عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 19/08/2010, 23h22
الصورة الرمزية عاشق رفعت
عاشق رفعت عاشق رفعت غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:441170
 
تاريخ التسجيل: juillet 2009
الجنسية: تونسية
الإقامة: تونس
العمر: 47
المشاركات: 388
Arrow سلمان المنكوب ...الصوت الجريح

سلمان المنكوب ...الصوت الجريح
حمزة الحلفي:
وجدته صامتاً لا يتكلم، كأنه بقايا إنسان لا يقوى حتى على أكمال نصف حوار.. أحرجني شحوبه الذي ما أعتدته وأنا أمامه رغم نحوله وضعفه، وقفت صغيراً.. ربما أنا تقزمت كتحصيل حاصل وأنا أشخص هذه الصورة التي أرتسمت لهذا العملاق.. (الأسمر الممشوق القوام) الذي أطلق صرخته البكر في العام 1931 من داخل بيت غلام أبن آية الله شرهان سالم المياحي.. الشيخ الذي خرج من مدرسته خطباء المنبر الحسيني في لواء العمارة ناحية كميت.. كنت مبهوراً به وأنا أمارس العشق، والآن أنا مبهور به وأنا أمارس اللقاء معه.. أسموه سالم تيمناً بجده لعلمهم أن هذا الوليد سوف يكمل مسيرة عائلته في الخطابة.. فأعلن تمرده أول مرة وهو بعمر 10 سنوات عندما أطلق لصوته العنان ليغني أغاني مسعود عمارتلي
أستقطب أقرانه من الصبيه والبنات ليشكلوا حوله دائرة الإنطلاق الأول. علامة أستفهام كانت تدور حوله.. وصل خبره لأبيه وثار غلام لتصرف سالم ومن ثورة غلام أتسعت دائرة التحدي بداخله ليواصل خلجاته وسارت السفن بما لا تشتهي عائلة سالم التي أختطت لولدها أن يكون خطيباً حسينياً..
وبعدما مارس الفلاحة والبناء أتجه الى البصرة ليكون بحاراً ومن خلال عمله وعلاقته بالبحارة الأجانب تعلم اللغة الأنكليزية والهندية والفارسية ثم كسر طوق محليته.. وتناوبت عليه النكبات واحدة تلو الأخرى حتى تخلى عن أسمه وأصبح" سلمان المنكوب ".. خرج عن مألوف الغناء الريفي وأسس سريالزم التغريب في طرحه الجديد.
في عام 1947 سار نحو الأحتراف بعد دخوله أول مرة الإذاعة العراقية اللاسلكية مع زميله المطرب داود زيدان وكانت بدايته أغنية (أوياكم).. التي كتبها ولحنها، ثم توالت الأسطوانات مع شركة (بيضفون) والجقماقجي ومن ثم الجلسات الغنائية التي وصلت بحدود (600) جلسة. كما سجل وصور لإذاعة وتلفزيون العراق العديد من الأعمال الخالدة عازفاً للعود والكمان والربابة.. يحب المرأة ويتعامل مع كل أمرأة مثل أغنية.. ولهذا تزوج (11) أمرأة وله من الأولاد والبنات 43 فرداً (أبنه البكر) داود.
طلق الدراسة بعد إكمال الإبتدائية. يكتب الشعر القريض كما يسميه والشعبي أيضا. قارئ جيد نشأته الخطابية تبلورت في أدائه بالغناء فكان بمثابة حكواتي أكثر منه مطرباً.
سلمان المنكوب بعد هذه المسيرة الطويلة التي أمتدت الى (74) عاماً أستوقفته محطات كبيرة وترك بصمة واضحة في كل محطة على جبين الزمن الذي أنهكه وأتعبه. عايش الملوك والحكومات غير مداح، وقف ضد نظام صدام ولم يغن له ويكاد أن يكون المطرب الريفي الوحيد الذي لم يتغزل بالنظام..
أثناء جلستنا قال لزميلي الشاعر (سمير صبيح) ناولني الربابة فتناولها المنكوب وأخذ يعزف لحناً يقطر حزناً فنزلت دموعنا ودموعه ثم أنبرى يغني" بيت أبوذيه " يقول مطلعه (أشكد ضيم وفرح يا روح شفتي) والدموع تسبق الغناء وسرعان ما توقف متعباً لم يستطع أكمال المقطع وهو الذي كان يغني 10 ساعات متواصلة دون توقف، ركن ربابته جانباً وأجهش بالبكاء.
سلمان المنكوب، صاحب المدرسة التي تخرج منها مريدون ومقلدون في مقدمتهم (يحيى الفياض) و(مكي العماري) أصبح هامشاً يشار له بالتذكير فقط أيعقل أن يتهاوى هذا الهرم الرصين ويتحول الى شخص يائس ليس بفعل الشيخوخة ولكن بفعل العوز، الذي تمكن منه وأقعده؟. يعاني من (فتق) في أسفل بطنه لا يستطيع علاجه هذا الذي عالج بصوته قلوب متيمه حاكى الشيوخ والشباب والنساء والصغار أيضاً.
لا يستطيع رتق هذا الفتق الذي بات يشل حركته حتى لقضاء حاجته.. ودعته باكياً أراد أن يخرج لوداعنا فأستوقفناه فجلس وهو يردد بألم (وسفه). أليس المنكوب نادرة من نوادر الأرث العراقي الذي أستقتلنا عليه عندما سرق من قبل الحواسم.. لو كان هذا المنكوب، دوماً، في مصر أو أية بقعة أخرى من هذا العالم لكان له ختام كبير يليق بمنجزه الثري. أعلموا أنه لا يستطيع شراء علاج له وتصوروا الحال أنتم. هناك الكثير.. الكثير من الزوايا المهمة لم يذكرها لي في مسيرة حياته أحتجاجاً منه على الإعلام العراقي فأمتنع عن الكلام وحتى عندما صورناه قمنا بذلك خلسة...
__________________
لا يحصي فضلك ناثر أو كاتب * * * عددا ولا الشعراء يا غوث الندى
رد مع اقتباس