرا، وكنت (خيامي) المزاج نسبة الى الشاعر عمر الخيام.
ويختم قوله، وها انت ترى انني وصلت الى الشيخوخة وضنك العيش والمرض، وعصاي التي لا اهش بها غنمي انما لأخيف احفادي الصغار وادعوهم الى الصلاة والحد من شقاوتهم.
رفض الغناء للشاه فدخل السجن
لم يكن الطور الذي غنى به المنكوب مستساغاً في بعض مناطق بغداد والمحافظات، ذلك لخصوصية هذا الطور وإلتصاقه ببيئته، لكن انتشر في بلدان اخرى ومنها الاحواز وكان له محبون ومريدون، يروي المنكوب حكاية غريبة حصلت له في الاحواز قائلاً:
- كنا في ضيافة احد الشيوخ في الاحواز حيث يجتمع اكابر المجتمع الاحوازي والايراني، وكان معي المرحوم داخل حسن وشهيد كريم ومجموعة كبيرة من المطربين والمطربات فغنى الجميع وبعدها طلب مضيفنا ان نغني للشاه مجاملة لنسيبه الذي كان ضيفا على الشيخ العلوان، فغنى الجميع ورفضت انا مدعياً بأني رجل موظف في الحكومة العراقية ولا استطيع ان امدح الشاه فهو ليس بملكي، ومازلت اذكر المرحوم داخل حسن الذي غنى”ايران صارت جنة“ وبعد يومين القي القبض عليّ وسجنت، فتدخل السيد نعمة احد الوجوه المعروفة والمحترمة في ايران واطلق سراحي واوصلني مع فرقتي الى الحدود العراقية بخفي حنين.. اكتشفت فيما بعد ان الامير شاه خان نسيب الشاه، لم يفوت لي رفضي الغناء فأمر بحبسي..
من الصعب تقليدي
سلمان المنكوب يمتلك صوتاً قوياً رجولياً بنبرات مميزة، يكتب قصائده وابوذياته ودارمياته بنفسه وغالبا ما يرتجلها، وله رصيد ضخم من الكاسيتات المسجلة التي يحتفظ بها مع كتبه بغرفة مظلمة.
وعن المطربين الاخرين الذين قلدوا طوره في الغناء يقول:
- لم يقلدني احد، لأن طوري صعب، حاول المرحوم رياض احمد ان يقرأ على طريقتي ولم يوفق، فقد دعاني المرحوم رياض في بيت كاظم اسماعيل الكَاطع، لكنه لم يستطع تقليدي ومع ذلك اخذ عني ابو ذية وكذلك قحطان العطار، الذي اعطيته موال اماه لا تحزني، ثم ابدى المنكوب اعجابه بصوت رياض احمد.
سيبقى صوتي ويقبل الناس على سماعي بعد رحيلي
وفي سؤال اخير كان خاتمة حديثنا الممتع والشيق مع (زوربا الجنوب) سلمان المنكوب عن مدى بقاء اغانيه بعد رحيله قال:
- انا اثق بجمهوري، فحتى بعد رحيلي سيُقبل الجمهور على اغنياتي وسيكون ثمنها مضاعفاً، ربما لم احصل على مجد مادي لكني حظيت بحب الناس وتقديرهم، فأنا اينما ذهبت القى الحفاوة والتكريم، جمهوري ليس الناس البسطاء، انما هم النخبة، لأني اديب وشاعر ومغن وشبيه الشيء منجذب اليه.

جريدة الصباح""
__________________
رد مع اقتباس