عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 28/01/2007, 21h25
MOHAMED ALY MOHAMED ALY غير متصل  
قـناديلى ـ رحمة الله عليه
رقم العضوية:700
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 69
المشاركات: 839
افتراضي 10 -- بكر بن النطاح

10 -- بكر بن النطاح الحنفي

يرى الكثير من النقاد ومن المؤرخين أن قصيدة أكذب نفسي . والتي شدت بها أم كلثوم للشاعر العباس الصعلوك بكر النطاح الحنفي عام 1931 تمثل خاتمة المرحلة الأولى من المراحل الفنية لأم كلثوم في ميدان غناء القصائد. إذ من بعدها انطلقت كوكب الشرق إلى آفاق مرحلة جديدة شهدت تألقها غير المسبوق في الميدان نفسه.. ولكن مع كلمات شعراء من العصر الحديث سواء في مصر أو في غيرها من البلاد العربية الإسلامية.. وألحان أكثر عصرية سواء للشيخ زكريا أحمد أو رياض السنباطي. بعد ما شهدت المرحلة الأولى تألق رعيل آخر من المؤلفين ومن الملحنين الكبار من أمثال الشيخ أبو العلا محمد والدكتور أحمد صبري البخريدي، والذي يعود إليهما الفضل الأكبر في تدريب صوت أم كلثوم على غناء القصائد باللغة العربية الفصحى. ولقد سبق لنا الإشارة إلى العديد من هؤلاء الشعراء العرب الذين تعاملت أم كلثوم مع كلماتهم وقصائدهم في المرحلة نفسها.
وقصيدة اكذب نفسي للشاعر العباسي بكر بن النطاح سجلتها أم كلثوم على اسطوانة تابعه لشركة أوديون في عام 1931.بعد ما ذاع صيت هذه القصيدة - عندما غنتها أم كلثوم في حفلاتها العامة سواء على مسرح الأزبكية أو داخـل البيوت والمجتمعات الراقية . وتقول كلمات هذه القصيدة :
أكذب نفسي عنك في كل ما أرى
وأسمع أذي منك ما ليس تسمع
فلا كبدي تبلى ولا لك رحمة
ولا منك إقصار ولا فيك طمع
لقيت أموراً فيك لم ألق مثلها
وأعظم ما فيك ما أتوقع
فلا تسأليني في هواك زيادة
فأيسره يدمي وأدناه يدمع

و قد لوحظ من خلال الإطلاع على هذه المصادر الأدبية والتاريخية أن ابن النطاح لم يجمع هذه الأشعار في ديوان، بل جاءت كلها في ثنايا حكاياته التاريخية باعتباره كان من أشهر الصعاليك الشعراء الذين ملأوا الدنيا صخباً، كما ملأوا كذلك كتب الأولين من المؤرخين والنقاد.
وقد كتب ابن النطاح الكلمات التي شدت بها أم كلثوم في محبوبته "رامشنة" التي وقع في غرامها. والأصفهاني يحكي لنا تفاصيل هذه الحكاية بقوله: أخبرني محمد بن خلف و كيع، قال حدثني محمد بن حمزة العلوي قال: حدثني أبو غسان دماذ.. قال: حضرت بكر بن النطاح الحنفي في منزل بعض المنفيين، وكانت لـه جارية يقال لها (رامشنة).. فقال فيها بكر بن النطاح:
حيتك بالرمش رامشنة
أحسن من رامشنة الآس
جارية لم يقتسم بضعها
ولم تقم في بيت نخاس
أفسدت إنساناً على أهله
يا مفسد الناس على الناس

وقال فيها:
أكذب طرفي عنك والطرف صادق
وأسمع أذى منك ما ليس يسمع
ولم أسكن الأرض التي تسكنينها
لكيلا يقولوا صابر ليس يجزع
فلا كبدي تبلى ولا لك رحمة
ولا عنك اقصار ولا فيك طمع
لقيت إموراً فيك لم ألق مثلها
وأعظم منها فيك ما أتوقع
فلا تسأليني في هواك زيادة
فأيسره يجزي وأدناه يُقنع

وبالرجوع مرة أخرى للكلمات التي شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم للشاعر بن النطاح وجدنا اختلافات واضحة في بعض أبيات القصيدة مما وجب إلقاء الضوء عليه.. وأبرز هذه الاختلافات أن عدد الأبيات التي أنشدها ابن النطاح في محبوبته "رمشنة" بلغ خمسة أبيات اختارت منهم أم كلثوم أربعة أبيات فقط.. هي البيت الأول والثالث والرابع والخامس.
وبذلك نراها قد أهملت البيت الثاني الذي تقول كلماته:
ولم أسكن الأرض التي تسكنينها
لكيلا يقولوا صابر ليس يجزع
كما غيرت أم كلثوم في كلمات الشطر الأول من البيت الأول بحيث أصبح ما في هذا الشطر يقول:
أكذب نفسي عنك في كل ما أرى
بدلاً من:

أكذب طرفي عنك والطرف صادق
وفي البيت الرابع غيرت أم كلثوم كلمة "يقنع واختارت بدلاً منها كلمة "يدمع"
وشاعرنا صاحب هذه القصيدة، هو بكر ابن النطاح الحنفي.. الذي عُرف بأبي وائل، وكان من شعراء العصر السياسي الأول حيث حضر زمن المعتصم بالله، في أوائل القرن الثالث الهجري.. وكان كذلك مشهوراً بأنه زعيم شعراء الصعاليك في هذا العصر. كما عرف أيضاً بأنه كان يمثل الصعاليك التوابين، إذ كان في صدر حياته صعلوكاً يصيب الطريق ثم عدل عن ذلك. ورغم ذلك فقد كان بطلاً وفارساً وشجاعاً.. وشهرته في الشعر فاقت شهرته في مجال الصعلكة. حيث لم تهتم الروايات التي تحدثت عنه بأمور صعلكته بقدر اهتمامها بأشعاره. ويعتبر العديد من النقاد في هذا الميدان من الشعراء المجيدين. وقال عنه التبريزي "إنه حسن الشعر جيد التصرف فيه".
اتصل بكر بن النطاح في حياته بالعديد من القادة ورجال السياسة العباسيين، وكان أول من اتصل بهم هو يزيد بن مزيد الشيباني القائد المشهور في عهد المأمون والهادي والرشيد، لذلك قربه إليه وضمه إلى جنده، فسجله في ديوان العطاء وأجرى له راتباً، وأخذ يمدحه لذلك كثيراً مشيراً إلى بطولته حتى افتخر به فخراً آذى الرشيد وأغضبه عليه. مما جعله يختفي تماماً من بغداد.. ولم يظهر حتى توفي الرشيد.
وواضح من تلك الروايات العديدة التي ذكرها الأصفهاني عن ابن النطاح وأشعاره، أنه كان رغم شاعريته المعروفة فقد كان يتكسب من هذا الشعر في هجاء من لا يدفع له ما يريده من أموال، ولذلك كان يخشاه العديد من أهل زمانه.. كما أورد الأصفهاني العديد من أبيات ابن النطاح دونما يشير إلى وجود ديوان ضم هذه الأشعار لابن النطاح.

رد مع اقتباس