الموضوع: عزيز علي
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 19/05/2011, 23h30
د.نعمان د.نعمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380958
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: فرنسية
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 1,127
افتراضي رد: عزيز علي

مونولوج أسكت

في هذا المونولوج الذي أُذيع عام 1950 ينتقد الفنان عزيز علي الاوضاع السياسية والاجتماعية السائدة في ذلك الوقت وفي مقدمتها الفساد والرشاوى والعلاوات والوساطات. ويتحدث الأستاذ عزيز علي عن تلك الفترة فيقول ان الأوضاع كانت من السوء ، بحيث ان مسئولا كبيراً هو مدير الشرطة العام قام وهو بحالة سكر بإعلان التمرد والعصيان على حكومته ، فظن بعض البسطاء إنها الثورة ، في حين ان العارفين ببواطن الامور سرعان ما اكتشفوا ان حركة هذا الرجل ما هي الا عربدة مخمور ، اذ انه من اشد رجال ذلك العهد غلظة وفضاضة على احرار البلاد. فما كان من فنانا الكبيرالا ان أعلن تذمره وتمرده على ذلك النظام من خلال إنشاده مقالاً ملحناً بعنوان " أسكت" يفضح فيه تلك الاوضاع البائسة ، وتوقع في نهاية ذلك المونولوج قرب يوم الخلاص.

يقول عزيز علي : كانت الجماهير المتمثلة في جوقة الإذاعة (الكورس ) تنصحني أن أسكت ، خشية ان ينالني من جلاوزة ذلك العهد مكروه فتردد بعد كل مقطع من مقاطع المونولوج قائلة :

إسْكُتْ لَتِحجِي تِبْتِلي....خَلْ يِلْعَبون الشوْمه لي
إن شِرِكَت وِنْ غَرِّبَت....خوجْه علي مُلا علي
كَولْ الدنيا ربيع وكَمْرَه

والابيات عبارة عن امثال في اللغة العراقية الدارجة تعني : اسكت من اجل تجنب المشاكل ودعهم يعملون ما يريدون ، ولا يضرك ان كانوا مع الشرق او مع الغرب فهم سواسية ، كما عليك ايضاً ان تقول ان الامور جيدة وتسير على ما يرام (الدنيا ربيع ومقمرة ). وتبدو السخرية والنقد اللاذع بارزين في هذه الابيات.

لقد نظم عزيز علي معظم مونولوجاته في اللغة العراقية الدارجة اي العامية والسبب كما يذكره الفنان نفسه هو ان نسبة الامية بين الفلاحين وسكان الارياف في العراق حتى عام 1952 تتجاوز ال90 بالمئة ، علماً أن هذه الفئات تمثل وقتئذ الشطر الاعظم من مجموع سكان العراق. كما ان الفلاح في ذلك الوقت لا يدرك ابعاد معنى الوطنية او القومية التي يتكرر ذكرها في الصحف فما بالك بالمصطلحات الاخرى مثل الامبريالية والرأسمالية والبيروقراطية والرجعية والديكتاتورية.

وكان الفنان عزيز علي يستخدم الامثلة العربية العامية القديمة في مونولوجاته. ولكنه في منظومته "أسكت" أكثر من تلك الأمثلة ، ولا يكاد يخلو اي مقطع من مثلين او ثلاثة على الاقل وبصياغة رائعة جداً ، فهو متمكن من اللغة العربية الفصحى والعامية الى حد انه يطوع الكلمة والمثل لإيصال الرسالة التي يريد ابلاغها لنا بطريقة سلسة ومفهومة تخلو من الحشو وتسمح بمرور القصيدة المتمردة امام عين الرقيب.

كلمات القصيدة :

أسكت

الرُكَعَه زْغيْره....والشَكَ جْبِيرْ
يَا نَاسْ الِأبْرَه....مَا تِحْفُر بِيْر
واليحجي يِبتَلي عَلى عُمْرَه....والساكِتْ خَانِكَتَه العَبْرَه
والطايحْ رايِحْ حَشَه كَدْرَه....والعَايشْ عَايِشْ بِالقُدْرَه
مِنْ زاخو لِحْدُود البَصْرَه....وْمِنْ (نُكَرَة سَلْمانْ) لْبَدْرَه
والله واحِدنا خِلَصْ صَبْرَه....شيسَوّي وشيدَبِّرْ أَمْرَه
وإلمَنْ يِحجي ويِفْضَحْ سِرَّه....ومِنْهو اليِسْمَع ومِنهو اليِقْرَه
شِنْها لْعِيشَه الكَدْرَه المُرَّه
****
الواحِد صَبْرَّه....موصَبْر أيّوبْ
اْليِصْبُر جَم مَرَّه....اْليِصْبُر جَم دُوبْ
كل يوم مْغَيْمَه وْمْغَبرَّه.... وِمِحْمَرَّه الدنيا وْمِصْفَرَّه
دَتْعَجِج وتْزُخْها بْمَطْره....وتْخَلّي الوادِمْ مِتْحَيْره
وْكُل واحِد غَركَان بْبَحْرَه....ويِضرُبْلَكْ جَف يِمنَه ويِسرَه
وْكُل واحِد سَكْرانْ بْخَمْرَه....يْعَربِد ويْهَدِّد بِالثوْرَه
ذَاكْ مِنْ ذَاك اللّي نْقَدْرَه....لِمْضحِّي بْمَصْلَحتَه لْقُطرَه
وْصَاحِبْ مَبْدَأ ويِحْمِل فِكْرَه
****
مِنْ زَاخو لعَقْرَه....لِحْدُود الفَاوْ
كُلمَنْ مِنْ كُتْره....ضَارُبْلَه كلاوْ
وْيَاهُو تْلِزمَهْ مْطَلِع صَدْرَه....وْشايِفْ نَفْسَه الحَاكِم بَمْرَه
كُلْها تْدَوِّر سُلْطَه وإمْرَه....بْرَاسِي ورَاسَكْ إحْنَا الفُقْرَه
حَتّى موظَّفْنا الهَلْ كُبْرَه....نَافُخْ نَفْسَه ويِحْجِي بْنَتْرَه
لَوْ راجَعْتَه يْكَلَّك بُكْرَه....جِلْمَه وْلُخْرَه إطْلَع بَرَّه
الله يْعِينَه وللّه دَرَّه....لِلحَافي وبْطَركَ الْوزرَه
وللّي مَحَّدْ لازِمْ ظَهْره
****
مِنْ بَعْدِ العُسْرَه....لابُد تيْسير
يِرْدِلْهَا القُدْرَه....وكُلْ شيْ بْتَدْبِير
ناكَوط الحِبْ كَطْرَه وكَطْرَه....والأِصْلاحْ يْتِم فَدْ مَرَّه
الشَجَر اليَابِس لاتْزَبْرَه....إشلَعَه مِنْ عِرْكِه وْمِنْ جَذْرَه
عُضْوِ الفَاسِدْ لوْ مانْبِتْرَه....نْظَلْ نِتأَلَّمْ وِنْجُر حَسْرَه
ولوْ ظَلَّت على هذا المَجْرَه....نِتْواجَه بالدّار الأُخْرَه
لكن بَلْجَنْ نِطْفُرْ طَفْرَه....نْصَبُّح لَنْها رِبيعْ وْكَمْرَه
لابُد بَعْدِ العُسْرِ اليُسْرَه



معاني الكلمات كما فسرها الاستاذ عزيز علي :

نكَرة سلمان : نقطة حدودية في الصحراء غرب مدينة السماوة
كتره : جهته
كلاو : آخذ حصته
الهَل كبره : هذا الصغير
بنتره : يصرخ غاضباً
بْطَركَ : واحد لا غير
الوزره : مئزر
لازم ظهره : مُسند- له ظهير
ناكَوط : نقط
الحِب : كوز من الفخار كبير يخزن فيه الماء
لا تْزَبْرَه : لا تشذّبه
نظل : نبقى
ظَلَّت : بقيت
بَلْجَنْ : آملين
لنها : وإذا به


واليكم تفسيري المتواضع لأبيات المونولوج :

ان الجزء المتمزق كبير وان القطعة او الرقعة المتوفرة لتغطية واحتواء التمزق صغيرة ولا تفي بالغرض (مثل شعبي).. يراد منه ان الفساد استشرى وان الحلول الجزئية لا تكفي لإصلاح الخلل. ولا يمكن للإبرة ان تحفر بئر (مثل ). ومن يتكلم ويحتج فان البلاء سيلاحقه (مثل) ، اما من يسكت فستخنقه العبرات من الهم والغم (مثل). وفي وسط هذه الأجواء فالشخص الغير متمكن لا يصمد ويسقط اما من يصمد ويعيش فانه يعيش بالقدرة. ان المواطن في كل مكان ومن كل المدن والمناطق العراقية ( زاخو ،البصرة ، نكرة سلمان ‘ بدرة ..) قد نفذ صبره .ولكن ما العمل وكيف يدبر امره ومع من يتكلم ويصرح ويفضح سره ...ثم من يسمع ؟ ومن يقرأ ؟ (مثل). وفي نهاية هذا المقطع يعلن عزيز علي عن استياءه من هذا النمط من الحياة المرة .

في مطلع المقطع الثاني من المونولوج يبين الفنان ان المواطن قد نفذ صبره من هذه الاوضاع، فهو لا يملك صبر أيوب (مثل) ، ومن يصبر قد يصبر عدة مرات ولكن لا يمكنه تحمل ذلك الى الأبد ( مثل ). ففي كل يوم الأجواء ملبدة بالغيوم ومصحوبة بالعواصف الترابية لدرجة تحْمَرْ السماء منها وتصفر ، وتشتد الرياح العاصفة مصحوبة بزخات من المطر..تترك الناس حيارى. وهناك من يسكر بالخمر وينتهي به الأمر بالعربدة والتهديد "بالثورة "ّ !! (اشارة الى حادثة مدير الشرطة العام) . ومن جهة اخرى فهناك قلة طيبة من الناس تضحي بمصالحها من اجل البلد وهؤلاء اصحاب مبادئ وحملة افكار.

ويستمر عزيز علي في انتقاد رجال السلطة ويقول انهم واينما كانوا في الشمال او الجنوب (من زاخو الى الفاو) لا يهتمون بغير الحصول على حصصهم من العمولات والرشاوي والسرقات. وكل فرد من هؤلاء يبرز نفسه على انه الحاكم بأمره والقادر على فعل كل شيء، وكل فرد من هؤلاء يبحث عن السلطة والتسلط وإصدار الأوامر...ولكن على من ؟ علينا نحن الفقراء (مثل). ووصل الامر الى حد ان الموظف البسيط ينفخ نفسه ويتصور انه كبيراً ويسيء معاملة المواطنين ويماطل في انجاز معاملاتهم الرسمية واذا اعترض المواطن فمصيره الطرد. ويختتم عزيز علي هذا المقطع بالقول : الله يعين المواطن البسيط...الفقير الذي لا يملك في هذه الدنيا سوى ملابسه ( مثل ) والذي هو بلا وساطة وسند.

في المقطع الأخير يتفاءل عزيز علي فيقول بعد العسرة يأتي التيسير وتتدبر وتتحسن الامور (مثل) ، وسيكون ذلك بالتدريج ..يتجمع قطرة بعد قطرة (مثل) وبالتالي سيتم الاصلاح دفعة واحدة. الشجر اليابس يجب قلعه من جذره (مثل) ، وان لم يتم بتر العضو الفاسد فسنبقى نتألم ونجر الحسرات (مثل). وهناك الأمل في ان نحقق طفرة الى الامام لنجد انفسنا "في فصل الربيع والسماء مقمرة" (مثل) وبهذا تتحقق امانينا. اي بمعنى آخر تتحقق الثورة.

مونولوج أسكت
للفنان عزيز علي
الملفات المرفقة
نوع الملف: mp3 AZIZ ALI عزيز علي أسكت.mp3‏ (5.81 ميجابايت, المشاهدات 81)
__________________
يا دجلة الخير : ما يُغليكِ من حنَقٍ .. يُغلي فؤادي ، وما يُشجيكِ يشجيني
يا دجلة الخير : أدري بالذي طفحت ....... به مجاريك من فوقٍ إلى دوُن
أدري بأنكِ منْ ألفٍ مضتْ هَدَراً .......... للان تَهْزَين من حكم السلاطين

الجواهري

التعديل الأخير تم بواسطة : د.نعمان بتاريخ 20/05/2011 الساعة 00h17
رد مع اقتباس