الموضوع: عزت عوض الله
عرض مشاركة واحدة
  #44  
قديم 24/06/2014, 15h01
مصطفى نصر مصطفى نصر غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:666781
 
تاريخ التسجيل: novembre 2012
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 25
افتراضي رد: عزت عوض الله - الأسكندرية

مقالتي بجريدة القاهرة الثلاثاء 6 مايو 2014
عزت عوض الله مطرب الإسكندرية الأول
مصطفى نصر

إنني أرى أن عزت عوض الله واحد من أهم المطربين الذين ظهروا في مصر في الآونة الأخيرة. وهو أهم مطرب ظهر في الإسكندرية على الإطلاق.
كما أن حياته تمثل دراما حزينة، قريبة من الأساطير اليونانية القديمة، فهو مثل سيزيف الذي عاقبته الآلهة بأن جعلته يحمل صخرة ثقيلة ويصعد بها جبلا عاليا، وما أن يصل إلى أعلى الجبل، حتى تقع الصخرة منه فيعاود الصعود بها مرة أخرى إلى ما لا نهاية.
وسيزيف قد تحدى الآلهة وهناك أسباب مقنعة لعذابه هذا، لكن عزت عوض الله لم يجن سوى أنه نشأ في الإسكندرية - مقبرة الفنون والآداب - وغنى في إذاعتها ذات الصوت المصحوب بالصفير والذي لا يصل مداه لأبعد من مدينة كفر الدوار القريبة جداً من الإسكندرية.
وإنه جاء بعد ثورة يوليو 1952التي أتت بمشروع تنموي وقومي، فشجعت الغناء الوطني، وأحدثت ثورة ثقافية عظيمة أدت إلى نهضة سينمائية ومسرحية جادة، فلم يجد الغناء الشعبي مكانا فيها.
كما أن عزت عوض الله، سرعان ما استجاب لليأس، فلم يدافع عن موهبته النادرة، وهرب من أحزانه إلى جلسة في شارع مزدحم بورش صناعة الأحذية خلف سنترال محطة مصر. تتعامل هذه الورش مع محلات الأحذية في محطة الرمل والمنشية.
وصانع أحذية اسمه السيد ماضي. يجيد العزف على العود ويجيد غناء أغاني عبد الوهاب وأم كلثوم.
ويغني عزت عوض الله بمشاركة مجموعة من الهواة، ولكي يلهي نفسه عاقر الخمر. وقد قال لي الشاعر ومؤلف الأغاني أحمد السمرة، بأنه كان يشرب خمرا غاية في السوء.
ولد مرقص عوض الله باسيلى في حي غيط العنب المزدحم بالأخوة المسيحيين في 4 مارس عام 1934 وعمل عاملا بسيطا في صيانة تليفونات الإسكندرية، صوته حرش ذو طابع خاص، ومذاق خاص، وإحساس عالي للحن والكلمة، غني أغنية: يازايد فى الحلاوة عن أهل حينا..ما تبطل الشقاوة وتعالى عندنا
بتمشىي في العصاري وتسحر من رأي..
واقول من عزم ناري ..ماترق فى يوم بقى
ياقاسي وأنت جارنا .. ماتيجى فى يوم تزورنا
وتبطل الشقاوة وتيجى عندنا ..
من لحانه ألحانه وكلمات ابن دمنهور أحمد ملوخية، فحققت شهرة عالية في الإسكندرية، لكن لم يسمع بها أهل الفن ونقاد الموسيقى والغناء في القاهرة، وهذا هو الأهم، وعندما حملها المطرب فايد محمد فايد وغناها هناك، لفتت الأنظار وغناها الكثير من مطربي القاهرة، لكنهم لم يذكروا اسم صاحبها الأصلي وملحنها عزت عوض الله، وهو لم يدافع عنها ولا عن نفسه، قنع بهروبه عند السيد ماضي وسهره هناك لوش الصبح.
يتحدث في جلساته هناك عن عبد الحليم حافظ الذي ابتلع كل شيء، قضى على كل المطربين قبله، عبد العزيز محمود الذي كانت مقاهي الأحياء الشعبية تسهر للصبح لتسمع غناءه في الحفلات، وقضى على عبد الغني السيد حتى مات كمدا، وقضى على إبراهيم حمودة الذي مثل وغنى مع أم كلثوم.
عبد الحليم حافظ في رأيه هو سبب أزمته، فهو يقضي حتى على الذين جاءوا بعده، فقد قضى على كمال حسني، رغم جمال وجودة صوته. فعبد الحليم هو المغني الذي ظهر مع ثورة يوليو 52، فعبر عنها فاحتضنته واعتبرته أبنها البكر، كما أنه قوة دعائية جبارة، استغل حالة اليتم التي صاحبته، وصادق الإعلاميين، فكانوا أبواقا له.
غني عزت عوض الله في إذاعة الإسكندرية مع بدرية السيد فكانا من أوائل مطربيها، غني أغنية:
نوارة حارتنا
يا مزود حيرتنا
ياريت يبقى بيتهم بابه جنب بيتنا
من تأليف أحمد زيادة وتلحين منير المليجي، فغناها شعب الإسكندرية معه، وكنت تسمعها في كل البيوت والدكاكين،
وغنى:
يا ما قالوا في الغرام
وكتروا الكلام
أنا قلت كلمة واحدة، بحبك والسلام
من كلمات كامل حسني. وكنت أسمع الشباب الذي يكبرني وهم يغنونها بإعجاب شديد.
كل هذا والقاهرة لاهية عنه، كان يشكو أساه في جلسته أمام دكان السيد ماضي، فقال له صديق:
- أنت عامل زي إللي قاعد على كوبري قصر النيل، ويقول يا من يجيب لي حبيبي.
فسأله: ماذا أفعل؟
وأجاب الصديق: روح سافر ودور على مصلحتك.
ويسافر عزت عوض الله في قطار الصباح، يدور ويلف على المسارح، ويحاول الوصول للإذاعة، ولكنه يعود في قطار الليل دون شيء ، فهو لا يستطيع المبيت في القاهرة، فلابد من الذهاب إلى عمله في الصباح، خاصة أنه تزوج وانتقل إلى شقة جديدة في الإبراهيمية وأنجب فتاة صغيرة في حاجة إلى نفقات ورعاية، والنقود التي يحصل عليها من الإذاعة قليلة جدا. كما أن مشاكله مع حافظ عبد الوهاب – مدير الإذاعة – كثيرة جدا. رغم ذلك العذاب يغني عزت عوض الله كثيرا جدا، فهو الآن المعبر عن الشخصية السكندرية، يغني:
· محدش شافك ليه، إمبارح والنهاردة، قولي جرالك إيه، أنت نسيت المودة؟
· من بحري يا ناس عدى عليه، سحرتني عيونه وحلاوتهم.
· الحلو هل بطلعته دلوقتي بانت رقته، إسكندراني والا إيه؟ ، باين عليه من لهجته، إسكندراني.
· دول بنات إسكندرية، مشيهم على البحر غية.
· قمر الحتة ، هل لياليه زي الأول.
يأتي نجيب محفوظ إلى الإسكندرية كل صيف، يقضى أيامه فيها ببنسيون صاحبته يونانية اسمها ميرامار، فاطلقت اسمها على بنسيونها. وهو عبارة عن شقة كبيرة في عمارة قديمة بمحطة الرمل، وأوحى هذا البنسيون لنجيب محفوظ بكتابة روايته العظيمة ميرامار، التي ذكر فيها اسم عزت عوض الله وأغنيته الشهيرة جدا:
يا زايد في الحلاوة عن أهل حينا.
ويذكره أسامة أنور عكاشة في مسلسله التليفزيوني " أبو العلا البشري"
فعلي الحجار يقوم بدور مطرب لقبه عوض الله، ويريد أن يغير هذا اللقب، لكن محمود مرسي – أبو العلا البشري – يعترض، ويذكر بأن أشهر مطرب في الإسكندرية اسمه عزت عوض الله وأخته اسمها زينب عوض الله.
لم يكن يعلم أنور عكاشة ولا محمود مرسي – السكندري – أن عزت عوض الله مسيحي، وزينب عوض الله مطربة ضريرة ومسلمة الديانة.
يسافر الكاتب الفني الكبير جليل البنداري بسيارته من القاهرة إلى الإسكندرية، ويداعب مؤشر الراديو ليسمع أغنية تسليه في وحدته، وتصل أصابعه إلى إذاعة الإسكندرية، والظاهر إنه تجاوز مدينة كفر الدوار، وإلا ما كان سمع صوت إذاعة الإسكندرية، فجاءه صوت عجيب ذو مذاق خاص، فيهتم جليل البنداري به، ويحرص على معرفة اسمه، وعندما يصل إلى الإسكندرية يسأل عنه، ويقابله، ويطلب منه أن يزوره في جريدة الأخبار لكي يقدمه للملحنين، ولإذاعةالقاهرة، ويسافر عزت عوض الله فعلا، لكن سوء الحظ – الذي لازمه طوال حياته – يحرص على ألا يفارقه، فقد مات البنداري قبل أن يحقق ما تمناه لعزت عوض الله.
فزاده ذلك هما، وأحس بأن ما فيش فايدة، ولا حل سوى أن ينسى بالخمر السيئ الذي يعاقره كل مساء.
وفي يوم 17 أغسطس عام 1975 –- يجد المارة في أول شارع جميل ثابت من ناحية شارع إيزيس جثة لشاب ملقاة على الرصيف.
وعندما تصل الشرطة تكتشف إنها لمطرب الإسكندرية الأول: عزت عوض الله. . وهناك أقاويل غير مؤكدة بأن موته كان جريمة مدبرة، مجهولون تابعوه وهو يخرج من بار مواجه للكنيسة الحمراء بشارع الشيخ بيرم، وما أن يجتاز شارع إيزيس، ويدخل أول شارع جميل ثابت حتى يقتلونه ويهربوا.
وتذكر هذه الأقاويل إن الشرطة لم تتوصل لقاتله وقيدت الجريمة ضد مجهول.
ومازال سوء الحظ الذي عاند عزت عوض الله طوال حياته، يُصر على معاندته حتى بعد موته، فرغم كل ما قدمه للإسكندرية، وللفن المصري، لم يفكر مسئول في تكريم اسمه، ولم يسع فنان أو مثقف للمسئولين بالمحافظة، لكي يطلقوا اسمه على واحد من شوارع الإسكندرية التي أعطاها الكثير.
رد مع اقتباس