عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 16/09/2006, 16h30
adham006
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي مشاركة: أحمد رامي- الشاعر الذي كسبه الغناء وخسره الشعر

هو وهي
رامي‏..‏ كلامه السحر
بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي
لأن لقبه كان شاعر الشباب‏,‏ فقد ذهبت للشاعر أحمد رامي وأنا علي أعتاب الشباب لأجري معه حوارا صحفيا‏,‏ ولأن الأستاذ مصطفي أمين كان يجلس إلينا كطلائع في عالم بلاط صاحبة الجلالة يمنحنا خبرته‏,‏ وينقل لنا وجهة نظره وتجاربه‏,‏ فقد كانت من أولويات نصائحه أن نقرأ ونعلم ونستفسر وننقب في معالم وجوانب الشخصية التي سنلاقيها من قبل أن نلتقي بها لنستطيع من خلال معلوماتنا المسبقة عنها أن نخرج منها بأدق خفاياها فتجدنا أمامها محاورين‏,‏ ولسنا فقط ناقلين نتلقي كحملة الحقائب إجابات القوالب السابق تحضيرها‏.‏ ومازلت أذكر قوله‏:‏ لا يمكن أن تسأل الشخصية مثلا عن تاريخ ميلادها‏,‏ ولا عن عدد أولادها‏,‏ ولا أين نشأت وترعرعت‏,‏ فكل تلك الإجابات موجودة مسبقا في سجلات الأرشيف‏,‏ ومعروفة في دوائر الأصدقاء‏,‏ ومجرد السؤال عنها مضيعة وهدر من وقت صاحب الشخصية‏,‏ ومن وقت لقائك بها‏.‏

من هذا المنطلق ولعلمي باقتراب مصطفي بك الشديد من دائرة سيدة الغناء ــ وهو الذي كتب لها فيلم فاطمة ــ أردت معرفة رأيه فيما إذا كان سؤالي المزمع لرامي عن علاقته بأم كلثوم من قبيل استفسارات الأرشيف‏,‏ فتوجه بي مصطفي بك إلي شريان آخر في نهر الإجابة قائلا‏:‏ لم يكن رامي من رفض الزواج بأم كلثوم‏,‏ لكنها هي التي رفضت لأنها خارقة الذكاء حيث أدركت أنها لو وافقت علي الزواج به كما تمني لفقدت شاعرا فياضا بالعاطفة كان بالنسبة لها كنزا يمكن أن يضيع ويتبدد لو تزوجته‏.‏ كانت تؤمن بأن الحرمان يشعل عواطف الفنان‏,‏ والشبع يأتيه بالنوم والكسل والخمول‏,‏ وبهذا كان رفضها هو السبب الذي أجج عاطفة رامي وعذاباته مما جعله يعبر عن ذلك بأروع وأخلد قصائد وأغاني الحب والحرمان‏,‏ ولو كان هو الذي رفض الزواج لما استطاع أن يكتب كلمة واحدة مما كتب‏,‏ إذ أين هي دوافعه وعذاباته مادام الرفض جاء من جانبه هو؟ كيف كان يمكنه أن يكتب مثلا‏:‏
ما بين بعدك وشوقي إليك‏..‏
وبين قربك وخوفي عليك دليلي احتار وحيرني‏.
.‏ تغيب عني وليلي يطول‏..‏ وفكري في هواك مشغول‏..
‏ أقول إمته أنا وأنت ها نتقابل مع الأيام‏..
‏ ولما القرب يجمعنا‏..‏ أفكر في زمان بعدك‏..‏
وأخاف يرجع يفرقنا‏..‏ وأقاسي الوجد من بعدك‏..‏
وبين بعدك وشوقي إليك‏..‏
وبين قربك وخوفي عليك دليلي احتار وحيرني‏..
‏ من أين هذه العاطفة الجياشة والحيرة والعذاب الذي يعبر عنه إذا كان رفض الزواج قد جاء منه؟ ومن غير المنطقي أن يكون رفضه خوفا علي إلهامه لأن إلهام الشعر ما كان يأتيه إذا كان العذاب والمعاناة أمورا مصطنعة ولسبب منه هو لا لسبب خارج عن إرادته‏..‏ من أين له أن يقول مثلا في أغنية أخري‏:‏
ياقاسي بص في عيني‏..‏ وشوف إيه انكتب فيها‏.
.‏ دي نظرة شوق وحنية‏..‏ ودي دمعة بأداريها‏.
.‏ وده خيال بين الأجفان‏..‏ فضل معايا الليل كله‏..‏
سهرني بين فكر وأشجان‏..‏ وفات جوه العين ظله‏..
‏ وبين شوقي وحرماني‏..‏ وحيرتي ويا كتماني‏..
‏ بدي أشكي لك من نار حبي‏..‏
بدي أحكي لك عاللي في قلبي
,‏ هل يمكن أن يقول الشاعر هذا الكلام ويعبر عن ذلك العذاب الذي يعانيه ويعاتب حبيبته بكل هذه العاطفة والأشواق إذا كان الرفض جاء من جانبه هو‏.‏

وذهبت قبل المواجهة‏..‏ من قبل الحوار مع الشاعر أحمد رامي أدرس تواريخه‏,‏ وأجمع أحواله‏,‏ وأسافر علي رباعياته‏,‏ وأتملي بنوره‏,‏ وأجوب معه القطر المصري علي ظهر حمار بشمسية علي امتداد‏25‏ سنة‏,‏ أتعرف علي قري مصر‏,‏ ومدنها‏,‏ ونجوعها‏,‏ وذلك عندما قام بتحقيق ومراجعة وإخراج قاموس البلاد المصرية من أيام الفراعنة إلي اليوم لصاحبه محمد رمزي مفتش المالية الذي كانت مهمته تقدير الضرائب علي مستوي القطر فاتخذ من عمله منطلقا إلي وضع موسوعته الضخمة وتوفي من قبل طبع الكتاب فاشترته دار الكتب بمبلغ ثلثمائة جنيه وضعتها في خزانة حديدية مفتاحها مع مدير الدار التي كان يعمل أحمد رامي وكيلا لها من بعد عودته من بعثته العلمية في باريس عام‏1922,‏ وحدث أن غاب المدير فكان رامي مديرا بالنيابة وتسلم المفاتيح ليظل أربع سنوات من‏1950‏ حتي‏1954‏ تاريخ خروجه للمعاش يحقق ويراجع ويرتب العمل الضخم الجليل ليخرج به إلي النور‏..‏ وأتعجب لزهد رامي في المال الذي لم يتقاض منه مليما واحدا مقابل أشعاره وأغانيه وقوله فيه‏:‏ النقود مستديرة علشان تجري بسرعة‏,‏ وأروح معاه في انطباع بسمة الوجه والكلمة المرحة‏,‏ وحب كل شيء في الحياة حتي الهجران‏:‏ ولما بعدك عني طال حنيت لأيام الهجران‏,‏ ولا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان‏..‏ واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان‏.‏

وعدت لمصطفي بك لأبدي له شجاعتي في اختلاف وجهات النظر‏,‏ نظره ونظري بشأن زواج الفنان من حبيبته‏..‏ قلت له إنني لمست من عذابات رامي أنها كانت موضة العصر والموروث في الشعر العاطفي في العالم كله‏,‏ الحبيب الذليل عندما يبكي عند قدمي حبيبته التي تتأبي عليه اعتزازا بجمالها ورغبة في فرض سلطانها‏:‏ عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك‏,‏ النموذج السائد والقالب الذي يصور الحبيب جمرة من نار شديدة الاشتعال‏,‏ ويقدم الحبيبة بوصفها كتلة ثلج لا يذوب ولا يعطف ولا ينعم بالوصال‏,‏ والحبيب الغلبان راضي بناره‏,‏ مستعذب بألمه‏,‏ غير قابل لأي نصح من صديق أو عزول‏,‏ أو حتي من الحبيب نفسه‏,‏ وعدت أتغالب علي أستاذي في أن رامي من هذا المنطلق‏,‏ أي بأخذه قالب الذل‏,‏ كان يتخذه فقط لقول الشعر ليتماشي مع الموضة وإلا لما كتب أغنيات لأسمهان المنافسة لأم كلثوم‏,‏ ولليلي مراد الصوت الجميل الواعد‏,‏ ولا لمحمد عبدالوهاب المنافس الذي له كل الثقل ليغني ويردد الجميع من ورائه الميه تروي العطشان وانسي الدنيا وريح بالك ومشغول بغيري وحبيته‏,‏ ومن وجهة النظر هذه تزوج رامي وغنت أم كلثوم للعروس‏:‏ اللي حبك ياهناه الزوجة التي عاشت معه في التبات والنبات وخلفوا صبيان وبنات‏,‏ الدكتور محمد‏,‏ والمهندس توحيد‏,‏ وإلهام المهندسة‏..‏ الزوجة الحبيبة رفيقة مشوار العمر التي جلست تهدهد مولودها البكري محمد لينام علي حجرها مشيرة بأصبع التزام الهدوء لرامي الجالس في محرابها‏:‏ النوم بيلعب في عينه‏,‏ فألهمته‏:‏ النوم يداعب عيون حبيبي‏,‏ ثم كيف يامصطفي بك لا يغضب رامي عندما يعلم بمن يحب ثومة ويريد الارتباط بها؟‏!‏ بل علي العكس يكتب قائلا‏:‏ ولما أشوف حد يحبك يحلالي أجيب سيرتك وياه‏.‏ لم يجبني مصطفي أمين‏,‏ بل أحالني لحواري مع رامي‏....‏ ورحت أقابله في بيته بحدائق القبة‏,‏ كانت شبكة التجاعيد ترسم ظلالها وأغوارها علي وجهه‏,‏ لكن حيويته الدافقة يدوب لابن الثلاثين‏,‏ لا والله بل كنا معا‏,‏ يدوبك علي مشارف العشرين‏..‏

لكن رغم شبابنا المتبادل كان التهيب إزاء محدثي وفي حضرته هو موقفي الخفي والمعلن‏,‏ وما بدد إطار الرهبة هو عودته أمامي إلي طفل هبط يلهو مع حفيده الذي أتي ليعيش في البيت الكبير لحين عودة أمه الابنة إلهام أو ابنه محمد من بعثة الخارج ـ علي ما أذكر لأمريكا ـ أصر الحفيد في لعبه علي اعتلاء ظهر جده وكانت لقطة العمر التي فزت بها‏,‏ بعدها بعفوية التجول المرتاح خرجنا معا إلي الشرفة نجلس وحدنا وبيننا كراسات فوق بعضها علي الترابيزة‏,‏ فاستأذنت أن أتصفحها‏,‏ خطوطها بالقلم الرصاص‏,‏ الذي وجدت توفيق الحكيم يكتب به ويمسح ويبري القلم‏,‏ سطور رامي فيها كواجب تلميذ متعثر في الإجابات‏,‏ لكن كلماتها‏,‏ وللعجب‏,‏ ما نردده في الصدور الحالمة‏,‏ وما نصفق من ورائه بعدما تشدو به سيدة الغناء ومليكة قلب وعقل وقلم وإلهام شاعر الشباب‏.‏

سألته‏..‏ من كان قد تجاوز وقتها الخامسة والستين عن سر شبابه المتدفق فأتت إجابته قهقهة بروشتة للمستقبل‏:‏

ـ لأني أمارس رياضة المشي كل يوم ساعات‏.‏
ولم يكن المشي بعد رياضة‏,‏ ولا كان كبار القوم يأتون وقتها بالمرسيدسات من باب النادي لحد مدخل التراك ليهبط السائقون يفتحون الباب لذوي الترنجات المستوردة للانضمام صفا مرتفع الهامات يلف الدائرة الخضراء مرات‏..‏ فسألت رامي عجبا‏:‏
‏*‏ وأين سيارتك؟
وعادت الضحكة المجلجلة تدوي علي مشارف إجابته‏:‏
ـ منين أجيبها‏..‏ الستر ما خرجت به من دنياي‏.‏
فعدت أسأله والإطار من حولنا وقتها مظاهر ثورة اجتماعية وصناعية واشتراكية وعمال ومصانع وأراض تنزع من أصحابها بدعوي أنهم إقطاعيون‏.‏

*‏ لماذا لم يتطور شعرك مع الحركة الثورية فلا نسمعك تتغزل في عاملة مصنع ولا دخان كثيف يخرج من مدخنة متأججة بنار العمل‏!‏

أجابني الشاعر الصبور علي جنوح من لم تكن تعلم حقيقة الأمور‏:‏

ـ الشعر تعبير عما يشعر به الإنسان‏,‏ والإنسان يستجيب فقط لما تنفعل به النفس‏,‏ ومن أجل ذلك سماه العرب شعرا لأنهم شعروا به‏,‏ كل من كتب الشعر يتحدث عن بيئته‏,‏ ولا يمكن لشاعر مثلا أن يتكلم عن الغزل ولا يحب‏,‏ أبو فراس الحمداني تكلم في أبياته عن الشجاعة في عالم السيف والنزال لأنه كان محاربا‏,‏ وأنا هنا في الرد علي سؤالك لم أتخصص في الكتابة عن المصانع والمداخن‏,‏ فلا أقدر أن أقول فيها أشعارا‏,‏ لقد تخصص فكري وقلمي فقط في الحب‏.‏

*‏ لكنك كتبت القصيدة السياسية؟
ـ قصيدة وحيدة وأنا تلميذ ثانوي حول الخناقة بين وزير المعارف المصري وقتها سعد زغلول ومستشار وزارة المعارف الإنجليزي دانلوب قلت فيها‏:‏

أيا دنلـوب كـــف عــن العــناد قد هاجت وقد ماجت بلادي
وقـد سئمت بسـيرك كـل نفس أتحسـب أن مصـر في رقــاد

*‏ أكثر من مائة وثلاثة وأربعين أغنية حب غنتها لك أم كلثوم بدءا من الصب تفضحه عيونه من ألحان الشيخ أبو العلا محمد التي كتبتها عام‏1915‏ وكنت لم أتقابلها بعد‏,‏ وقام السنباطي وحده بتلحين‏150‏ أغنية منها‏..‏
الحب‏..‏ كيف تشعر به؟
ـ لا أصفه إلا بعد أن أجربه وألاقيه ويوجعني ويحرق فؤادي‏.‏
‏*‏ متي وكيف ولماذا وهل؟
ـ لحظة أن يستجيب قلبي للحب أترجم أحاسيسه بالشعر‏.‏
‏*‏ كيف تستمع لكلماتك تشدو بها سيدة الغناء؟‏!‏ ولم أنتظر له إجابة‏,‏ فقط أعدت عليه سارحا كلمات أغنيته النثرية كيف‏:‏ أستمع إلي‏..‏ روحي‏.‏

ـ إني أحتشد لسماعها كما أستقبل عيدا من أعياد الدهر‏,‏ أحب أن أقضي وقتا قبل سماعها وأنا وحدي‏,‏ لينمحي كل جرس من أذني عدا صوتها المنتظر‏,‏ ثم أدخل قبل رفع الستار بقليل‏,‏ حتي إذا رفع الستار ملأت عيني منها في لحظات‏,‏ ثم تبدأ الآلات تعزف‏,‏ فأزن مبلغ هشاشتها إلي استماع النغم‏,‏ ولست أعرف أحدا ممن يغنون يطرب لسماع أول انبجاس الأوتار بالنغم كهذه الشادية‏,‏ فإنها إذا سمعت رجع الأنغام أصابتها رعشة‏,‏ ثم تدب بقدميها دبا خفيفا كأنها تنقر بهما علي أوتار خفية‏,‏ ثم تبلع جيدها وترمي بعينيها نظرة سابحة إلي آفاق بعيدة‏..‏ حتي إذا خفت النغم‏,‏ انساب صوتها لينا رقيقا‏,‏ فكأن الأوتار الصادحة لم تكف عن العزف ثم ينبثق صوتها كما تنبثق الزهرة تحت الندي‏,‏ ويخرج من فمها كما ينبعث النور من الشرق‏.,‏ ويشتمل رنين هذا الصوت العجيب علي قائمة الغناء‏,‏ حتي كأن جوها مضمخ بعبير من اللحن الساري‏,‏ وهي في كل هذا تدور بقدميها تحت ثوبها الفضفاض‏,‏ كأنها تدعك عود الريحان حتي يشتد أريجه‏.‏ فإذا بلغت القمة في الغناء‏,‏ سبحت بنظراتها إلي‏...‏ لاشيء‏,‏ ونسيت أنها تغني للناس‏,‏ وكأنها وحيدة مع الشفق في برج فسيح تغرد مع الأطيار‏.‏

وكان علي لساني سؤالي‏:‏ هل الصب تفضحه عيونه؟ لكني بعدما انتظرت تعليقا منه علي ما قرأته له من كلماته اكتفيت ببلاغة صمته‏,‏ ربما لذكري داعبت خياله عندما غنت أم كلثوم له وحده في مركب برأس البر‏,‏ أو عندما قدم لها أغنية جددت حبك ليه خلال استراحة بين وصلتين فقالت له بعد قراءتها‏:‏ إيدك يارامي‏,‏ ولما رفض أن يعطيها لها جذبتها وقبلتها قائلة‏:‏ إنني أقبل اليد التي كتبت هذا الكلام‏.‏

*‏ هل لديك شيطان للشعر يزورك كلما تراءي له؟

ـ هناك حالة غير طبيعية تلبسني عندما أسكن لكتابة الشعر‏,‏ لكني أبدا لا أنسبها لشيطان‏,‏ بل إلي ملاك حارس يوحي إلي بفقرات وأبيات فيما يشبه البرق الخاطف أو الخطرات‏,‏ ولو كانت تلك الخطرات لا تومض كالشهب وتختفي علي الفور لقبضت عليها وزرعتها علي طرف قلمي‏.‏ ذات مرة سألني ابني‏:‏ مالك يابابا؟‏!‏ وقتها كنت سارحا فيما يشبه الغيبوبة أو الغيب التام عن الوعي‏,‏ ومرة قالت لي أمي حزينة وهي تشاهدني أتمرغ علي أرضية الغرفة دون وعي مني‏:‏ يارب ياابني يتوب عليك من الشعر وسنينه‏!‏ ــ وحبست لساني حتي لا أنقل له قول أمي أنا نقلا عن جاره لبيتهم وهو شاب من أنه كان عندما يبحث عن مكان هادئ مظلم كرحم الأم ليستقبل وحي أشعاره لا يجد سوي تحت السرير ليمكث ساعات طوال ــ وفي تاريخه أنه كان وهو طالب يقف في مناحات خمسان الموتي ليسمع نظم المعددين علي الراحلين ويبكي‏,‏ وكان يهيم وراء البائعين المتغنين في الشوارع والحارات‏,‏ لدرجة أنه قد مشي يوما وراء عربة جميز من بيته في حي السيدة لبولاق‏.‏

*‏ لحظة الإلهام؟
ـ لا أكتب في النور المباشر ولا أنظم إلا إذا سمعت الموسيقي أو الغناء‏,‏ فإذا ما نظمت أترنم بالأبيات‏,‏ وإذا قمت بتأليف أغنية أظل أتقلب شمالا ويمينا أرددها حتي أنتهي منها‏,‏ وفي ذاك ربما غرابة‏,‏ لكنها الغرابة التي كانت لدي بعض الشعرا‏,‏ فمثلا الشاعر الإنجليزي كيتس كان يطلي فمه من الداخل بالفلفل الحامي وهو يكتب قصائده‏,‏ والشاعر دانزيو كان يهرع إلي لبس الحرير إذا ما أتاه ملاك الشعر‏.‏

*‏ وأين يأتيك؟
ـ أفضل قصائدي نظمتها في الترمواي‏,‏ أو علي شط النيل‏,‏ لأني ساعتها أغنيها بصوت عال ولا أريد أن ينصت لي أي أحد‏,‏ وعجل الترمواي والهيصة يبددان صوتي‏,‏ وعلي شط النيل الهدوء الذي ليس فيه مخلوق غيري أخجل من أن يراني ماشي أغني ــ هذا الهدوء المفتقد كان في أوائل الستينيات ــ خلوتي في غمرة الناس وأنا أشعر أنني لست معهم وإن كنت بينهم‏,‏ وخلوتي مع نفسي وأنا بين أحضان الطبيعة‏.‏

سألته عن لقائه بشوقي وحافظ إبراهيم وناجي ثلاثية عباقرة شعر الفصحي فوجدته قد لاقي أمير الشعراء مرات ومرات‏,‏ أولاها في باريس عام‏1922,‏ وفي عام‏1924‏ التقيا عن طريق الغناء فقدم شوقي بلبل حيران وفي الليل لما خلي وقدم رامي إن كنت أسامح وأنسي الأسية وأخذت صوتك من روحي‏,‏ والتقيا في المسرح إذ قدم شوقي مجنون ليلي ورامي غرام الشعراء‏,‏ ومثلت المسرحيتين فاطمة رشدي‏,‏ وكان رامي يؤثر من قصائد شاعر النيل حافظ إبراهيم ولا تلم كفي إذ السيف نبا‏,‏ وكتب شوقي مقدمة شعرية وضعها رامي علي صدر ديوانه جاء فيها‏:‏
يا رامـيا مــــن الكـــــــلام يعـيبه لك منزع في السهل ليس يرام
خـــذ في مراميك المدي بعد المدي إن الــشــــــبـاب وراءه الأيــــــام

وقال لي أحمد رامي في لقاء عمري معه‏:‏ إنه لم يقدم علي الزواج إلا بعد أن استشار أحمد شوقي بك الذي شجعه بقوله
تزوج لتري خلق الله في خلقك‏,‏ وكان يعني أن أصبح أبا وأري نفسي في أولادي‏.‏

وبعد وفاة الشاعر إبراهيم ناجي قام رامي لجمع قصاصاته وأوراقه المبعثرة ليخرج منها ديوانا جديدا له انتقي منه لأ كلثوم قصيدة الأطلال ليلحنها السنباطي‏.‏

وعدت بهيافة شطط السؤال‏:‏ يقال إن أم كلثوم تشرب الطحينة حتي تجلو حنجرتها قبل الغناء؟

ـ أجابني من اعتاد الأرجحة يمينا وشمالا ـ وإن كان ذلك في عالم القصيد والغناء‏:‏ من جوانب الطرافة في شخصيتها أن تعودت طلب فنجان القهوة الذي تتركه يبرد ثم تشربه قبل الغناء مباشرة باردا كالماء‏,‏ فهل هذا هو السر في حلاوة صوتها‏..‏ الله أعلم؟‏!!‏

طرت إلي مصطفي أمين أحمل لأستذته ما أخذته من رامي وعنه‏..‏ وعلي الفور قام بنشر التحقيق في صدر الصحيفة مدعما باللقطة الفريدة للجد رامي الذي يمتطيه حفيده‏...
شاعر الشباب الذي غزاه المشيب والوهن وجفت ينابيع إلهامه بعد نكسة‏1967,‏ وبعدما طار حمام البرج الذي كان يربيه في منزله عندما أطلقه في جولة ساعة العصاري‏..‏ طار ولم يعد إلي برجه‏,‏ وأتت الكارثة الكبري برحيل ملهمة القصائد والأغاني التي كان يهديها روائعه ويكتفي فقط بسماعها منها‏...‏ عاش بعد رحيل أم كلثوم ست سنوات لم يكن راغبا في أن يعيشها‏:‏
عشت أسمعها تشدو فتطربني*** واليوم أسمعها فأبكي وأبكيها

المصدر:
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?Cu...1.htm&DID=8976
رد مع اقتباس